أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: المرأة مربية وداعية

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي المرأة مربية وداعية

    المرأة مربية وداعية



    الدكتور عثمان قدري مكانسي


    لكل إنسان في هذه الحياة دورٌ مهم لا يقوم به غيره ، يقول النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم - : (( كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ، والأمير راع ، والرجل راع على أهل بيته ، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ، فكلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته )) (1) .
    والنساء في الإسلام شقائق الرجال ، لهنَّ ما للرجال وعليهنَّ ما على الرجال في مجمل الأحوال إلا أموراً منوطة بالرجال وحدهم أو بالنساء وحدَهُنَّ ، ورسخ القرآن المساوة بين الطرفين في قوله تعالى : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِوَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصادِقَاتِ وَالصّابِرِينَوَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَوَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْوَالْحَافِظَاتِ وَالذَاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَاكِرَتِ أَعَدَّ اللَّهُلَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيما ) (2)، ونرى المساواة بين الرجال والنساء في آيات عديدة أخرى وأحاديث شريفة .
    فالمرأة في الإسلام معززة مكرمة ولن تجد مثل هذا في الشرائع المحرّفة والديانات المصطنعة ، فشريعة الله تعالى لا يرقى إلى مثلها أهواء البشر ولا شرائعهم الأرضية .
    ولها فضل في الرواية عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأخذ عنه مما جعل الصحابة والتابعين يروون عن كثير منهنّ الدين والأحكام ، فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها روت عن زوجها الحبيب ألفين ومئتين وعشرة أحاديث ، وأم سلمة رضي الله عنها تروي عن زوجها سيد الخلق ثلاثة مئة وسبعة وثمانين حديثاً ، وكانت ذا رأي صائب ، وهي التي أشارت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الحديبية أن يحلق وينحر فيتّبعه الناس .
    ولقد كان المرأة حريصة على التزوُّد بالعلم والعمل به ، فهذه أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها أتت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في أصحابه فقالت :
    بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أنا وافدة النساء إليك ، إنَّ الله عزَّ وجل َّ بعثك إلى الرجال والنساء كافةً ، فآمنّا بك وبإلهك ، وإنّا – معشر النساء – محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ، ومقضى شهواتكم ، وحاملاتُ أولادكم ، وإنكم ـ معشر الرجال ـ فُضِّلْتم علينا في الجُمَعِ والجماعات ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، والحج ، وأفضلَ من ذلك ، الجهادُ في سبيل الله عزَّ وجلَّ ، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجّاً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم ، وغزلنا أثوابكم ، وربينا لكم أولادكم ، أفلا نشارككم في هذا الأجر ؟
    فالتفت النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أصحابه بوجهه كله ، ثم قال :
    هل سمعتم بمقالة امرأة قط أحسن من مسائلها في أمر دينها من هذه ؟ فقالوا : يا رسول الله ؛ ما ظننا أنَّ امرأة تهتدي إلى مثل هذا . فالتفت النبيُّ - صلى الله عليه وسلم ـ إليها فقال : (( افهمي أيتها المرأة وأعلمي مَنْ خلفك من النساء أنّ حسن تبعُّلِ المرأة لزوجها ، وطلبها مرضاته ، واتباعَها موافقتـَه يعدل ذلك كله )) . فانصرفت وهي تهلل (3) وروت عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم ـ واحداً وثمانين حديثاً ، وروى عنها جِلّةٌ من التابعين ، وشهدت أسماء بنت يزيد هذه معركة اليرموك وقتلت يومئذ تسعةً من الروم بعمود خبائها ، رضي الله عنها .
    والصحابيات اللواتي طلبن الحديث الشريف وروينه كثيرات اهتممن كذلك بتعليمه أبناءَهن وأبناء المسلمين . وكانت الصحابيات يسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ أمورهُنَّ ليكنَّ على صواب في تصرُّفاتهن ، فقد روى ابن عباس رضي الله عنه ما في قصة بريرة وزوجها قال : قال لها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( لو راجعتِه ؟ )) قالت : يا رسول الله ، تأمرني ؟ قال : (( إنما أشفع )) قالت : لا حاجة لي فيه (1) . فحين علمت أن تدخُّلَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للشفعة وليس أمراً منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعودة إلى زوجها أنِفَت الرجوع إليه .
