أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: بيني وبين عنترة ( الجزء الثاني )

  1. #1
    الصورة الرمزية حسين الطلاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2008
    الدولة : الجبيل - المملكة العربية السعودية
    المشاركات : 424
    المواضيع : 89
    الردود : 424
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي بيني وبين عنترة ( الجزء الثاني )

    بيني وبين عنترة ( الجزء 2 )
    هو حقيقة تتمة الجزء الأول ، حيث لم يحتمل الموقع تحميله لكبر حجمه ، وعليه أدرجناه هنا بمسمى الجزء الثاني كالتالي :
    ــــــــــــــــــ
    استكمالا حيث قلت : أرِني يدكِ يا مينا أنظر إليها ؟ ،،، فَفَعَلت ،،، .
    فجعلتُ أنظر إليها وأتلمسها كالطبيب ،،، .
    فقلت : والله إن يدكِ ترقّت على أيدِ النساء حتى أضحت لذيذة ،،، !!! فالتفتُ إلى عنترة وقلت له : هل قلتَ إنهن الفَلَوْذج بعينه ؟
    قال : إي والله ،،،
    قلت : أهو لذيذ يا رجل ؟
    قال : وهل في ذلك ريب ؟ والله إنه لألذّ ما يدخل البطن ،،، ولكن أين هو ؟ والله لو أن دقيقه وماءه هنا لأجلبنّ حطبه ، ثم لأُعلِقنّ النار حتى تتأجّج فنطبخه .
    قلت : تأجج النار يفسد الطعم لأنه على عُجالة ، ولكن إن كانت هادئه كان ألذّ في الفم وأسرى في الحلق ،،، غير أني أحبه باردا !! ونظرتُ إلى عيني مينا .
    فسحبتْ يدها من يدي وحملقت وقالت وهي ملصقة مرفقيها على الجنبين : تريد أن تأكلني أنت وصاحبك هذا !!!!!!! ؟
    فنظرت إليها مبتسما وقلت : إنها مداعبة ومزاحة يا مينا ، وحسبي شرفا أن مننتِ علينا بزيارة .
    قالت : أعلم أنها مزاحة ، ولولا التَفْكهة لما تَمَادّ بنا العمر ، ولجفّتْ الدماء في الأوداج ،،، فحيَّتْكَ من حَيَّيْتَها يا حُسَيْن .
    ثم حلّ الرضا وطال الحديث ،،، وفجأة نظرتْ مينا إلى عنترة وقالت :
    يا عنترة : قرأتُ أبياتا للشاعر الفيلسوف أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري ، المعروف بأبي العلاء المعري ،،، يقول فيها :
    أرى العنقاء تكبر أن تصـادا **** فعاند من تطيق له عنـادا
    وما نهنهت عن طلب ولكـن **** هي الأيام لا تعطى قيـادا
    نلوم على تبلدها قلوبــــا **** تكابد في معيشتها جهـادا
    إذا ما النار لم تطعم ضرامـا **** فأوشك أن تمر بها رمـادا
    ولما أن تجهمني مـــرادي **** جريت مع الزمان كما أرادا
    وهوّنت الخطوب عليّ حتـى **** كأني صرت أمنحهـا ودادا
    أأنكرها ومنبتها فـــؤادي **** وكيف تُنكّر الأرض القتـادا
    وكم من طالب أمدي سيلقـى **** دوين مكاني السبع الشدادا
    لي الشرف الذي يطأ الثريـا **** مع الفضل الذي بهر العبـادا
    ولو ملأ السهى عينيه منـي **** أبرّ على مدى زُحـل وزادا
    أفلّ نوائب الأيام وحـــدي **** إذا جمعت كتائبها احتشـادا
    ولي نفس تحل بي الروابـي **** وتأبى أن تحل بي الوهـادا
    ـــــــــــــــ
    وأنت أيها الفارس الشجاع قلت من قبل رائعتك على الوافر :
    إذا كشف الزمان لك القناعــا **** ومدّ إليك صرف الدهر باعـا
