أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: مع الدكتور طه وادي

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي مع الدكتور طه وادي

    طه عمران وادى
    (1937 ـ 2008م)
    ........................

    *اسم الشهرة : د. طه وادى.
    *تاريخ ومحل الميلاد : 1 اكتوبر عام 1937 ، المنصورة.
    *المؤهلات العلمية :
    - ليسانس الآداب ، قسم اللغة العربية من جامعة القاهرة 1960.
    - دبلوم التربية وعلم النفس من جامعة عين شمس 1961.
    - ماجستير فى الآداب من جامعة القاهرة 1965.
    - دكتوراه فى الآداب من جامعة القاهرة 1971.
    *التدرج الوظيفى :
    - أستاذ الأدب العربى بكلية الآداب ، جامعة القاهرة
    كما قام بالتدريس فى الكثير من الجامعات ومنها:
    كلية الآداب ، جامعة القاهرة , وأكاديمية الفنون, وجامعة المنصورة, فروع جامعة القاهرة بالسودان وبنى سويف, وجامعة الإمارات العربية المتحدة, وجامعة قطر , ومعهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة , وجامعة أم القرى.
    *الهيئات التى ينتمى إليها :
    - عضو لجنة الدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة.
    ـ عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب بمصر.
    * المؤتمرات التى شارك فيها :
    - حضر عددا من المؤتمرات الأدبية فى كل من مصر والسعودية والإمارات العربية وقطر وليبيا والكويت وإسبانيا وإيطاليا.
    *المؤلفات العلمية والإنتاج الأدبى :
    له الكثير من الدراسات والمؤلفات الأدبية والنقدية والدينية منها:
    - عمار يا مصر: مجموعة قصصية 1991.
    - الأفق البعيد (رواية) 1992.
    - الليالى ، سيرة ذاتية 1992.
    - شعر شوقى الغنائى والمسرحى 1994.
    - الشعر والشعراء المجهولين فى القرن التاسع عشر 1995.
    - ديوان رفاعة الطهطاوى 1995.
    - شوقى ضيف.. سيرة وتحية 1997 .
    - عصر الليمون (رواية) 1998.
    - جماليات القصيدة المعاصرة 2000.
    * وقد ترجمت بعض هذه الأعمال إلى اللغات الإنجليزية والاسبانية والإيطالية والصينية وتحول بعضها إلى أعمال درامية فى الإذاعة والتليفزيون, وقررت بعض الأعمال فى بعض الجامعات المصرية.
    * الجوائز والأوسمة :
    *- جائزة جامعة القاهرة للبحث العلمى فى مجال الدراسات الاجتماعية ، عام 1989.
    *توفي في 1/4/2008م.

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    عصر الليمون

    بقلم: د.عبد المنعم عبد المجيد
    جامعة المنوفية
    .................