    وهذه أسماء رضي الله عنها بنت الصديق رضي الله عنه تقول للنبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ وهي تنشد التصرّف السليم ـ حين قدمت أمها عليها ، وهي كافرة ! قدمت عليَّ أمي وهي راغبة ، أفأصلُ أمي ؟ قال : (( نعم صلي أمك )) (2) .
    وينطلق المسلمون من أطراف الجزيرة قاصدين مكّة حاجّين مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويلتقي ركب منهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (( بالرَّوحاء )) وهو مكان قرب المدينة المنورة ، آمنوا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون أن يروه ، فيقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( مَن القوم )) ؟ قالوا : المسلمون ، فقالوا : مَنْ أنتَ ؟ قال : (( رسول الله )) ، فرفعت إليه امرأةٌ صبيّا فقالت : ألهذا حج ؟ قال ((نعم ولك أجر)) (3) فكان سؤالها وجوابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ دافعاً للمسلمين أن يعوِّدوا أبناءهم منذ الصغر مناسك الإسلام وشعائره حتى يتمثلوها في حياتهم ثوابتَ يعملون بها ، لا يحيدون عنها .
    ويخطب فاطمةََ بنتَ قيسٍ رجلان هما أبو الجهم ، ومعاويةُ ، فتحتار أيُّهما تختار ؟ ولتقف على خبريهما تنطلق إلى الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ تستفتيه فيهما ، وتعرف أمرهما ، فهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسولُ الله ، ولن يخذلها . . . قالت : إن أبا الجهم ومعاوية خطباني ؟ ولا تقول أكثر من هذه الجملة ، ويعرف الأريبُ ، النبيهُ ، المعلّم ، الناصح ، ماتريد . فيقول : (( أما معاويةُ فصعلوك (4) لا مال له ، وأما أبو الجهْم فلا يضع العصا عن عاتقه ))(5) (( ضرّابٌ للنساء)) . . . هاتان إذاً أبرز صفتين في الرجلين ، إن شاءت اختارت أحدهما وإن شاءت رغبت عنهما ، ثم ينصحها أن تتزوج أسامة بن زيد رضي الله عنهما .
    وتروي أم المؤمنين زينب رضي الله عنها أنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل عليها فزعاً يقول: (( لا إله إلا الله . . . ويل للعرب من شرِّ قد اقترب ، فتح اليوم ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه )) وحلّقَبإصبعيه الإبهام والتي تليها ، فقلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟! قال : (( نعم إذا كثر الخَبَثُ )) (6) .
    فينبغي أن يكون الصالحون مصلحين ، أما إذا كان موقفهم سلباً ، ونشط المفسدون يهدمون الأمّة، وحقّ عليها العذاب فأوّل ما يُبدأ بهؤلاء الذين انزوَوا ، ولم يَدْعوا إلى الله تعالى وتركوا المجال للمفسدين ينخرون في المجتمع وينشرون فيه الفساد ، ونسُوا قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته )) وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُوَالْحِجَارَةُ ) (7) . . . نعم . . نهلك وفينا الصالحون إذا كثر فينا الخَبَثُ .
    وكثيراً بل اكثر من الكثير أن ترى المرأة لا تفهم للحجاب معنى ، وإن كانت محجّبةً بل قلْ : تخمّر رأسها وتلبس قميصاً وبنطالاً ، وكأن إخفاء الشعر هو الحجاب !! أما الكحل ، وطلي الوجه بالألوان والأصباغ وتحميرُ الشفاه فلا علاقة له بالحجاب !! أما القميص والسراويل فهي ضيّقة جداً لا تظهر من جسد المراة سوى هضابها ووهادها ومرتفعاتها ومنخفضاتها ، وترسم للعين المتفجِّعة ما خَفِي رسماً واضحاً ! فأي حجاب هذا وأي ستر هذا الستر ؟
    وغالب النساء ومعهم كثير من الرجال لا يرون مانعاً أن تنظر المرأة إلى الرجل في الأحوال العادية دون حرج ،لأنه الطالب وهي المطلوبة ، وكأن الرجل وحده مأمور بغض البصر! ونسوا أنَّ الله تعالى يأمر الجنسين أن يغضوا من أبصارهم قال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَفُرُوجَهُنَّ . . . ) (1) إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ــ كان مع زوجتيه أم سلمة وميمونة رضي الله تعالى عنهما فأقبل ابن أم مكتوم بعد أن أمرت النساء بالحجاب ، فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( احتجبا منه )) فقالتا : يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ، ولا يعرفنا ؟ فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( أفعمياوان أنتما ، ألستما تبصرانه !؟ )) (2) .