    فلا تخش المنية والقَيَنْهـــا **** ودافع ما استطعت لها دفاعـا
    ولا تختر فراشا من حريـــر **** ولا تبكِ المنازل والبقاعـــا
    وحولك نسوة يندبن حزنـــا **** ويهتكن البراقع واللّفاعـــا
    يقول لك الطبيب دواك عنــدي **** إذا ما جسّ كفّك والذراعــا
    ولو عرف الطبيــب دواء داء **** يرُدّ الموت ما قاسى النزاعـا
    حصاني كان دلاّل المنايــــا **** فخاض غمارها وشرى وباعا
    وسيفي كان في الهيجا طبيبـا **** يداوي رأس من يشكو الصداعا
    أنا العبد الذي خُبّرت عنـــه **** وقد عاينتني فدع السماعــا
    ملأت الأرض خوفا من حسامي **** وخصمي لم يجد فيها اتساعـا
    ـــــــــــــــ
    والله لكأن قصيدتك يا عنترة تمخّضت فولدت ما قاله المعري .
    النظرة ذاتها نظرتك ،،، والشكوى شكواك ،،، والحكمة حكمتك ،،، فما ترى في هذا الرجل يا عنترة ؟
    قال : لست أعرف هذا المعري ،،، غير أني شِمْت في قوله حبا لشخصي ورجولتي وسمو روحي ، وكأنه أحب أن يراني غير أن الزمان كان ولا زال يفرق بين الحبيب وحبيبه .
    ولقد اختلس الهيئة والفكرة ، وقد غفرنا له لحسن كلامه وروعة النظم .
    قالت : ما أكرمك ،،، وما أعذب قولك .
    قالت مارية : أيضا هناك قول للمعري ، يُشام من خلاله العنترية المعروفة بأبي المغلس ، إذ قال :
    أفوق البدر يوضع لي مهاد **** أم الجوزاء تحت يدي وسـاد
    قنعت فخلت أن النجم دوني **** وسيان التقنع والجهــــاد
    رويدك أيها العاوي ورائـي **** لتخبرني : متى نطق الجماد
    أأخمل والنباهة فيّ لفـــظ **** وأقتر والقناعة لي عتــاد
    ـــــــــــــــ
    وفي المقابل قولك يا عنترة على الوافر :
    إذا جحد الجميلَ بنو قـُــراد **** وجازى بالقبيح بنوا زيــاد
    فهم سادات عبس أين حلــّوا **** كما زعموا ، وفرسان البلاد
    ولا عيب عليّ ولا مــــلام **** إذا أصلحتُ حالي بالفســاد
    فإن النار تُضرم في جمـــاد **** إذا ما الصخر كرّ على الزناد
    ويرجى الوصل بعد الهجر حينا **** كما يرجى الدّنوّ من البِعـاد
    ـــــــــــــــ
    ورائعتك الأخرى وقد استفتحتها بالقاسية عبلة ، إذ تعاتبها ثم تفخر بقولك على الوافر :
    ألا يا عبلُ ضَيَّعْتِ العهــودا **** وأمسى حبُكِ الماضي صدودا
    وما زال الشباب ولا اكتهلنـا **** ولا أبلى الزمان لنا جديــدا
    وما زالت صوارمنا حِــدَادا **** تقُدّ بها أناملنا الحَديـــدا
    سلي عنا الفزاريين لمّـــا **** شفينا من فوارسها الكبـودا
    وخلّينا نساءهم حَيَـــارى **** قبيل الصبح يلطمن الخـدودا
    ملأنا سائر الأقطار خوفــا **** فأضحى العالمون لنا عبـيـدا
    وجاوزنا الثريا في علاهــا **** ولم نترك لقاصدنا وفـــودا
    إذا بلغ الفِطام لنا صبـــيّ **** تخرّ له أعادينا سجـــودا
    فمن يقصد بداهية إلينـــا **** يرى منا جبابرة أُسُـــودا
    ويوم البذل نُعطي ما ملكنـا **** ونملأ الأرض إحسانا وجودا
    فهل من يبلغ النعمان عنـا **** مقالا سوف يبلغه رشيـــدا
