أحدث المشاركات
صفحة 8 من 10 الأولىالأولى 12345678910 الأخيرةالأخيرة
النتائج 71 إلى 80 من 92

الموضوع: بحث ، في ، السيرة ، النبوية ج.1

  1. #71
    الصورة الرمزية لطيفة أسير بلابل السلام
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : الدار البيضاء المغرب
    المشاركات : 1,950
    المواضيع : 125
    الردود : 1950
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    2- التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم

    التوسل والتبرك كلمتان ذات معنى واحد هو التماس الخير والبركة من المتوسل به (1) .وقد اختلف العلماء في جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو عدم جواز ذلك .
    وقبل الخوض في مجال الاختلاف نشير بدءا إلى ماروي عن الصحابة الكرام من تبركهم بآثار النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل بها للاستشفاء أو العناية والتوفيق .
    من ذلك مارواه البخاري – رحمه الله تعالى - أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنها -، كانت تحتفظ بشعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم في جلجل*لها ،فكان إذا أصاب أحد من الصحابة عين أو أذى أرسل إليها إناء فيه ماء فجعلت الشعرات في الماء ثم أخذوا الماء يشربونه توسلا للاستشفاء والتبرك به (2) .
    وقد ذكرنا في الفصل الثاني صورا لتبرك الصحابة بشعر النبي صلى الله عليه وسلم ووضوئه وبصاقه ،وهي إن دلت على شئ فإنما تدل على عظيم محبتهم للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

    ولذلك أجاز بعض العلماء التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم كالشيخ الدكتور البوطي الذي قال " إذا علمت أن التبرك بالشئ إنما هو طلب الخير بواسطته ووسيلته، علمت أن التوسل بآثار النبي صلى الله عليه وسلم أمر مندوب إليه ومشروع فضلا عن التوسل بذاته الشريفة" (3)

    في حين استنكر آخرون التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته بحجة أن تأثير النبي صلى الله عليه وسلم قد انقطع بوفاته .

    وقد رد البوطي على هذا الاستنكار بأن مناط التبرك والتوسل به صلى الله عليه وسلم أو بآثاره ليس هو إسناد أي تأثير إليه –والعياذ بالله – ،وإنما المناط كونه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلائق عند الله تعالى على الإطلاق، وكونه رحمة من الله للعباد ،فهو التوسل بقربه إلى ربه وبرحمته الكبرى للخلق، ولا يستطيع أحد من المسلمين أن ينسب أي تأثير ذاتي في الأشياء لغير الواحد الأحد جل جلاله .(4) .




    .................................................. .......

    1- انظر "فقه السيرة" للبوطي ص.190
    *الجلجل هو ظرف يشبه الجرس يوضع فيه مايراد صيانته .
    2- انظر حديث البخاري عن أم سلمة7/74كتاب "اللباس "باب " ما يذكر في الشيب "
    3- فقه السيرة ص.326
    4- نفس المرجع .
    في زمنِ الغربةِ ..عُضَّ على وحدتكَ بالنواجذِ

  2. #72
    الصورة الرمزية لطيفة أسير بلابل السلام
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : الدار البيضاء المغرب
    المشاركات : 1,950
    المواضيع : 125
    الردود : 1950
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    3القيام عند ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم

    من الأمور المبتدعة كذلك في التعبير عن محبته صلى الله عليه وسلم، ما جرت عليه عادة كثير من الناس في القيام عند ذكره صلى الله عليه وسلم تعظيما له .وهذا القيام كما قال برهان الدين الحلبي " بدعة لا أصل لها لكن هي بدعة حسنة " (1) .
    وقد وجد القيام عند ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم من الإمام تقي الدين السبكي، وتابعه على ذلك مشايخ الإسلام في عصره .
    فقد حكى بعضهم أن الإمام السبكي اجتمع عنده جمع كثير من علماء عصره ،فانشد منشد قول الصرصري (2) في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم:

    قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب
    على ورق من خط أحسن من كتب
    وان تنهض الأشراف عند سماعه
    قياما صفوفا أو جثيا على الركب

    فعند ذلك قام الإمام السبكي وجميع من في المجلس فحصل أنس كبير بذلك المجلس (3).