    في عمله الروائي الجديد "عصر الليمون" (مكتبة مصر) يتجلى بوضوح إدراك الدكتور طه وادي لعناصر الرواية مثل الشخصية والمكان والزمان، كما تمتزج فيها تقنيات روائية مختلفة وبوجه خاص تقنية كتابة السيرة الذاتية مع الطرق الفنية التقليدية في كتابة القصة، حيث تتداخل في الرواية أساليب متعددة للقص والروي منها التقليدي والمعاصر والقديم والجديد والراوي شامل المعرفة وضمير الغائب وضمير المتكلم وتيار الوعي. وتتقابل فيها مفارقات عدة خاصة بالتيمات والتكنيك الجديد الذي اتبعه الكاتب، إذ يلتحم الزمان بالمكان والحياة بالموت والحاضر بالماضي واللحظة الحية الممزوجة بالتأمل في أسباب الموت؛ كل ذلك في تناسق فني يتمحور حول بناء الرواية وتصوير الواقع.
    فنحن نعتقد في بادئ الأمر أن بطل الرواية هو د.حمدي الحسيني، نائب رئيس قسم الأطفال في مستشفى الجيزة أو أحد الشخصيات من أعضاء شلة الحرافيش وأصدقاء عمر البطل منذ الصبا وشرخ الشباب: حسن الشاعر (الصحفي بجريدة الأمة ـ إحدى صحف المعارضة المصرية) وأحمد حلمي (ضابط جيش متقاعد أصيب في حرب أكتوبر 1973) وأدهم بدير (يساري قديم كان يعمل مدرسا للغة الإنجليزية غير أنه أبعد عن التدريس بعد اعتقاله أكثر من مرة وحول إلى وظيفة إدارية فاستقال وتعاقد للعمل بإحدى دول الخليج، وعاد بعد حوالي عشر سنوات وأصبح صاحب كازينو سياحي بشارع الهرم)، وسميح عبد المسيح (فنان تشكيلي)، وعبد الله عاشور (الذي كان يعمل مدرس فلسفة ويهوى كتابة القصة والرواية9؛ إلا أننا بعد أن نمضي في قراءة الرواية ندرك أن بطلها هو حسن الشاعر ـ الصحفي الضال.
    تنقسم الرواية إلى ثلاثة أقسام عامة يتناغم الأسلوب فيها والبناء الروائي في توازن وتناسق يحسب للكاتب المبدع والناقد الروائي معا. أما القسم الأول فيحتوي على أربعة فصول معنونة كالتالي: "إخوان الصفا" و"في مهب الريح" و"أوراق رسمية" و"إنهم يطفئون النور"، ويحتوي القسم الثاني على مذكرات بطل الرواية حسن الشاعر وجاء بعنوان "ذكريات صحفي ضال". وانقسم هذا الجزء الذي يمثل إضافة إلى الفن الروائي في الأدب العربي المعاصر بعد مقدمة بعنوان "تنوير وتحذير" تلتها فصول عشرة استهلها الكاتب بالفصل الأول "فصول من كتاب الحب" وتتابعت الفصول الأخرى بعناوين "الحلم والكابوس" و"خسوف القمر" و"منازل الأموات" و"متى تطلع العذراء من خدرها؟" و"جمرة الضوء" و"شرفة الأمل" و"أحزان الصباح" و"أنشودة الشوق" و"لا يزال النهر يجري". ثم جاء القسم الثالث ليضم فصلين بعنوان "هناك سيء ما" و"من قتل الشاعر؟". ويعتبر هذا الجزء بمثابة تكملة للجزء الأول، حيث يمثل الزمن الحاضر وكذا الإطار الأساسي للرواية الذي خرج منه الجزء الأوسط الذي يمثل عملية توليد لرواية داخل رواية، ويتشابه ذلك إلى حد كبير، مع تقنية درامية اتبعها كثير من كتاب المسرح الكبار ومنهم وليم شكسبير في مسرحيته (هاملت) وهي المسرحية داخل المسرحية وكانت في حالة هاملت مسرحية (مقتا جونزالو) التي أراد منها بطل المسرحية عدة أهداف من بينها إثبات تهمة قتل أبيه على عمه الملك كلوديوس كما كان لها أهداف أخرى لدى شكسبير تتعلق بتطور ونقد الحركة المسرحية في عصره.
    على أن الجزء الأول يمثل بداية تقليدية للقصة الأصلية وهي قصة حسن الشاعر التي رواها في مذكراته التي أراد ألا يطلع عليها أحد حتى بعد موته. فيروي لنا الراوي شامل المعرفة في الجزء الأول أخبار أصدقاء د.حمدي الذين يطلق عليهم شلة الحرافيش ـ وهم بالمناسبة ليسوا بحرافيش نجيب محفوظ ـ التي تجمع أعضائها صداقة عجيبة يندر وجودها في هذه الأيام التي طغت فيها المادة والقيم الدخيلة على المجتمع المصري، حيث يمهد الكاتب لمقتل حسن الشاعر واكتشاف جثته، وحيث يبث الراوي رؤيته وفلسفته في الحياة ودور الصدفة فيها. ويروي الكثير عن جذور تلك الصداقة التي جمعتهم ولقاءاتهم في شقة حسن الشاعر الواقعة في حارة من حارات الدقي القديمة. ويقول أن السبب في ذلك "ليس لأنه (أي حسن) أكبرهم سنا، لكن أكثرهم استقرارا وواقعية، بالإضافة إلى أنه أعزب يعيش في الشقة منذ تخرج في الجامعة، كان يمكن أن يغيرها بعد ذلك دون أن يدفع مليما واحدا. لا.. لن تكون رشوة. فحسن لا يقبل الرشوة أو الاستغلال، وإنما ستكون هدية أو مجاملة من بعض معارفه.. لكنه متزمت في أمور القيم والمبادئ". وسرعان ما تحدث هزة درامية وتتغير آلية السرد في الرواية بمقتل حسن الشاعر الفجائي الذي يهز كيان الشلة ويغير تقنية ومسار أحداث الرواية باكتشاف مذكرات حسن الشاعر ونشرها لتأخذ مكانا رئيسيا في بناء الرواية. ولم تجد الأوراق الرسمية (مثل تقرير ضابط المباحث وتقرير مفتش المباحث الجنائية وتقرير الطب الشرعي وتقرير وكيل نيابة الدقي) في العثور على أي دليل يقود الشرطة والنيابة إلى الجناة أو كشف سر الجريمة.