    إذا عادت بنو الأعاجم تهوي **** وقد ولّت ونكّسَت البنــودا
    ــــــــــــــ
    أيها الفارس ،،، ما الذي يجمع بينك وبين الرهين المعري ؟ والله لو عاد الزمان بنا إلى الفراعنة لكدنا نفسق ونؤمن بتناسخ الأرواح ،،، من منكم تفجّر من صاحبه ، كالحجر تفجّر منه الينبوع ؟
    والله لكأن بعض أبياته سبقت فنطقت بها ، والبعض الآخر أُجِّلت فنطق بها ،،، أأنت هو أم هو أنت ؟
    قال عنترة : بل هو تفجر مني ، إذ راعه قولي فحذا حذوي ،،، أليس كذلك يا مينا ؟
    قالت : أنت يا عنترة عانيت الأمرّين ، بلونك مرة ، وبأمك أخرى ، ثم استيداعك أمر الرعي والحلب والصر .
    وذاك المعري ، اعتلّ وهو طفل لم يجاوز الرابعة ، علةّ الجدري ، فما أبلّ منها حتى عمِي ،،، ثم مات والده ، فصار في حلك على حلك مهيض الجناح مكسور الخاطر ، تتشظّى من حوله الأماني وتتفسّق الرغبات والرؤى ،،، وما اخلولق له ضوء ما دام حيا ، إلى أن رقّ عظمه وبلي جلده وأسلم روحه بارئها .
    فكان لا بد أن يرى نفسه فيك ويسري على منهجك ، ما دام كريم الطرفين كمثلك أيها الفارس ومثل أرومتك .
    قال عنترة : حسبكِ يا فتاة ، فإني رقيق القلب ولا أريد أن أبكي فأرسل شئون[1] العين .
    قالت مينا : بربك يا مسك الرجال ، أطربني وأنشدني ( إذا كان دمعي ) :
    قال عنترة لبيكِ أيتها المرأة ثم أنشد على الطويل :
    إذا كان دمعي شاهدي كيف أجحد **** ونار اشتياقي في الحشا تتوقـــــد
    وهيهات يجفي ما أُكنّ من الهوى **** وثوب سقامي كل يوم يتجــــــدد
    أُقاتل أشواقي بصبري تجلـــّدا **** وقلبي في قيد الغرام مُقيّـــــــد
    إلى الله أشكو جور قومي وظلمهم **** إذا لم أجد خِلاّ على البعد يعضـــد
    خليليّ أمسى حُبّ عبلـة قاتلــي **** وبأسي شديد والحسام مهنـــــّد
    حرام عليّ النوم يا ابنة مالـــك **** ومَنْ فَرْشه جمر الغضا ، كيف يرقـد
    سأندب حتى يعلم الطير أننـــي **** حزين ويرثي لي الحمام المغــــرّد
    وألْثِمُ أرضا أنتِ فيها مقيمـــة **** لعل لهيبي من ثرى الأرض يبــــرد
    رحلتِ وقلبي يا ابنة العمّ تائــه **** على أثر الأظعان للركب ينشـــــد
    لئن يشمت الأعداء يا ابنة مالـك **** فإن ودادي مثلما كان يُعهــــــد
    ــــــــــــــــ
    هام الجميع برائعته هُيام مجنون ذاع صيته ،،،
    ثم قال : من منكنّ تحفظ عني قولي ( لِمَنْ طَلَلٌ ) ؟ قالت مارية : أنا يا عنترة .
    قال : إذن أنشديها نشيد متمكّن ، وترنّمي بها ترنم عاشق ندّ عنه ما ندّ ، مع إعطاء كل حرف حقوقه الكاملة من المخارج ،،، هيا يا مارية ؟
    قالت على الطويل :
    لِمَنْ طَلَلٌ بالرِّقْمَتَيْنِ شَجَانِـــــي **** وَعَاثَتْ بِهِ أيْدِي البِلَى فَحَكَانِي
    وَقَفْتُ بِهِ والشَّوْقُ يَكْتُبُ أسْطُــراً **** بِأقْلامِ دَمْعِي في رُسُوْمِ جَنَانِي
    أُسَائِلُهُ عَنْ عَبْلَةٍ ، فَأجَابَنِـــــي **** غُرَابٌ ، بِهِ مَا بِي مِنَ الهَيَمَانِ
    يَنُوْحُ عَلَى إلْفٍ لَهُ ، وإذَا شَكَـــا **** شَكَا بِنَحِيْبٍ ، لا بِنُطْقِ لِسَـانِ
