أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: بوصلة الأمة

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jan 2009
    المشاركات : 13
    المواضيع : 4
    الردود : 13
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي بوصلة الأمة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    بوصلة الأمة
    د.أشرف يوسف

    منذ فترة طويلة حدد الغرب غايته في صراعه مع المسلمين في أمرين :
    الأول : العمل على ضرب الفكرة الإسلامية ؛ من خلال إدخال المفاهيم المغلوطة ، واستبدال المفاهيم والأفكار الإسلامية بمفاهيم وأفكار غربية وإلباسها اللباس الإسلامي ، فبعد الهجمات العسكرية والاستعمارية ، كان المسلمون يستعيدوا قوتهم ويوقعوا الهزيمة بالكفار ، حينها أيقن الغرب بان قوة المسلمين تكمن في عقيدتهم ، وما يحملوا من أفكار ومفاهيم ومقاييس وقيم ، لذلك أخذ الغرب يغزو العالم الإسلامي غزواً تبشيرياً وثقافياَ ، وأتخذ لذلك الجمعيات التبشيرية والثقافية باسم العلم والإنسانية ، وكانت هذه الأعمال والخطط حلقات متصلة أحدثت أثراً بليغاً ، ومن نتائجه ما نعانيه اليوم من ضعف في فهم الإسلام ، وإدخال مفاهيم وأفكار ليست من الإسلام من مثل ( الوسطية – والديموقراطية – والوطنية - وتغيير الأحكام بتغير الزمان والمكان – وحوار الأديان .................) والكثير من الأفكار التي أصبحت تُلبس على المسلمين على أنها من الإسلام.
    الثاني: هدم الكيان السياسي التنفيذي الجامع للمسلمين ( دولة الخلافة ) ، حاول الكفار القضاء على الدولة التي أسسها الرسول  في المدينة ، ومن حينها لم يهدا لهم بال فكانت الحروب تلو الحروب والمكائد تلو المكائد والمؤامرات تترى لا مجال لذكرها ، فكان للكفار أن احتلوا بلاد المسلمين بعد هدم دولة الخلافة وقاموا بتثبيت حكمهم لها على الأسس التي رسموها وعمل الكافر المستعمر بنشر وتشجيع مفاهيم القومية والوطنية ، فاستقل الأتراك على أساس قومي وطني ، وأخذ العرب يعملون للحكم الذاتي على أساس قومي وطني ، وشاعت القومية والوطنية وملأت الأجواء وصارت موضع فخر واعتزاز .
    وفي هذه الأجواء القومية والوطنية قسمت البلاد الإسلامية إلى دويلات ، وجُعل أهل كل بلد يركزون هذا التقسيم ، فقسمت الدولة الإسلامية إلى عدة أقسام : ( تركيا ، مصر ، العراق ، لبنان ، فلسطين ، شرق الأردن ، الحجاز ونجد ، واليمن ،.....إلخ ) ، وصار المشتغلون بالسياسة وممن يسمون سياسيين من عملاء للغرب المستعمر ، ومن غيرهم من حسني النية يعقدون المؤتمرات ويسيرون المظاهرات ويطالبون بالاستقلال ؛ أي استقلال الجزء الذي رسم لهم عن غيرة من باقي الأجزاء ، وعلى هذا الأساس قامت الدول الكرتونية في بلاد المسلمين . والله سبحانه وتعالى يقول ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) ، ويقول رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم : (من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة جاهلية. ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية, ومن خرج على أمتي، يضرب برها وفاجرها, ولا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه).
    والبلاد الإسلامية مرت بجملة من الظروف التاريخية لا يتسع المجال لذكرها فالكل يعلمها ، لكنها تركزت على أهداف كبرى عمل الكافر المستعمر على تركيزها للمحافظة على مخططهم وتحقيق غايتهم وهي :
