على حاجز طيّار، أوقفوها بتهمة تهرب القصائد إلى الإرهابيين!..
أسندوها إلى الجدار،.. فتشوا حقائبها، لم يجدوا سوى مصحف وأوراق بيضاء وقلم رصاص!..
فتشوا ثوبها، لم يجدوا سوى رائحة عرقها لأنها كانت تحاول قطع الحدود سيراً على الأقدام!.
فتشوا كعب حذائها،.. كان عالقاً عليه جزءاً من طين الأرض!..
صفعها الرجل المقطب الحاجبين:
- اعترفي يا امرأة..
بأي شيء أعترف، أجابته..
- اعترفي إنك إرهابية، وأن لكِ ولدين يقاتلان هناك ضد الديمقراطية والحرية والعولمة..
ضحكت..
- لي عشرة أولاد هناك... لي عشرون،.. خمسون..
ضحكت أكثر: كلهم أولادي،.. مع أنني لم ألد واحداً منهم ذات يوم،.. أولادي منذ زمانٍ بعيد استشهدوا، قبل مولدك أنتَ وديمقراطيتك الحمقاء..
- صفعها ثانية..
- أين خبأت قصائدك، أين؟!
ضحكت من جديد وهي تصرخ في وجهه وفمها مليء بالدم:
- القصائد لا تخبأ أبداً،.. هي عصفور خارج أقفاصكم القذرة.
- تجمعوا حولها،.. مارسوا وحشيتهم،.. نزعوا غطاء رأسها،.. شقوا جلبابها الأسود،.. خمشوا وجهها العجوز المضيء،.. انتزعوا أظافرها..
صرخت بأعلى صوتها:
- يا صخر.. يا طلاع ألويةٍ،..
يا صخر..
ضحك قائد المجموعة،.. هاتوا لها حجرة.. فجأة همست وهي تنظر إليه..
- ألا تعرف صخراً..
كيف ستعرفه وأنت وأمثالك من كرتون فارغ.. كيف ستعرف الفارس وأنت مجرد مخصي تابع لمخصي..
لكمها بقوة،.. لم تترنحْ،.. كان رأسها مرفوعاً،.. وبقي مرفوعاً حتى وهي تهوي بعد أن أفرغ في رأسها العالي طلقات مسدسه المستعار،.. شهداء كثيرون خرجوا من الرمل..
اقتربوا بهدوء،.. الحاجز الطيار،.. طار هارباً،.. الضابط تعثر في ظلّه،.. العسكر انكسرت هاماتهم على الأرض..
الشهداء اقتربوا،.. تجمعوا، حملوها على عرش أكفهم..
الخنساء المسكينة، كيف خرجت من قصيدتها إلى عصرنا،.. من أخبرها أن هذا الزمان يعرف الشعراء،.. من قال لها أن القصائد لا تزال تحرض على الثورة،..
ساروا بها،.. أولادها الأربع حملوها، وشاركهم الجميع،.. توجهوا صوب الوطن..
الوطن محفور،.. ومفتوح لاستقبال جثمانها.. كانوا يعرفون جيداً، إن الأوطان بلا قصائد،.. مجرد مقبرة!..