    وتتلخص مأساة حسن الشاعر في سيرة حياته التي نعرف تفاصيلها من ذكرياته، فهو يقدم في مقدمتها قصة انهيار الحلم في حياته أو كيف تحول هذا الحلم إلى كابوس مزعج ينتهي بمقتله. فنرى كيف انهار الحلم الخاص في أن يصبح صحفيا وكاتبا وربا لأسرة كسائر البشر، والحلم العام في أن تصبح بلاده في مقدمة الأمم. فالعيب يكمن في أهل هذا الزمان. وتمثل عملية تسجيل ذكريات حسن الشاعر، كما يقول هو، علاجا لنفسه من أوجاع هذا الزمان الذي ضل فيه الناس طريق الحق والخير والجمال. ثم يروي لنا قصته.. فقد انفصل والداه بعد عام من ولادته وتزوج كل منهما من آخر، واحتضنته جدته لأمه التي كان لها فضل تربيته إلى أن تخرج في الجامعة. وبعد أن عمل في الصحافة (في جريدة الأمة الجريدة الناطقة بلسان أحد أحزاب المعارضة) أراد أن يتزوج ممن أحبها ـ هالة توفيق ـ صحفية تحت التمرين في الجريدة. لكن حلمه الخاص انهار بزلزال شديد تمثل في تعرض هالة للاغتصاب الغادر على يد مجموعة من الشبان المارقين، وحيث أن هالة لم تحتمل الكارثة التي نتج عنها حمل سفاح فماتت أثناء إجراء عملية الإجهاض لكي تتخلص من آثار العدوان على شرفها وآدميتها. وربما يريد المؤلف هنا أن يوحي لنا بأن هاله لم تحتمل الحياة لأنها اغتيلت على يد هذه المجموعة الضالة. ويقدم لنا الكاتب معادلا موضوعيا للمأساة على المستوى العام يتمثل في تزامن حادثة اغتصاب هالة وموتها مع حادث اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.
    يروي حسن الشاعر قصته على طريقة تيار الوعي بما فيها من أسلوب (الفلاش باك) ويعرض لأفكاره كصحفي تؤرقه هموم وطنه، وقد فادته مهنته وكتاباته إلى مكاتب وزارة الداخلية وإلى التصادم مع من يسمونأنفسهم بالجماعات الإسلامية. وحاول أن يؤلف كتابا بعنوان (مستقبل العالم العربي في ظل الانفتاح أو الإرهاب) ويطوف بنا حسن على المشكلات الشخصية التي تواجهه في علاقته بأبيه في القرية وعلاقته بجيرانه في المدينة التي هي أيضا جزء لا يتجزأ من مشكلة الوطن كله. وتنتهي مذكرات أو ذكريات الشاعر قبل مقتله مع بداية عام 1990.
    والكاتب إذ يقدم لنا المنظومة الثنائية التقليدية للزمن المتمثلة في التوازي ما بين الحاضر والماضي والخاص والعام، فإنه يقدم لنا علاوة على ذلك ما يمكن أن يسمى بالزمن الشامل الذي يسجل الأحداث السياسية التي جرت إبان حاضر وماضي شخصيات الراوي. فالقاص حريص على تسجيل الأحداث السياسية التي أثرت على حياة الشخصيات أو تعادلت معها مثل حرب أكتوبر 1973 ومعاهدة السلام، وانتقال الجامعة العربية إلى تونس، وعودتها إلى القاهرة، وأحداث سبتمبر 1981 وحادثة اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات (6 أكتوبر 1981)، والحرب العراقية الإيرانية (1981 ت 1988) وغيرها. كما يقدم لنا الأزمات الاقتصادية التي حدثت في مصر مثل صعود وانهيار شركات توظيف الأموال. وتمر تداعيات تلك الأحداث خلال وعي حسن الشاعر في ذكرياته أو سجل ذاكرته، لأن الكاتب يوحي لنا بوجود توحد بين وعي حسن وهذه الأزمات، ولأن الكاتب يجعل من وعي حسن وعيا مطلقا قادرا على الفهم وتأويل ما يحدث على مستوى الوطن العربي الذي هو جزء من همه الأكبر.
    تتمثل الإشارات الرمزية في الرواية في جوانب عديدة منها عنوان الرواية ذاتها. فكلمة "عصر" قد تشير إلى زمن وكلمة "الليمون" ربما تدل على الكثرة على غرار المثل العامي المصري المعبر "العدد في الليمون"؛ وربما تعني كلمة "عصر" عملية الضغط الشديد على الليمونة، وتشابه ذلك ودلالته على الضغط والأزمات التي يتعرض لها إنسان العصر الحاضر الذي يمثله في الرواية حسن الشاعر الذي عصرته تجارب الحياة المرة التي مرت به، وتشير كلمة الليمون إلى عصير الليمون التي ترد في الرواية كالمشروب المفضل لحسن الشاعر وهالة توفيق ود.حمدي الحسيني.
    ولاشك أن الدكنور طه وادي ـ وهو في الأصل ناقد له باع طويل في مجال نقد الرواية ـ قد أفاد بشكل أو بآخر من وعيه بالنظريات الحديثة في السرد ومستوياته عند نقاد الرواية في الغرب. على أن ما يحسب له هنا أيضا هو الشكل المبتكر للرواية العربية وتعدد أساليب السرد في منظومة تمثل مرحلة أخرى جديدة في حياته الإبداعية، تضاف إلى رواياته الأخرى بدءا من الأفق البعيد (1984) وانتهاء بالكهف السحري (1994) ومجموعاته القصصية ابتداء بمجموعة عمار يا مصر (1980) وانتهاء بمحموعة صرخة في غرفة زرقاء (1996).
    الذي لا ريب فيه هو أن "عصر الليمون" تعد إضافة جيدة وجادة في مسيرة الرواية العربية المعاصرة قدم فيها طه وادي ـ باقتدار وتمكن ـ رؤية جديدة لأحوال العالم العربي المضطربة في ظل الانفتاح والإرهاب، كما قدم ـ في الوقت نفسه ـ تشكيلا سرديا غير مألوف، يستعين بآليات سردية غير مسبوقة في كتابة الرواية العربية.

