أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: أمي الحبيبة ؛ أنت في قلبي

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي أمي الحبيبة ؛ أنت في قلبي

    أمي الحبيبة ؛أنت في قلبي

    الدكتور : عثمان قدري مكانسي

    مما شوّقني لأمي – وذكراها في قلبي وفؤادي مرتسمة – أنني قرأت قبل مغرب اليوم قصة ترويها إحداهن بطريقة شائقة ، فإذا بنبضات قلبي ترتفع وتيرتها – وأنا ابن الثانية والستين – وأحسّ بنفَس أمي رحمها الله تعالى يلامس وجهي ، وتتراءى عيناها الباسمتان ووجهها المشرق ، فيرتفع صدري ويهبط ، وتتساقط الدموع من عينيّ سخينة، ويرتفع النشيج شيئاً فشيئاً تلقائياً ، أو قلْ : إن النشيج كان متساوقاً مع حرارة شوقي للحبيبة الراحلة التي فارقتنا منذ تسع سنين ...
    قمت لصلاة المغرب بعد هذا ، ووقفت زوجتي ورائي تصلي ، ولم أدر أنني بدأت بعد قراءة الفاتحة أرتل قوله تعالى من سورة الإسراء : " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً ... "
    وسلمت بعد ذلك وأنا أذرف الدمع وأترحم على الحبيبين الراحلين ،
    على الوالدين الكريمين ،
    على سبب وجودي بعد الله تعالى ،
    على من وصّانا المولى بتكريمهما وطلب رضاهما والدعاء لهما .
    والتفتّ إلى زوجتي التي كانت تنظر إليّ مشفقة حائرة : فقلت لها : اتصلي بأمك واسألي عنها .
    قالت : كلمتها قبل يومين ، وهي بصحة وعافية .
    قلت : كلميها – رحمك الله وأجزل لك الثواب – واسأليها أن تدعوَ لي ، ولئن فقدت أمي إن اتصالك بأمك ورضاها عنك يشرح صدري ، ويُقرّ بلابلي .
    كلمَتها ، وسألـَتها رضاها ، فدعَت لها بما تدعو الأم لابنتها من دعاء جامع ينال الإنسان به البركات ، ودَعَت لي كذلك .
    إذا مات الأم نزل ملَك من السماء يقول : ياابن آدم ماتت التي كنا نكرمك لأجلها ، فاعمل لأجلك نكرمْك .
    ولعلي إذ أدعو لوالدتي بالرحمة في عالم البرزخ ، وهي بين يدي الله تعالى الراحم بعباده ، الغفور لهم تسأله تعالى أن يكتبني من البارين بها في الحياة وبعد الممات ، فيستجيب لها ، وأكون بدعائها ورضائها من سعداء الدارين ... اللهم ارحم والديّ رحمة واسعة فأنت بهما وبعبادك المحبين رحيم ودود .
    أما القصة التي قرأتها ، فكانت سبب ما أنا فيه من شوق للحبيبين ، الغائبَين الحاضرَين فقد روتها إحداهن قائلة :
    كانا زوجي في مجلس أحد أصحابه حين رن هاتف أحد الحاضرين .
    رد الرجل على المكالمة بصوت عال فيه كثير من الخشونة : إيـــــه ! ، ليس الآن .... أقول لك أغلقي الهاتف ، لا أريد أن تكلميني الآن ... بعد ذلك ، بعد ذلك .
    هكذا توالت الكلمات قلنا لعله يخاطب زوجته ، أو أخته ، أو إحدى قريباته.

    أغلق الرجل هاتفه وقال : أزعجتنا العجوز!! مَن تلك العجوز ؟! إنها أمه !!
    ما أقبح ما قاله وما فعله !، لم يتلطف معها في الكلام ولم يكن في وصفها مؤدّباً !

    سكتُّ .. وسكت الحاضرون ثم سمعنا بكاء خفياً ، إنه أحد الحاضرين موصوفاً بالصبر والرجولة ، وكنا نعرفه رجل المواقف في مواطن الابتلاء

    نظرنا إليه بدهشة فدمع الرجال ليس هَيـّناً ، فلما أحسّ أننا ننظر إليه متعجبين قال متحسراً متألماً


    ليتني رأيت أمي ، وليتها كانت على قيد الحياة ، فأتمتع بحديثها ، والنظر إليها ، وتقبيلي يديها ورجليها . .. كي أقول لها : مريني بما يرضيك ؛ يا أغلى أم في الدنيا ، ويا أعظم مخلوق فيها ، ويا أكرم إنسان عليّ !
    وقع صاحبنا ذاك في حرج حين سمع هذه الكلمات ، وحاول الدفاع عن نفسه ، بتأتأة وفأفأة .

    فقاطعه الحاضرون دفعة واحدة قائلين : لا تعتذر مما فعلتَ ، فما لك من عذر .. خلّ المجلس سريعاً وانطلق إلى أمك ، واسترضها ، قبـّل رأسها ، وقدميها ، واذرف الدموع بحضرتها علها تنسى أو تتناسى ما فـُهت به . ولعلها الآن – بعد ما سمعت منك هجر القول – حزينة ، ففرّج عنها وكن باراً بها .

