أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: المُشجع .. والحطاب!

  1. #1
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي المُشجع .. والحطاب!

    المُشجِّع.. والحطَّاب!

    قال جحا الحكيم:
    بينما كنت جالسا في بيت القاضي الذي هو أنا في هذا الأوان جاءني الحاجب يستأذن لدخول رجلين وقبل أن يكمل حديثه دخل الرجلان بغير استئذان يختصمان في جلبة وصياح ، هم الحاجب أن يصرفهما ولكنني أشرت إليه أن اتركهما ، وبعد أن تركتهما ليفرغا شحنات الغضب وبدا عليهما الإعياء ، سألتهما ما خطبكما؟
    وكأنما كانا ينتظران سؤالي ليخرجهما من العراك والاشتباك
    شرعا يتكلمان فصحت فيهما :
    إن للحديث في حضرة القاضي أدبا
    قالا:
    - عجبا ، نحن منذ حين نتعارك ونتبادل السباب في حضرتك فلم تنهرنا!
    - لقد تركتكتما تتعاركان معا؛ لأن العراك لا يكون إلا بين طرفين ،ولكن الحديث معي الآن فليبدأ أحدكما
    فاختلفا ، فقلت:
    - فليبدأ صاحبُ الحق
    قال كل منهما: أنا صاحب الحق!
    قلت :
    - فليبدأ أعلاكما صوتا ، لأستريح من صياحه، وأشرت إلى أحدهما ففهم أنه المقصود فقال:
    - يا سيدنا وقاضينا العادل جحا ، إن هذا الحطَّاب ..
    - أيكما؟
    - سبحان الله أيها القاضي ليس هنا سوانا والحاجب ، وبالطبع لستُ أعني الحاجب!
    - لا تكثر من الكلام وأجب على قدر السؤال.
    فأشار الرجل مضطرا على غير اقتناعٍ إلى صاحبه
    - الآن عرفت أكمل
    - إن هذا الحطاب ناكرٌ للجميل ويريد أن يهضمني حقي فيما معه من الحطب؟
    - قال الحطاب : محتجا ليس له عندي حق يا سيدنا القاضي الرحيم
    (أعجبني وصفه )
    لكنني صحت به :
    - دعه يكمل ثم سأعطيك المجال.
    فأكمل الرجل:
    - بل لدي في حطبه حق معلوم
    - هل أنت سائل أم محروم؟
    فاستنكف صائحا:
    - لا هذا ولا ذاك!
    - فما أنت ؟ وأنى لك بالحق المزعوم؟
    قال في افتخارٍ مبالغ فيه :
    - أنا مشجّع !
    - مُشجّع؟!
    - نعم يا سيدنا القاضي الواعي
    (فرحت بهذه أيضا ولكنني كتمت فرحتي )
    وقلت:
    - وما فعلتَ أيها المشجع؟ هل ناولته الفأس؟
    - كلا
    - هل قطعت معه الحطب؟
    - كلا
    - هل حملتَ معه ما جمعه؟
    - كلا
    - هل درأتَ عن يديه هوامَّ الليل حتى لا يجمعها مع الحطب؟
    - كلا
    - فماذا فعلت إذن؟
    - فعلتُ ما هو أهم وأجدى ، شجعته، كان كلما قطع أو حمل أو درأ أذى
    يناله مني صادق التشجيع وصيحات الإعجاب. ودبجت له أجمل الشعارات
    - الشعارات
    - نعم يا مولانا القاضي
    ألا تعلم انني بصنع الشعارات خبير، وبالتصفيق عالم كبير
    (وصار يصيح بها ويصفق بكلتا يديه ليريني ما فعل)
    فنهرته :
    - صه أيها المخبول المأفون !
    ثم توجهت للحطاب آذنا له بالكلام:
    - وما قولك أيها الحطاب في دعوى هذا المشجع ؟
    - إنه لم يساعدني يا مولانا القاضي، حتى الفأس التي كانت معه طلبتها منه فلم يعرني إياها ، بل لم يُعرني أذنا مصغية وتمادى في التشجيع وكأنه استحال بوقا لا يكف عن الدويّ!
    والأدهى الأمر أنه كان يصيح كلما احتطبت شيا يقول : هذا حطبي
    فإذا نظرت له نظرة استكار ، يصيح
    بل أنا الحطب!