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    الدكتور طه وادي:التصاق المبدع ببيئته .. سرُّ بلوغه مرتبة العالمية

    القاهرة - مكتب الرياض - شريف الشافعي:
    ثقافة اليوم: بعض الأدباء والمبدعين المصريين والعرب تتاح لهم فرصة المشاركة في مؤتمرات وندوات دولية، وقد تترجم أعمالهم إلى لغات أجنبية، وعندئذٍ تلقى أعمالهم رواجاً ملحوظاً وتقديراً لائقاً من المتلقي الغربي. فما الذي ينقص أدبنا العربي ليحلّق في مدارات أعلى في فضاء العالمية؟
    د. طه وادي: العوائق إجرائية بطبيعة الحال، وليست المشكلة في أدبنا العربي ذاته. فالأعمال الأدبية الجيدة حينما تتاح لها فرصة الترجمة من اللغة العربية إلى لغات أجنبية؛ يقابلها النقاد الغربيون والقراء العاديون بحفاوة بالغة، ولا شك في أن اللغة هي أكبر العوائق التي تقيّد انطلاق الأدب العربي في فضاء العالمية، وهذا العائق مرتبط بالضرورة بضعف حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأوروبية، وعدم وجود رؤية تخطيطية شاملة بين الجهات الثقافية العربية من أجل صياغة مشروع متكامل لطرح الإبداع العربي على الدول الغربية بشكل لائق. أما من الناحية النوعية؛ وليست الإجرائية؛ فأتصور أن عدداً كبيراً من الأعمال الإبداعية العربية هي عالمية بكل المقاييس، ولا تقل بأي حال من الأحوال عن مثيلاتها في الغرب، وخصوصاً تلك الأعمال العربية الملتصقة ببيئتها المحلية وواقعها الفعلي والتي تُوَظِّف عناصر التراث توظيفاً جيداً، فمما لا شك فيه أن التصاق المبدع ببيئته؛ وغوصه في تربتها؛ هو سرّ بلوغه مرتبة العالمية.
    ...................................
    *الرياض ـ في 10/9/2005م.

  4. #4
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    كن عاقلا يا حبيبي! !

    قصة قصيرة، بقلم: طه وادي
    ...................................

