لكما معاً..
ثدْيَايَ والسَّهَرُ المُنَمَّقُ بالوَسَنْ.
طِفْلانِ مَرَّا
في دِمَاءِ عَفِيفَةٍ،
قدْ عُبِّدَتْ
كلُّ التَّضاريسِ الّتي في جِسمِها
لَهُما معاً.
ثَدْيانِ يَقْطُرُ منهُما
طعْمُ القَدَاسةِ ، أُرْضِعَاهُ
ومُلِّكَا فوقَ التَّرائِبِ مَنْبَعاً.
رَحِمٌ تَشَكَّلَتِ الملامِحُ
في بِطانَةِ دِفْئِهِ.
جعلَ البديعُ وِعَاءَهُ
خَصْباً لِحَيٍّ مُنْبَتٍ،
وَلِمَيِّتٍ مُسْتَوْدَعاً.
أُمٌّ تُرَادِفُهَا السَّكِينةُ
أَينَمَا وَلَّيْتَ وَجْهَكَ
آنَسَ الْجَفْنُ المُشَرَّدُ مَضْجَعاً.
* * *
غَاَضْت بِحَاُر عَطَاِئها
لمَّا الخُطُوبُ خَلَتْ بِها،
واسْتَوْطَنَ الليلُ العَقيمُ رُبُوعَهَا،
فَأَحَالَهَا
بعدَ النَّضَارةِ بَلقَعاً.
**
قَلَقاً على الطفلينِ أبْكَمَتِ الأنِينَ
وَخَبَّأَتْ روحَيْهِما في جُرْحِهَا
حتَّى إذا
شَبَّا بأحْضَانِ الجِراحِ
تَمَرَّدَا مُتلاحمينِ
وهَيَّئَا
للشَّمسِ في أوْجِ الظهيرةِ مَطْلعاً.
عَزَّ المُرادُ
وحينَ شَبَّا خَيَّبَا أملَ العَطُوفِ
وأَنْطَقَا أنَّاتِها.
مَلَكَ الهوى عَقلَيْهِمَا
فَتَبَاعَدَا
وعنِ الجريحةِ أُبْعِدَا.
**
نَادَتْهُمَا
والصَّوتُ يخرجُ من دُجَى أَحْشَائِهَا.
جَاءَا
وما كانَ المَجِيءُ إجابَةً لِنِدَائِهَا،
بلْ كانَ ظنّاً منهُمَا
أنَّ المَنِيَّةَ أقبَلَتْ
وَدَعَتْهُما قبلَ انسِلَاخِ الرُّوحِ عنْ أرْجائِهَا.
فَتَسَابَقَا
والإرْثُ قَصْدُ كليهما.
ضَمَّتْهُمَا،
والطُّهْرُ يَملأُ عينَهَا
والخُبْثُ في عَينيهِما.
ضَمَّتْهُمَا،
وَهِيَ المُعَقَّةُ بينَمَا
تَرْنُو إلى حُضْنَيْهِمَا.
ضَمَّتْهُمَا،
والعَفْوُ يصْدُرُ
سَاذجاً مُسْتَسْلِما.
ضَمَّتْهُمَا،
والرُّوحُ تَغْلِي
كُلَّمَا ضَمَّتْهُما ، فَتَنَهَّدَتْ.
وَدَنَتْ بِثَغْرٍ عابِسٍ
لكليهما وَتَحَدَّثَتْ.
قالتْ تُؤَنِّبُ واللسانُ مُجَاهِدٌ :
"أزْهَقْتُما مِنِّي المَشِيمَةَ
مَرَّتينِ
وَمَا شَكَوْت ُتَوَجُّعاً.
عِشْرُونَ أُخْتاً ما شَدَدْنَ على يَدِي
عندَ المَخَاضِ،
وَكَشَّرَ الثَّغْرُ الَّذِي
يَبْسِمْنَ منهُ تَصَنُّعاً.
وَشَحَذْنَ أنْيَابَ المَطَامِعِ
لمْ أَخَلْنِي للشَّقِيقَةِ مَطْمَعاً.
وَجَعِي نَبُوءَةُ ما عليهِ أَرَاكُما
منْ ذِلَّةٍ ،
عنها تَخَفَّى الذُّلُّ يلبِسُ بُرْقُعاً.
جَسَدِي المُسالِمُ
مُنْهَكٌ ،
عارٍ يُجَابِهُهُ الهوانُ مُدَرَّعاً.
فَبِأَيِّ جُرْمٍ جِئْتُهُ تَتَبَاعدانِ،
ورُحْتُمَا
طَمَعاً ببعضِ مَنَابِعِي
تتنازعانِ،
وأُغْرِيَتْ نَفْسَاكُمَا بقليلِها
ونسيتُما أنَّ المنابعَ كُلَّهَا
لَكُمَا معاً.
لكما معاً..
ثدْيَايَ والسَّهَرُ المُنَمَّقُ بالوَسَنْ.
لكما معاً..
مَصْلُ الوِقَايةِ من مَلَمَّاتِ الوَهَنْ.
لكما معاً..
سِمَةُ القداسَةِ والتَّراتِيلُ الّتِي
مُزِجَتْ تفاصيلي بِها
وأَتَتْ يَدُ القُدُّوسِ
حَرَّكَتِ المَزِيجَ
فَخَلَّقَتْ مِنْهُ الوَطَنْ."