    فتوجهت إلى المشجع المدعي :
    - أو كان معك فأس
    قال الرجل بخزي: أجل!
    - ولماذا لم تعره إياها كما سأل
    - إنه هدية تذكارية من والدي
    - وما فائدتها إذن؟
    - للاستعراض أمام الأهل والأصحاب يا قاضينا الحكيم ، يا من لك في القلب الحب المقيم!
    (لم أفرح بمدحه هذه المرة لأنني بدأت أنفر منه )
    أشحت عنه متوجها للحطاب:
    - أكمل أيها الحطاب المجتهد
    (انفرجت الآن أسارير الحطاب)
    وشرع في الخطاب:
    - أرأيت إذن يا قاضينا العادل أنْ ليس لديه فيما احتطبتُ حق
    قلت :
    - كلا يا أيها الحطاب بل لديه عليك حق، ولا بد أن يستوفيه منك، ولسوف نساعدك على أدائه على أكمل وجه وأتم صورة!
    (انزعج الحطاب ،وعلت وجهه غيمة حزن قاتمة )
    و همهم:
    - كيف يا قاضينا؟
    ( بينما بدت علامات الظفَر على وجه صاحبه المُشجع )
    تشجع فصاح :
    - فليحيَ مولانا القاضي
    (لم أعبأ به)
    عدت للحطاب أسأله:
    - هل تحسن التصفيق
    - ومن لا يحسن التصفيق ؟
    ثم بفتور:
    - نعم أحسنه
    توجهت للحاجب ، وأنت أيها الحاجب الهُمام؟
    فاستنكف الحاجب قائلا : أنا مهمتي هنا أن أكون حاجبا فحسب
    فقلت له متحايلا:
    - لقد رقيتك إلى رتبة مساعد القاضي
    فتهلل مسرورا وأجاب :
    نعم يا سيدي أحسن التصفيق والتصفير والصياح
    ( كان المشجع يسمع ويتابع في حيرة واضطراب وكان الحطاب يتابع في وجَل واستغراب)
    حتى أفاقا على قولي:
    - إن حق هذا المشجع علينا أن نجزل له التشجيع فلتصفقوا معي ولتصفروا ولتصيحوا
    هتف المشجع مخزولا:
    - وحقي؟
    - لقد استوفيتَ حقك أيها المشجع تشجيعا وتصفيقا وتصفيرا، وهل جزاء التشجيع إلا التشجيع؟
    وأضفت:
    - للمشجع التشجيع أصواتا بأصواتٍ ، وأما الحطب فلمن اجتهد وتعب!
    فحمد الحطاب ربه على سلامة حطبه ، كما حمد الحاجب ربه على الترقية ، بينما خرج المشجع ظاهرَ الانخذالِ، كاسف البال!
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    وتلك يا أيها الأحباب عاقبة من يريد أن يسرق انتصار المنتصرين بينما هو من الجبناء المخذولين ، ولقد كان لديه الفأس والقدرة لكنه أبى إلا التشجيع، لأن التشجيع على مثل هؤلاء الأقزام أيسر وأهون وهو يحب مثل عشيرته وأقرانه اليسر والهوان.
    والاستعراض بفأسه على الأهل والجيران !
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ولريشة الغالية أهداب الشكر الجميل

  2. #2
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    أستاذي الكريم د. مصطفى عراقي ..

    سلسلة جحا التي تكتبها لنا ، سلسلة جميلة فيها حكمة وفيها مكر ودهاء حميدين ..
    فجحا الشخصية العربية البسيطة ليس بالغبي ، ولكن الغباء حيلة من حيله التي يتبعها
    لينتصر على كل من يعتدي على الحقوق والنفوس ..