    كانا يجلسان- على صخرة في الناحية الشرقية لهرم خفرع- مثل جزيرة نائية في محيط لا ضفاف له. تأمل-في حسرة ولوعة- عينيها الصافيتين.. تشعان بالأمل والحب، وسط وجه أبيض رقيق رشيق، مشوب بحمرة هادئة عند الخدين. نظر إلى الصحراء المترامية والجموع المحتشدة. زحمة يا دنيا زحمة..! ! كانت شاردة مثل ملاك مطارد، هبط فجأة إلى عالم العفاريت الزرق. ضاع الكلام.. وعجز اللسان، وتبادلت العيون النجوى. لغة اللسان لغة مألوفة. البلاغة كلها في سحر العيون.. العيون التي تعرف الطريق. أحسا-معا وفي لحظة واحدة-أنهما لو بقيا أكثر فسوف يصبحان مثل الصخرة التي يجلسان عليها. سارا متشابكي الأيدي.
    - كل مرة أقول لك يا حبيبي مكان المرأة دائما على يسار الرجل، لكنك..
    - ما دخل اليسار واليمين في علاقتي بك؟ يكفي أن أكون بجوارك.
    حينما مشت بجواره، أحس نشوة ملائكية سرت في كيانه. تذكر أمراً يحول بينها وبينه، وبالقدر الذي يوجد فيه أمر، يحول بينه وبينها.
    - منى.. ماذا فعلت مع ماما؟
    - أحمد..أحبك..أحبك.
    استعادت حديث أمها معها بالأمس.
    - ما نهاية حكايتك معه؟
    - لم تسأليني عن أمر تعرفين رأي فيه؟
    - جيل آخر زمن.. تمارسون الحب كما تشاءون بكل استهتار وتطلبون منا في النهاية الموافقة دون قيد أو شرط، كأننا مدعون.. ولسنا الأهل.
    - أنا التي سوف أتزوج.. هذه حياتي أنا يا أمي، لم تغضبين، وتنغصين حياتي وحياتك بلا سبب؟.
    - لم مات أبوك وتركني وحدي للهم؟ !
    الأم تريد أن تزوجني من جارنا المعلم سليمان.. أو الحاج سليمان كما يسمونه هذا الأيام، تاجر قد الدنيا، يملك مصنع أحذية.. ومحلا لبيعها. عنده شقة وعربية.. ورصيد في البنك بالعملة المحلية والحرة. زحمة يا دنيا زحمة..! ! لن أتزوجك يا ابن الحذاء، بل إني لو كنت متزوجة منك لهربت إليه.. إلى أحمد حبيبي.. يهيأ لي أنه لو خرج من حياتي لاهتزت الأرض، وانتقلت القاهرة مكان الإسكندرية، وغاصت الإسكندرية في البحر.. وجاء الطوفان. تجار السوق السوداء والزرقاء شوهوا القيم وخربوا النفس. بالحب وحده يا أحمد ترى الدنيا بعيون بيضاء وقلوب نقية! !
    - لماذا لا تجيبين على سؤالي؟
    - ألا يكفي أنني معك؟
    أدرك سر صمتها. ما فائدة الكلام..؟ ! أمها مثل أبي، فهو أيضا غير موافق، وأقسم بكل الأيمان ألا تدخل منى بيته. يا ابني، لعب الأطفال-هذا الذي تسمونه الحب-شيء.. والزواج شيء آخر. الزواج مسئولية وفتح بيت. ألم تفكر كيف ستفتح بيتا بالخمسة والأربعين جنيها التي تقبضها.
    اقترب منهما شرطي من شرطة السياحة. أخذ يحملق فيهما بقدر من الريبة. اقترب الشرطي أكثر.. فاضطر إلى أن يترك يدها، وأن يسيرا في صمت، كأنهما في جنازة. في اللحظة ذاتها التي أولاهما الشرطي ظهره، طبع على خدها قبلة حارة سريعة.
    - الناس يا حبيبي.
    - ما شأنهم بنا؟
    - على الأقل يحسدوننا.
    - ألا تؤمنين بالحرية؟
    - لا تنس أننا فيمكان عام! !
    - أميت نفسي، هذه الدنيا العريضة لا نجد فيها مأوى حتى في الصحراء.! !
    الزحام.. تلوث البيئة.. السمن الهولندي.. الفراريج الدينماركية.. لحم الهامبورجر.. اللبن البودرة.. ملابس تايوان.. بضاعة اليابان، كل هذه الأمور جاءت-من الباب المفتوح على آخره-وجاء معها صداع، لا يزيله أي نوع من الإسبرين. صداع هذه الأيام صداع إجباري، تصرفه إدارة القوى العاملة أو العاطلة لكل حامل شهادة يقف في الطابور.
    منطقة الأهرام-يوم السبت 26 ديسمبر 1979-احتشدت بناس من كل الدنيا. خيل له لحظة أنهم جاءوا يشهدون أزمته، ويسخرون منه. أحس أنه ثقيل الظل حتى على نفسه.. كيف يفر بخواطره بعيدا.. بعيدا عن منى؟ أشعة الشمس أزالت كل أثر لبرودة طوبة. كانت في نظره مثل يمامة تعبت من السير والسرى في صحراء الحياة. تمنى أن يأخذها ويطير. أمسك يدها بحنان.
    - أحبك يا منى.
    - الحمد لله.. أبو الهول نطق!
    - آسف يا حبيبتي.
    - لا تعتذر عن أمر، لست مسئولا عنه.
    فجرت ينابيع الأحزان من جديد داخله. تصوري يا منى أبي العزيز يساومني؟ ! إذا تزوجت ابنة رئيسه في العمل فسوف يساعدني في كل شيء.. وإذا تمسكت بك فسوف يحرمني حتى من النصيحة.. ومن رضاه علي..! ! لم أكن أود أن أكون ابنا عاقا، لكنه يدخلني في صراع غير متكافىء. نحن في عصر القهر والكبت يا منى. صعب أن نقول (لا) في هذا الزمن المر. في عصر الآلة مطلوب من الإنسان أن يكون آلة أخرى، لا يفكر.. لا يقول رأيه.. لا يختار ما يريد. الصين اقتربت من أمريكا، والسعودية تعاملت مع روسيا. الإنسان وصل إلى السماء، ونزل إلى أعماق البحار، لكن صعب..صعب جدا يا منى أن يصل إنسان إلى أعماق آخر. عصر الدجاج المجمد.. واللبن البودرة.. والصداع الذي لا يزيله أي مسكن. زحمة يا دنيا زحمة! ! إيه يا مصر.. هذه ليست أول محنة. تخيل النبي يوسف.. والبقرات العجاف.. والبقرات السمان. لكنه أدرك أنه في عصر آخر.. عصر البقرة الضاحكة.. ها ها. زحمة يا دنيا زحمة. ها ها.
    أفسد عليهما سحر الصمت والنجوى بائع متجول.
    - جعران يا أستاذ من أجل الهانم.. ذكرى. أنظر يا باشمهندس.
    - بكم؟
    - خمسة جنيهات فقط، من أجل الهانم، ربنا يخليها لك يا دكتور.
    - يا بني آدم.. أنا لا أستاذ ولا مهندس ولا دكتور، ابعد عني! !
    - لكن الهانم معجبة به.. انظري يا هانم سوف يحرسك من العين بإذن الله.
    تخيل البائع في هيئة ذبابة زرقاء. انتزع الجعران من يده، وقذف به بعيدا.. بعيدا. كأنما يريد أن يدخل في معركة معه. تداركت منى الموقف بسرعة، وأخرجت جنيهين كانا في حقيبتها، وأعطتهما للبائع، فمضى في صمت، بينما نظرات عينيه تقول أشياء كثيرة..! !
    أحس أنه بعير أجرب وأن الفقر يطارده في كل مكان. ضاقت الدنيا واسودت. لا أمل.. لا فائدة. من يحارب.. وبأي سيف.. وهو ضعيف مسكين! ؟ تجمع صداع الكون كله في رأسه. زحمة يا دنيا زحمة. لا يدري كيف أطلق ساقيه للريح.. وأخذ يجرها معه، كأنما يريد أن يهرب بها من الدنيا . أخذ يجري.. وتجري.. يجري.. وتجري. كلما حذرته من أنها لا تستطيع الجري مثله، لم يتكلم ولم يكف عن الجري، يجري.. ويجري.. ويجري وهي تحاول اللحاق به. غاصت قدماها في الرمال، فوقعت متهالكة بالقرب من هرم منقرع.
    انكشفت الغمة عن ناظريه، وبدأ يفيق. لقد تعب كثيرا.. وأتعبها معه أكثر. تأمل وجهها، كأنما يراه لأول مرة. لم يعبأ بالرمل الذي علق بثوبها أو تطاير على وجهها. عاود النظر إليها وهو يساعدها على النهوض والقيام، وإزالة آثار الرمال. ما تزال الريح تعبت بشعرها الأسود المسترسل. وجه منى شع حبا وأملا وثقة. ازداد أمانا بها واحتراما لحبهما. الحب ليس عاطفة مجردة، أنه رغبة عنيدة في الخلق والوجود، من أجل أن تستمر الحياة. لابد أن تكون شجاعا. هذه لحظة تحد من أجل الخلق والوجود. زحمة يا دنيا زحمة. لا بد أن نبحث عن أمل رغم الزحام والصداع والسوق السوداء والزرقاء.
    - أتقبليني زوجا يا منى؟
    - اتفقنا على هذا منذ سنوات.
    - إذن هيا بنا.
    نظرت إليه في دهشة: إلى أين؟
    أجاب وهو يمسك يدها بقوة: إلى المأذون فورا.
    - وكيف نعيش؟
    - الحب يصنع المعجزات.. إذا لم نجد مأوى في بيت أبي أو أمك فسوف..
    ما زالت تنظر إليه في دهشة، غير مصدقة ذلك التغير الهائل الذي حل به.
    - سوف ماذا؟
    - سوف نبني عشا على أي سطح.
    - والناس؟
    - لا دخل لنا بهم، لا دخل لهم بنا.
    - هناك أشياء أخرى.
    - مثل؟
    - الشبكة.. والمهر.. والجهاز.. والفرح..
    - الدنيا يجب أن تتغير. كل شيء يمكن تأجيله أو تعديله إلا نداء الحب ! !
    قالت وهي تشد يده، كأنما تريد أن توقظه من حلم:
    - كن عاقلاً يا حبيبي! !
    فردّ، وهو يحكم وضع كفها بين كفيه:
    - ولم لا أجرب الجنون؟

