فستانُ الصبيانوائل راشدما إن دخل أبو العز بيته، حتى تراكضتْ حولهُ بناته. يختطفنَ ما يحملهُ من أكياس ويلتففنَ حولهُ بفرطِ دلالٍ ومحبة. كان الجوُ ماطراً والرياحُ تعزفُ سيمفونيةً صاخبةً، على ألواحِ القصديرِ التي تغطي فناءِ البيت، محدثةً ضجيجاً اعتادوا سماعهُ مستسلمين. التمَّتْ الفتيات حول المدفأة بعد أن أنهينَ طعامهنَ. ثم راحت أصغرهنَ تدور حول أبيها بغنج، فتارةً تتسلق على كتفيهِ وتارةً تشدهُ للخلف. وأخرى ترمي بجسدها الغض بين أحضانه. هذه المداعبات كانت تنسيه تعبه، وكل هموم حياته.
أما زوجته فكانت" مثل الجاجة إلي عليها البيضة" لا تكل ولا تمل من محاولة استرضاء زوجها بكل الوسائل. وفي كل سنة كانت تبشره بمولود جديد، حتى صار عندها أربع بنات. ففكرة الولد سيطرت على كل حياتها، و كلمات جاراتها، ووالدتها العجوز كانت ترن في أذانها كجرس الكنيسة."
"ما بيربط الرجل إلا الولاد، وما بيفرح الزلمة إلا ولد يشيل اسمه".
بعد أن نام الأولاد، تمدد أبو العز على سريره، وراح يتابع نشرة الأخبار: .... "مقتل جندي إسرائيلي في عملية استشهادية بالقدس".
- اللهم أسمعنا الأخبار الطيبة. قالها أبو العز بانفعالٍ وحماسة، ثم نظرَ إلى زوجتهِ وقال:
- والله يا سعدية لو عندي عشرة أولاد لقدمتهم فداءً لفلسطين.
وهنا نظرتْ سعدية إلى زوجها، وكأنها وجدتْ المفتاح للدخول في صلبِ الموضوع الذي شغلها منذُ عدة أيام. فتحتْ باب خزانتها وأخرجتْ منهُ فستانَ حمل. التفتتْ إلى زوجها وقالت:
- أليس جميلاً يا أبا العز.
- جميل لكنه فستان حمل. هل اشتريته؟
-لا لم أشتره. لقد استعرته من جارتنا.
- لكنك لست حاملاً !.
- نعم لستُ حاملاً لكني سأحبل. وهذه المرة بولد إن شاء الله.
ابتسم أبو العز ثم قال لزوجته: يا سعدية دعينا نحسن تربية البنات، فأنتِ تعرفين"البير وغطاه" والمولود الجديد يحتاج إلى مصاريف، وراتبي لم يعد كافياً. ولا أخفيكِ أني أبحث عن عمل إضافي، "عندي هالأربع بنات بالدنيا"، والله لم يشأ أن يرزقني بولد وأنا مؤمن بقضاء الله. هيا تعالي للنوم ودعكِ من هذا الموضوع.
-" لكن هذا الفستان لبستهُ نصفُ نساءِ الحّي وكلُ من لبستهُ رزقتْ بصبي". وهنا انفجرَ أبو العز ضاحكاً. اقتربت منه سعدية وراحت تستجديه قائلة: "أرجوك دعني أحاول هذه المرة فقط، أرجوك يا أبو العز.. أعلم أنك غير مقتنع في ما أقول، لكني سأريك النتائج إن سمحتَ لي بارتدائه.
- "اللهم أدم علينا العقل والدين". تعالي للنوم ودعك من هذه الأوهام.
بأمانة لقد أثمرت جهودها، فبعد فترة لم تفاجئ سعدية زوجها بخبر حملها.
ثلاثة أشهر تعود أبو العز رؤيةَ سعدية بفستانِ الحمل هذا. فهي لم تكن تنزعه عن جسدها الا لتقوم بغسله ، لتعاود ارتدائه من جديد.
في أحد الأيام ولدى دخوله البيت لاحظ عدم ارتداء زوجته للفستان. فشعر بأن هنالك خطب ما. تساءل عن السبب فأخبرته سعدية بأنها أحست بألم مفاجئ فزارت الطبيب الذي أخبرها بأن حملها كاذب.
في ذلك المساء ضمها إلى صدره وراح يمسد شعرها بأصابعه، عندما أجهشت ببكاء مرير. عَلِمَ بعدَ فترةٍ بأن زوجتهُ قد أحرقتْ الفستان، وتشاجرتْ مع صاحبته، التي كانتْ تؤجرُ هذا" الفستان المبروك"، والذي كلف سعدية قلادةً ذهبيةً ورثتها عن والدتها، كانتْ قد وعدتْ ابنتها البكر، بأن تقدمها لها كهديةٍ عند زواجها.
1-5-2001