    وتشهد مجتمعاتنا حاليا صورا مبتدعة تخالف شرع الله ،يدعي أصحابها أنهم يدرسون سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وتاريخ الدعوة المحمدية ،وذلك من خلال ما يسمونه" الأغاني الدينية" أو "المسلسلات الدينية "، والتي تعرض في المناسبات الدينية فقط ثم بعد ذلك تنسى لتعرض مكانها أمور تناقضها ومن نفس الأشخاص .وهذا يدل على زيف تلك الأعمال وعدم إيمان أصحابها بها عند تأديتهم لها .وهذا ما يؤكد أيضا ما أثبته محمد قطب سابقا من وجود عزلة رهيبة للحب النبوي في قلوب مسلمي اليوم . فهم يتفوهون به لكنهم لاينفعلون به ولا يجسدونه في سلوكهم وحياتهم .

    .................................................. .
    1- السيرة الحلبية 1/136
    2- هو الشيخ جمال الدين أبو زكرياء يحيى بن يوسف بن منصور بن عمر الأنصاري الصرصري الماهر الحافظ للأحاديث واللغة .له ديوان في مدح الرسول .كان ضريرا .قتله التتار ببغداد سنة656( انظر كتاب الشمائل لابن كثير ص.577 ).
    3- السيرة الحلبية 1/137

  3. #73
    الصورة الرمزية لطيفة أسير بلابل السلام
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : الدار البيضاء المغرب
    المشاركات : 1,950
    المواضيع : 125
    الردود : 1950
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    4- محبة الصوفية للرسول صلى الله عليه وسلم

    تتحدد محبة الصوفية للرسول صلى الله عليه وسلم من خلال نظرتهم لشخصيته صلى الله عليه وسلم فهم يعتبرونه" كلمة " الله أو نور الله الذي كان له وجود قبل الخلق، بل كان وجود الخلق من أجله .وتظهر هذه الكلمة الإلهية في كل دورة من الزمان في صورة الأنبياء ،أي أنها أزلية ظهرت بدءا مع الأنبياء ثم اكتملت بظهور الرسول صلى الله عليه وسلم ،ثم تواصلت في شخص الأولياء. (1) ولهذا قال أبو العباس القصاب " لم يمت محمد صلى الله عليه وسلم وإنما الذي مات استعدادك لان تراه بعين قلبك " (2)

    وأطلق بعض المتصوفة كمحيي الدين بن عربي وعبد الكريم الجيلاني على رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم " الإنسان الكامل".وفي هذا المعنى يقول عبد الكريم الجيلاني " اعلم أن الإنسان الكامل نسخة من الحق ... ثم اعلم أن الإنسان الكامل هو الذي يستحق الأسماء الذاتية والصفات الإلهية استحقاق الأصالة والملك بحكم المقتضى الذاتي " (2) .

    وقال صدر الدين – وهو تلميذ بن عربي – " إن الحق تعالى لما تجلى لذاته وشاهد جميع صفاته وكمالاته في ذاته، وأراد أن يشاهدها في حقيقة تكون له كالمرآة ،أوجد الحقيقة المحمدية التي هي جميع أهل النوع الإنساني "(3).
    ولهذا يقول الصوفية أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول " من راني فقد رأى الله " (4 )

    ولما كان الحب عند الصوفية هو فناء المحب في المحبوب ،ولما ادعوا الاتحاد بالله والفناء فيه ،فلم يستعص عليهم القول بالاتحاد بالرسول صلى الله عليه وسلم والفناء فيه بدعوى محبته .

    فلا يكفي في نظرهم تقليد الرسول صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأخلاقه، بل تاقت نفوسهم إلى دوام حضوره معهم ،لذا يراه المريدون في شتى الصور في النوم واليقظة ..ورؤيته في المنام من الأمور العادية في الحياة الصوفية .فقد حكي عن أبي سعيد الخرازانة انه قال " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت :أرسول الله ،اعذرني فإن محبة الله تعالى شغلتني عن محبتك .فقال :يا مبارك من أحب الله فقد أحبني " (5)


    ..................................................


