أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15

الموضوع: مشــيـئـة الــقدر

  1. #1
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    المشاركات : 151
    المواضيع : 31
    الردود : 151
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي مشــيـئـة الــقدر

    مشيئة القدر
    لم تعبس الأيام بوجه أحدٍ أكثر منه على الاطلاق فلقد التقى الحرمان منذ نعومة أظافره إلى أن أصبح رجلاً يجاوز الخمسين من العمر.
    الشقاء قد نال منه الكثير وسلب عافيته فإن عينيه الغائرتين الذابلتين تشهدان بذلك فقد هللهما السواد وخبت شعلة البريق منهما من كثرة الإعياء والمرض.
    كان يجلس أمين على صخرته المعهودة وأمواج البحر المتلاطمة تذّكره بأيام الطفولة الماضية, فكم من الساعات جلس بجوار والده يتأمل البحر, وكم من الأيام تمنى أن تحظى شبكة والده بصيدٍ وفير يؤمن له ولإخوته المترقبين بعيونٍ متلهفة وأفواه جائعة طعاماً يسّد رمقهم ويُصمت نداء الجوع الذي لا يعرف الاحتمال ولا الصبر.
    كانت حياتهم زاخرةً بأيام العوز والحاجة, فالجوع قد حفر أحرفه على أجسادهم الهزيلة ورسم آثاره على وجوههم النحيلة.
    إنها حياةٌ قاسيةٌ تلك التي عاشها أمين وإخوته ولكّنه لم يكن مستسلماً أبدا وكان قانعاً بمصيره راضياً بحياته واثقاً كلّ الثقة من أن يوماً لا بدّ سيحمل له السعادة والراحة وإن تأخر.
    مرّت الأيام ومات والده مخلفاً وراءه سبعة أطفالٍ وأم مريضة لوحوش الفقر والجوع, فاضطرت أمه للعمل في المنازل لإعالتهم , ودام هذا الحال عشر سنين لم يتبدل فيها شيء سوى أن الأطفال الذين كانوا صغاراً قد كبروا واستطاعوا بصعوبةٍ أن يرفعوا ذاك الحمل الثقيل الذي ألقي على عاتق والدتهم التي تعبت من الخدمة في البيوت, فساءت صحتها وبدأ صراعها مع المرض الذي انتصر عليها أخيرا.
    استيقظ أمين من ذكرياته وألقى شبكته في البحر وبدأ ينتظر كعادته كلّ يوم ولمّا طال انتظاره عاد شريط الماضي أمام عينيه ثانية .
    يا للأيام لقد مضى ربع قرنٍ على وفاة والديه وها هو الآن وحيداً مع زوجته لا ولد له ولا أخ, فطفله الوحيد الذي وضعته زوجته ولد عليلاً ولم يرَ النور سوى بضع ساعات أما إخوته فكلهم منصرفون لأعمالهم وهمومهم وقلما يراهم.
    رغم أن في الذكريات لوعةٌ وحسرة إلا أن أمين قد وجد فيها بعض السلوى التي تنسيه الحزن مما أصابه ويصيبه واليأس الذي يعتريه أحيانا من الانتظار الطويل للفرج الذي طالما انتظر أن يفتح أبوابه من دون جدوى.
    وفجأة انقطع حبل الذكرى بنفضةٍ مذعورة ٍمن أمين الذي لا يدري ما الذي جرى.....إنها الشبكة نعم الشبكة لا بد وأن شيئاً ما قد علق بها فهو لا يقوى على رفعها فقد كانت ثقيلة على غير عادتها... ترى ماذا يفعل...؟ إنها تسحبه بقوة..أيتركها تغوص في الماء....؟ لا ..لا يمكن, إنه يحاول رفعها وشدّها بما بقي له من قوةٍ وعزم.... ولكن هل يستطيع.. ..؟ .لا.. وأخيرا لم يجد سوى الصراخ حلاً للخروج من هذا المأزق:
    -(أيها الشباب ..أيها الرجال..هلموا إلي.. ألا من مساعدة !أرجوكم. )
    فهرعت إليه بسرعةٍ مجموعةٌ من الصيادين الشبان لإعانته بعدما سمعوا صراخه ورأوا صراعه مع شبكته فساعدوه على شدّها ورفعها ثم طرحها على الشاطئ.
    أما أمين فلم يتمالك نفسه من الفرحة حين رؤيته للسمكة الكبيرة وهي تتخبط داخل الشبكة ناشدة الخلاص فتمتم منفعلاً:
    -(السمكة ... المال آه..آه ما أعظم سعادتي .!.لم أتوقع أن يأتي الخير هكذا فجأة ..شكرا شكرا لله.(
    حقاً لقد كانت مفاجأة له فكيف لا وقد لمع الحظ أخيراً في سماء حياته, كيف يصدق ما حصل؟ وقد ظل ثلاثين سنة لا بل أكثر وهو على حالٍ واحدة لا تتغير ولا تتبدل... كان بالكاد يصيد بعض الأسماك القليلة يبيعها في السوق ويكسب منها مبلغاً ضئيلاً يشتري به حاجياتهم الضرورية من الطعام...كم تمنى وهو في هذه اللحظة لو الحياة ما تزال تدبّ في جسد والديه...وكم تمنّى لو يملك جناحين فيطير بهما سريعاً إلى زوجته ليزفّ لها بشارة الهناء التي ستطلق عصافير الفرح والحبور المغردة إيذاناً بانتهاء عهد الحرمان والأحزان.
    ما إن أفاق أمين من دهشته وذهوله حتى ذهب مع بعض الرجال إلى السوق لبيع ما فاز به.
    عاد أمين إلى بيته ودموعه تسبقه,.ولج عتبة الدار وهو يصيح وينادي:
    -(أم عامر...أم عامر..تعاليّ..تعاليّ وانظري..)
    أسرعت زوجته وقد فزعت لصراخه ولكنه ما إن رآها حتى ابتدرها قائلاً دون أن يفسح لها مجالاً للكلام:
    -(انظري كيس النقود....انظري هذه الدنانير التي تتلامع كوهج الشمس....اسمعي...اسمعي صوتها وهي تضحك بين يديّ ضحكة ً رنانة لم أسمعها في حياتي قط ّ...) كان يتكلم كالذي أصابه مسٌّ من الجنون..يرقص ويدور في الغرفة وكأنه فتىً شاب...لم يأبه لكلمات زوجته وهي تحاول تهدئته.تابع كلامه قائلاً بلا اكتراث لحديثها:
    -(سميحة..لقد ابتسم الحظ أخيرا بعد كآبةٍ طويلةٍ...لقد أمطرت السماء بالخير بعد جفافٍ مرير...آه..لقد ضحكت الأيام لنا بعد حزنٍ قد خلته أبديّ أتعس أيامنا ودمّر حياتنا....أتصدقين...أتصدقين ما حدث؟)
    اضطربت أم عامرمن كلام زوجها ولهجته فهي لا تعرف مدى صحة ما يقوله..هل هو صادقٌ فيما يزعم أم أنه يهذي من شدة تعبه ومرضه ..لشدّ ما تولاها الرعب والخوف عليه فصحته لا تحتمل هذا الانفعال الشديد ولكنّها ما عساها تفعل؟ إنه سعيد ولكنّ السعادة قد تضرّ به فهو مصابٌ في قلبه ومعرضٌ لنوبةٍ قلبيةٍ من حينٍ لآخر وفي أي لحظة انفعالٍ أو حزن....ماذا تفعل ..وأمين قد بدأ يترنّح من الإجهاد والعرق يتصبب من جبهته...إن آهات الألم وأنّاتها قد امتزجت بكلمات الفرح...
    أخيراً وقع أمين,وقع صريعاً والفرحة داؤه والبهجة مرضه ,سقط وسقطت النقود من بين يديه حين تهاوى على الأرض فتبعثرت في أرجاء الغرفة,انحنت أم عامر على زوجها المحتضر الذي بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة وغمرته بكلتا ذراعيها وضمته إلى صدرها ذارفة دموعها التي أبت إلا أن تنهمر فوق جسده وتودعه.
    مات أمين وترك زوجته وحيدة مع آلام ٍجديدةٍ وذكرياتٍ مريرةٍ بعد أن خلّف لها مالاً كثيراً لا يمكن له أن يعوّضها عن فقدان زوجها أبدا.
    . –انتهت-