    أتابع هذه السلسلة بشوق وشغف ..
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  3. #3
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وفاء شوكت خضر مشاهدة المشاركة
    أستاذي الكريم د. مصطفى عراقي ..
    سلسلة جحا التي تكتبها لنا ، سلسلة جميلة فيها حكمة وفيها مكر ودهاء حميدين ..
    فجحا الشخصية العربية البسيطة ليس بالغبي ، ولكن الغباء حيلة من حيله التي يتبعها
    لينتصر على كل من يعتدي على الحقوق والنفوس ..
    أتابع هذه السلسلة بشوق وشغف ..
    =====
    ولك الشكر موصولا يا أختنا الفضلى أديبتنا القديرة الأستاذة وفاء
    على جمال الحضور
    وطيب الكلمة
    وكرم المتابعة

    حفظك المولى لنا
    ودمت مشكاة شعر
    ونبراس نور
    مصطفى

  4. #4
    الصورة الرمزية عمر الراجي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2008
    الدولة : المملكة المغربية
    المشاركات : 456
    المواضيع : 55
    الردود : 456
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    جميل ما قلت د عراقي وأنت صدقني أخد أكبر المكاسب للواحة السامقة .

  5. #5
    الصورة الرمزية وائل محمد القويسنى شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    الدولة : المنصورة
    المشاركات : 1,987
    المواضيع : 33
    الردود : 1987
    المعدل اليومي : 0.31

    Smile

    الأخ الحبيب الأديب الأريب الدكتور مصطفى عراقى
    (جحا الحكيم)
    أظنك تقصد نفسك حين تتقمص هذه الشخصية الفكاهية المحبوبة وتقف بين الناس معلما ؛ تارة تضحكهم وتارة تبكيهم ؛ وأنت بين هذه وتلك تقدم درسا ممثلا فى قصة قصيرة ؛ أتفقد جديدك باستمرار وأبحث عن جديد جحا (الحكيم) ... ورغم تجدد هذا اللون من الأدب إلا أنه قديم جدا له أصوله فى الأدب العربى حيث الرمز والمعادل الموضوعى ؛ حيث أن للأديب رسالة يريد أن تصل للناس فإذا كان معلما للناس أو ناقدا لملك أو وزير أو رئيس فإنه ما يلجأ عادة إلى هذا اللون من الأدب كما أن له دور كبير فى الأدب العربى الحديث حيث قهر الحكام وظلمهم وضياع الحقوق وكثرة الظلم والظلام أذكر قصيدة للغزالى عنوانها (مجذوب فى إشارة مرور) كما أن هذا اللون من الأدب لم يقتصر على اللغة العربية فقط فقد امتد إلى لغات عدة نراه فى الأدب الإنجليزى ممثلا مثلا فى روايات ويليم شكسبير وشخصية (The Fool) الذى ينبه بطل الرواية أو المسرحية ساخرا ورغم اسمه هذا ورغم ما يبدو فى كلامه من سطحية أحيانا إلا أنه يحمل الكثير ؛ نرى هذه الشخصية مثلا فى (King Lear) شخصية ساخرة من كل أفعال الملك ولكنه يستخدم الرمز كالرمز للتاج بقشرة البيضة مثلا. وها أنت هنا تنتقل من الدكتور مصطفى (دكتور القانون) إلى جحا الحكيم فمن معلم إلى معلم
    الأخ المبدع الأديب الأريب الشاعر الحبيب الحكيم الدكتور مصطفى (جحا الحكيم)
    هو مرور سريع
    رائع وكفى
    جميل كل ما تكتب
    تقدير رجل لا زال يرتوى من بحور أدبكم
    وائل القويسنى

  6. #6
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عمر الراجي مشاهدة المشاركة
    جميل ما قلت د عراقي .



    =====

    ابننا الغالي شاعرنا المبدع الأستاذ عمر

    الأجمل مرورك العذب الذي اشتقنا إليه غاية الشوق أيها الحبيب

المواضيع المتشابهه

  1. الوادي والحطاب
    بواسطة سامى عبدالعال في المنتدى بَرْقُ الخَاطِرِ وَبَوحُ الذَّاتِ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 17-03-2012, 06:32 PM