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    مقدمة في شعر حسين علي محمد (1)

    بقلم: أ.د. طه وادي
    ........................

    من الظواهر الصحية لدى الشباب المثقف اليوم أن هموم الحياة لا تؤثر في عزائمهم، ولا تجعلهم يستسلمون أمام الضغوط الهائلة التي تحول دون التحام الفرد بالجماعة، والتي تسلبه ـ أحياناً ـ كل قدرة على التوافق حتى مع ذاته، ومن ثم تتحوّل هموم كثير من هؤلاء إلى توتر خلاق في محاولة لشجب الاغتراب، ونفي كل عوامل القهر والسلب التي تحول دون سعادة البشر على المستوى العام والمستوى الخاص.
    وتعكس المجموعة الشعرية "انتظار التي لا تجيء" لحسين علي محمد هذه الحقيقة بصدق ووضوح، تقرؤها فتحس أنك أمام شاب يستقطب أزمة جيل في الإحساس بتكاثف كل عوامل القهر المادي والمعنوي أمامه، وبسبب من هذا التكـاثف الأسود للضغوط تكاد تُحس ـ وهذا ما لا نُوافق شاعرنا عليه ـ أنه بـدأ يستسلم، ويُلقي السلاح .. أكثر من هذا لقد بدأ يحس الموت يسري في أوصاله وهو حي:
    لا قمر في حدائق الشتاء
    لا حبة من ضوء
    فلتغلقوا الأبواب
    فلتغلقوا الأبواب
    أشعر أنني
    أموت في العراء
    وإذا ما تساءلنا عن سر اغتراب الشاعر واستسلامه هذا لقوى القهر المحيطة به، فإننا يمكن أن نرد هذا إلى عاملين كبيرين، أحدهما عام، والآخر خاص مترتب عليه.
    العامل الأول المسبب لاغتراب الشاعر ـ كما تعكس ذلك هذه المجموعة ـ هو: عدم الإحساس بالأمان والعدل، يُضاعفه الشعور بالعجز عن استرداد كل الحقوق المغتصبة، وهذا ما تؤكده قصيدة "دموع من أورشليم":
    كرامتنا أريقت في أكفهمو
    وهمْ يلهون
    يبيعونَ القضيةَ بالجنيْهاتِ
    فقُمْ معنا
    ففي أُذنيَّ صوتُكَ منْ وراءِ الغيبْ
    يُناديني ،
    يُفتِّتُ في جراحاتي:
    أضاعوني
    وضاع دمي
    أضاعوني
    وفي أعناقهمْ ثاري
    والشاعر في معرض التعبير عن هذه الفكرة يستلهم أرواح أصحاب المآسي الحزينة في تراثنا مثل يوسف الصديق، وياسين الصريع ـ حبيب بهية ـ وأبي فراس الحمداني، وابن الرومي. والشاعر يُحاول أن يُنطق كل شخصية من هذه الشخصيات بجانب من جوانب المأساة العامة التي تعتصر شباب جيله، لترسم في النهاية صورة لكل ما يُعاني منه.
    العامل الثاني الذي سبّب اغتراب الشاعر في هذه المجموعة، أنه أمام كل هذه الضغوط بدأ لا يتعاطف مع أمه التي أنجبته إلى هذا العالم الكئيب:
    أأنتِ التي ..
    نذرتني للشمس منذ الولادهْ
    وأنتِ التي ..
    عرَّيْتني في طرق الصمتِ والبلادهْ
    وأنتِ التي
    ذبحتِني
    وبعْتِ لحمي في القرى ..
    وفي النجوعِ والدَّساكرْ؟!
    أكثر من هذا، لقد أصبحت هذه السلبيات كلُّها تحول دون استمتاعه بالحب، وتُعجزه عن أن يسعد بالحبيبة:
    فلا تنسَوْا حكايتَنا .. أحبائي
    وليلةَ عُرسِنا المأمولْ
    فياكمْ قدْ سهرتُ أعانِقُ المجهولْ
    وأبذُرُ حبَّنا في أولِ الفجرِ
    فيُنبِتُ في الأصيلِ لنا ـ ويا للهوْلِ ـ
    خفقَ شُعاعْ !!
    أموتُ هناكْ
    وأغمسُ أصبعي في الدَّمْ
    وأكتُبُ فوْقَ هامِ الموْجِ:
    "ذاتَ صباحْ
    رأيتُ الحبَّ مشنوقاً
    على بابي" !
    أمام هذا الاغتراب العام والخاص كان من المحتَّم أن نجد الموسيقى عند حسين علي محمد جنائزية خفيضة رقيقة مُوقَّعة، كأنها موكب خلف نعش ميت!
    ولعل ما يؤكِّد هذا أيضاً كثرة مراثيه في هذه المجموعة الصغيرة، وهذا ما يُفضي بنا إلى القول إن موسيقى شعر حسين علي محمد تنبع أساساً من مضمونه الفكري.
    أحياناً قليلة ونادرة نحس أننا أمام شاعر تشع من قصائده روح التفاؤل والأمل المضيء، وهذا ما نتمنّى أن يكون سمة عامة له في شعره القادم، فالشاعر شاب ريفي يحمل عراقة أرض مصر التي لا تعرف اليأس والاستسلام، ومن هذه الومضات المشعة بالأمل المقطع الأخير من قصيدة "طائر الرعد":
    .. ويُنادي طيرُ الرّعدِ بصوْتٍ باك:
    لا تقلقْ
    فالبابُ هو البابْ
    وغداً
    يتركهُ الحجّابْ
    وغداً
    سيعودُ الأحبابْ
    وأخيراً؛ فإن هذه هي بعض السمات العامة لشعر شاعر شاب جاد في أول الطريق، ونتمنّى أن يكون وتراً فنيا يُضاف إلى قيثارة الشعر العربي الحديث، كما نتمنّى أن تكون أشعاره طاقات أمل، وإشعاعات هدى تُضيء الطريق للغد المشرق.
    طه وادي
    ...........................................
    (1) ألقاها الدكتور طه وادي في الجمعية الأدبية لطلاب جامعة القاهرة (يونيو 1972م)، ونشرت في "الثقافة الأسبوعية" الدمشقية العدد 9 في (4/3/1978م) كما نشرت في "أخبار الأسبوع" الأردنية، في 25/5/1978م.

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    د. طه وادي:

    نريدها نقابة مهنية ووطنية

    المفترض أن اتحاد الكتاب نقابة تشارك فى القضايا العامة من خلال أعضائها الكتاب الذين يمثلون النخبة التى من المفترض أن يكون لهم رأى مؤثر فى كل القضايا المتصلة بمصر والعالم العربى، والقضايا المطروحة فى عصر ثورة المعلومات.. ولتحقيق ذلك على الجمعية العمومية أن تختار من تجد لديه الأهلية للقيام بهذا الدور، وهو أن يكون للاتحاد ثقل ثقافى وفكرى، ثم الدور الثانى الوظيفى أن يكون الاتحاد نقابة مهنية تقدم بعض المكاسب من دعم للعلاج والخدمات الاجتماعية من اسكان ومعاش وعلاج خاصة أن الكتاب مهددون أكثر من غيرهم بأمراض خطيرة، لهذا فهناك حاجة ملحة لتحسين العلاج، اضافة إلى أن الاتحاد عليه أن يقوم فى المرحلة القادمة بجهد لاعادة مقر اتحاد الكتاب العرب لمصر، ثم اعادة النظر فى مقر الاتحاد هذا المكان الفقير المتواضع، لقد أصبح من الضرورى والملح الحصول على مكان لائق لممارسة أنشطة ثقافية متخصصة، وأخرى ذات طابع جماهيرى.
    .................................
    *العربي (الناصرية) ـ في 20/3/2005م.