    وَيَنْدُبُ مِنْ فَرْطِ الجَوَى فَأجَبْتُـــهُ **** بِحَسْرةِ قَلْبٍ دَائِمِ الخَفَقَــانِ
    أَلاَ يا غُرَابَ البَيْنِ لَوْ كُنْتَ صَاحِبِـي **** قَطَعْنَا بِلاَدَ اللهِ بِالـــدَّوَرَانِ
    عَسَى أنْ نَرَى مِنْ نَحْوِ عَبْلَةَ مَخْبَراً **** بِأيَّةِ أرْضٍ أوْ بِأيِّ مَكَـــانِ
    وَقّدْ هَتَفَتْ في جُنْحِ لَيْلٍ حَمَامَــةٌ **** مُغَرِّدَةٌ تَشْكُوْ صُرُوْفَ زَمَــانِ
    فَقُلْتُ لها : لَوْ كُنْتِ مِثْلِي حَزِيْنَــةً **** بَكَيْتِ بِدَمْعٍ زَائِدِ الهَمَـــلانِ
    وَمَا كُنْتِ فِي دَوْحٍ تَمِيْسُ غُصُوْنُـهُ **** وَلا خُضِبَتْ رِجْلاكِ أحْمَرَ قَانِي
    أيَا عَبْلَ لَوْ أنَّ الخَيَالَ يَزُوْرُنِـــي **** عَلَى كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً لَكَفَانِــي
    لَئِنْ غِبْتِ عَنْ عَيْنَيَّ يا ابْنَةَ مَالِــكٍ **** فَشَخْصُكِ عِنْدِي ظَاهِرٌ لِعَيَانِي
    غَدَاً تُصْبِحُ الأعْدَاءُ بَيْنَ بُيُوْتِكُـــمْ **** تَعَضَّ مِنَ الأحْزَانِ كُلَّ بَنَـانِ
    فَلاَ تَحْسَبُوا أنَّ الجُيُوْشَ تَرُدُّنِــي **** إذَا جُلْتُ في أكْنَافِكُم بِحِصَانِـي
    دَعُوا المَوْتَ يأتِيْنِي عَلَى أيِّ صُوَرَةٍ **** أتَى ، لأُرِيْهِ مَوْقِفِي وَطِعَانِـي
    ــــــــــــــــــ
    أطربت الفاتنة ورب البيت ،،، أطربت وأشجت ،،، فقلت لها : ما كل هذا النظم يا مارية ؟
    قالت : أحبُّها لأني أشم فيها رائحة المرقسي ،،، .
    قال عنترة : أتعنين الملك الضليل ؟
    قالت : نعم ،،، قال : ذاك رجل بلغ من السمو ما بلغ ، ولن يُتَاخِم حدوده أحد .
    قلت لمينا : ما قولك ؟
    قالت : وهل أبقى الجاهلي لنا من مُتَرَدّم[2]ِ ؟ ،،، ولعل عنترة سمع لفظة جاهلي فلم تَرُق له. فقال : ماذا تعنين بجاهلي ؟ قلت له : إنها لا تقصد شيئاً .
    قال : بل قصدت ،،، وإن النفس لتتوق لِسَبْي هذا البياض لأعود به إلى ديار بني عبس ، ثم أقول لهم : ضننتم عليّ بعبلة فدونكم هي واشبعوا بها ،،، فيكفيني هذا السبي .
    قلت له والرعدة دبّت في الأوصال : السبي !!!! ما هذا يا شيخ العرب ويا سيد السادة ؟
    قال : هي كلمة قُلتُها ،،، وأمر ليس من إنفاذه بُدّ .
    نظرت إلى مينا بوجل وقلت لها : أرَحْتِ الآن ،،، أرحتِ ؟ كيف أدفع هذا الذي تخشاه الجنّ والإنس عن بُغيته ؟ ،،، ثم قلت لعنترة : إنها والله تقصد أن أدب الخطاب الجاهلى لا يعلوه خطاب إذ لم تبقِ لها قولا تستطيع هي قوله ،،، فقط والله .
    ثم رفع سبابته كقطعة حطب فاحم ولوّح بها أن ( لا ) ،،، وقال : السبي ،،، ولا محيص عنه.
    قلت : لن تفعل يا عنترة ،،، نظر إليّ نظرة ذئب تاق للحملان وقال : إمنعهن مني إن استطعت ،،، ولنتبارز بالأسياف ، فأيّنا عجّل في قتل صاحبه حاز السبي ومضى به .
    قلت بتعجب : أيّنا عجّل في قتل صاحبه !!! والله إني لأعرف النتيجة ،،، ثم نظرت إلى البنتين وقلت لهن : أستحلفكنّ بالله ، إذا قُضي الأمر أن تُحْسِنّ الصلاة عليّ قبل ظعنكنّ .
