قال النائب بمجلس الشعب الأستاذ أحمد سعد أبوعقرب متهكماً: "وزير النقل بيلعب كويس، لكن مشكلته إنه منحوس زي الزمالك، والزمالك بيلعب كويس وبيتغلب".


استوقفني كثيرا هذا التعليق الساخر المتهكم، فأنا ضد التهكم من أجل التهكم.
فاستقالة سيادة الوزير نتيجة لوقوع كارثة، تعد من المواقف التي يجب أن نرفع لها القبعات، خصوصا إن لم يكن مرتدي القبعة يعاني من الصلع.


وإن كنت أرى أن سيادة الوزير تسرع بعض الشئ في هذه الاستقالة.
وقبل أن تتذمر عزيزي القارئ، أدعوك إلى إلقاء الزمارة، ودعنا نحلل الحادثة بهدوء وعلى أسس علمية. لنرى، هل الوزير مخطئ أم لا؟.


استقال سيادة الوزير بعد حادث القطار الأخير، اعترافا منه بالخطأ. في بادرة قد تكون الأولى من نوعها في التاريخ المصري منذ عهد مينا موحد القطرين.


ورغم أننا نعلم أن الاعتراف بالحق، هو نفسه "أبلة فضيلة"، إلا أنه قل من يعترف بالحق، فما بالكم بالتنحي عند الخطأ!!!


وعندما نقول "حادث القطار الأخير".
قد يشعر القارئ الغير مصري، أن كلمة "الأخير" غريبة بعض الشيء، لكن القارئ المصري يعلم أن القطارات وحوادثها أصبحت معتادة، لدرجة أن المصريين أصبحوا يتبادلون أخبارها، بنفس سهولة نقل خبر من نوعية:
"اسكتي يا ماما، "مش" محمود بن "تنت" صفية تقدم لخطبة عنايات ابنة "أونكل" الحاج إبراهيم".


بل قد يصل الأمر في بعض المواقف، أن تستخدم أرقام الضحايا في ألعاب ترفيهية، لاختبار المعلومات عند التنزه على الكورنيش و"أزأزة" الملانة.


ولكي لا تتشابك الخيوط، وتتداخل المكالمات، سأبني دفاعي عن سيادة الوزير على عدة نقاط واضحة:-


النقطة الأولى (منطقة وقوع الحادثة):
المنطقة التي حدثت فيها هذه الكارثة، تسمى ب "العياط".
وكما تعلم عزيزي القارئ أن كلمة العياط مشتقة من فعل "عيط".
والقاعدة اللغوية تقول: "عيط"، "عياط"، فهو "عيوطي".
وبالتالي نجد أن الاسم، يجعلنا نشك في نية مبيتة، في هذه المنطقة على استدعاء الكوارث.


كذلك لو أمعنا النظر إلى تاريخ المنطقة، سنجد أنها منطقة مشبوهة.
فقد سبق لها استقبال كارثة سابقة، هي الأشهر والأكبر في تاريخ القطارات المصرية – عاملة "ريكورد" يعني -. وهي الحادثة التي احترق فيها مئات من أبناء الشعب المصري، داخل قطار ظل مشتعلا بمن فيه، وكأنه يلعب مع مصر لعبة "القطار فات فات، وفي ذيله سبع ولعات".


النقطة الثانية (بيزنس):
قد لا تعلم عزيزي القارئ، أنه يوجد فاصل زمني بين القطارين - اللذين يسيران على نفس الخط - يصل إلى عشرين دقيقة كاملة.


وهنا يحوم السؤال، منذ متى ونحن نعطي الوقت هذه القيمة في مصرنا الحبيبة؟.
فمن المعروف عن الشعب المصري، أن على قلبه مراوح فيما يخص الوقت، فنحن من نحمل براءة الاختراع لمقولات على شاكلة: "هي الدنيا هتطير"، "يعني تقولش رايح الديوان يا خي"، "يا خبر النهاردة بفلوس، بكرة يبقى ببلاش".
فما الذي جعل للدقائق المعدودة قيمة؟.


وقد يخبرني أحدكم أن "الجون بيجي في ثانية"، وأرد عليه أننا احتجنا إلى ما يقرب من 95 دقيقة لنحرز الهدف الثاني في الجزائر.


وقد يقول قائل، أن المصرية للاتصالات غيرت معنى الثلاث قروش. فلماذا لا نأمل أن تغير هيئة السكك الحديد مفهوم العشرين دقيقة؟


وهذه نقطة براءة سيادة الوزير، فمصلحة السكة الحديد دخلت في منافسة مع شركة الاتصالات، يعني "بيزنس". فما ذنب سيادة الوزير؟


ومن المعلوم أن أن سيادة الوزير لا علاقة له بالبيزنس من قريب أو بعيد. وفيما يخص المصانع والشركات التي يمتلكها، ما هي إلا مثل الممتلكات التي تحصل عليها في لعبة "بنك الحظ السعيد"، "حماتك تحبك، أذهب إلى البحرين".


النقطة الثالثة (شركات المحمول):
وبما أننا جئنا على ذِكر الاتصالات، فلابد من الإشارة بأصابع الاتهام إلى شركات المحمول.
فمنطقة العياط تعاني من عدم وجود تغطية. مما حرم سائق القطار الأول من إعطاء "ميسد كول" لسائق القطار الآخر، أو حتى إرسال رسالة "كلمني، شكرا".


