منذ أن تلقيت أول درس لي في اللغة كأني أوطن نفسي على وصف ما سأتلقاه من سياط الليالي ، يا أساتذتي الآلام شعوب متشعبة ، فأيها أصف وأيها أترك ؟ حواء وحدها أمة من الألم ، حرمتني همسة منها ، وأنا بين أنفاسها أروح وأجيء ، وضنت عليَّ بنظرة وأنا بهدبها متشبث ، آه منك يا حواء سهامك تصيب مني كل شيء ، ثم تبقي على شعرة لا ترديني ولا تحييني ، لقد جرعتني منك فنون الألم عالمة وجاهلة ومقبلة ومدبرة ، بالله خبريني كيف لا ترينني أنت حين أكون بين عينيك ، وكيف أراك أنا حين أغمض ، وكيف لا تسمعينني ويدي كلَّت من قرع طبولك ، وكيف كيف أنا أسمع أنفاسك وبيني وبينك ألف جدار وجدار ؟!
حنانيك يا حواء لقد مال العمر مني يسعى حثيثا إلى أرذله ، كفي عني - رجاء - فذرة ألم منك ستهشم كل ذرة مني .
يا أساتذتي ماذا أصف وماذا أترك ؟
فاقة غني نفس بين لئام أثرياء ، يكدح ليله ونهاره والسبل دونه توصد منهم ، فيحتال لكسب شريف يكفي به عياله ذلا أسرف في لطمه ظلما وعدوانا .
أو قهر مقنن لسلالة مختارة قولها تنزيل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لها أن تفعل ما تشاء ، وليس له إلا أن يفعل بمشيئتهم ورضاهم ، لهم الدين مطواع ، ولهم المال مدرار ، ولهم الخلق عبيد .
أو صمت البلابل وترنم الغربان ، أو إحجام الأسد وصولة الجرذان ، أو غربة العلم وتصدر اللعب ؟!
عذرا أساتذتي ، فقد أتخمني الألم ، وأنا أخشى القلم .