    فالحجاب إذاً غضُّ البصر إضافة إلى الستر وإخفاء محاسن المرأة . وهذا أدعى إلى الحشمة والعفاف ، وهذا لا يناقض ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها : (( رأيتُ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ــ يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد . . )) (3) . فقد كانت صغيرة تحب اللعب والنظر إليه ، كما أنه يجوز للمراة أن تخرج للسوق والمسجد متنقّبة لئلا يراها الرجال .
    كما أن كثيراً من النساء يجهلن أنّ عورة المرأة إلى المرأة كعورة الرجل إلى الرجل ، فلا ينبغي أن تنظر المرأة إلى جسد امرأة أخرى فترى منها إلا ما تحت ركبتها وفوق سرتها . . . ولأن درهم وقاية خير من قنطار علاج وجّه النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ــ عناية الرجل والمرأة إلى ذلك فقال : (( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا تفضي المرأة إلى المراة في الثوب الواحد )) (4)(5) فالمرأة المسلمة المربّية تعي خطورة الانزلاق ، وتبتعد عن خطوات الشيطان .
    والمرأة المسلمة ترى حياتها في الإسلام وسعادتها في العمل بما يرضي ربها ، وتدعو إلى الله على بصيرة ، وتجد راحتها في بناء بيت إسلامي دعائمه التقوى وأساساته الإخلاص ، هذه أم سُليم بنت ملحان بن خالد مجاهدة جليلة ذات عقل ورأي ، أسلمت مع السابقين إلى الإسلام ، وبايعت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فغضب زوجها مالك بن النضر غضباً شديداً من إسلامها ، وقال لها : أصبَوْتِ ؟ قالت : ما صبوتُ ولكنّي آمنت بهذا الرجل . . ثم جعلت تلقّن ابنها أنساً وتشير اليه بقولها : قل : لا إله إلا الله ، قل أشهد أنَّ محمداً رسول الله ، فكان مالك يقول لها : لا تفسدي عليَّ ابني، فتقول : لا أفسده .
    ثم خرج زوجها إلى الشام فلقيه عدو فقتله ، فلما بلغها قتله قالت : لا أفطم أنساً حتى يدع الثديَ وكان ابنها أنَسٌ غلاماً حدثاً . . هذه المرأة يخطبها أبو طلحة وهو مشرك ، فتقول له : يا أبا طلحة ، ما أعيب فيك شيئاً فنعم الرجل أنت ، ولكنّك مشرك تعبد الأصنام فيعود إليها عارضاً عليها مهراً مغرياً فتقول : يا أبا طلحة ألست تعلم أنَّ إلهك الذي تعبده حجر لا يضرك ولا ينفعك أو خشبة تأتي بها النجار فينجرها لك ، هل يضرّك ؟! هل ينفعك ؟! أفلا تستحي من عبادتك هذه ؟ فإن أسلمت فإني لا أريد منك صداقاً غير إسلامك! . . . لا تريد أن يكون زوجها من ذوي الأموال والأطيان فكل ذلك زائل ، إنها تريده من أصحاب الإيمان والتقوى وأهل الهدى والرشاد . . ويقع الإسلام في قلبه فينطق بالشهادتين ، فتتزوجه ويكون إسلامُه صداقـَها (6) .
    امرأة داعية مربية كهذه حريصة كل الحرص على مرضاة زوجها ، روى ابنها أنس قال : كان لأبي طلحة طفل يشتكي ( مريض ) فخرج أبو طلحة لبعض أعماله ، فقـُبض الصبيُّ ، فلما رجع قال : ما فعل ابني؟ قالت أم سُليم ـ وهي أم الصبي ـ هو أسكن ما كان ، فظنّ أن ابنه شُفي فاطمأن ، فقرّبت إليه عشاء فتعشّى ، ثم تصنّعت له وتزيّنت أحسن ما كانت تتصنّع وتتزيّن ، فوقع بها ، فلما رأت أنه قد شبع ، وأصاب منها قالت : يا أبا طلحة أرأيتَ لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت ، فطلبوا عاريتهم ، ألهم أن يمنعوهم ؟ قال : لا . قالت : فاحتسب ابنك ، فغضب أبو طلحة ثم قال : تركتني حتى تلطخت (1) ثم أخبرتني بابني ، كيف فعلت ذلك ؟ فلما هدأ أو كاد قالت : واروا الصبيَّ .
    فلما أصبح أبو طلحة أتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فشكا له ما فعلت أم سُليم ، فقال له الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( أعرّستمُ الليلة؟ )) قال : نعم ، قال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ داعياً : (( اللهم بارك لهما )) فحملت من تلك الليلة وولدت غلاماً .
    قال أبو طلحة لأنس : احمله حتى تأتي به النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ وبعث معه بتمرات ـ ولا يرضعه أحد حتى تغدوَ على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فحمله الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيديه الشريفتين ومضغ التمرات ، ثم أخذها من فيه ، فجعلها في فم الصبي ، ثم حنَّكه وسمّاه عبدالله .
    قال أحد التابعين ـ ابن عيينة ـ : رأيتُ من أولاد عبدالله المولود تسعةََ أولاد ، كلهم قد قرأوا القرآن(2) .
