2- التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
التوسل والتبرك كلمتان ذات معنى واحد هو التماس الخير والبركة من المتوسل به (1) .وقد اختلف العلماء في جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو عدم جواز ذلك .
وقبل الخوض في مجال الاختلاف نشير بدءا إلى ماروي عن الصحابة الكرام من تبركهم بآثار النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل بها للاستشفاء أو العناية والتوفيق .
من ذلك مارواه البخاري – رحمه الله تعالى - أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها -، كانت تحتفظ بشعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم في جلجل*لها ،فكان إذا أصاب أحد من الصحابة عين أو أذى أرسل إليها إناء فيه ماء فجعلت الشعرات في الماء ثم أخذوا الماء يشربونه توسلا للاستشفاء والتبرك به (2) .
وقد ذكرنا في الفصل الثاني صورا لتبرك الصحابة بشعر النبي صلى الله عليه وسلم ووضوئه وبصاقه ،وهي إن دلت على شئ فإنما تدل على عظيم محبتهم للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ولذلك أجاز بعض العلماء التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم كالشيخ الدكتور البوطي الذي قال " إذا علمت أن التبرك بالشئ إنما هو طلب الخير بواسطته ووسيلته، علمت أن التوسل بآثار النبي صلى الله عليه وسلم أمر مندوب إليه ومشروع فضلا عن التوسل بذاته الشريفة" (3)
في حين استنكر آخرون التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بحجة أن تأثير النبي صلى الله عليه وسلم قد انقطع بوفاته .
وقد رد البوطي على هذا الاستنكار بأن مناط التبرك والتوسل به صلى الله عليه وسلم أو بآثاره ليس هو إسناد أي تأثير إليه –والعياذ بالله – ،وإنما المناط كونه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلائق عند الله تعالى على الإطلاق، وكونه رحمة من الله للعباد ،فهو التوسل بقربه إلى ربه وبرحمته الكبرى للخلق، ولا يستطيع أحد من المسلمين أن ينسب أي تأثير ذاتي في الأشياء لغير الواحد الأحد جل جلاله .(4) .
.................................................. .......
1- انظر "فقه السيرة" للبوطي ص.190
*الجلجل هو ظرف يشبه الجرس يوضع فيه مايراد صيانته .
2- انظر حديث البخاري عن أم سلمة7/74كتاب "اللباس "باب " ما يذكر في الشيب "
3- فقه السيرة ص.326
4- نفس المرجع .