    1- "انظر التصوف الإسلامي " ألبير نصري نادر ص 28
    2- "التصوف الإسلامي "ص.29
    3- " رسالة التحقيقات الأحمدية في حماية الحقيقة المحمدية " لأحمد بن إسماعيل بن زيد العابدين بن البرزنجي ص.37
    4- " التصوف الإسلامي "ص.29
    5- المرجع السابق ص.84

  4. #74
    الصورة الرمزية لطيفة أسير بلابل السلام
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : الدار البيضاء المغرب
    المشاركات : 1,950
    المواضيع : 125
    الردود : 1950
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    وللصوفية طرق خاصة في التعبير عن المحبة :كإقامة حلقات الذكر التي يردد فيها اسم "الله" وقراءة بعض الأوراد، مع توجيه القلب توجيها تاما نحو الله تعالى .وقد يصحب هذا التوجه القلبي وسائل أخرى مثل تعذيب البدن أو حبس النفس وغير ذلك من الأمور التي تؤدي إلى محو شعور الصوفي بذاته تدريجيا ،ووقوعه في حالة تشبه الغيبوبة .وأحيانا يصاحب حفلات الذكر الموسيقى والغناء .وتتدرج هذه الطرق حتى تصل إلى درجة الفناء حيث يبطل شعور المتصوف بكل ما حوله ويخيل إليه أنه قد اتحد بمحبوبه .

    إن المتأمل في نظرة الصوفية للمحبة بشكل عام ولمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل خاص؛ ليجد غلوا وبعدا عن عقيدة التوحيد الإسلامية. لأن قولهم أن "الإنسان الكامل نسخة من الخالق " شرك عظيم لما فيه من مخالفة لمبدأ التوحيد الذي أقره الحق سبحانه ﴿قل هو الله احد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا احد ﴾

    كما أن قولهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "من رآني فقد رأى الله" افتراء عظيم لان الحديث الصحيح الثابت عند البخاري هو " من رآني فقد رآني فإن الشيطان لايتمثل بي "(1) .

    أما طرقهم في التعبير عن هذه المحبة من إقامة حفلات للذكر مصحوبة بالموسيقى والغناء ثم التدرج في ذلك حتى يبلغ الصوفي درجة الفناء؛ فإننا لن نجد ردا عليها أبلغ من قوله عز وجل ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ﴾ .أي أن إتباعه صلى الله عليه وسلم والاقتداء به وإحياء سنته والذب عنها هي أبلغ الطرق وأجملها للتعبير عن حبه صلى الله عليه وسلم.

    .................................................. ...

    1-صحيح البخاري 8/402كتاب "التعبير" باب – من رأىصلى الله عليه وسلم النبي في المنام –

  5. #75
    الصورة الرمزية لطيفة أسير بلابل السلام
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : الدار البيضاء المغرب
    المشاركات : 1,950
    المواضيع : 125
    الردود : 1950
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    إن الإسلام دين شامل، يهتم بالظاهر كما يهتم بالباطن .والإيمان كما هو تصديق بالقلب هو أيضا نطق باللسان وعمل بالأركان .فلا يكفي أن نتذكر عهد النبي صلى الله عليه وسلم ونتأسف على فواته ؛لايكفي أن نقول نحن نحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ بل يجب أن تكون أعمالنا ترجمانا حقيقا لما في قلوبنا ،وأن نتبع من نحب ونعلم أن طاعتنا للرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله عزوجل ومحبته صلى الله عليه وسلم محبة لله عزوجل ؛لان الحق سبحانه ربط بين الأمرين معا في غير ما آية .


    ولندع كلمتنا الأخيرة لمحمد قطب في تأملاته لواقع المحبة النبوية، وصرخته ضد هذا الواقع المرير ،حيث يقول " إن ما حدث ويحدث ليعتبر جرما عظيما وزيغا عما أراده الله عز وجل للبشرية ..إن الله سبحانه وتعالى لما أوجب محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم أراد بها تلك المحبة الايجابية المثمرة التي تخفق بذكر المحبوب، لكن أيضا ترفض سجنه في قفص وجدانها بل تسعى جهد ما تستطيع إلى تشخيص صورة الحبيب ونشر مبادئه وتعاليمه حتى تصبح صورته ملء النفوس وملء الحياة في ذات الوقت " (1)





    .................................................. .............