    أما من بكى فقد توفيت أمه بعد ولادته فورا، ففاته حنان الأم ورأفتها ، ومما زاد في ألمه أنه كان يعتبر وجوده سبب وفاتها ، إذ فارقت فور دخوله الحياة

    نشأ وهو صغير يسمع الأطفال تنادي أمهاتها ، وتحتمي بهنّ ، وتفزع إليهنّ ، وتعتمد عليهنّ . يبكون فيجدون أمهاتهم يسارعن إليهم متلهّفات حانيات ، يضممنهم ، ويطعمنهم ، وينظفنهم ، ويحملنهم . وهو بعيد عن كل هذا ، فينفجر بركان الأسى في داخله ، وينزوي في إحدى زوايا البيت يبكي بكاء مرّاً.
    قرأت هذه القصة ، فبكى في داخلي طفل كبير ، ما يزال يرى نفسه ظمآن لعطف أمه ، راغباً في رضاها ،
    أذكر أنني – وكنت في دبيّ أعمل مدرساً – اشتقت أمي – في حلب – إحدى الليالي ، فلم أنم حتى كلمتها ، وسألتها ، رضاها ، ففعلت - رحمها الله ورفعها في عليين - ، فجلست أخط شوقي لها قائلاً :
    في هـَدأة الـليـل البهـيـم كـَتبتهـا = ودموع عيني سـطرُهـا ومدادُها
    ولواعج النفس انثنت تروي لكم = ما في الضمير وما حواه فؤادها
    تبدي لكم ما هـاج من أشواقهـا = ولأي حـَدّ وُدُّهــا .....ووِدادُهــا
    تروي لكم ما ساح من عَبَراتهـا = لـَمّـا تمـَلـّك مقـلـَتَـيّ سُـهــادُهــا
    فـإذا النشـيجُ لُحونهـا وغِنـاؤهـا = وتـَذكـّري لأحـبــّتـي أورادُهــا
    وكتبت أخرى أبياتاً بثثتها فيها بعض شوقي وتقديري :
    قـُبـُلاتي أطبعهـا رَغَبـاً = وضلوعي تزداد حنينـاً
    لـِلأم حـَبـاهـا مـولانــا = عـفـْواً وصـفاءً ويقـيـنـاً
    ربـّتـْنـا بالخـُلُق السامي = جعـَلـَتـْنا نلتـزم الديـنـا
    فالفضل لها والشكر لها = هي منبـع خيـر يهدينـا
    وضيـاءُ قد شـعّ وحبّ = ما زال بعطف يروينـا
    فجنانُ الخلد بمرضاة الـ = الأم المعطاء تـُؤاويـنـا
    ورضاء الله برضوان الـ = الأم السـمحاء يواتيـنـا
    يا ربّ : فأكـرمهـا دوماً = فلأنت المكـرم ، آمينـا
    وهذا ديواني الشعري الأول " نبضاتُ قلب " أهديتُه الوالدة ، فقلت في إهدائه :
    يا من زرعتِ الخيرَ في داري
    وسـقـَيـْتِ بالتحنـانِ أشـجـاري
    وروَيـْتِ بـالإيـمــان أفكـاري
    أهديك – أمي – بِكرَ أشعاري
    07-04-2009
    الحب : عثمان















  2. #2
    الصورة الرمزية شيماء وفا قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Apr 2008
    العمر : 42
    المشاركات : 1,347
    المواضيع : 20
    الردود : 1347
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي


    زاد عتاب القلب , وذرفت المقل الدمع , شعر العقل بوخزة , وفاق الضمير بلحظة . أوصانا الله بهما , ومازال الكثير يُغضبهما , ويزداد قسوة عليهما يوما بعد الآخر , لايشعر بهما إلا مَن حُرم حنانهما وعطفهما , أما من يحيا في رعايتهما غالبا مالايهتم بهما .
    أستاذي العزيز
    أشكرك كثيرا على هذه القصة , التي تُدمعنا وتُذكرنا بأننا مهما فعلنا سنظل مقصريين بحقهما .
    خالص تحياتي

  3. #3
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2010
    المشاركات : 450
    المواضيع : 12
    الردود : 450
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    أستاذي الجليل /د. عثمان

    مقام ألاب مقامك ؛مترف في حنانك
    أبكيتني وتوجعت لذكرى أمي ..
    أمي التي لم اتشبع بحنانها
    وعزائي مانطقت شفاهها يوم موتها (الله يرضى عليكي)
    عشر من السنين بغيابها مر مذاقها