    قالت مينا : لا تقل هذا ،،، وكن بطلاً شجاعاً يشق غبار المعارك والحروب كَحَيْزوم[3] السفينة يمخر عباب الماء .
    ثم جعلنَ يصفقن ويَهْتِفْنَ بأنشودة الحرب ( نحن الذين ، ونحن الذين ) ، وباسمي مرة أخرى !!! .
    فقلت لهن : ماذا تفعلن ؟ قلن : نقوم بتشجيعك ! ،،، قلت : هِهْ ، سيّان ، فعلتن أم لا ،،،، هل تُدركنَ من هذا الأسود ؟
    قلن : نعم ، عنترة !،،،،،،،، قلت : فقط عنترة وفقط !!! ؟؟؟ هذا الذي أغار على الجحافل والكتائب ، فما استطاعوا له محاصرة !!! ،،، أم أنكنّ تحسبونه كمثل الذي أجاد الرقص والغناء هذه الأيام مُدّعيا الرجولة وهي عليه أكذب من سراب ، حيث أيما امرأة تأنف من أن تُنْكحه نفسها ؟ إنه عنترة ،،، عنترة .
    ثم تأهّب عنترة وقال :
    أحِنّ إلى ضرب السيوف القواضب **** وأصبوا إلى طعن الرماح اللواعب
    تطير رؤوس القوم تحت ظلامها **** وتنقضّ فيها كالنجوم الثواقـــب
    ــــــــــــــــ
    قلت : ويحنا ،،، لقد غلب عليه إرث الخئولة .
    قالت مارية مشيرة إليّ :
    وهذا الربيع لمن يحلّ بساحته **** أسدٌ إذا ما الحرب أبدت نابها .
    ـــــــــــــــ
    نظرت إليها وقلت لها زاجرا : أصمتي ،،، لا أريد أن أكون ربيعا ولا أسدا ، هل فهمتِ ؟
    قال عنترة : ما هذا ؟؟؟ إنه قولي : وأنا الربيع لمن يحلّ بساحتي .
    قالت مارية : أعلم ذلك ،،، غير أني تمثّلته مع بعض التبديل لدفع الحسين إلى النزال والسجال .
    ثم وضعت يدي على خدي وجعلت أنظر إليهن باستغراب ، وهن يُحدقن بالمقل القواطع إليّ طورا ، وإلى عنترة مرة ، وإلى بعضهن تارة !!! وأنا لا أدري أيّهم أقتل لي ، عنترة أم المقل .
    وفجأة ،،، ضحك عنترة حتى كاد أن يُغشى عليه ، وحتى ران علينا العجب العجاب .
    فقلت له : علام تضحك ؟
    قال : أنا رجل كريم ، شريف ، رجل أخلاق بالغة السمو ،،، كيف صَدّقت يا حسين أني أبغي السبي ، أو أخون الصحب ؟ والله ما هذه الأفعال من سجاياي أنا : عنترة بن شداد بن معاوية بن ذُهل بن قُراد المخزومي بن ربيعة بن غالب بن عبس .
    وكيف يا رجل ، أقتل رجلا أحسن وأكرم وفادتي ، وأجلسني بين حِسَان كلهنّ أوانِس ؟
    قلت وأنا أرسُف بأصفاد الخجل : عذراً ،،، ووالله إن لفظة ( عذرا ) لتضيق بما ينبعث من النفس ، وحسبك من النَظَرات قراءة .
    قال وهو الكريم : لا بأس .
    ـــــــــــــــــ
    ثم تقاصر الليل وتوارت جحافل الظلام حتى بدأ بالإنسلاخ ،،، وحتى همّ كل في لَمِّ رحله لِيُقِلّ نفسه إلى أوْبته .
    فقلت لعنترة : قل شيئا للحِسان قبل الرحيل ؟
    قال : قلت في عبلة آنفا ، والآن هن الشاهدات ، وإذن فالتشبيب بعبلة غير أنه مُهدى لهن ، فأنشد على الطويل :
    خليليّ ما أنساكما بل فداكمــا **** أبي وأبوها ، أين أين المُعرّج
    فيا طالما مازحتُ فيها عبيلــة **** ومازحني فيها الغزال المُغَنَّج
    أغنّ مليحُ الدّلّ أحورُ أكحــلٌ **** أزجُّ نقيّ الحدّ أبلجُ أدعـــجُ
    لهُ حاجبٌ كالنُّون فوق جفونـه **** وثغر كزهر الأقحوان مُفَلّــجُ