    </i>

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    د. طه وادي .. في مرحلة الشباب الثانية:

    جوائز الدولة تحتاج إلي قواعد علمية
    يغيظني من يرفض الاعتراف بأساتذته
    نجيب محفوظ أثار أبناء جيلي إلي أهمية الرواية
    أنا صاحب مصطلح "كتابة المرأة"

    حوار: د. زينب العسال
    ..........................

    د. طه وادي.. الروائي والناقد والاستاذ الجامعي.. يبدأ هذه الأيام علي حد تعبيره مرحلة الشباب الثانية.. يخلف وراءه رحلة سبعين عاماً. ويتطلع الي رحلة أخري يشغلها بالعطاء والإبداع.
    عن حصاد سبعين عاما. يقول طه وادي: الرحلة طويلة وشاقة. لاسيما أني كنت حريصا أن أصبح استاذا في الجامعة وأمارس الابداع في الوقت نفسه.. بالنسبة للجامعة. كانت هناك محاولات مضنية للتكوين الثقافي بالدراسة العليا. حتي أصبحت معلما في الجامعة التي تعلمت فيها. عملي في الجامعة يسير في مجالين متوازيين.
    الأول هو التأليف والبحث الأكاديمي.. وقد استطعت بفضل الله ان أؤلف 15 كتابا نقديا. تدور في مجال الرواية الحديثة والمعاصرة. وفي مجال الشعر الحديث والمعاصر أيضا. هذه الكتب صارت علامات. وقد طبع بعضها خمس مرات. وأفاد منها الكثير من الدارسين والباحثين.
    وفي خط آخر. فإن العمل الجامعي يتم بالاشراف علي الدراسات العليا. والاسهام في الاشراف علي مجموعة من الطلاب المصريين والعرب. وبعض الدارسين من البلاد الاسلامية والأوروبية. لذلك فإن المدرسة العلمية التي أسهم فيها ممتدة وكثيرة العدد. وبعض تلامذتي يشغلون الان مناصب قيادية في الجامعات العربية والأجنبية. وعلي هامش البحث العلمي الاكاديمي هناك النشاط الثقافي من خلال المؤتمرات والندوات واللقاءات الثقافية. أما بالنسبة لمجال الابداع الأدبي. فقد كان هذا السيل ولايزال أكثر صعوبة. وأشد مسئولية. لأن الابداع يشكل اتجاها أصيلا في تكوين الثقافي. الانشغال بالأدب مثل لي هواية منذ كنت طالبا في المرحلة الثانوية. والحصاد الادبي يتشكل من ثماني مجموعات قصصية وخمس روايات وكتاب ديني أدبي بعنوان "أولو العزم من الرسل في القرآن الكريم" وسيرة ذاتية بعنوان "الليالي" وقد ترجم بعض الاعمال الي الانجليزية والاسبانية خاصة رواية "أشجان مدريد" هذا الحصاد يعكس طول الرحلة وقسوتها. وجديتها كذلك. وثمة مجموعة قصصية جديدة تصدر قريبا بعنوان "الوردة والبندقية". فضلا عن استكمال كتابين احدهما في الشعر المعاصر. والثاني في الرواية التجريبية الجديدة علي ضوء منهج النقد الثقافي الذي يعد آخر المناهج النقدية وأكثرها جدة في دراسة الأدب. لأنه يحاول الافادة من معظم المناهج النقدية السابقة. وهناك كتاب لابد من الاشارة إليه هو "شاعرية طه وادي" الذي يقدم مجموعة من الرؤي النقدية المعاصرة بأقلام مجموعة كبيرة من أهم الأدباء واساتذة الجامعات.
    تواصل
    * قلنا : بماذا تصف علاقتك بأساتذة هم أعمدة الحركة الثقافية في الوطن العربي؟
    ** قال : لقد درست في مرحلة مابعد 1952 مباشرة. بالتحديد من 56 الي 60 وخلال تلك المرحلة عاصرت مجموعة من الاساتذة العظام. سواء في قسم اللغة العربية أو غيره. لأنه كانت هناك رغبة في أن يتعرف المرء علي الكثير من الاعلام المؤثرين في الفكر والأدب. مثل طه حسين وشكري عياد ومحمد مندور ولطيفة الزيات وزكي نجيب محمود وغيرهم. كانت الرغبة قوية في التواصل مع هؤلاء الاعلام. بل ومتابعة جوانب من الانشطة الثقافية. مثل أغنيات أم كلثوم وعبدالوهاب والاطرش وليلي مراد. وأيضا بعض قراء القرآن الكريم أمثال محمد رفعت ومصطفي اسماعيل وعبدالعظيم زاهر وأبوالعينين شعيشع. كانت الرغبة قائمة علي التواصل مع كل مايمكن ان يجذب الانسان نحو مستقبل أفضل. لاسيما ان الطموح كان حادا. وحين دخلت قسم اللغة العربية أصبح طه حسين قدوة لي ومثلا أعلي. وكتابي "الليالي" معارضة لكتابه "الأيام" فهناك من التشابه بين سيرة طه حسين وبين سيرتي الذاتية. وعموما فقد حرصت دوما علي القراءة المتواصلة والموسعة. مما شكل مايمكن تسميته استشراف الرؤية المستقبلية في الأدب. وبالطبع يقف نجيب محفوظ موقف واسطة العقد من الأدباء الذين أثروا في محفوظ هو الذي لفت نظر جيلي بقوة الي أهمية الرواية. وكل من ادعي غير ذلك لايقر بالحقيقة. ولايعترف بمن مهدوا له الطريق.
    * قلنا : بالمناسبة : أعلنت اعتزازك بالتلمذة لأساتذتك.. هل هذه الروح موجودة الآن؟
    ** قال : هناك قاعدة اساسية في الحياة بأن اصابع اليد الواحدة لاتتشابه. بالنسبة لجيلي كان عدد الاساتذة والعلماء قلة. وكان تأثيرهم أكثر عمقا. من هنا كان الاعتزاز بهم معلنا. ربما يشكل أفضل مما هو في الجيل الحالي. البعض لايهمه الا العلم في ذاته. يسعي الي الدرجة العلمية علي يد زيد أو عبيد. وأحيانا تنتهي علاقة الاستاذ بالطالب مع نهاية مناقشة رسالته.. مع ذلك فإنه يوجد قلة قليلة مخلصة ووفية تتواصل معي الي اليوم. نحن نعمل في مجال الدراسات الانسانية. فماذا وماذا نتعلم.
    * قلنا : ما رأيك في الاسلوب الذي تمنح من خلاله جوائز الدولة؟
    ** قال : الأمور لاتسير علي قواعد أو قوانين منضبطة ولا أسس صحيحة. لايوجد تقييم حقيقي. والمفاضلة تتم من أجل سواد العين أو العلاقة الحميمة.. ورأيي أن كل مايتصل بأمر الجوائز يحتاج الي مراجعة.. لابد من مراعاة القواعد العلمية والموضوعية.
    أفضال كثيرة
    * قلنا : ماذا عن المرأة في هذه الرحلة؟
    ** قال : علاقتي بالمرأة إنسانية تتركز في أمي رحمها الله. كانت بالنسبة لي الملهمة والموجهة والحامية والحانية. ثم جاءت التلمذة علي يد سهير القلماوي في الماجستير والدكتوراه. ادين لهاتين السيدتين بأفضال كثيرة. ولعلي أول من قدم الي الحياة الادبية مصطلح صورة المرأة في الرواية من خلال رسالتي للدكتوراة في 1971 ربطني هذا الموضوع منذ وقت مبكر بقضية المرأة وأدب المرأة. بل لقد ترك تأثيرات كبيرة علي ابداعي القصصي والروائي.
    بعض الألتباسات
    * قلنا : فلماذا تغفل هذه الدراسة عند الحديث عن كتابة المرأة؟
    ** قال : لو أننا أخذنا عناوين الرسائل العلمية التي تتناول هذا الموضوع. فسنجد ان الموضوع طرق بشكل واسع. انا صاحب هذا المصطلح. وقد اشعته بشكل واسع الي جانب مصطلح "أدبيات القصيدة" لقد اشعت هذين المصطلحين في الدراسات النقدية. وان كان ثمة بعض الالتباسات في فهم معني صورة المرأة نفسها. المصطلح موجود. ودراسة المرأة نالت عناية من الدارسين علي مدي نصف القرن. لكننا في حاجة الي ان نكرر ونعيد. وأحيانا نذهب لمناقشة رسالة جامعية فنتبين ان الموضوع قد درس من قبل. وهذا يرجع الي ان الارشيف غير جاهز. نحن نريد أرشيفا ومعلومات عن اسم الكاتب والموضوع وسنة الصدور. نريد انضباطا ببليوجرافيا. ويكفي ان رسائل كثيرة اخذت عنوان كتابي.
    * قلنا : مارأيك في المناقشات التي تثور حول قضية كتابة المرأة والنقد النسائي؟
    ** قال : النقد النسائي الادبي بدأ يأخذ صورة مشرقة في المرحلة المعاصرة. وظهر العديد من الناقدات الملتزمات فكريا بداية من سهير القلماوي ولطيفة الزيات وفريال غزول وسيزا قاسم ورضوي عاشور. وظل الخط مستمرا حتي اليوم. التأريخ للكتابة النسوية ليس مشكلة. لكن المشكلة في أدب المرأة من قبل المرحلة الحالية الكثير من الكاتبات كن يمارسن الكتابة الادبية ثم يتوقفن. الان الصورة اتضحت في ابداعات سحر الموجي وميرال الطحاوي وسلوي بكر. المرأة الادبية شقت عصا الطاعة علي التابو. بل ان بعضهن فضلن حياة الابداع عن كل ماعداها. الدعوة إلي الادب والنقد النسائي والثقافة الخاصة بالمرأة. علامة علي التطور والتجديد في طرائق الفكر المعاصر وضرورات الحياة الانسانية التي تساوّي بين الرجل والمرأة.
    ....................................
    *المساء ـ في 29/9/2007م.