    فأم سُليم امرأة تعرف أنَّ ما قدّر الله كائن ، فلم تلطُم ، ولم تُوَلْوِلْ ، واحتسبت ولدها ، وقلبها في غاية الحزن ، وحاولت التخفيف عن زوجها في مصابهما بولديهما ، فعوّضهما الله ولداً صالحاً وذريّة صالحة ، ولم ينكر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صنيعها ، إنما خفـّف عن زوجها ودعا لهما أن تكون ليلةً مباركة ، وكان دعاؤه عليه الصلاة والسلام بلسماً ، وكانت أم سليم مثالاً يُقتدى في الصبر وحُسن التصرّف .
    والمرأة الداعية المربية لا تكون كذلك إلا إذا تسلَّحَت بالإيمان والتقوى .
    1ـ فعزفَتْ عن الحياة الدنيا وبهرجها ، وعلمت أن الدنيا فانية ، فلم تعمل لها إلا بما يبلغها منازل الآخرة تلك الدار الباقية . . قال الشاعر :
    قارف الدنيا بثوب ومن العيـش بقوت
    واتخذ بيتـاً خفيفــاً مثل بيت العنكبوت
    قالت عائشة رضي الله عنها :قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من سفر،وقد سترت سهوة (3) لي بقرام (4) فيه تماثيل ، فلما رآه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هتكه ، وتلوّن وجهه وقال : (( يا عائشة : أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله )) (5).
    فماذا نقول نحن الآن وقد امتلأت بيوتنا بالتماثيل والرسوم على الجدران والطنافس ، وأصبح اقتناء مثل هذه الأمور أمراً دالاً على الحضارة والتقدم !!؟
    2ـ وقامت الليل فصلَّت وسألت الله عزَّ وجلَّ الهداية والعفو والغفران ، وسألته من خيره وفضله وكانت خير شريك وصاحب لزوجها تامره بالمعروف وتنهاه عن المنكر .
    قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( رحم الله رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء . رحم الله امرأة قامت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء )) (6) .
    فكم من أمثال هؤلاء يفعل ذلك اليومَ ، وكم نسبتُهم إلى من يقوم الليل على القنوات الفضائية يتابعون الأفلام الخليعة ، والتمثيليات الهابطة ، والرقصات الماجنة ، والأغاني الصفيقة ، والسهرات التافهة ، فإذا ما أذن الصبح بانبلاج غطُّوا في سبات عميق لا يعرفون صلاة فرض ولا قيام نفل ... وكان صلى الله عليه وسلم يقول : (( إذا أيقظ الرجل اهله من الليل ، فصليا . . أو صلى ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين والذاكرات )) (1) .
    3ـ وآتـَتْ زكاة مالها وتصدَّقت على الفقراء والمساكين ، وساعدت زوجها بمالها إن كان فقيراً ، فهو أبو أولادها ، والمعروفُ مع الأقربين أولى . . هذا ما فعلته زينب زوجة عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما حين سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (( تصدَّقن يا معشر النساء ، ولو من حُليِّكُن )) فرجعت إلى عبد الله بن مسعود فقالت : إنك رجل خفيف ذات اليد (2) وإنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أمرنا بالصدقة ، فأتِه ، فاسألْهُ إن كانت صدقتي إليك وإلى أولادك تجزئ عني (3) وإلا صرفتها إلى غيركم . قال عبدالله : بل ائتيه أنت ، فانطلقَتْ ، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حاجتُها كحاجة زينب ، وكانت مهابةُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تملأ القلوب ، فخرج عليهما بلال فقالتا له : ايتِ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاخبره أن امرأتين بالباب تسألانك : أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما ، وعلى أيتام في حجورهما(4) ؟ ولا تخبره من نحن . فدخل بلال على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسأله ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( من هما ؟ )) قال بلال : امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( أي الزيانب هي ؟ )) قال : امرأة عبدالله ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لهما أجران : أجر القرابة ، وأجر الصدقة )) (5) .
    فماذا تقول باللواتي يسرفن ، ويكثرن الطلب ، ويحملن أزواجهن ما لهم به طاقة ، وما ليس لهم به طاقة .
    ماذا تقول باللواتي يشتكين من قلة أثوابهن وخزائنُهن ملأى بالجديد الغالي ، ولا يعبأن أيأتيهن ما يطلبن من حلال أو حرام ، ويكثرن التزاور مفتخرات بما يلبسن ويتحلّين ، فإذا نبّهتهُنَّ إلى ذلك قلن : هكذا تفعل النساء ولا قدرة لنا على مخالفة ما يفعلن . . نسأل الله العافية .
