من كتاب "المتنبي ..رسالة في الطريق إلى ثقافتنا" ص669-670:
19- وحدث محمد بن الحسن الخوارزمي قال: مررت بمحمد بن موسى الملقب بسيبويه الموسوس، وهو على مسجد عفان وهو يقول: مدح الناس المتنبي حيث قال:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ** عدوا له ما من صداقته بد
ولو قال: ما من مداراته بد- لكان أجود وأحسن!
قال: واجتاز المتنبي بمسجد ابن عمر وبسيبويه الموسوس ، فوقف عليه وقال: أيها الشيخ، كنت أحب أن أراك ! فقال له: رعاك الله وحياك !
فقال له : بلغني أنك أنكرت علي قولي:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ** عدوا له ما من صداقته بد
فما كان الصواب عندك؟

فقال له: إن الصداقة مشتقة من الصدق في المودة، ولا يسمى الصديق صديقا وهو كاذب في مودته؛ فالصداقة إذن ضد العداوة، ولا موقع لها في هذا الموضع. ولو قلت : ما من مداراته بد، أو مداجاته، أو محاباته- لأصبت! وهذا رجل منا ، وكنى عن نفسه قد قال:
أتاني في قميص اللاذ يسعى ** عدو لي يلقب بالحبيب
فقال المتنبي: مع هذا غيره؟
قال: نعم.
فقلت له: متى استعملت هذا ** لقد أقبلت في زي عجيب
فقال الشمس أهدت لي قميصا ** مليح اللون من نسج المغيب
فتبسم المتنبي وانصرف، وسيبويه يصيح: انبكم الرجل وجلال الله!