    1-عزل البلاد الإسلامية عن بعضها ، وتدمير إمكانية التواصل بينها من خلال التبعية الشاملة للنظام العالمي المنبثق من إتفاقيات سايكس/ بيكو .
    2-إبعاد أفكار الإسلام عن الحكم وتسيير العلاقات بين الناس .
    3-الإشراف على عمليات التفكيك من خلال المحافظة والدعم للأنظمة التابعة للغرب .
    4-تركيز الحضارة الغربية من خلال الإذابة والدمج للأفكار الغربية ( الديموقراطية – الوسطية – حقوق الإنسان – العولمة – فصل السلطات - ................) .
    كل ذلك أدى إلى فصام واضح بين القيادة الفكرية للأمة والقيادة السياسية وتراجع الطاقة المسلمة، وتمزيق النسيج المسلم، وتدهور الفكر، مما أحاط العقل الإسلامي بمناخ غير نقي وتغذية غير سليمة جعلته قاصراً عن القيام بدوره فأصبح المسلمون مقلدين لغيرهم في أنظمة الحياة كافة ( السياسية – والاقتصادية – والتشريعية – والتعليمية ، ............. ) يطبقون نظاماً غريباً عن عقيدتهم وثقافتهم الإسلامية الأصيلة ، فأفقدهم هذا التطبيق هويتهم وشخصيتهم المميزة التي كانت لهم إبان عظمة وازدهار الأمة الإسلامية .
    لكن الأمة اليوم ومن خلال جهود المخلصين من حملة الدعوة بدأت تتغير وتتبدل أحوالها باتجاه بوصلة العقيدة الإسلامية والثقافة الإسلامية ، فالأمة اليوم ما عادت تقبل غير الإسلام بديلاً ، بعد أن جُرب عليها كل الأنظمة الوضعية من اشتراكية ورأسمالية وخليط من الاشتراكية والرأسمالية ، فالأمة بدأت تدرك أنه لا خلاص لها مما هي فيه إلا بتطبيق عقيدتها وما انبثق عنها من أحكام تشكل أنظمة الحياة والمجتمع ، وهذا ما أكدته أخر استطلاعات الرأي من أن أكثر من 80 % من أبناء الأمة الإسلامية في بلاد المسلمين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية ، والأمة اليوم أيقنت أن حكامها ما هم إلا دمى يحركها الغرب ، والأحداث السياسية والعسكرية الأخيرة في العراق والشيشان وأفغانستان وفلسطين ولبنان والسودان ....... ، أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك ظلم وعمالة وتواطؤ حكام البلاد الإسلامية ، فلم يعد أحد يثق ويدافع عن هذه الأنظمة ، أما جامعة الدول العربية ؛ التي أوجدها الغرب لحرف التوجهات الوحدوية الحقيقية لدى الأمة ، فقد أدركت الأمة بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه الجامعة لا تخدم إلا الغرب الكافر ، وأنها لا تستطيع حل ولا مشكلة واحدة تتعلق بالأمة بل هي أعجز من الحكام الحاليين ، وبالنسبة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ، والتي أوجدها الغرب بالتعاون مع حكام الضرار لحرف التوجهات والمشاعر الحقيقية لدى أبناء الأمة الإسلامية نحو الوحدة الحقيقية ، أصبحت أفسد من أن يُتحدث عنها ، فقد انكشفت للأمة ولكل ذي عين بصيرة في ظل الأزمات التي مرت وتمر بها الأمة من احتلال لبلاد المسلمين ونهب لثرواتها واغتصاب لنسائها ، وسب وشتم لرسولها الكريم صلوات ربي عليه وعلى أله أجمعين .
    فالأمة تتوق وتتشوق للوحدة على أساس العقيدة الإسلامية وكفرت بحدود سايكس/ بيكو ، ورايات سايكس بيكو ، وتتشوق للخلاص من حكام الضرار باتجاه إيجاد من ينوب عنها للحكم بكتاب الله وسنه رسوله، والإنعتاق من ربقة الاستعمار وأدواته في المنطقة من حكام ووسط سياسي خادم لهذه الأنظمة ، بعد أن انكشف زيف الديموقراطية ، وما يتشدقون به من حقوق إنسان ، فقد أصبح واضحاًً وضوح الشمس في رابعة النهار أن كل ما تفعله أمريكيا وبريطانيا وإسرائيل والغرب إجمالاً من مصائب بالمسلمين من قتل للأطفال والنساء والشيوخ ، وحصار قاتل طال الحجر والشجر ، كل ذلك باسم الديموقراطية وحقوق الإنسان .
