بيني وبين امرئ القيس ( الجزء 2 )
ــــــــــــــــــ
سبقتني نفسي فعشقت ،،، ونضب الحب فهلعت ،،، ثم غلب العقلَ القلبُ فهام ،،، حيث كالعَتَهِ استمرأتُ امرأ القيس ، فما وجدتها إلا ألذ عادة ، آه رحم الله أبي العتاهية ، ما سُمي بهذا إلا لعته ألمّ به .
ولعل بيتا واحدا قاله الفحل في رائعته على الطويل : ( خليليّ مُرّا بي ) ، قد أنصف نساء العالمين به حيث قال :
ألمْ ترياني كلما جئتُ طارقاً **** وجدتُ بها طيبا وإن لم تَطَيّبِ .
وهذا البيت خلق هاجساً نبض به العِرق ، وارتاحت له النفس ، لا للغضب وإنما للحب ،،، فكان لا بد من تلاقي الثالوث الذي لا يتناثر عقده :
1- امرئ القيس .
2- عماد ابن الغزير .
3- وأنا ،،، حسين الطلاع .
ثم أدرنا قِداح الرأي لتحديد مكان اللقاء ،،،.
فقال الملك : لتكن تلك المدينة التي كنتُ بها فِيْلارَخاً[1] باسم القيصر ، فوالذي أنبت الحَبّ بماء السماء لا أكذبكم ، قد حكمتها حرسا من الزمن .
قال ابن الغزير : لعلك تقصد دَوْمَة الجَنْدَل ؟؟؟ .
قال الملك : نعم .
قلت : فهو كذلك ، فدومة الجندل هي مملكة بلاد العرب التي إذا ما سقطت ، سقطت على إثرها سائر ممالك وبلاد العرب ، وذلك إبان أوجها وعظمتها ،،، وإذن فليكن موعدنا بِسَحَرٍ من اليل .
وما أن حلّ السحر حتى دعانا لِهُدُوّه كأنه يفخر بضيفه ، فجلسنا تحت سماء اكتظت بالنجم والكوكب ، وشهب لمع نورها واستطال ذيلها ، ثم تستحيل من شيء إلى لا شيء .
فقال ابن الغزير : ما أم جندب تلك التي تُطَيّب دِرْعها[2] بطيب بدنها ، أمرأة هي أم خرجت من غير الأرض ؟
قال الملك : آهٍ يا بن الغزير ، ما طرقتها ليلا إلا وجدتها العَرُوب ،،، بَهْكَنة[3]، يخالط بياضها حُمرة ، إن أقبلت أقبلت مرتجّة اللحم ، وإن أدبرت صارت كأنها الناقة في رودانها .
إنها أُمَيْمَة وكنيتها أم جندب ، لينة القصب ممشوقة القوام عنقاء عُطبول ، خَدَلّجَة[4] الذراعين ما إن تمسح شعرها بيدها حتى ينبلج ذلك الإبط ،،، فإذا انبلج أخذته العزة في عرض ريحه الشذي ،،، فإن عرض كان طيبا وإن لم تطيّب ،،، وحتى ظننت كل الظن أن المسك وطيوب العرب والفرس ما هي إلا فضلة عَرَقِها وعصارة بدنها .
قلتُ : ذكرتني أيها الملك بكُثَيّر عَزّة ، إذ دخل ذات يوم على السيدة : سُكَينة بنت الحسين رضي الله عنهما ، فقالت له السيدة : أخبرني يا بن أبي جمعة عن قولك في عزة :
وما روضة بالحزن طيبة الثرى **** يمج الندى جثجاثها وعرارها
بأطيب من أردان عزة موهنا **** وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها
ويحك ، وهل على الأرض زنخية منتنة الإبطين توقد بالمندل الرطب نارها ، إلا طاب ريحها ؟ ألا قلت مثل عَمِّكَ امرؤ القيس :
ألم ترياني كلما جئت طارقاً **** وجدت بها طيبا وإن لم تطيّب !
وكما تعلم يا أبا زيد[5]، أن كلمة العم في لغة العرب تعني السيد أو الرئيس أو الشيخ إن كان لا يقصد بها العم الحقيقي .
فتبسم امرؤ القيس وقال : من تلك ؟
قلت : هي من أمم قد خلت ،،، وانت كنت في زمانها من امم قد خلت أيضا .
قال : إيه ،،، قد فهمت ، يبدو أنك ستقول لي مرة أخرى ( بادوا منذ أزمان ) .
