سأخبرك شيئا لم أشأ أن أخبرك به أيها الطير الودود , عندما التقينا في تقاطع درب لم نخطط لاحتمالاته وكان ما كان , لأن البدايات لا تمنح وقتا للتمحيص ولا تضع نصب أعينها المآسي المأخوذة من دفاتر الذين مروا من هذا الطريق بل مروا من تحت أجفاننا ومازالت الدموع التي جرفتهم الى أهدابٍ خارج الزمن رغم جفافها تركت أثارها الــ محفورة على تشققات الطين , لكني الآن ملزمة بإخبارك , وهو إنه عليك أن تستعين بحمام يتحمل أثقال بريدك , ولديه كفاءة في نقل الرسائل بلهيبها دون أن تنطفئ جمراته لأن فارق التوقيت بين الكتابة والقراءة سيفتح بابا للرماد الذي حتما سيبدل اللغة ويدخل فيها العناصر التي لا تتآلف مع بيئة المرسل والمرسل اليه لأنه سيغزل غبارا كافي لبناء بيوت العناكب بين السطور وهو أمر لا تستسغه سكان المدن الآهلة التي تجري من تحت أحلامها نسمات العطور وفي سلالها فاكهة لا تخضع لأي موسم ..لأن الاعتماد على المواسم ذل والذين تسكنهم المدن بأسوارها وحدائقها بعمق أزقتها فهم يملكون من الكرامة ما يجعلهم يتأهبون للموت على قارعة الأكفان في منتهى الأناقة وبكامل الحلي والهندام يحتفلون بلحظة وداع على أن لا يودعوا قطرات ماء الأوجه لأنهم بحاجة اليها حتى بعد الموت في جرار الذكرى الخالدة.
والأمر الذي بصدده هنا تشتعل الحروف وتغلي أبخرة تتصاعد مع زفير الصبح وهو بالتأكيد أمر لا يتبع خصائص تفكير أهل القرى الذين يفكرون دائما بالكتلة والوزن وعدا ذلك ليس له أي قيمة لديهم بدليل إنهم أضروا أنفسهم عندما لم يشكو من ثقل القناطير ظنا منهم إنها تحوي القمح لكنها كانت تحوي أكواما من البارود وحكمهم على الأشياء من خلال بعض الاعتبارات أضاع عليهم فرحة موسم الحصاد وفرحة اكتشاف الحقيقة ..بعض الاحكام الخاطئة ضرورة وقتية لأنها تكشف الغطا من الحقائق الواهنة التي تظلل عليها ضبابية التردد والتعقلن لعلى السؤال مغبون والعاقبة للسائل في لحظة جرأة تستل من بطن الرماد جمرة خاملة ..
لذا خذ من طيور ترتاد أغصان حديقتك ما تشاء وعليك أن تصوب بندقية صيدك الماهرة على طير حسب النمط الذي ينتمي اليه وحسب السرب الذي أتى به ..ولكن لا تحكم على الأمر من خلال الشكل الخارجي ولا تطلق أحكامك على الوزن والثقل فرب وزن ما فقد كتلته ورب وزن ما فقد معياره وتحلل من صبغته ..ثمة أشياء تسقط عنوة من مكامنها عندما نسيء التصرف في التعامل معها ولأن الطبيعة أحكمت قبضتها على الموجودات فلابد أن نتتبع حواسنا تجاه تلك الموجدات .. وعليه أكرر لك ربما لن يصادفنا دربا يتقاطع عند وصولنا من جهتين ككل مرة وقد يصادفك غيري ولا ينطبق على غيري ما ينطبق علي ..وسأترك جدلية الحياة التي تكرر نفسها كل يوم على نفس الطاولة في كل مرة مع اختلاف المواضيع ومعالجة نفسها باختلاف المتجادلين مع تشابه القضايا والخروج بنتيجة محسومة مسبقا مهما كانت الصدمة عرفت طريقها عند البعض لأنهم أيضا كان لهم حساباتهم إلا أن النتيجة في نظري لكل قضية ستكون موحدة طالما التعامل مع النتيجة مهما اختلفت لن يختلف.