إنها القضية نفسها .. والصراع ذاته ..
ما إن قالوا : ربنا الله ..
حتى شقت لهم الأخاديد في الأرض وأبرمت فيها النيران وبدأت الشرذمة الطاغوتية تقذف فيها كل من لا يقر بألوهيتهم الكاذبة المزعومة .. وكيف يقرون بهذه الألوهية الكاذبة وقد نقشت في قلوبهم كلمة الحق الصادحة .. الله اله في السماء .. اله في الأرض ..
فيأتى بالمرأة وهي تحمل وليدها ليقذفا في النار ، فتأخذ الأم الحنان والعاطفة تجاه وليدها .. فتشده إلى صدرها بقوة وتتقاعس .. لكن لسان الوليد ينطلق في الحال قائلاً : يا أماه .. اصبري ولا تتقاعسي فإنك على الحق ..
نعم .. انه الثبات على المبدأ .. الثبات الذي يذكرنا بـأولئك العمالقة من رجال الإسلام الأبطال الذين كتبوا أسماءهم على صفحات التاريخ بمداد من ذهب .. الثبات الذي يجعل من النار جنة ومن لهيبها نسمة عليلة تنسجم مع الروح البشرية فتعيد لها رونقها الذي سرعان ما ينمو ويزدهر ويتخلص من جاذبية الأرض ليصعد إلى السماوات وتستقر في عليين ..
هذه الثلة المؤمنة التي آمنت بالله رباً والهاً واحداً لا يشاركه فيهما احد .. هؤلاء المؤمنون يقذفون في النار .. والذي ينظر إلى هذا المشهد الأليم بالمنظار الأرضي ويقيسه بمقاييس الجاذبية وبمقاييس النمل والنحل ، يتوهم بأن الأيمان والعقيدة قد انهزمتا في هذه اللحظة أمام قوة الشرك والباطل .. فلم يقم هؤلاء المؤمنون دولتهم الإيمانية ولم يقطعوا رؤوس الشرك والمشركين ولم يستطيعوا أقلاً أن يحموا أنفسهم من هؤلاء المجرمين .. بل العكس تماماً .. فالمؤمنون يحرقون ويقتلون ويعذبون على أيدي الكفار ، وهم ـ المشركون ـ قعود والابتسامات الشيطانية تعتلي وجوههم التي غطت عليها السحمة والسواد وهم يتمتعون بالأجساد الطاهرة البريئة وهي تتحول حطاماً ورماداً ..
هكذا يرى المتوهم ..
ولكن هذه الأجساد التي تتلاشى في لهيب النار الشركية .. هذه الأجساد منتصرة .. لقد ثبتوا على العقيدة الصحيحة وعلى المبدأ الإيماني العميق وتمسكوا بحبل الله المتين .. وهذا هو النصر ..
وكأن لسان حال أولئك المؤمنون وهذه النار تأكلهم .. هذه النار التي في حقيقتها جنة .. نعم جنة .. ألم يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن للدجال الذي يخرج آخر الزمان جنة وناراً .. ولكن ناره في الحقيقة جنة يدخلها المؤمنون .. وجنته نار يدخلها الكفرة والمنافقون والرويبضة ( الفاسق والقذر والتافه والوضيع والغوغاء ) ، هؤلاء الذين لا يجدون حرجاً من كشف عوراتهم ولا أن يزحفوا على وجوههم نحو الدجل والشعوذة من أجل رغيف .. لأنهم لا يعلمون أن للكرامة ضريبة وان للعزة أجساداً يجب أن تحرق وتسحق .. لأنهم لا يعلمون ولهذا اختاروا جنة الدجال المزعومة .. إنها القذارة بعينها والسقوط ذاته ..
كأن لسان حالهم يقول : إن تقتلونا أو تحرقونا فهذا لاشيء .. هذا مثل نار الدجال التي في حقيقتها جنة أبدية .. وأنكم مهما صببتم من فوق رؤوسنا من عذاب فلن نؤمن بألوهيتكم الكاذبة المزعومة لأننا آمنا بالإله الحق وهو الله تعالى الذي لا شريك له أبداً .. أما انتم فيا أيها الأقزام والصعاليك الذين تضحكون ملئ فيكم لستم إلا صغاراً عبثت بكم أهوائكم وشهواتكم فأصبحتم أسيرهما .. اضحكوا وتشدقوا ويلهكم الأمل فسوف تعلمون أن الأيمان إذا استقر في القلب ولامس شغافه فإنه لا يمكن أن تهتز أبداً ، وسوف تعلمون لمن العاقبة .. أما يوم القيامة فأيقنوا أنكم ستكونون وقوداً وحطاماً لنار جهنم أوقدت ألف سنة حتى احمرت وألف سنة أخرى حتى ابيضت وألف سنة ثالثة حتى اسودت .. فهي سوداء .. سوداء .. سوداء ..
ويتلاشى هذا الصوت الإيماني في لهيب النار الشركي .. تلاشياً ظاهرياً .. ولكنه لن يتلاشى من ذاكرة المؤمنين في أي زمان ومكان .. وكيف يتلاشى وهم يتلون عشية وضحاها .. كل يوم ..
( قتل أصحاب الأخدود . النار ذات الوقود . إذ هم عليها قعود . وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود . وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) .
بهجت الرشيد