قال ابن الغزير : يبدوا أن سكينة استملحت قول الملك ، وعرّضت بقول المتيّم صاحب عزة ، إذ لا ينبغي له قول : وقد أوقدت بالمندل الرطب نارها .
قلت : نعم ،،، فكأن كُثيّر قد أوضح للعالمين أن عزة منتة الريح ، ولم تقشع تلك الرائحة إلا بحرق المندل ،،، وهي طبعا لم تكن كذلك ، غير أن العاشق أساء التعبير .
قال ابن الغزير : لنعد إلى أم جندبك يا أبا وهب ، ما كان من أمرها ؟
قال الملك : كانت إذا انتشت ريحي تأهّبت ، فتخلع الصدار وتضع الإتْب تارة ، وأخرى تضع الشَّوْذَر ،،،،،،، .
قلت : وما الإتب والشوذر ؟
قال : قمص تعمد إليها أميمة عند التبذّل والخلوة ، وهي غاية في القصر واللطافة ، ما إن تضعه حتى تفرّ كل حبسة تحبس الرجل .
قلت : ويحك أيها الملك ، أوَتفعل ذلك تلك الطائية أم جندب ؟
قال : إذن انت لا تدري ما الخَيْعَل ؟؟؟ وكيف تبدو أميمة حين تلبسه ؟
قال ابن الغزير : وما ذاك أيضا ؟ وكيف تبدو ؟
فضحك الملك ثم قال : الخيعل وما ادراك ما الخيعل ،،، قميص لا أكمام له مخيط من جانب ومفتوح كالشق من الجانب الآخر ، إن تحركت لا يتماسك ، وإن جلست بضّ بِضّها حتى لا تدع عقلا في رأس .
ـــــــــــ
فنظرتُ تلقاء ابن الغزير بطرف عيني ، وإذا به يبادلني النظرة ذاتها ، ثم قلت له : أهو ما نسميه بلغة العامة ( قميص النوم ) ؟
قال : بلى ، غير أني أظنه أدهى من خِلَق العصر الحديث التي يسمونها قمص النوم ، ألم تسمع قول الملك أنه مخيط من جانب ومفتوح من الآخر ، فوربك إن الذي لا يتماسك هو العقل لا الرداء .
فانتبه الملك ثم قال : بم تُدَنْدِنان ؟
قلت : بخيعل أم جندب يا بن حُجر .
قال : عجبا ،،، أوَليس عندكم ما هو أدهى مما عندنا ؟ رشاقة قَدّ وظرافة لسان ، وسحر طرف وأطائب أبدان ؟؟؟ .
بَرْطَم ابن الغزير وحكّ صدغه الأيسر ثم التفت نحوي وقال : أتبدأ أنت يا حسين أم أكون أول من يبدأ ؟
قلت : بل أدعك تنال شرف البدء ، فما سِنِيّ عمري في النساء إلا كمثل القطرة في البحر ،،، أما أنت فما تلتف ذات اليمين أو ذات الشمال إلا لترى حسناء وافرة ، أو فرعاء قاهرة ، إن نطقت ألجمت ، أو نظرت أخرست ، أو ضحكت قتلت ،،،،،، فهات ما عندك ؟
قال ابن الغزير : هكذا إذن !!! ،،، إسمع أيها الملك ،،، أما هذا الحسين ، فقد أكذبك النبأ عندما قابلك آنفا بقوله ( أنه طلب مني أن أعلمه كيف يصدع اكباد النساء ) وأيضا بقوله ( أن النساء صرن غير النساء ) .
قلت : ويحك يا صاحبي ، ما هذا القول ؟ هل نسيت أننا بحضرة الملك امرئ القيس ؟
قال الملك : ما هذا ؟
قلت : لا عليك أيها الملك ، يبدو ان صاحبي أفرط عليه الشغف ،،، حيث شاقه ما ندّ عنه .
قال الملك : وما الذي ندّ عنه ؟
قلت : تلك التي خَلّفها في الفيُّوم .
نظر إليّ ابن الغزير مبتسما ثم وقال : سأُنْفِلك رحمة من لدنّي ، كيلا يفعل بك الملك الأفاعيل ؟ .
قلت : أعلم أنك تحبني ،،، .
بم ستبدأ كلامك يا بن الغزير ؟
قال : تلك المرأة التي ......
قلت : من ،،، أتقصد تلك .... ؟
قال : هاه ،، أتعني المرأة التي عضت أذن زوجها حتى قطعتها ، وحتى صار مصلوم الأذن ، لا ،،، لا .