    1- قبسات من الرسول صلى الله عليه وسلم " ص.12

  6. #76
    الصورة الرمزية لطيفة أسير بلابل السلام
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : الدار البيضاء المغرب
    المشاركات : 1,950
    المواضيع : 125
    الردود : 1950
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    المبحث الثاني
    محبة الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال العبادة

    يجسد هذا المبحث وجهة النظر الشرعية للمحبة النبوية والتي عليها الاعتماد وبها يجب الاسترشاد .وخلاله سنقف مع النصوص الشرعية التي توضح وجوب محبته صلى الله عليه وسلم وثواب هذه المحبة مع بيان حقيقة إتباعه .

    1- وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم :

    لقد حثت العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على وجوب محبته صلى الله عليه وسلم أكثر من النفس والولد والوالد والناس أجمعين، قال الله سبحانه وتعالى :" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين " (1) .فقد قرع الله تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله والجهاد في سبيله سبحانه وأوعدهم بقوله: " فتربصوا حتى يأتي الله بأمره " (2).

    قال القرطبي- رحمه الله تعالى - : " في الآية دليل على وجوب حب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولاخلاف في ذلك وان ذلك مقدم على كل محبوب "(3).

    ويؤكد هذا المعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم " لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " (4) .أي لايكمل إيمان من كان أهله وماله أحب إليه من الرسول صلى الله عليه وسلم.
    وقد يقال :إذا حصلت هذه المحبة فهل بلزم من هذا أن يكون المحب مؤمنا كاملا وإن لم يأت بسائر الأركان ؟

    يجيب الكرماني- رحمه الله تعالى - قائلا " هذه مبالغة كأن الركن الأعظم فيه هذه المحبة، نحو لاصلاة إلا بطهور وهي مستلزمة لها .أو يلتزم ذلك لصدقه في الجملة ،وهو عند حصول سائر الأركان، إذ لاعموم للمفهوم " (5) .



    .................................................. .................

    1- سورة التوبة الآية 24
    2- انظر "الشفا" 2/17
    3- تفسير القرطبي 8/95
    4- صحيح البخاري 1/69 كتاب "الإيمان "باب "حب الرسول صلى الله عليه وسلممن الإيمان "
    5- " الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري "للكرماني 1/95

  7. #77
    الصورة الرمزية لطيفة أسير بلابل السلام
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : الدار البيضاء المغرب
    المشاركات : 1,950
    المواضيع : 125
    الردود : 1950
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    فالإيمان إذن يستلزمه إتيان سائر أركانه مع اقتران المحبة بذلك .
    وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أصناف المحبة وهي ثلاثة: " محبة إجلال وعظمة كمحبة الوالد ،ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد ،ومحبة استحسان واستلذاذ كمحبة سائر الناس " (1) .
    واعتبر القاضي عياض- رحمه الله تعالى - المحبة شرطا في صحة الإيمان لافي كماله فقط ؛حيث حمل المحبة على معنى التعظيم والإجلال. إلا أن قوله هذا لم يجد الموافقة لدى بعض العلماء ،لأن اعتقاد الأعظمية ليس مستلزما للمحبة ؛ إذ قد يجد الإنسان إعظام شئ مع خلوه من محبته (2) .

    فمن لم يجد في نفسه هذه المحبة لم يكمل إيمانه وهذا ما تعلمه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم "لأنت أحب إلي من كل شئ إلا نفسي التي بين جنبي "فقال النبي صلى الله عليه وسلم"لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه " فقال عمر-رضي الله عنه - "لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي "فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " الآن يا عمر " (3)

    وفي الحديث أيضا إيماء إلى فضيلة التفكر، وإلى أحقية الرسول صلى الله عليه وسلم بالمحبة دون غيره من عباد الله .ذلك أننا إذا نظرنا إلى المحبة وجدنا الإنسان لايخلو إما أن يكون نفسه أو غيرها. فأما نفسه فهو يريد لها السلامة من الآفات والعيش في هناء.وأما إذا أحب غيره فهو راجع لما يحصل له من نفع على وجوه مختلفة، فإذا تأمل النفع الحاصل من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان علم أنه سبب بقاء نفسه البقاء الأبدي في النعيم السرمدي .فكان نفعه بذلك أعظم ومن تم استحق أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره .




    ............................................