    4ـ وصامَت تبتغي الأجر من الله وتعوّد نفسها تحمُّلَ المشاق ، والصبر على الجوع والعطش ، فتتذكر الفقراء المحرومين ، والأسر البائسة ، وتشعر بشعورهم ، فتعمل ما وسعها العمل على التخفيف عنهم ، ومساعدتهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً .
    زار الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أم عُمارة الأنصارية رضي الله نها ، فقدّمت إليه طعاماً ، فقال : (( كُلي )) فقالت : إني صائمة، فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إنَّ الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أُكل عنده حتى يفرُغوا )) ، وربما قال : (( حتى يشبعوا )) (6)وما أجملدعاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين زار سعد بن عبادة ، فجاء بخبز وزيت ، ولم يكن لديه اللحم مرصوصاً فوق الأرز ، ولا أنواع الحلوى التي يشبع لرؤيتها الناظرون قبل أن يأكلوا ، أكل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحبه ولم يأنفوا من خبز وزيت . ودعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأهل البيت قائلاً : (( أفطر عندكم الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلَّت عليكم الملائكة )) (7) .
    5ـ وَوَصَلََتْ رحمها ، وتقرَّبت إليهم ، وأكرمتهم إن استطاعت ، فمَن أكرم أقاربه كان أقدر على إكرام الآخرين ، ومن أحسن إلى أرحامه سهَّل الله له إكرام مَن دونهم ، والنبع يروي ما حوله ثم يصل إلى ما بَعُد .
    فعن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة (1) ولم تستأذن النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فلما كان يومُها الذي يدور عليها فيه ، قالت : أشعَرْت يا رسول الله أني أعتقدتُ وليدتي؟ قال : (( أوَ فَعَلْتِ ؟)) قالت : نعم . قال : (( أما إنّك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك )) (2) .
    فعلى الرغم أن العتق من أفضل القربات كانت صلة الرحم ، والإحسانُ إليهم أعلى فضلاً وأجزل مثوبة .
    وقد مرَّ بنا قبل صفحات برُّ أسماء ذات النطاقين بأمها المشركة .
    6ـ وصَدَقَتْ في قولها وفي فعلها ، فلم تدَّعِ ما لم يكن ، ولم تفخر بما لا ينبغي ، ولم تسئ إلى مشاعر الآخرين وإن سابقتهم ورغبت أن تكون خيراً منهم ، إن المنافسة سمة من سمات الإنسان ، ولكن يجب أن تكون في الحق وبالحق ، وإلا كانت خداعاً ومكراً لا يليق بالمسلم أن يتصف بهما ، ألم يقل الله سبحانه وتعالى : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (3)و (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (4) .
    كذلك روت أسماء رضي الله عنها أنّ امرأة قالت : يا رسول الله إنَّ لي ضَرّة (5) فهل عليَّ إن تشَبَّعْتُ (6) من زوجي غير الذي يعطيني ؟ فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( المتشبّع بما لم يُعط كلابس ثوبَيْ زور )) (7) .
    فهي تريد أن تظهر أمام ضرَّتها أن زوجها يفضلها عليها ، ويميل إليها ، فيعطيها ما لا يعطي الأخرى، لتكيدها وتؤذي مشاعرها ، فبماذا شبهها النبي ُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن فعلت ذلك ؟ إنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ صوَّر هذه الفعلة الشائنة بمن يتزيَّا بزيّ أهل الزهد أو العلم أو الثروة ليغتر به الناس ، وهو غير ذلك .
    7ـ وتوكَّلََتْ على الله ولجأت إليه في العسر واليسر ووصلت حبلها بحبله فكانت أهلاً للأسوة الحسنة والقدوة الطيبة ، فاستنَّ الناس بسنَّتها ، واقتدوا بسيرتها .
    وقد حدثنا النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قصة هاجر أم إسماعيل عليه السلام ، فقد جاء إبراهيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأم إسماعيل وبابنها إسماعيل ، وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت الحرام ، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعها هناك ، ووضع عندها جِراباً فيه تمر ، وسقاءٌ فيه ماء ، ثم قفّى إبراهيم منطلقاً ، فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيئ ؟ فقالت ذلك مراراً ، وجعل لا يلتفت إليها ، فقالت له : آللهُ أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذاً لا يضيّعنا ، ثم رجعت .
    جواب رائع ، رائع ، يدلُّ على عظيم الإيمان بالله سبحانه ، وجميل التوكل عليه ، والرضا بقضائه ، فهو سبحانه خيرٌ حافظاً ، وهو أرحم الراحمين .