قلت : من إذن ؟ أم أنك تشير إلى تلك التي أرْدَت زوجها من عَلٍ ،،، حتى سَوّته بالأرض ، وحتى صرت لا ترى في الأرض عوجا ولا أمتا ؟
قال : ويحك يا حسين كيف تريدني إعلام الملك بهذا ؟؟؟ والله لتُثلّ مكانتنا أمامه .
قلت : إذن فقد غلبتني يا بن الغزير ،،، إلا إذا كنت تقصد ( هيفاء وزوجها الساحر ) .
قال : هذا ما كنتُ أبغِ .
قال الملك : تتناثان الحديث فيما بينكما وتتناجيانه ، ولا أسمع تحاوركما .
قال ابن الغزير : كنا جلوسا عند ساحر يمتهن السحر ، لا لشيء إلا من باب حب الإطلاع وحسب ،،، وكان الساحر ساعة الحديث شاحبا حزينا ، كأن هموم الدنيا جعلت فوق رأسه ، فقلت له : ما بك وما الذي يحزنك ؟
قال : امرأتي ،،، تخاف الفأر ولا تخافني ، مع اني أكبر من الفأر بألف مرة .
قلت : فلم لا تردعها ، وتريها أنك القوي الآمر الناهي بهذه الدار ؟
قال : لا أستطيع ،،، فأنا أحبها أشدّ الحب ،،، وإن باتت ليلتها غير هانئة ، بت على إثرها موسّد الهمّ والحزن .
قلت : هلا استدعيتها فنحدثها ؟
قال : إن فعلتُ ،،، هل ستجعلها تخافني أكثر من الفأر ؟
قلت : سنرشدها إلى الحق إن شاء الله .
نادى الساحر بصوته : يا هيفاء ،،، يا هيفاء هلمي .
فقلت لصاحبي الحسين هذا : سبحان من رزق هذا الساحر الذي لا شكل له غير القُلّة ، بهيفاء ،،، وكما تعلم أيها الملك أن الهَيَف صفة للمرأة اللطيفة البطن مع الحسن والإعتدال والرقّة ، بحيث لو أردت تناول أحشائها لما عازك مِشْرَط .
ثم مكثنا ننتظر قدوم الهيفاء لعل عيوننا يتحسن نظرها بحسن المَرْأى ذي الهَيَف .
وفجأة سمعنا ما يشبه سقوط الحجارة من السماء ، حتى ظننا أن السقف عما قليل سيسجد على رؤوسنا !!! . فقلنا للساحر : ما هذا ؟
قال : إنها الهيفاء تنزل الدرك[6]،،، .
وما أن أنهى كلامه حتى امتثل أمام الباب مخلوق غير صريح المعالم ،،، قال لنا الساحر إنها مخلوقة واسمها هيفاء ، ويبدو أن عقابه من الشناعة والشدة بحيث أقرن بها كزوج ، وأمسى من المنكوبين .
ثم قال لها الساحر : أدخلي يا هيفاء وسلّمي على أضيافي ،،، ولا يغلبنّك الخجل يا عبق الورد !!! .
ثم فتحت الباب على مصراعيه لتدخل فلم يتسنى لها ذلك إلا على حرف ،،، فحاولت إدخال جانبها الأيمن إلا أنها عَلِقَت !!! فانبرى لنا شقها الأيمن كجسد عظيم الهيئة بفخذين كبيرين ، فقلت للحسين : ما هذا ؟
قال : يبدو أن الفخذ العلوي هو ما يعرف عند بقية النساء بالذراع أو الساعد .
قال الساحر : أدركوا امرأتي كيلا تتأذى .
قلت له : يا رجل ، لقد علق الثدي الأيسر وهيهات له الخلاص .
قال : عالجوا أمرها ،،، ثم بدأ يبكي !!! .
ثم وثم ،،، هكذا وهكذا ،،، حتى خلصت إلى صحن الغرفة .
قال الملك : هاه ،،، ثم ماذا ؟
قال ابن الغزير : لا أستطيع استرجاع الصور ، ولكن ليكمل الحسين .
قال الملك : أكمل يا حسين .
قلت : دخلت هيفاء ،،، ووالله لقد وضعتها أمها ، لأنها وضعتها وحسب ، غير أنها أكذبتها على العالمين بهيفاء إذ لم تكن قط هيفاء ،،، بل طُرْطُبّة[7] .