  2. #2
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    نحن أمام قصة استطعتِ أن تستثمري فيها قدراتك في الإبداع البنائي للقصة
    لعبة القدر ....

    براعة في التعامل مع هذا الإسم منذ بداية القصة حتى مفاجأة النهاية
    هادفة قوية صيغت بمهارة شديدة

    الأديبة الرائعة / أديبة نشاوي
    جميل ما قرات هنا

    مضمون هادف

    أسلوب بديع

    وسرد مشوق

    أسجل إعجابي أستاذتي الفاضلة
    ولي عودة للقراءة مرات أخر

    لك الود والورد منثور
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    المشاركات : 151
    المواضيع : 31
    الردود : 151
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رنيم مصطفى مشاهدة المشاركة
    نحن أمام قصة استطعتِ أن تستثمري فيها قدراتك في الإبداع البنائي للقصة
    لعبة القدر ....
    براعة في التعامل مع هذا الإسم منذ بداية القصة حتى مفاجأة النهاية
    هادفة قوية صيغت بمهارة شديدة
    الأديبة الرائعة / أديبة نشاوي
    جميل ما قرات هنا
    مضمون هادف
    أسلوب بديع
    وسرد مشوق
    أسجل إعجابي أستاذتي الفاضلة
    ولي عودة للقراءة مرات أخر
    لك الود والورد منثور
    الأخت العزيزة رنيم مصطفى
    أشكر مرورك الكريم الذي أسعدني جدا
    ورأيك وتقييمك الجميل الذي أقدره وأحترمه واسر له
    ممتنة لك
    ولك مني كل الحب والتقدير

  4. #4
    الصورة الرمزية بهجت عبدالغني مشرف أقسام الفكر
    أديب ومفكر

    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    الدولة : هنا .. معكم ..
    المشاركات : 5,142
    المواضيع : 253
    الردود : 5142
    المعدل اليومي : 0.88

    افتراضي


    أسلوب القصة مبدع ، سهل غير متكلف ، وذلك ما يضفي إليها جماليتها ..