    وقال الملك الذي حفر بجناحه زمزم : (( لا تخافوا الضيعة فإن ههنا بيتاً يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإنّ الله لا يضيّع أهله )) (1) . نعم إن الله لا يضيّع أهله .
    فإن فعلت تلك التي تندرج تحت سمة التقوى كانت امرأة صالحة مصلحة ، ودرجت في مرابع الإيمان ، وكانت حَرِيّة أن تبني جيلاً عظيماً وأمّةً ثابتة الأركان ورجالاً يبنون بسواعدهم المؤمنة وعقولهم الراجحة مجد أمتهم . نسأل الله ذلك .

    من كتابي ( المرأة في حديث رسول الله)

    (1) رواه البخاري برقم ( 893 ، 2409 ، 2554 ، 5200 ) ، ومسلم برقم ( 1829 ) وغيرهما .

    (2) الأحزاب : 35 .

    (3) نساء فاضلات ص 62 لعبد البديع صقر

    (1) رواه البخاري برقم ( 5283 ) ، وابن ماجه برقم ( 2075 ) ، والدرامي برقم ( 2292 ) .

    (2) أخرجه البخاري برقم ( 2620 ، 3183 ) ، ومسلم برقم ( 1003 ) ، وأحمد برقم ( 26399 ) ، وأبو داود برقم ( 1668 ) وغيرهم .

    (3) رواه مسلم برقم ( 1336 ) ، وأحمد برقم ( 1901 ) ، وأبو داود برقم ( 1736 ) وغيرهم .

    (4) الصعلوك : الفقير .

    (5) رواه مسلم برقم ( 1480 ) ، وأحمد برقم ( 26782 ) ، وأبو داود برقم ( 2284 ) وغيرهم .

    (6) رواه البخاري برقم ( 3346 ، 3598 ، 7059 ، 7135 ) ، ومسلم برقم ( 2880 ) ، وأحمد برقم ( 26867 ) وغيرهم .

    (7) التحريم : 6 .

    (1) النور : 31 .

    (2) رواه أحمد برقم ( 25997 ) ، وأبو داود برقم ( 4112 ) ، والترمذي برقم ( 2778 ) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وانظر المشكاة برقم ( 3116 ) .

    (3) رواه البخاري برقم ( 455 ، 5236 ) ، ومسلم برقم ( 892) ، وأحمد برقم ( 24805 ) وغيرهم .

    (4) أي خشية الوقوع في فاحشة اللواط للرجل مع الرجل ، وخشية الوقوع في فاحشة السحاق للمرأة مع المرأة .

