مطوية تاسعة
أقتات على فاكهة الصمت والشوق ..
أيتها الفاكهة لك في كل مواسم قلبي تواجد ..لا الحصاد يغيب بك ولا منجل القحط يعجل بآجالك ..و المطر بكل سطوته لن يحرقك غرقا والجفاف لا يبعثر على نواجذك الاصفرار .. عجبت لهذا العجين الذي أصبح لقوة الإرادة هجين فكيف أن الشمس تستحي من الظهور عندما يمتلأ بك النهار ويتدفأ بك موسم الجليد في خمول الشتاء , وكيف ان الصيف يستحلب غيمات ابتساماتك التي تتهدل في آثارها أطيافا تنثر الرذاذ لتلطف الأجواء , وكيف إن القمر يحتشم بأوراق السدرة ويواري على عريه بريق نظراتك حينما تسامره عينيك ..
أرأيت ؟
لقد احترقت في تفاصيل العتاب مسافات الغياب ,
أرأيت أن الأرض تتقلص من الأطراف وتبدأ في نقصان كلما غبت , ثمة زوبعة تطوي المسافات كسجاد رفع في اثر موكب مهراجا ..
واندثرت أمنيات البعد حتى في أحلك موجات الغضب
لأول مرة أعرف بأن البعد هو أقصى مسافة القرب وأكثر احتواء لكائنين حتى يكاد حاجز الظن يضيق , يضيق فينقطع كحبل شُدّ من الجانبين ..
أتدري بأن الواشين الذين كانوا ينقلون في مواسير الريح كل شاردة وواردة رغبة في بناء حواجز بيننا يأسوا من تأثير تمائم أقاويلهم وطلاسم ظنونهم .
علمت بأن شمس أشرقت من كفك و بددت بخور طقوسهم كما علمت بأنه ليس هناك مفعول أبقى من سحر عينيك وهي ترمقانني بكل ثقة وترقب دبيب نمل عرج على عتبة بابي ليس الا ليلتقط قطعة سكر ذابت خجلا من خفة دمك ودماثتك المعهودة .
ولم استغرب عندما علمت بأنك تغار علي من ذكر النحل اذا ما وقف على أزهار غيابي , ثم علمت بأنك تغار علي من فراش رقيق الأجنحة زارني ذات مساء ممل و في أحلك ظمأه كان يلتمس كأسا من ضوء روحي حسبه ليقتبس مسقط الطيف على أهدابي وخاصة في لحظات استدعائي للذاكرة باجترار كلماتك المصبوغة بأوائل اللقاء والتي لم يختلف سحرها العابق حتى هذه اللحظة ..لا تستغرب لماذا أنا أتحول الى قطعة سكر تقاوم الذوبان درءا للاستهلاك بين ألسنة الآخرين وتتأهب للانتشار بين أزهارك لتلقح فيها لونا عصيا على الانزياح ..وكلما انعطفت بي الطريق إلى صوت أمس مازال يلملمني على يديك كقلادة تناثرت حبيباتها واعيد نسقها لغد أجمل فأجمل يأكل الصمت أصابعي وتشتعل الكلمات سرابا على ثغري ولكن لا تنس لك نصيب الاسد في سكر الكلام وكلام من السكر ويا سكري من الحكمة التي القطها من رمادك مازلت مأخوذة بك ..
أيا كل الجمال دعني أصمت من هذيان ينتعل الريح واصبح القبض على الصمت كالقبض على الجمر..دعني اصمت .
وعلمت أيضا بأنك تغار علي من قوافل عابرة تائهة ما اذا توقفت على نافذتي لتسأل عن أقرب طريق يطوي مسافاتها ويرخي وعثائها ..
ألا تدري ؟
المثل القائل : ليكن جلفا دلوني على القرب وليكن بعيدا دلوني على الدرب ..
وربما , وربما كل توجساتك ورصدك حتى ألحان دقات قلبي ودندنتي بالأغاني التي لا احفظ منها سوى مقطع واحد أصبحت تسجلها في كتاب الخلود وأن التأريخ بين يديك أصبح صولجانا يعيدني الى واقع يكتسي بي وأنا الثوب المخملي المطعم بخيوط الجوخ والخوخ , صنعت تاريخا يرتدي حلة اليقين متتبعا آثار الريح في ليل داعج الحدق مالئا صرة الزمن برنين عملة الثقة المتناهية بين الــ قلبين سيضيء الكون من حولنا بعناقيد مشكاةٍ وقودها بوحنا و ريح ترعى وعول زفيرك على مروج الوجد ..
وكلما أطلت أنا مدة صومي كانت خلجاتي تزداد توهجا وتحترق في ضواحي حضوري أنفاس أنفاس الغياب..
دعني في عوالمي البرزخية أهيم واتماهى في بحر صوتك الذي تستحم به أنهار دموعي كلما سقطت ورقة من شجرة صمتك .