ثم مشت مدبرة لتتناول متكئاً لتجعله تحت إبطها ،،، فلما سارت ما كان من كل ردف إلا أن يسابق صاحبه في ملامسة الأرض مع كل خطوة قدم ، وكان لعظم جسامته إن جلست أقامها أو قامت أجلسها كما قالت الأعرابية في وصف بعض النساء .
فلما لم تجد ما يناسبها عادت مقبلة يرتجّ أسفلها وأعلاها حتى ظننا الأثداء استحالت إلى سِقائين كبيرين بالماء ممتلئين .
قال الملك : ألهذا الحد هي من البدانة ؟
قلت : يا أبا وهب ،،، أقول لك لو أرادت إرضاع قرية كاملة ، لأوفت لكل نفس حق الرضاعة دون نقصان !!! ولدرّ درّها مددا من بعده مدد .
قال الملك : أَأُم لأولاد تلكم البادنة .
قلت : أما أم ،،، فلا أعرف ، لأنني لست أدري كيف ينتج منها أولادا هذا العُصيفير المسكين .
قال الملك : أتعني بالعصيفير زوجها ؟ كيف وقد وصفتموه بالقُلّة ؟
قال ابن الغزير : كان ذلك قبل رؤيتنا لهيفاء .
ضحك الملك ثم قال : هِهْ ، ثم ماذا بعد ؟
قلت : ثم جلست تلك الهيفاء ،،، وما أن تربّعت حتى اتكأ كل ثدي على فخذ ، وحتى صارا كصبيين نائمين في حِجْرها .
نفخ الملك بفمه ثم قال : أوَتقولان الحق ، ولا شيء غير الحق ؟؟؟ .
قال ابن الغزير : أما الغلو فوالله لا أحبه ،،، وحتى لا نظلم المرأة ،،، لم يجاوز طرف الثدي من لدن الحَلَمة حَدّ الركبة ، إلا بمقدار ما تراه من راحة اليد ، وإن الحق يقال أيها الملك .
قال امرؤ القيس بتعجب : وكيف اشتملت على الثديين طُرْطُبّتكم تلك ؟؟؟؟؟؟ .
قلت : لعلها حاكَتْ مُلائة أو ملائتين لتشتمل ،،،،،،،، ولكن الغريب أيها الملك : كيف هي تخاف الفأر ؟؟؟ .
قال ابن الغزير : أتدري أيها الملك ، لو أن زوجها هذا سقط في حجرها لجهدنا في البحث عنه ،،، فما ظنك بالفأر ؟ وكيف تخشاه ؟ ولم ؟
قال الملك : لعله الدلّ والغنج الذي يغلب على النساء ،،، أليس كذلك يا حسين ؟
قلت : أما هذا ،،،، فاسأل به خبيرا ،،، ثم أشرت بيدي نحو ابن الغزير .
حملق بي ابن الغزير ثم قال : لكأني بك يا حسين تتملّص من كل علوم المرأة ، وحتى عدت كطفل يضع ما هبّ ودبّ في فمه ليتعرّف حقيقته ؟ أيعقل هذا ! ؟
ضَحِكْت ثم قلت : هو ليس بالتمام كما ذكرت ،،، غير أني فيما مضى رأيت امرأة كأم جندب تعشق الورد ، فقلت لنفسي لأهدينّها في الغد وردة .
فبت أتحرّى ذلك الصباح على وخز مضجع مرة وأرق ،،، وعلى سهد عين مرة وقلق ،،، حتى ظهر حاجب الشمس ، وصرت أرقبها حتى اكتمل قرصها وسطع نورها .
فَدَلَفْت نحوها وبيدي الوردة ، ثم طرقت الباب فسبق ريحها بدنها ، فما انفتح الوصيد حتى رأيت ما لم أر من قبل .
فأهديت إليها الوردة ،،، فابتسمت بشفاه لا أدري كيف شُقّت عن لؤلؤ نصع ما نصع حتى أجّ الوهج من هناك ،،، ثم سَجَدَت أجفانها مطرقة تترجم آيات الشكر ، وقد ظهر حَدَبها على الحدقة ، فقتلت ثم قتلت ثم قتلت حسينا كان يُعدّ من الراشدين .
فآليت ألا أقربهن البتة ، فرأسي أولى بعقلي ....... هل أدركت من أنا يا بن الغزير ؟؟؟ .
