يا غزة : أعرف تماما بأن صوتي المبحوح لا يصل إلى عتبة بابي فما بالك وأصوات القصف التي تذوّب السحاب في سمائك المجاهدة.. وتضاريسك الساجدة ..وفي السموات الشاهدة , قريبا ستلد النساء الحوامل قبل أوانها في العالم لأن دوي القصف المرتد في وجدان الإنسانية سيعجل بحالات الوضع لدى نساء الكون لذا ستُسمى كل أنثى بــ غزة ..
يا غزة.. أعلم بأن كل الأسماء في عالمنا نكرة , نكرة رغما عن جحافل المعرفات.. واسمك وحده عَلَمٌ ومعرفٌ في غنى عن الألف واللام.. بل في غنى عن التعريف وجوبا ومجازا عندما ينطق باسمك من هُزِمَ بالصمت إزاء شلال دمائك وسقوط عناقيدك .. سيضيف التاريخ الى حقيبته يا كحل العين كما قالها الإمام الشافعي , بأنك تلك العريقة الأصيلة التي هزمت المغول , يا سيدة المدن ستهزمين بصمودك بن صهيون
ولكن.. من سيرتق شرخا في العضد و الذي نخره التخاذل ؟
ومن سيرأب صدعا في جدار وحدتنا ؟.. ما يؤلمني إن كل الأيادي الممتدة إليك لا تكاد تلامس أطراف أصابعك ..وكأن الأرض مربعة و الحدود مهمتها بناء السدود من جهاتها الأربع
ما يؤلمني هو إنه كل عمل يكاد يُنجزْ أصبح يواجهه صليل سيوف الرفض وموجة إحباط أضحت تعسكر في كل محطة و ترصد الحركة كنت أظن بأن الأمل له سواعد تطوق الكون وتتجاوز امتداد الرؤية والأحجام ..ولكن الذي أفقت عليه هو إننا أصبحنا مسلوبي الحلم حتى الحلم لأنه لا جدوى من أمل لم تقبض عليه كف الحلم .. و الإحباط وضع يده على ملف التهمة ليقبض على أحلامنا متلبسة وهي تتلون حسب خيال صاحبها بل أصحابها حيث يتم حسرها بين الأجفان , بل زاد الأمر إلى أن تتخصص معامل ومختبرات لتحليل دموعنا ما إذا كانت شربت من أحلامنا وقد يكون الحلم اختفى ذوبانا في أملاحها قبل أن يتلاشى خلف أحزاننا حتى يوثقوا الدموع بالأغلال ...مسكينة تلك الدموع التي تحاكم بتهمة التواطؤ مع الحلم .....ولكن منذ متى وصلنا إلى هذا الحال .........؟
يا غزة : لم يحصل كل هذا صدفة ...ولم يحدث كل هذا دفعة واحدة ...إنما حدث كل هذا عندما سمحوا لنا بأن ننام أكثر من الوقت المسموح لنا , نعم نمنا حتى نامت اليقظة وظلت رابضة تحرس الرياح إذا هبت ...كي تتجمد قرون استشعار نخوة الرجال إذا تيقظت من سباتها ,, كي تتقلص نصال سيوفنا من البرودة وتصاب بداء الصدأ ..ونحن فرحنا بحلوى الوهم ... حلوى الوهم أكثر لذة عندما يتسرب إلينا الوهم بكل قوة ويسيطر علينا الزيف في أكثر من مواقع ويستبد بنا في أعمق المواقف.. يا غزة ..يحدث كل هذا عندما يصطف الفشل في طابور طويل ويتراجع التقدم إلى ما لا نهاية حتى تفتقد الأسئلة علامات استفهامها وتسجل الإجابة للمجهول كجريمة كاملة تمت على يدٍ متمرسة لا يترك فيها الجاني أثرا للدليل ولكن مازال المجرم يحوم حول جريمته وعذرنا هو أن اللوم على النظر من أين نأتي بعيون تنظر لأبعد من قدميها و الجاذبية الأرضية سلبت منا الإرادة دونا عن سكان الكرة الأرضية كيف لا طالما يوقع الآخرون أوراقنا , نيابة عنا ..ونحن نصفق دون أن نعرف مناسبة للتصفيق و صدقنا بأن السلال المثقوبة تمتلئ بالماء بدلا من الدلاء وستروي العطش الذي أدمن على السراب وأن أجنحة الكذب تطير بنا من قارة إلى أخرى ويحضر الوهم المتوهم كل المؤتمرات في غيابنا ..والنتيجة جاهزة مسبقا..ونحن الآن نقضم أظفار الندم ونقدمه لك بجرة قلم ..ولكن لو لم نقل نعم منذ البدء لما أصبحنا الآن فريسة للندم ..