    فتوجهات الأمة الآن تسير باتجاه عقيدتها وتطبيق ما انبثق عنها من أنظمة تتناول كل مجالات الحياة ( حكم ، واقتصاد ، واجتماع ، وتعليم ، وسياسة خارجية وداخلية ،.........إلخ ) ، وذلك بإيجاد الكيان الوحدوي التنفيذي لمجموع هذه الأنظمة والمتمثل بدولة الخلافة ، وإزالة كل بقايا الاستعمار الغربي من حدود ورايات سايكس بيكو ، وحكام باعوا البلاد والعباد ونهبوا الثروات وسخروها لخدمة الغرب الكافر ، مما يمكنها من استعادة مكانتها التي أرادها الله لها " خير أمة أخرجت للناس " .
    هذا التحول في حال الأمة لم يكن ليوجد لولا جهود العاملين المخلصين من حملة الدعوة ، واللذين تصدوا ويتصدوا بكل حزم لمشاريع الكفار المستعمرين وأفكارهم ، في الوقت الذي كان فيه الكثير من الجماعات الوطنية والقومية وبعض الجماعات المسماة إسلامية تتغنى بالوطنية والقومية والديموقراطية ، وتطرح أنظمة بديلة عن أنظمة الإسلام وثقافة غربية غريبة عن ثقافة الأمة وعقيدتها ، وتحاول أن تلبس الكثير من الأفكار والمفاهيم الغربية على الأمة ، وبجهود حملة الدعوة المخلصين وجديتهم في العمل ، ووضوح الرؤيا السياسية لديهم تحولت بوصلة الأمة بالاتجاه الصحيح ، اتجاه استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الإسلامية .
    هذا هو مشروع الغرب الكافر للإبقاء على حالة التردي والانحطاط والضعف والتمزق في العالم الإسلامي ومنعاً لعودة الإسلام للحكم والسياسة وتسيير العلاقات بين الناس ، وتسهيلاً لنهب الثروات ، والإبقاء على تحكمهم بالعالم ، وهذه هي توجهات ومشاعر الأمة وأفكارها تتجه باتجاه مشروعها النهضوي الحضاري وإيجاد دولتها التي من خلالها ترتقي إلى المكانة التي أرادها الله لها " أمة شاهدة على الناس " ، " وخير أمة أخرجت للناس " .
    فمن الذي يعبر عن توجهات الأمة ومشاعرها الصادقة والحقيقية ويحمل مشروع الأمة النهضوي الحضاري ؟ ، ويعمل لاستئناف الحياة الإسلامية ، أهي الجماعات التي تتغني بالوطنية والقومية والتي هي من أهم الأفكار التي استخدمها الغرب الكافر لضرب المسلمين وتمزيق وحدتهم ؟ هل هي الجماعات التي تقدس الحدود القائمة بين المسلمين ، وتعطي شرعية للأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين من خلال مشاركتها في الحكم والتنسيق معها ؛ وبالتالي المحافظ علي مشروع الغرب الكافر ؟ أم من يحمل المشروع النهضوي الحضاري للأمة ، ويسعي لإزالة حدود التمزيق ورايات الفرقة وإزاحة حكام الضرار ، وكل أسباب الضعف والانحطاط من خلال إقامة الكيان التنفيذي الجامع للمسلمين ( دولة الخلافة ) ؛ التي ترفع راية الرسول  ( راية العقاب ) ، وتحافظ علي العقيدة وتطبق ما انبثق عنها من أنظمة للحياة ، فكل تغيير داخل هذه الوطنيات لا يأخذ بعين الاعتبار القضاء على هذه الوطنيات وهذه الحدود التي مزقت الأمة ، ولا يسعي للتغيير على أساس إسلامي لا يعتبر سيراً في الطريق الصحيح للتغيير ولا يعبر عن توجهات الأمة ومشاعرها ومشروعها السياسي .
    فبدون البحث والدرس في القضية الأساسية والأسباب والمسببات لضعف الأمة وتمزقها والسيطرة عليها ونهب ثرواتها يعتبر تناول سطحي ، وأي وصفة فهي تداري ولا تداوي .