    1-هذا قول ابن بطال نقله الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم 1/67.ونقله الكرماني في شرحه 1/99
    2- انظر " فتح الباري "1/59
    3- صحيح البخاري 7/179كتاب "الأيمان والنذور " باب كيف كانت يمين النبي "

  8. #78
    الصورة الرمزية لطيفة أسير بلابل السلام
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : الدار البيضاء المغرب
    المشاركات : 1,950
    المواضيع : 125
    الردود : 1950
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    بيد أن الناس يتفاوتون في الإحساس بهذه المحبة تبعا لتفاوتهم في درجة الإيمان " فمنهم من أخذ من تلك المرتبة بالحظ الأوفى، ومنهم من أخذ منها بالحظ الأدنى، كمن كان مستغرقا في الشهوات محجوبا في الغفلات في أكثر الأوقات لكن الكثير منهم إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم اشتاق إلى رؤيته بحيث يؤثرها على أهله وولده وماله ووالده ،ويبذل نفسه في الأمور الخطيرة ... لما وقر في قلوبهم من محبته غير أن ذلك سريع الزوال بتوالي الغفلات " (1).

    2-حقيقة إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم :

    إن إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته تبع لمحبته، إذ لابد من تقدم المحبة ثم بعد ذلك تأتي طاعة من نحب (2). ولولا المحبة العاطفية لما وجد وازع يحمل على الإتباع في العمل .قال القرطبي " محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليست في مجرد الإتباع له بل المحبة له هي أساس الإتباع وباعثه " (3) .

    وإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واجب ديني،إذ إتباعه إتباع لشرع الله عز وجل ،وطاعته طاعة لله عز وجل، ومعصيته معصية لله عز وجل .وكل من أراد أن يحكم في شئ من أمر الدين غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يكون بذلك مخالفا لشرع الله تعالى .لأن ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كان كافيا وكاملا يدخل في كل حق ،فالواجب كمال التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق مادام الخبر صحيحا موثوقا به .وان لانعارضه بخيال باطل ،أو نحمله شبهة ،أو شكا أو نقدم عليه آراء الرجال، وأن لايوقف بعضنا تنفيذ أمره وتصديق خبره حتى يعرضه على قول شيخه وإمامه، فإن أذن له نفذه وقبل خبره وإلا فلا .بل الواجب هو أن يجعل ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه هو الحق الذي يجب إتباعه والانقياد له ،(4) قال الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لاتقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم "(5) .



    .................................................. ...........
    1- انظر " فتح الباري "1/59-60
    2- انظر " إحياء علوم الدين " 4/311.
    3- "فقه السيرة "ص.188.
    4- انظر " شرح العقيدة الطحاوية " ص.73-74.
    5- سورة الحجرات الآية 1.

  9. #79
    الصورة الرمزية لطيفة أسير بلابل السلام
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : الدار البيضاء المغرب
    المشاركات : 1,950
    المواضيع : 125
    الردود : 1950
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    وحين نتحدث عن وجوب إتباعه صلى الله عليه وسلم ؛يتبادر إلى ذهننا السؤال التالي :هل كل أفعاله صلى الله عليه وسلم حجة يجب العمل بها وإتباعها ؟

    لقد قسم العلماء أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أنواع وهي:

    أولا : أعمال تتصل ببيان الشريعة كصلاته صلى الله عليه وسلم وصومه وحجه ... فإن هذا النوع يكون شرعا متبعا ويجب العمل به ولا يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم بل يكون متمما للكتاب .
    ويدخل في هذا النوع ما فعله الرسول ابتداء مما لايكون بيانا لمجمل ورد في القران، وهذا النوع إما أن تعرف صفته الشرعية من الوجوب أو الندب أو لاتعلم، فإن علمت فالأمة مثل الرسول صلى الله عليه وسلم ويجب الاقتداء به لقول الله تعالى﴿﴾ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ﴾ (1) .فإن لم تعلم صفته الشرعية فإما أن يظهر فيه قصد التقرب إلى الله عز وجل أو لا .فإن ظهر قصد القربة أفاد استحباب الفعل كصلاة ركعتين من غير مواظبة .وإن لم يظهر قصد القربة كالبيع والشراء كان مفيدا للإباحة على القول الراجح.

    ثانيا :أفعال من النبي صلى الله عليه وسلم قامت الأدلة على اختصاصها به :كالوصال والزيادة على أربع زوجات وفرضية التهجد . فهذه الأفعال ليست أمته فيها مثله ولايقتدى به فيها .

