ورغم هذا الأذى وهذه المحن ،ظل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم دائما ذاك المعين الفياض بالرحمة والمودة والحب .وهذا ما يبرزه رده لجبريل عليه السلام حين طلب منه أن ينتقم له منهم ويطبق عليهم جبلا مكة حيث قال " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبدالله عز وجل لايشرك به شيئا" (1)
وصدق الله العظيم حيث قال ﴿ ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ﴾(2)
د- الحب والبغض
الحب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل القاعدة الراسخة لسلوكه، وحين تفرض عليه الظروف القاهرة أن يبغض بعض الناس، فإن هذا البغض لا ينفصل عن قاعدة الحب ذاتها ،بمعنى أنه عليه الصلاة والسلام يبغض حين يكون البغض تعبيرا عن الحب ودفاعا عنه. فهو مثلا يحب الحق وهذا الحب يقتضيه أن يبغض الباطل. ويحب العدل وهذا يتطلب منه أن يكره الظلم .ويحب الجمال وهذا يقتضي منه أن يكره كل أمر قبيح وهكذا(3).
وهذا أمر طبيعي( فكل بغض فهو لمنافاة البغيضللمحبوب ولولا وجود المحبوب لم يكن البغض. بخلاف الحب للشئ فإنه يكون لنفسه لا لأجل منافاته للبغيض ) (4)
على أن "بغضاءه " صلى الله عليه وسلم إذا كان موضوعها أناسا يستحقونها لم تكن ذات أصالة في طبيعته ولا في سلوكه، بل مجرد سحابة رقيقة عابرة سرعان ما تنجلي
فها هو ذا يلقى من خصوم الإسلام في قريش أشد الأذى وأفدح المؤامرات ..ولكنه ما يكاد يدخل مكة ظافرا مؤيدا بفضل الله وقدرته حتى يقول للذين أخرجوه منهاوكادوا له أعظم الكيد ما قاله يوسف عليه السلام لإخوته: ( "لاتثريب عليكم اليوم" (5).اذهبوا فانتم الطلقاء)(6)
هكذا إذن كان الحب في حياته صلى الله عليه وسلم فطرةوطبعا متأصلا وقاعدة راسخة ومنبعا فياضا ارتوت به الأمة الإسلامية والإنسانيةجمعاء.
.............................................
1- "صحيح البخاري "1/458كتاب"بدء الخلق " باب – ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين –
2- سورة آل عمران من الآية 159.
3- " إنسانيات محمد صلى الله عليه وسلم " ص.131وما بعدها بتصرف .
4- " إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان " لابن قيم الجوزية 2/119
5- سورة يوسف من الآية 92.
6- " الرحيق المختوم " مباركفوري ص.456.