  2. #2
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    هل نعت الآخرين بأنهم نتاج للغرب و الطعن في المؤسسات على سوءاتها سبيل للوحدة
    الوحدة ليست أماني بل مسعى ينال بالنضال و العمل
    وهي نتيجة لتراكمات من المدافعة و المغالبة و الصمود بالحق
    ليس من الشرع و لا المنطق استدعاء نموذج من التاريخ و جعله معيار الصدق و الحق
    الوحدة نتيجة لسلسلة من الأهداف و المساعي المتطلبة للإيمان و العمل

    أليس من الجهل الإدعاء بأن الوسطية من الغرب
    لا بل هي شرعة الاسلام و منهجه
    وتغيير الأحكام بتغير الزمان والمكان ألم يقل بها علماء المسلمين قبل بزوغ سطوة الغرب
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  3. #3
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jan 2009
    المشاركات : 13
    المواضيع : 4
    الردود : 13
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الأخ الكريم عبد الصمد حسن زيبار السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    أشكرك على المرور والتعليق مما دل على أنك تؤيد توجهات الأمة لإستعادة مشروعها النهضوي الحضاري من خلال إقامة الكيان التنفيذي الجامع المتمثل بدولة الخلافة إلا أنك تعترض على بعض ما جاء في المقال .
    الأخ الكريم ليس من الجهل الإدعاء بأن الوسطية من الغرب بل هو الفهم الصحيح للإسلام وإليك البيان :
    إنَّ مصطلح الوسطية أو الحل الوسط، لم يظهر عند المسلمين إلا في العصر الحديث، بعد سقوط الخلافة، وقصد به الاعتدال وعدم التطرف، وهو مصطلح دخيل، في لفظه ومعناه، مصدره الغرب والمبدأ الرأسمالي، ذلك المبدأ الذي بنيت عقيدته على الحل الوسط، الحل الذي نشأ نتيجة الصراع الدموي، بين الكنيسة والملوك التابعين لها من جهة، وبين المفكرين والفلاسفة الغربيين من جهة أخرى. الفريق الأول كان يرى أن الدين النصراني دين صالح لمعالجة جميع شؤون الحياة، والفريق الثاني يرى أن هذا الدين غير صالح لذلك، فهو سبب الظلم والتأخر، فأنكروه وأنكروا صلاحيته، واستعاضوا عنه بالعقل، الذي هو - في رأيهم - قادر على وضع نظام صالح لتنظيم شؤون الحياة .
    وبعد صراع مرير بين الفريقين، اتفقوا على حل وسط، وهو الاعتراف بالدين كعلاقة بين الإنسان والخالق، على أن لا يكون لهذا الدين دخل في الحياة، واتخذوا فكرة فصل الدين عن الحياة، عقيدة لمبدئهم، التي انبثق عنها النظام الرأسمالي، الذي نهضوا على أساسه، ثم حملوه إلى غيرهم من الناس بطريقة الاستعمار.
    وبدل أن يَنقُدَ المسلمون فكرة الوسطية أو الحل الوسط، ويُبَينوا خطأها وزيفها، أخذوا بها، وصاروا يدَّعون أنها موجودة في الإسلام، بل هو قائم عليها، فهو بين الروحية والمادية، وبين الفردية والجماعية، وبين الواقعية والمثالية، وبين الثبات والتغيير، فلا غلو ولا تقصير، ولا إفراط ولا تفريط...
    وللبرهان على ما ذهبوا إليه، استقرأوا الأشياء، فوجدوا أنَّ لكل شيء طرفين ووسط، والوسط منطقة أمان بينما الأطراف تتعرض للخطر والفساد، وأن الوسط مركز القوة، وأنه منطقة التعادل والتوازن لكل قطبين، وما دام للوسطية كل هذه المزايا، فلا عجب أن تتجلى في كل جوانب الإسلام، فالإسلام وسط في الاعتقاد والتعبد، ووسط في التشريع والأخلاق وهكذا...، واستقرأوا النصوص الشرعية، فلووا أعناقها لتلائم ما ذهبوا إليه، فقالوا في قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) (143/ البقرة). فقالوا: إن وسطية الأمة الإسلامية إنما هي مستمدة من وسطية منهجها ونظامها، فليس فيها غلو اليهود، ولا تساهل النصارى، وأن كلمة وسط تعني العدل، وأن العدل - على حد زعمهم - توسط بين الطرفين المتنازعين فجعلوا العدل بمعنى الصلح، وذلك ليخدموا الفكرة التي أخذوها من الرأسماليين وليلصقوها بالإسلام. والمعنى الصحيح للآية هو أن الأمة الإسلامية أمة عدل، والعدل من شروط الشاهد في الإسلام، وهي ستكون شاهد عدل على الأمم الأخرى، على أنها بلغتهم الإسلام. فالآية وإن جاءت بصيغة الإخبار، فهي طلب من الله تعالى للأمة الإسلامية، أن تبلغ الإسلام لغيرها من الأمم، وإن لم تفعل فهي آثمة، ويدل على ذلك ما ورد في الآية (140/البقرة): (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله...) وكذلك ما ورد في آخر الآية: (ويكون الرسول شهيداً عليكم) الذي طلب منكم حمل الإسلام إلى الناس كافة.
    واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً) (67/ الفرقان)، فجعلوا للإنفاق طرفين وهما: الإسراف والتقتير، وجعلوا له وسطاً وهو القوام. فإن قدَّم شخص خروفاً لضيف واحد، فهو إسراف، وإن لم يقدم له شيئاً فهو تقتير، وإن قدّم له ما يكفيه فهو القوام ... وما دام الله حرم الإسراف والتقتير، وأحلّ القوام وهو الإنفاق المعتدل، فمعنى ذلك أنه شرع في الإنفاق ((الحل الوسط)) ... أخذوا بهذا الفهم المغلوط ليستدلوا على أنَّ في الإسلام وسطية أو حلاً وسطاً، ولم يبذلوا الوسع في فهم الحكم الشرعي في الإنفاق، والذي دلت عليه الآية مع النصوص الأخرى من القرآن والسنة، وهو أنّ الإنفاق ثلاثة أنواع: الإسراف، والتقتير، والقوام. واحد منها وهو القوام، الذي يعني الإنفاق حسب أحكام الإسلام، كثيراً كان أم قليلاً هو المطلوب شرعاً، فمن نحر جزوراً لضيفه الواحد، أو قدم له رغيفاً من الخبز فهو جائز غنياً كان المضيف أو فقيراً، وأمَّا الإسراف فهو الإنفاق في الحرام، فمن أنفق درهماً في شراء الخمر أو في لعب القمار أو في الرشوة فهو حرام، وأما التقتير، فهو الامتناع عن الإنفاق في الواجب، فلو امتنع شخص عن دفع درهم مستحق عليه من زكاة ماله، أو من الإنفاق على من تجب نفقتهم عليه كان تقتيراً وكان حراماً، فلفظ (وكان بين ذلك قواماً) لا يدل على الوسطية الترتيبية أو المكانية، وإنما يدل على أن هناك ثلاثة أنواع من الإنفاق: الإسراف، والتقتير، والقوام، وواحد من بين تلك الأنواع، وهو القوام، حلال مطلوب شرعاً، لأن الله تعالى قال: (بين ذلك) ولم يقل (بين ذلكما) ليدل على الوسطية بين اثنين متغايرين.
    فلا وسطية، ولا حل وسط في الإسلام، فالله تعالى الذي خلق الإنسان، ويعلم واقعه علماً لا يمكن لبشر أن يعلمه، هو وحده القادر على تنظيم حياته تنظيماً دقيقاً لا يمكن لأحد أن يبلغه، فجاءت أحكامه محدودة، لا أثر فيها للوسطية أو الحل الوسط. فأين الوسطية أو الحل الوسط في قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) وفي قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) (49/ المائدة)، وفي قول رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب، عندما عرض عليه قومه المنصب والمال والشرف: ((والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أن أهلك فيه ما تركته)). وفي قوله صلى الله عليه وسلم لقبيلة بني عامر بن صعصعة، عندما طلبوا منه أن يكون لهم الحكم من بعده إن هم نصروه: ((الأمر لله يضعه حيث يشاء)) !!. وأين الوسطية والحل الوسط في عقوبة المرتد أو عقوبة الزاني أو السارق؟!! ... فلا وسطية ولا حلٌّ وسط في نصوص الإسلام وأحكامه، بل دقة ووضوح ومفاصلة، حتى سماها الله حدوداً بسبب دقتها واستقامتها قال تعالى: (وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون) (230/ البقرة)، وقال تعالى: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها) (14/ النساء). فلا يجوز تعدي هذه الحدود.
    فتكون الوسطية أو الحل الوسط فكرة غريبة عن الإسلام، يريد الغربيون ومن والاهم من المسلمين أن يلصقوها بالإسلام، من أجل تسويقها للمسلمين باسم الاعتدال والتسامح، والقصد منها هو حرفنا عن حدود الإسلام وأحكامه الفاصلة.
    وعلى المسلمين أن يعوا على هذه المؤامرات الفكرية الخبيثة ضدهم وضد دينهم، وأن يبينوا الحكم الشرعي لكل أمر استناداً للدليل الشرعي، وليس للحل الوسط، لأن التمسك بالأدلة الشرعية، سواء منها المتعلقة بالمعالجات والسلوك الفردي أو المتعلقة بالطريقة وإقامة دولة الخلافة، فإنها حبل النجاة للمسلمين من واقعهم السيء، قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم، إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون).
    فالاعتصام بحبل الله المتين، الإسلام، هو الذي يهدي إلى الصواب، ويوحد المسلمين في دولة واحدة، وينجيهم من عذاب النار، وليس الوسطية والحل الوسط أو الاعتدال الذي يريده لنا أعداء الإسلام.

    أما بالنسبة لتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان سوف أوضحها لاحقأ .

  4. #4
    الصورة الرمزية سيف الدين قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    الدولة : فلسطين
    المشاركات : 201
    المواضيع : 15
    الردود : 201
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    د. أشرف يوسف

    أحسنت تحديد البوصلة , وأجدت توجيه المؤشر
    فقد اعمل الغرب مبضعه في جسد الأمة ومزقها وفرقها حتى انشعبت أيدي سبأ , فَسَهُل عليهم أكلها , وضربوا عقول المسلمين بمعاولهم , حتى سهُل عليهم إعادة بنائها على طراز حياتهم
    وحتى نعود إلى الحالة الأصلية التي كنا عليها , فلا بد من
    - إحياء الفكرة الإسلامية بأصالتها ونقاوتها كما جاء بها الحبيب صلى الله عليه وسلم وفهمها الصحابة
    - وإعادة الكيان التنفيذي السياسي المنسجم مع الفكرة الإسلامية الصافية ويرعى شؤونهم بها

    بارك الله بكم وأكثر من أمثالكم

  5. #5
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Jan 2009
    المشاركات : 13
    المواضيع : 4
    الردود : 13
    المعدل اليومي : 0.00

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأخ الكريم سيف الدين شكراً على مرورك وتعليقك الطيب وأعاننا الله وإياك على حمل دعوته وفهم دينه كما أراده الله ورسوله صافي نقي خالي من الشوائب .

  6. #6
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    قال الله تعالى : ( {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير }[الشورى:30].
    \

    مصيباتنا ... نحن فيها العلة ونحن الشفاء ..


    \

    لنبدأ بما هو ممكن .. لنصل إلى المستحيل .

    \


    بورك الجمع الفاضل ... هنا ... في واحة الفضلاء
    الإنسان : موقف

المواضيع المتشابهه

  1. بوصلة
    بواسطة عمر ابو غريبة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 27-10-2015, 02:31 AM
  2. بوصلة القلب
    بواسطة الدكتور أحمد قاسم العريقي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 27-08-2015, 09:09 AM
  3. الأحداث المهمة في حياة الأمة
    بواسطة عدنان أحمد البحيصي في المنتدى مُنتَدَى الشَّهِيدِ عَدْنَان البحَيصٍي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 09-11-2005, 09:09 AM
  4. حال الأمّة
    بواسطة محمد حيدر في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 22-07-2003, 08:49 PM
  5. هنا توضع التعازي في فقيد الأمة
    بواسطة أبو القاسم في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-02-2003, 01:22 AM