    ثالثا : أعمال يعملها بمقتضى الجبلة البشرية: كالقيام والقعود والأكل، وما كان يتناول من حلال وطرق التناول، وكذلك ما كان يفعله بمقتضى العادات الجارية في بلاد العرب كلبسه ونحو ذلك .
    فحكم هذا النوع أن الأمة ليست ملزمة فيه بالاقتداء والإتباع ،لأنها أفعال صدرت عن الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره إنسانا لا باعتباره رسولا يجب إتباعه .ومع ذلك فقد كان أكثر الصحابة يقتفي آثار الرسول صلى الله عليه وسلم ويحرص على تمام متابعته في مثل هذه الأفعال كعبد الله بن عمر- رضي الله عنه - .ولذا فحكم هذه الأفعال الندب لأن الأخذ بها أخذ بأفضل الحالات وأحسن الأساليب (2) .


    .................................................. .

    1- سورة الأحزاب الآية 21.
    2- " الميسر في أصول الفقه " ص.87-88.

  10. #80
    الصورة الرمزية لطيفة أسير بلابل السلام
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : الدار البيضاء المغرب
    المشاركات : 1,950
    المواضيع : 125
    الردود : 1950
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي

    3- ثواب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم:

    من نافلة القول استغناء النبي صلى الله عليه وسلم عن حبنا له، فلا يزيده وجوده منزلة ورفعة كما لاينقصه عدمه مكانة وشرفا .بل نحن الذين في أمس الحاجة إلى حب الرسول صلى الله عليه وسلم .فبهذا الحب ننال حب الله عز وجل ونفوز بسعادة الدنيا والآخرة. كيف لا والله عز وجل يقول ﴿ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾ (1)
    فحب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تبع لحب الله تعالى وسبيل لمحو الذنوب والخطايا والفوز بسعادة الدارين (2).

    كما أن حب الرسول صلى الله عليه وسلم من أسباب الحصول على حلاوة الإيمان قال المصطفى صلى الله عليه وسلم" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وان يحب المرء لايحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار "(3) .
    وقد اختلف العلماء في الحلاوة المذكورة هل هي محسوسة أو معنوية ،فحملها قوم على المعنى الثاني وهم الفقهاء .وحملها آخرون على المعنى المحسوس وأبقوا اللفظ على ظاهره من غير تأويل وهم أهل الصفة .

    وقد صوب ابن جمرة الرأي الثاني واستدل على ذلك بأحوال الصحابة والسلف الصالح وأهل المعاملات.فإنه حكي عنهم أنهم وجدوا الحلاوة محسوسة كما حدث مع بلال- رضي الله عنه - حينما كان يعذب بالرمضاء وهو يقول بصمود وإباء : أحد أحد .فمزج مرارة العذاب بحلاوة الإيمان (4)




    .................................................. ..............



    1- سورة آل عمران الآية 31.
    2- " حب النبي صلى الله عليه وسلموعلاماته " ص.13 بتصرف.
    3- " صحيح البخاري " 1/11 كتاب الإيمان باب – حلاوة الإيمان –
    4- انظر " المواهب اللدنية 2/124-125

صفحة 8 من 10 الأولىالأولى 12345678910 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. ملحمة السيرة النبوية شعرا ... مشروع طموح وغير مسبوق
    بواسطة د. سمير العمري في المنتدى مُنْتَدَى مَلْحَمَةِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ شِعرًا
    مشاركات: 44
    آخر مشاركة: 06-08-2012, 04:13 AM
  2. بحث لنيل الإجازة في السيرة النبوية ج.2
    بواسطة لطيفة أسير في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 69
    آخر مشاركة: 16-06-2010, 12:26 PM
  3. استمع إلى السيرة النبوية الزكية في ألف بيت (ألفية السيرة النبوية) للحافظ العراقي
    بواسطة د. مصطفى عراقي في المنتدى المَكْتَبَةُ الأَدَبِيَّةُ واللغَوِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 13-02-2008, 09:02 PM
  4. رباعيات السيرة النبوية لشعراء الواحة
    بواسطة البحترى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 91
    آخر مشاركة: 18-10-2006, 09:32 PM
  5. السيرة النبوية في العهد المكي: طريقة ومنهاجاً
    بواسطة محمد سوالمة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-03-2005, 10:49 PM