أجهش ابن الغزير ثم قال : آه وألف آه من مذبح الجفن ،،، كان الله بعونك يا حسين ، والله لقد بلغنا من لدنك عذرا ،،، ثم لم يتماسك فأرسل البكاء من مكمنه .
قال الملك : كنا في أم جندب ، ثم في الطرطبة ، ثم في ساحرة الجفن ،،، ألا عدنا لأميمة لأقول فيها :
عقيلة أتراب لها لا دميمـــــة **** ولا ذات خلق إن تاملت جانب
ألا ليت شعري كيف حادث وصلها **** وكيف تراعي وصلة المتغيب
أقامت على ما بيننا من مـــودة **** أميمة أم صارت لقول المخبب
والله أيها الصحب ما أوفيتها حقها .
قلت : إن كانت كذلك ، فلم قتلتها إذن ؟
قال الملك : من قال ذلك !!؟؟ .
قال ابن الغزير : زعم الرواة ،،، أنها آثرت الشاعر الكبير ( علقمة الفحل ) ، حيث قالت أنه أطيب وألذّ للنساء منك ، أما أنت فثقيل الصدر و.... الخ ، حيث لم تجد عندك ما يرضيها ،،، ولهذا فقد آليتَ لتقتلنّها ،،، وقد فعلتَ حسب الزعم أيها الملك .
قال الملك : أما قولها ذاك ،، فقد قالته أم جندب فيّ ، وقد أنفلتها طلاقا هي به أوْلى ،،، ثم بنى بها علقمة ، وليعلم الجمع أن علقمة ما لُقِّب بالفحل إلا لأنه خلفني على أم جندب ، وحقا لمن يخلف فحلا كامرئ القيس أن ينال شرف الفحولة ،،، وقد نالها علقمة .
اما القتل ،،، فكما قلتَ يا بن الغزير ( زعم الرواة ) ،،، ثم إني كنت في شغل شاغل ما بين الحروب والملك في بلاد العرب ، وبين السفارات والموادعة في أنقرة ، ولم يكن قتل أميمة أكبر همّي .
هلا أمعنتم النظر بما سلف من أبيات ،،، والله إنها لتنفي كل فكرة قتل خامرت عقول الرواة ، غير أن الحشد والإجتلاب كان لا بد منه لملئ الحواشي والمتون .
قلت : صدقت أيها الملك ،،، صدقت
نظرت لابن الغزير وقلت له : بربك يا شقيق روح الحسين ، هل ما تلوكه ألسنة العامة شعرا أم هذا الذي يتناثر شذرا من فِيْهِ ،،، أقصد امرئ القيس ؟
قال بعد أن أطرق هنيهة : بل هذا ،،، بل هذا .
وبينا نحن نسمر ليلتنا تلك ،،، إذا بصوت يشبه حفيف الشجر ، فالتفتنا وإذا به أبو الحِسْل[8] ،،، جاء ليتحفنا بلحمه اللذيذ .
فقال الملك : أدركه يا بن الغزير إنه خلفك .
قال ابن الغزير : أدرك ماذا ؟؟؟ .
قلت : ذلك الضّب يا صاحبي .
قال : ولم ؟
قلت : لنذبحه ، ثم نطبخه ، وبالتالي نأكله .
قال : نأكل هذه السُحْلِيّة !!!! ؟ ولم ؟ وأين الخروف والتيس ؟
قال الملك : بل قل أين السنام والكبد ، غير أن هذا الضب تشتهيه النفس كما يشتهي الرجل لمى العذراء .
قلت لابن الغزير : لم يدع لك الملك حجة ،،، ستأكل ولات حين مناص .
قال : لن آكل حتى لو خرجت نفسي من جسدي .
قلت محاولا تهدأته : نحن لن نأكل الضب بكامله ،،، مجرد العُكْرة[9] والوركين والفخذين ، ولا بأس بالذراعين إن كان سمينا ،،، فقط .
قال الملك : هيا عاجلوه الذبح قبل أن يفر ويغيب في جحره .
ففعلنا ، وأضرمنا النار حتى صارت جمرا ، ثم قمنا بشويه ،،، حتى إذا وجبت جنوبه تناول الملك قطعة فأكلها ، ثم أنا وأخرى ناولتها ابن الغزير فأبى .
قلت له : ذق ،،، قد تستطيبها ، وإلا فالفظها .