    (5) رواه مسلم برقم ( 338 ) ، وأحمد برقم ( 11207 ) .

    (6) من كتاب نساء فاضلات ص 65 ـ 66 بتصرف .

    (1) تلطخت : تقذّرت بالجماع .

    (2) رواه البخاري برقم ( 5470 ) ، ومسلم برقم ( 2144 ) ، وأحمد برقم ( 12454 ) .

    (3) السهوة : الصفّة تكون بين يدي البيت ، مقدمة البيت ، ولم يكن للبيوت أبوابٌ توصَدُ ، وإنما هي عتبات يستأذن الإنسان أهل البيت قبل أن تطأ قدماه عتبة الدار.

    (4) القِرام : ستر رقيق يوضع في عتبة الدار يمنع العين من استراق النظر .

    (5) رواه البخاري برقم ( 5954 ) ، ومسلم برقم ( 2107 ) ، وأحمد برقم ( 23561 ) وغيرهم .

    (6) أخرجه أحمد برقم ( 7362 ، 9344 ) ، وأبو داود برقم ( 1308 ) ، والنسائي برقم ( 1610 ) ، وانظر : المشكاة برقم ( 1230 ) .

    (1) أخرجه أبو داور برقم ( 1309 ) ، وابن ماجه برقم ( 1335 ) ، وانظر : المشكاة برقم ( 1238 ) .

    (2) قليل المال . . .

    (3) تجزئ عني : تقوم مقام الصدقة على الآخرين .

    (4) هنَّ اللواتي يربينهم وهنّ أمهاتهم .

    (5) أخرجه البخاري برقم ( 1466 ) ، ومسلم برقم ( 1000 ) ، وأحمد برقم ( 15652 ، 26508 ) ، والنسائي برقم ( 2583 ) وغيرهم .

    (6) رواه احمد برقم ( 26926 ) ، والترمذي برقم ( 785 ) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .

    (7) رواه أبو داود برقم ( 3854 ) بإسناد صحيح .

    (1) الوليدة : الأَمَةُ ، ملك اليمين .

    (2) رواه البخاري برقم ( 2592 ) ، ومسلم برقم ( 999 ) ، وأحمد برقم ( 26277 ) ، وأبو داود برقم ( 1690 ) .

    (3) الإسراء : 36 .

    (4) ق : 18 .

    (5) امراة الزوج الأخرى بفتح الضاد .

    (6) الذي يُظهر الشبع وليس بشبعان ( الإدعاء بما ليس كائناً لتكيد ضَرَّتها ) .

    (7) رواه البخاري برقم ( 5219 ) ، ومسلم برقم ( 2130 ) ، وأحمد برقم ( 26381 ) ، وأبو داود برقم ( 4997 ) .

    (1) أخرجه البخاري برقم ( 3364 ) .

  2. #2
    الصورة الرمزية نادية بوغرارة شاعرة
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    المشاركات : 20,306
    المواضيع : 329
    الردود : 20306
    المعدل اليومي : 3.19

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د عثمان قدري مكانسي مشاهدة المشاركة
    المرأة مربية وداعية

    الدكتور عثمان قدري مكانسي


    [color=#000000][font=times new roman]
    من كتابي ( المرأة في حديث رسول الله)

    ][/right]
    **************
    بارك الله فيك أستاذنا الفاضل ، و جعل هذا الجهد في ميزان حسناتك .

    هل كتابك موجود على الشبكة؟
    إن كان نعم نرجو أن تضع لنا رابطا يوصلنا إليه .

    كل الشكر .
    http://www.rabitat-alwaha.net/moltaqa/showthread.php?t=57594

المواضيع المتشابهه

  1. فهل نعي ؟ رثاء مربية فاضلة
    بواسطة إيمان رمزي بدران في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 23-07-2012, 06:07 PM
  2. مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 10-10-2005, 04:39 AM
  3. تحرير المرأة في يوم المرأة العالمي
    بواسطة محمد حافظ في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10-03-2005, 10:55 AM
  4. هذه المرأة‏...‏ يكرهها الرجل‏!!‏
    بواسطة ياسمين في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-04-2003, 12:48 PM
  5. العنف الأسري ضد المرأة في الغرب (1) في أمريكا ...!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-02-2003, 01:32 AM