    الفكرة واقعية معاشة .. فقر .. معاناة .. آلام ..

    سرد مشوق للاحداث ..

    ونهاية مصوغة بقلم متمكن ..


    الأديبة أديبه نشاوي

    رائعة قصتك ..


    تحياتي ..
    لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    الأخت الأديبة " أديبة " وهو اسم على مسمّى ....
    جمال القصة بالإضافة إلى جمال السبك وجودة المعنى أن تظهر العبرة منها تلميحاً ، فكان التلميح هنا أقوى من التصريح ، وهذا ما يجعل العمل الأدبي رائعاً ..
    وقصتك كانت هكذا ، بورك فيك يا أختاه

  6. #6
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    المشاركات : 151
    المواضيع : 31
    الردود : 151
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بهجت الرشيد مشاهدة المشاركة

    أسلوب القصة مبدع ، سهل غير متكلف ، وذلك ما يضفي إليها جماليتها ..
    الفكرة واقعية معاشة .. فقر .. معاناة .. آلام ..
    سرد مشوق للاحداث ..
    ونهاية مصوغة بقلم متمكن ..
    الأديبة أديبه نشاوي
    رائعة قصتك ..
    تحياتي ..
    الأخ الكريم بهجت الرشيد
    شكرا لمرورك ولرأيك فيما كتبت
    أسعدني حضورك وبارك الله بك
    مع كل التقدير والاحترام

  7. #7
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Feb 2009
    المشاركات : 470
    المواضيع : 33
    الردود : 470
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي


    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الأخت / أديبة نشاوى
    بقدر سلاسة قصتك
    بقدر أعجابى بها ، أولا كفكرة
    فكرة القصة واقعية الى حد كبير ، فهذا يحدث بالفعل
    أسلوبك فى سرد الأحداث سهل بسيط ، مرتبة الأحداث
    أعجبنى جدا رضاء الصياد بنصيبه من الدنيا ،
    أعجبنى أيضا هذا الجزء من النص والذى يقول
    {{سقط وسقطت النقود من بين يديه حين تهاوى على الأرض فتبعثرت في أرجاء الغرفة,انحنت أم عامر على زوجها المحتضر الذي بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة وغمرته بكلتا ذراعيها وضمته إلى صدرها ذارفة دموعها التي أبت إلا أن تنهمر فوق جسده وتودعه}}
    إمراة صابرة ، حتى بعد أن وهبها الله من نعمه (المال الوفير) فكان زوجها أعز وأغلى من الدنيا وما فيها
    هذا هو الوفاء والمودة والرحمة
    أتمنى لك مزيد من التألق
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8
    الصورة الرمزية سعيدة الهاشمي قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Sep 2008
    المشاركات : 1,346
    المواضيع : 10
    الردود : 1346
    المعدل اليومي : 0.24

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

    المبدعة أديبة نشاوي،

    أجدت السرد والوصف معا، انسياب سلسل ومتقن لمجريات الحدث، تحكم واضح في حبكة النص

    لعبة القدر، العنوان تماشى وتيمة القصة، فكانت النهاية فعلا لعبة للقدر، فبعد طول حرمان وشقاء

    يأتي الفرج والفرح ليعقبهما في نفس اللحظة حزن وترح.

    إنه فعلا قدر تلك العائلة أن تستمر في معاناتها وكأن الفرح خلق ليكون عنونا للموت.

    احترامي لك ولقلمك.

  9. #9
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2008
    المشاركات : 151
    المواضيع : 31
    الردود : 151
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د عثمان قدري مكانسي مشاهدة المشاركة
    الأخت الأديبة " أديبة " وهو اسم على مسمّى ....
    جمال القصة بالإضافة إلى جمال السبك وجودة المعنى أن تظهر العبرة منها تلميحاً ، فكان التلميح هنا أقوى من التصريح ، وهذا ما يجعل العمل الأدبي رائعاً ..
    وقصتك كانت هكذا ، بورك فيك يا أختاه
    الأخ الكريم د عثمان قدري مكانسي
    ممتنة لحضورك ومرورك لقصتي
    بارك الله بك
    ولك كل التقدير والاحترام

  10. #10
    أديب
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 271
    المواضيع : 44
    الردود : 271
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    القاصة ادبية نشاوي المحترمة
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    العنوان صعب جدا ، وهو الذي جعلني اقرأ النص ، النص يتحدث عن الفرح القاتل مثل الحزن ..
    قد يكون لي بعض التحفظات على الجمل مثل (عبث الاقدار) ..ولكن هذا لا يمنع ولا ينقص من جمالية النص الذي ذكرني برومانسيات كتاب كبار امثال المنفلوطي وعبد الحليم عبدالله .. تحية وتقدير

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة