اركضي اركضي يا نجيدة هاهو قادم ناحيتنا
صرخت نجيدة وأطلقت رجليها للريح....
لقد كان بمثابة كابوس لكل التلاميذ والتلميذات،،، وكنت بدوري أخشاه جدا ... ولكنه كان يحفظ توقيت ذهابي إلى الإعدادية أمي لم تكن أبدا تضبط الوقت ولكنه كان كالمنبه يراقب ذهابي بشغف كبير ولا ترتسم الوداعة على محياه إلا برؤيتي خارجة من البيت ...
أحاول التظاهر بعدم رؤيته وأنا أتحين فرصة اللقاء بأحد ما لتعود السكينة إليّ كان يكتفي بمرافقتي ومراقبتي من الرصيف المقابل فقط ...ولو حاول أحد ما معاكستي أو مخاطبتي بصوت مرتفع فالويل له ...
نجيدة بمجرد رؤيتي أسرعت إلي معانقة ومقبّلة ولونها شاحب أرجوك اطلبي منه ألا يأذيني فقد أصبحت أعيش كابوسا ...أتمشى وأنا ألتفت إلى كل الاتجاهات مخافة أن يلتقطني.....
قلت لها بيقين لأنك تخشينه فأنا لا أخشاه لذلك لا يستطيع إيذائي أو مطاردتي كما يفعل معك ...
في قرارة نفسي أعرف أن الخوف منه يشلني فهل يعقل أن أكشف خوفي أمام نجيدة لا وألف لا وكلاّ....
مع مرور الوقت، اعتدت وجوده إلى عدم الانتباه لوجوده ، بل أصبحت أحس بامتلاك قوة خارقة يمدني بها ذلك الإحساس بالأمان والقوة هناك من سيحميني من أي خطر محتمل .. يا لروعة هذا الكائن الذي جعلني ملكة يهاب جانبها
اكتسبت الثقة والاستقلالية وأصبح لي رأي في مواقف كثيرة جدا بالرغم من صغر سني
بالرغم من الشكاوى المقدمة من طرف بعض الناس إلا أن السلطات كانت تواجههم بأنه لا يعتدي على أحد ...
وقد حاول بعض الجيران والمعارف إخافة والدي بغرض التقدم بالشكوى ضده ولكنه رفض لأن الرجل لا يعترض سبيلي ولا يضايقني...
ووالدي كان يتقي الله ولو عبر عن الرغبة في التخلص من الرجل فسيختفي في ثوان... ولكن حرام أن يتحالف مع الدهر فيزيد من بأس الرجل فهو إنسان من لحم ودم.الله يعفو عليه.. تهلاّو فيه مسكين لا حنين لا رحيم..يقولها أبي كلما رآه على متسمرا على الرصيف المقابل يراقب بيتنا....
نجيدة تصر وتلح عليّ: إنه سيمتثل لأي طلب تطلبينه منه فهو ملاكك الحارس فاطلبي منه أن يدعني ...
- لا أستطيع فأنا لا أتحدث معه
- فقط اطلبي منه ...
انضمت إلينا لويزة وبدون مقدمات :حصلت مرة أخرى على أول نقطة؟؟؟ لا أعرف لماذا فالأستاذ يحابيك على حسابنا كلنا ....
نظرت إليها وقلت: الورقة تحدد، فاذهبي واشتكي للإدارة ... تعلمين أن مواضيعي تعجب دائما أساتذتي...
كنا لا زلنا على بعد خطوات من ثانوية عبد الكريم الخطابي ..عندما لحقت بنا السعدية وبادرتني بالسؤال عما كتبت عن جبران خليل جبران فأطار بعقل الأستاذ وأعجب به لهذا الحد... المسألة ما عادت تحتمل فأنت دوما الأولى ...
- اهتمي بدروسك وقدمي أجوبة بجودة أجوبتي وستحصلين على الدرجة الأولى فجأة ارتفع صوتها وهي ودخلت في عصبية هستيرية لم أستوعبها
كانت تصرخ وكأنها تحملني مسؤولية كل ما يحدث معها بالحياة وأنا صامتة لا أجيبها مما زاد من ثورتها ....وما هي إلا ثوان حتى هاجمها الملاك الحارس بكل قوة وضراوة وعض أنفها بشكل مخيف ..
هربت الأخريات مفزوعات يتصايحن ويطلبن النجدة... ولم يتوقف إلا على إيقاع صوتي الذي ارتفع بالصراخ والبكاء.
كانت تلك آخر مرة أراه فيها ...ولكن صورته وهو واقف ينتظر خروجي من الإعدادية أو الثانوية أو وهو يدور حول نفسه على الرصيف المقابل لباب منزلنا لم تفارقني يوما... ولا أعتقد أنها ستفارقني يوما وأنا على قيد الحياة خصوصا تلك الابتسامة الوديعة وهو يلوح لي مودعا خلف الباب الحديدي...
قال لي والدي رحمه الله بأن أفراد عائلته قد أدخلوه المصحة بالعاصمة قصد العلاج فهو من عائلة معروفة جدا، وقصة جنونه ارتبطت بفرار زوجته الأسترالية بولديه وانقطاع أخبارهم عنه،،،
فبعد محاولات عديدة لإيجادهم انفجر في أحد الأيام غاضبا في محل عمله؛- كان مهندسا معماريا ناجحا جدا-؛ فخرج من هنالك وتوجه إلى منزله وأضرم النار في كل شيء قبل أن تنتابه حالة هستيرية أدخل إثرها إلى المستشفى ....وبعد خروجه استمر على تلك الحالة .....
غريب ذلك الرابط الذي يربطني بهؤلاء المجانين الذين استطعت دوما اكتساب تعاطفهم الكبير وبالمقابل تظل صورهم تلح على ذاكرتي وتنعش إحساسي بأبوتهم لي رغم الجنون والهوس......