    ورِدْف لهُ ثِقْلٌ وخصر مُهَفْهَفٌ **** وخدٌّ به وردٌ ، وساقٌ خَدَلّــجُ
    وبطنٌ كَطَيِّ السَّابِرِيّة ليّـــنٌ **** أقَبُّ لطيفٌ ضامر الكشحِ مُدْمَجُ
    لهوتُ بها والليل أرْخى سُدُولهُ **** إلى أن بدا ضوءُ الصباح المُبلَّجُ
    أراعي نجوم الليل وهي كأنهـا **** قواريرُ فيها زِئبقٌ يترجــرجُ
    وتحتي منها ساعد فيه دُمْلُــجٌ **** مضيءٌ وفوقي آخرُ فيه دُمْلُجُ
    ألا إنها خيرُ القصائد كلِّهـــا **** يُفَصّلُ منها كلُّ ثوب ويُنْسَـجُ
    ـــــــــــــــــ
    قلت : ألا إنها خير القصائد ،،، ألا إنها يفصّل منها كل ثوب وينسج ،،، ألا حق لمن قيلت فيها أن تفخر بحسنها إلى أبد الآبدين .
    ثم نظرت إلى البنتين وقلت : ماذا فعلتنّ بعنترة ؟
    ضحكن وقلن : لا شيء ،،، .
    قال عنترة : طَلَبْتَ مني يا حسين إنشاد الحسان من شعري الكثير والكثير ، وأنتَ لم تقل شيئاً فلم لا تُسمعنا من نظمكَ ما تيسّر ؟
    قلن بفم واحد : نعم ،،، هيا يا حسين .
    قلتُ : وماذا أقول أمام هذا الفحل ؟
    قلن : تلك التي نظمتها على الرّمّلْ ( يا زمان العشق ) .
    قلت : ولكن ،،، قلن : ما من سماعها بُدّ .
    قلت : لكنّ ذلك .
    يا زمان العشق ( على الرَّمَل )
    ــــــــــــــــ
    في كَثيب جَالَ خِشْف كُلّمـــا **** بِتُّ أرثي عشق عيني للكـرى
    أدعج في لَحْظه فَتْك القنـــا **** يال سُهدي من غزال قد هـوى
    أحور في عينه سحر المهــا **** يرتعي في مهجتى كيف اشتهى
    أحتسي لَوْعِي بليل مذ دنــا **** وَيْ كسمّ صار حُكما في الحشـا
    رُبّ طرْف قد شجاني بالهوى **** بل ضَرِيْب من لماها قد هَمــى
    أو رُضاب بلّل السنّ فـــلا **** من حُسَيْن يُرْتَجى رُشد النُّهــى
    او نُحُور أسفَرت ، فيها البَـلا **** أستحي من نظرة منها ، أنــا
    يا مُصابي قد تمادت ها هنـا **** مُقْلة في هُدْبها بَعْث الـــرّدى
    أيّ ريح يا فتاتي أنتشـــي **** أم لقتلي تستري عنّي الطُلــى
    تستبيحي ما يُجافي عاشقــا **** تلك بلْوى ، يال أقسى مـا أرى
    قلت شعرا من لَدُنّي عندمــا **** أبْدَعَتْ سحرا فأوْهَت ما بقــى
    أصْدَقَتْ نفسي حروفا ، بثّهـا **** من لساني حيث أبلى مـا روى
    يال بطش أوعدتني حالمـــا **** تختلي بي ، وَيْ كَوحشٍ إذ خلا
    لم يكن في وصلها حب بـدى **** يا زمان العشق ليلا يُبْتغـــى
    ــــــــ حسين الطلاع ـــــــــ
    أرجو أن تنال إعجاب المتذوّقة ، مع أنه تم حذف عدة أبيات منها لحاجة في نفسي .
    ـــــــــــــــــــــــــ
    ثم تلاشى عنترة في ذيل الليل ، حتى رجع تاريخا مسطورا ، وتلاشت البنتان مقفلات راجعات إلى حيث كنّ ، وأفقتُ وإذا بي وحيدا كعهدي بنفسي بين هذه الجدر وتحت هذا السقف ،،، فبعد هذه الحبكة الظريفة أقول ( هذا أنا ، وذاك عنترة ، وتَيْنك مينا ومارية ) .
    أتمنى أن تنال الإعجاب ، فإنها رحلات بدون أجْوِزة[4] سفر .
    هذا وبالله التوفيق
    ــ انتهى ـــ
    حسين الطلاع
    2/نوفمبر/2008
    المملكة العربية السعودية -الجبيل













    [1] : الشئون هي الدموع .

    [2] : المتردم هو إصلاح الشيء وتقويته ، وهو هنا بمعنى هل أبقى لنا كلاما نصلحه لنقوله ؟

    [3] : الحيزوم مقدم السفينة الذي يشق الماء .

    [4] : أجوزة جمع جواز سفر وهو الصحيح في اللفظ ، أما جوازات فمن الأخطاء الشائعة .

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : سيرتـا
    العمر : 46
    المشاركات : 3,845
    المواضيع : 82
    الردود : 3845
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    الجميل / حسين العفنان

    و لكنك منحتنا جوازا لنسافر مع حرفك الجميل إلى عوالم خيالك الخصب , الذي أمتعنا بمحاكاة و مقارنات بديعة سقفها شعر و بلاطها نثر .
    استمتعت كثيرا و أنا أمتطي صهوة حرفك البديع , و نسجك الفريد .

    دمت مبدعا ...

    إكليل من الزهر يغلف قلبك
    هشــام
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية مينا عبد الله قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    الدولة : حيث تكون روحي
    العمر : 42
    المشاركات : 2,091
    المواضيع : 110
    الردود : 2091
    المعدل اليومي : 0.31

    افتراضي

    استاذي العزيز د. حسين الطلاع

    أحييك على كل هذا الابداع في التصور والصياغة نثراً وشعراً

    وأحييك مرة اخرى بعد ان سمحت لي برفقتكم ... وبكل هذه الروعة الادبية


    مودتي واحترامي

    مينا
    أنفاسي خطواتي نحو الممات .. و ربما تبقى لي ذكريات .. هكذا علمتني الحياة

المواضيع المتشابهه

  1. بيني وبين عنترة ( الجزء الأول )
    بواسطة حسين الطلاع في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-03-2010, 04:22 PM
  2. بيني وبين سعادتي لقياكِ
    بواسطة مصطفى عمار في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 28-10-2008, 06:14 PM
  3. دعوة للنزال بيني وبين شيخ من شيوخ شعراء الواحة ألا وهو الأستاذ محمد الحريري
    بواسطة صابرين الصباغ في المنتدى حَلَبَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةُ
    مشاركات: 78
    آخر مشاركة: 29-01-2007, 06:29 PM
  4. مساجلة بيني وبين تلميذي أمين ...
    بواسطة مجذوب العيد المشراوي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 42
    آخر مشاركة: 09-07-2006, 07:46 PM
  5. فراق بيني وبين نفسي
    بواسطة أحمد الردادي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 08-02-2006, 02:00 PM