عمّا قليل سيكفّ الذئب عن ملاحقة الأطفال ، وستكفّ الطائرات عن قصف النساء الثكالى ، وستخلد الدبابات إلى راحة قصرية ؛ هل نشكر زعمائنا العرب( البواسل ) أمْ نشكر القاتل على هذه الروح الإنسانية العظيمة ، و على هذه الفضيحة التي عرّت ما تبقى من أجسادنا ؟
هي أغنية خليعة ، كتب كلماتها مخنث أصابه جنون جبنه بلوثة فرح سبّبها صمتنا المخزي، هي أغنية وضع لحنها جبان تقمص دور البطل ، فأرسل موافقته لسيده الذي استأسد بطائراته وقنابله ليدك حصون الأبرياء ، أي شجاع أنت يا راكب هذه الطائرة ، لمَ لا تنزل إلى الأرض فترينا قوة بأسك ؛ أيها المتخندق خلف عباءات إمعات الزمن القبيح ، أيها الملتحف بجبّة فرعون هذا العصر ، هل شبعت من دماءنا، أنت وحثالة هذه الأمّة ؟ أمْ إنّك أفرغت كل ما في جعبتك ولم يتبقَ لديك ما تقوله وما تفعله ؟
عمّا قليل ؛ سيكتشف قادة الجنود الشجعان من العرب ، أصحاب الرتب والنياشين التي استحقوها بجدارة يحسدهم عليها إبليس نفسه ، أصحاب مرتادي البارات ودور الدعارة وصالات القمار والنوادي الليلية أنّهم قد حققوا انتصارًا على أنفسهم ، وعلى أمّتهم ؛ هكذا سيتخيلون ويظنون وهم يتناولون كؤوس الدم التي سلبوها من أطفال غزة فرحًا بانتصارهم ، هكذا سيتخيل أصحاب ( الفخامة والجلالة ) والنذالة والسفاهة أنّهم بذلك قد لقّنوا شعوبهم درسًا في الانضباط والحكمة والاعتدال ، لا في الجبن والخذلان كما تدّعي شعوبهم المغلوبة على أمرها ، هكذا سينام كل جندي وقائد مع زوجته وهو يحتضن ابنه أو ابنته ؛ سينام قرير العين بعد أنْ خاض معركة الذلّ والندامة ، وربما يحكون لأطفالهم قصصًا عن تلك البطولات الوهمية ، وعن تضحياتهم في سبيل تثبيت دعائم هذا السلام المنشود والملوث بدماء الأبرياء .
عمّا قليل ؛ سيعكف أزلام السلطة الوطنية على فتح حسابات جديدة ، وسيجلس دحلان مع عريقات ، وعمرو مع عبد ربه ، ليقتتلوا فيما بينهم على غنائم جريمة عصرنا ، ويقتسموا المساعدات التي سترصد للضحايا والأبرياء ، وسيقف عباس مدافعًا عن شعبه ويقول : شعبي يموت أيها العالم فإليّ بالدولارات ؛ وهذا حسابي الجديد في سويسرا وهو كبير جدًا بحجم هذه الجريمة ، وإذا ارتأيتم أن تضموه إلى ذلك الحساب الذي اعتمدتموه منذ زمن بعيد في أوسلو فهذا أسرع وأفضل ، وسأقسّمه بالعدل الذي عرفتموه عني بين شعبي وشعبي ، فشعبي يموت ، وهو يعذرني على عدم حضور قمّة غزة ، فقد كنت مشغولًا في أداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى ، ولم أستطع اللحاق بطائرتي بسبب إصراري على أداء صلاة الغائب على أرواح شهداء غزة .
عمّا قليل ؛ سيقف العاهر الفرعوني اللامبارك ، وخائن الحرمين الشريفين لإلقاء كلمة تأبين بحق الشهداء ، ويهنئون أنفسهم بهذا الفتح المبين ، وقد يتقربون إلى إلههم وقبلتهم في البيت الأسود وصاحبة الأسود العنسي الجديد بقائمة أخرى ومواقع أخرى ما زالت تحتاج إلى بعض التأديب ، كي يعودوا إلى رشدهم ، ويعرفوا أنّ أمريكا حق ، وأنّ (إسرائيل ) حق ، وأنّ وعد الله لهم ولهم فقط ، وأنّ ثورة هذه الشعوب الغاضبة ، ما هيّ إلا سحابة صيف عابرة ؛ وستعود إلى النوم من جديد .
عمّا قليل ؛ سينام أطفال غزة ، تحت جرح لن يندمل ، وسيذهب الأطفال إلى مدارسهم تلك التي تحطمت على مرأى ومسمع من العالم كله ، وسيحملون في أيديهم بندقية كتب عليها هنا غزة ، وهنا ولدنا وهنا سنموت ؛ كما مات آبائنا وإخواننا وأخواتنا وأمهاتنا بشرف وكرامة ، وستعود النساء إلى الإنجاب من جديد ، وسيقف الرجل هناك شامخًا برأسه ، وفي عينيه بقايا دمعة على حالنا ، وفي عقله وقلبه شوق كبير للقاء العدو من جديد .
عمّا قليل ؛ سيقف العالم أو ما تبقى منه مذهولًا ومشدوهًا من حجم هذا الدمار الكبير ، سيقف مستغربًا ومندهشًا من هذا الصمود الأسطوري ، وسيبحث معنا عن أجساد من دفن تحت الأرض والركام ، وسيدلّنا الشهداء على مكانهم ، وسنعرفهم من رائحتهم الزكية ، ومن بقايا لحومهم الطاهرة ، سيقف العالم منبهرًا من بطولات أطفال ونساء ورجال لم يعرف التاريخ مثلهم من قبل ، وسيتشرفون بمعانقة صورهم أو ما تبقى منها ، وهذا بالطبع لن يعجب أصحاب البيت الأسود ورعاياهم - طال عمرهم – و هم لن يترددوا بإرسال كلابهم من أزلام السلطة ومن شايعهم ليتفنّنوا في حصار و تعذيب هذا الشعب البطل من جديد .
عمّا قليل ؛ سنشيّع الشهداء إلى مثواهم الأخير ، وسنلقي عليهم نظرتنا الأخيرة ودمعتنا الكبيرة ، سنودع أطفال غزة الأبرياء ، ونساء غزة الصابرات ، وشيوخ غزة الأماجد ، ورجالها البواسل ، سنشيّعهم ونشيّع معهم أنفسنا ، هم إلى مثواهم الأخير ؛ ونحن إلى عارنا الكبير .
أيها الصمت ؛ ألم تسأم من صمتك وسكونك أمام هذا القهر ، أيها العالم ؛ ألم تخجل بعد من نفسك ، أيها الموت ؛ لا تعذرنا إنْ نحن فررنا من أنفسنا بعد الآن ، أيها العدو اعلم أنّك إنّما كنت في جولة ، وستنتظرك جولات أخرى ، وثق بأنّني لن أعتذر بعد اليوم لنفسي ، ولن أصمت بعد اليوم على مصيبتي ، لن أصمت أبدًا أيها الجرح ، ولن يمحو عارنا إلا الموت ؛ والموت لكم أو لنا لا فرق الآن وبعد الآن ، فلا تعتذر لنفسك ، لا تعتذر أيها الجرح ، بحق الشهداء وما أكثر حقوقهم علينا ، لا تعذر نفسك بعد اليوم .