    قصة علينا بروازها وتعليقها في الذاكرة دائما أبدا

    كل الاعتزاز والتقدير لأستاذنا القدير

    دمت بخير

  4. #4
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    ابنتي ( الشيماوين ) .. شيماء وفا وشيماء عبد الله ... بل انتما شامتان في هذا الزمن الذي طغت عليه المادّة فما عاد أحد يعرف للجمان البهيّ قيمته ولا للياقوت الأبوي مكانته أو الزمرد والعقيان المنبعثين من صفاء الأب والأم شعاعه وضياءه
    وهل أعظم شرفاً من التذلل للوالدين الكريمين ، وهل أرفع قدراً من الخضوع الناتج عن الإقرار بفضلهما لهما
    اللهم ارحمهما رحمة واسعة ، وتجاوز عن سيئاتهما وزد في حسناتهما واجعل الفردوس مقامهما .
    ولعل السعيد في الدنيا والآخرة من عاملهما في حياتهما بكل تقدير واحترام ، واغتنم وجودهما معه حين يكبران فيظلهما كما أظلاه ، ودعا لهما بكل خير بعد ن انتقلا إلى الرفيق الأعلى ..
    لكما تحياتي -أختي وابنتيّ الفاضلتين ..

  5. #5
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : May 2009
    الدولة : شآم الياسمين
    العمر : 48
    المشاركات : 110
    المواضيع : 10
    الردود : 110
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة ربي وإكرامه
    حياك المولى أيها الفاضل
    حياك المولى أستاذي الكريم ,, عثمان وبارك بك وحفظك لعائلتك ولنا

    لست أدري هل أمسح دموعي التي غسلت وجهي أم أكتب رداً على موضوعك ؟
    فقد سرت قشعريرة في جسدي

    هذا المتصفّحُ به من النّورِ ما يجعلنا نستغني عن أعيننا
    و نقرأ بِـ القلب و فقط القلب

    ولعل النداء يصل إلى كل القلوب الغافلة وقبل فوات الأوان


    تقديري
    بحجم قاسيون الشام وأكثر
    وأبكي..
    كما الشام ..

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    إنني أغسل وجهي
    ابنتي الفاضلة ريم حفظها الله تعالى
    سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
    أشكرك أولاً لمرورك اللطيف
    وثانياً : إن غسلك وجهك بدموعك ذكرني بحادثة طيبة أحبها لبديهة صاحبها السريعة في الجواب الحلو :
    كنت في إحدى السنوات في مدينة إيطالية ألقي محاضرة في مخيمها السنوي ، وكان المترجم إلى الإيطالية كلما ذكر الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه يصلي ويسلم عليه - بالإيطالية طبعاً - . وبعد المحاضرة قال له بعض الإيطاليين مستنكراً كثرة الصلاة على النبي - ولم يكن مسلماً - ألا تتعب من ترداد صلاتك على محمد ؟!
    أجاب أخونا بداهة - كما ذكرت آنفاً - ألا تحب أن تغسل وجهك من ماء بارد في يوم حار ؟ إنني أغسل وجهي بالصلاة على النبي
    فغسلك وجهك بالدموع حين تذكرين والدتك ضياءٌ لوجهك النقي الصافي ببر الوالدين .. ألستِ كذلك؟

  7. #7
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : May 2009
    الدولة : شآم الياسمين
    العمر : 48
    المشاركات : 110
    المواضيع : 10
    الردود : 110
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    سلام ربي ورحمته عليك يا أستاذي وعلى الجميع هنا

    نعم بفضل الله وكرمه ,, أسعى بكل ما أملك لأكون كما قلت يا أستاذي
    وأسأل الله الثبات
    .
    .
    .
    ذكرتني قصتك بما يحدث معي كوني أعيش في بيئة متحررة متحررة متحررة
    ودموع التذلل للمولى والصلاة على الحبيب محمد هي عوني الوحيد وخاصة أن مصب لسخرية الكثيرين وانتقاداتهم ..
    هل تعلم لم أيها الفاضل ؟

    لأن صلاتي ولباسي وطبيعتي الشخصية لا تليق بمبادئ التحرر ,, الرقي حسب منظرهم

    أسأل الله العون والثبات

    ودعواتكم

  8. #8
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    الحجاب لباس الطهر والعفاف ، وقديماً جابه سيدنا نوحٌ من كان يسخر منه بقوله تعالى " إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون " ....
    وسيكون قولنا لهم حين لا ينفعهم الندم " فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ، ." ... والعاقبة كما تعلمين يا أخت للمتقين ونسألهم هذا السؤال " هل ثوّب الكفار ما كانوا يفعلون " ..
    والخير عاقبة المؤمنة الصابرة المتمسكة بدينها ومبدئها الصحيح ..
    حفظ الله بناتنا ونساءنا ورزقهن الإيمان والثبات على الحق

المواضيع المتشابهه

  1. أمي ... أمي
    بواسطة جهاد إبراهيم درويش في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 04-04-2010, 12:10 AM
  2. أمي الحبيبة
    بواسطة أحمد موسي في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 01-08-2009, 10:05 PM
  3. أمي الحبيبة
    بواسطة محمد الهضيب في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 20-08-2007, 11:30 PM
  4. " إلى أمي الحبيبة "
    بواسطة عطاف سالم في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 29-07-2007, 11:18 AM
  5. أمي الحبيبة
    بواسطة نور الإسلام في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 20-10-2004, 11:01 PM