ثم غلبه الحياء فجعلها في فيه ،،، فما استنكر طعما ،،، فسمعت قفقفة حنكه وأسنانه ،،، فعلمت أنه تقبلها ،،، فتناول قطعة أخرى بيده فلاكها حتى ذهبت في جوفه ،،، وما فرغنا من عشائنا حتى سمعت ابن الغزير يتمطق ويلطع بلسانه ، وما كان هذا إلا لشيء لذيذ طيب أكله .
قلت له : كيف وجدت الضب يا صاحبي ؟
قال : لم أذق لحما طيبا كمثله ،،، ألهذا قال عنكم الكوفيون : أنكم ( حَرَشَة الضِبَاب وأكَلَة اليرابيع ) ؟ .
قال الملك : نعم ، نحن حرشة الضباب وأكلة اليرابيع ،،، من الضب تعلمنا الحكمة ، ومن اليربوع السياسة ،،، هاك هذه القصة :
جلس الضب ذات يوم مع ابنه الحسل يعلمه أمور الحياة ،،، وكان كثيرا ما يردد عليه الحذر ثم الحذر من الحرش .
فتعجب الحسل ، ما هذا الحرش الذي يخشاه أبي ،،، فرأى حية تسعى قرب جحره ، فقال الحسل : أهذا الحرش يا أبي ؟
قال الضب : بل الحرش أعظم وأجلّ .
قال الحسل : وكيف هو ؟
قال الضب : سأريكه ،،،، ثم سارا حتى شاهدا رجلا يسير .
فقال الضب لابنه : هذا هو الحرش .
قال الحسل باستغراب : هذا !!! .
قال الضب : نعم ،،،،،، فهو المخلوق الوحيد الذي يُخْرجكَ من جحرك ،،، فالحذر الحذر بني .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
فضحك ابن الغزير وقال للملك : أحسنت يا سيد العرب .
قلت بعد أن تمادّ بنا الوقت : إن الصبح يوشك أن يتنفس ،،، هلا تفرقنا ،،، على أن نتّعِد أخرى ؟؟؟
قال الملك : نعم ثم نفض ثوبه وغاب عنا .
وقال ابن الغزير : نعم
قلت له : أين تقترح لقائنا المقبل ،،، وهل ترى من أحد يكون برفقتنا ؟
قال : دع المكان لساعته ،،، ولكن أنت هل ترى من أحد ؟
قلت : والله إنهم كثر ،،، ولست أدري ربما أنت أدرى .
ـــــ إنتهى ـــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــ ـــ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله .
1- : الحبيب ابن الغزير
وأيم الله ما ذكرتك بهاجسي هذا إلا لحب سبقني إليك ، وأنفاس وأرواح عرفتني عليك ، وفضائل ومكارم أخلاق منك وإليك .
إن كنتُ أحسنتُ فالحمد لله على أن وفقنا للإحسان ، وإن كنتُ أسأت فالعذر العذر فما هي إلا مداعبة ، فتقبلها مني فما أنت إلا كريم .
2- : أما النساء
فوالله ما سلف كان تفكهة لا تمت إلى الحقيقة بصلة ، بل هي من وحي الهاجس ، وإن المرأة ليست النصف وحسب ، بل ماء الحياة وورد الربيع ، ومن تنكر لهذا فقد أكبر القول وجاوز الحد ، فمعذرة لكل واحدة وتحية لكل من وضعت قدمها على أديم الأرض .
فوربي لست أنا بالذي يداهن ، بل مقولة حق اشتمل عليها الصدر .
هذا وبالله التوفيق
حسين الطلاع
3/5/2008 م .
المملكة العربية السعودية - الجبيل





[1] : الفيلارخ هو الحاكم بإسم القيصر في ذلك العصر .

[2] : الدرع لباس للمرأة لا يخلو من التزيين أعلاه كالصِدار ، قالت العرب ( كل ذات صدار خالة ) .

[3] : العروب هي المحببة للرجل ، والبهكنة جميلة الوجه غضة ناعمة البشرة .

[4] : سمينة الذراعين

[5] : إحدى كُنى امرئ القيس ( أبو وهب ، أبو الحارث ، أبو زيد ، ذو القروح ، الملك الضليل ، فحل الشعراء )

[6] : نقول للصعود ( صعد الدرج ) وللنزول ( نزل الدرك ) .

[7] : الطرطبة هي المرأة العظيمة الأثداء الجسيمة بحيث إذا تربعت جلسا على فخذيها كصبيين .

[8] : أبو الحسل : كنية الضب .

[9] : العكرة هي الذيل