  8. #8
    الصورة الرمزية مروة عبدالله قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Dec 2006
    المشاركات : 3,215
    المواضيع : 74
    الردود : 3215
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    د. حسين

    ممتنة على ما قدمت لنا, فقد زدنا معرفة بأشخاص كرام وذوي حق, فشكراً على ما تقدم.

    تقديري

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مروة عبدالله مشاهدة المشاركة
    د. حسين

    ممتنة على ما قدمت لنا, فقد زدنا معرفة بأشخاص كرام وذوي حق, فشكراً على ما تقدم.

    تقديري
    شُكراً جزيلاً للأديبة الأستاذة
    مروة عبد الله
    على هذا التعليق الجميل،
    الذي أعتز به ..
    مع تحياتي

المواضيع المتشابهه

  1. مَوْعُدٌ مَعَ السَّحابْ
    بواسطة عبدالملك الخديدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 32
    آخر مشاركة: 28-10-2014, 10:27 AM
  2. معَ ابْنِ تيْميةَ في سجن القلعة..
    بواسطة د. مصطفى عراقي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 60
    آخر مشاركة: 12-12-2013, 01:23 PM
  3. وفاة الدكتور طه وادي
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 13-04-2008, 08:34 PM
  4. تقرير حول أُمسية أشبال ملتقى رابطة الواحة الثقافية معَ التسجيل
    بواسطة نزار الكعبي النجفي في المنتدى أَدَبُ الطِّفْلِ (لأطفالنا نحكي)
    مشاركات: 18
    آخر مشاركة: 19-03-2006, 09:40 AM