كذلك كان يمكن للراكب - المسكين في الدرجة الثالثة "القشاش" - أن يدخل على الشبكة العنكبوتية "الويب" عبر محموله الحديث جدا، ومعرفة أن قطارا اصطدم بجاموسة في منطقة "العياط" في مصر.
وبالتالي كان سيسارع الركاب إلى تنبيه السائق أو القفز من القطار.


النقطة الرابعة (الجزرة):
كان يستطيع سيادة الوزير التهرب من التهمة بإلقائها على "الجزرة".
والجزرة هي المتهم الأول في كل حوادث القطارات في مصر.
كان يمكن أن تصدر الوزارة تقريرا، بأن أحد الأرانب المتواجدة على متن القطار، هربت من "القوفة"، وأكلت الجزرة الخاصة بالقطار.


ولتتم سبك نتيجة التحقيقات، كان يمكن أن تصدر الوزارة قرارا بمنع اصطحاب الأرانب في رحلات القطارات. تماما كما مَنع الأزهر ارتداء النقاب في معاهد الفتيات الأزهرية، إلا في عندما يتواجد رجال، مع العلم بأن معاهد الفتيات، لا يعمل فيها رجال مطلقا.


وقد يدور بخاطرك أيها القارئ الكريم، أنه إن مُنعت الأرانب من ركوب القطارات، لقامت الدنيا وما قعدت. ولقامت الهيئات الحقوقية في مصر بالدفاع عن حقوق الأرانب، وربما تخرج علينا حركة "حرورا الأرانب من الملوخية". ولانطلقت الهتافات في ميدان التحرير "جزر وخس، جزر وخس، اعطوا الأرانب حق الكرفس".


وبالطبع لديك كل الحق في أن تفكر فيما تريد.
لكن ما يهمنا في الأمر، أن هذا لم يحدث من طرف الوزارة المحترمة، مما يؤكد على مصداقيتها.


النقطة الخامسة (الدانمارك):
أصابع الاتهام تشير إلى أن جاموسة غبية حلوب ألقت بنفسها على خط السكك الحديد، مدعية أنها تعاني من حموضة زائدة.


مما جعل الإشاعات تزداد، حول حصول هذه الجاموسة على مساعدات من الخارج، وكذلك التجسس لصالح جهات أجنبية، وتطايرت الأخبار أن هذه الجهة هي "حظائر البقر الدانماركي".


وأنا شخصيا أميل إلى هذه النظرية. ولا أحتاج أن أذكركم بما بيننا وبينهم. ومما جعلني أميل إلى هذه الفرضية، هو العثور في "بيت الجاموسة" على أقراص، تزيد من معدل الأحماض في المعدة.


النقطة السادسة (اللحوم):
وكما أخبرتكم أيها السادة أن الأسباب متشابكة بشدة. وبما أننا ذكرنا كلمة "جاموسة"، فلابد أن نشير إلى اللحوم. وأعلم أن الكثيرين منا قد نسوا هذه الكلمة، فوجب التذكير بأن اللحوم هي:
"شكل هلامي لأنسجة متجمعة على شكل هوبر هوبر في جسد الحيوان، ويمكن تناولها مطبوخة أو مسلوقة أو مشوية"...كانت أيام وذكريات، أليس كذلك؟.


ولكن حدث ارتفاع مفاجئ في سعر هذه المادة الأسطورية. ورغم طول الأمد على المصريين، إلا أن تأثير هذه المادة، ظل باقيا في نفوسهم وفي ملاحمهم الشعبية.


ولأن الفراعنة مرت عليهم سبع عجاف، ولكي يتم تحذير الأجيال القادمة على هذه الأرض الطيبة.
نحت الفراعنة "مسلات" على شكل أسياخ، تمر بقطع من اللحم المتبل. ونصبوا مسلات "الباربكيو" هذه، في أحد مطاعم "أمون طرب"، أقصد معابد "أمون رع".


بعد هذا المبحث التاريخي الهام، نعود إلى نقطتنا....
ما أن انطلقت الصرخة في البلدة، بأن الجاموسة وقعت على السكة الحديد يا أبا سويلم.


حتى هرعت الجماهير الغفيرة، لتنال حظها من الجاموسة المقتولة، وبذل الفلاحون مجهودا كبيرا في تجميع قطع اللحم المتناثرة، خصوصا أن القطار عمل على تقطيع الجاموسة تقطيعا رائعا.


يقال أن التقطيع جاء على شكل "Cubes" أو ما يترجم إلى "مكعبات"، وهذا هو الاسم الحركي لقطع اللحم في حي الزمالك.


أو على شكل "هوبر يا خويا هوبر"، وهذه الجملة ب"ورقتها"، هي الاسم الذي احتفظ به المصريون منذ عصر الفراعنة، ويمكنك أن تسمعه عند شراء اللحم في عين شمس أو الضرب الأحمر.
وهذه النقطة تنقل أصابع الاتهام إلى سيادة وزير التموين.


النقطة السابعة (الباب الذي يأتي منه الريح):
أن هذه الاستقالة ستدفع المواطن المصري إلى المطالبة باستقالة كل مخطيء.
وهذه كارثة، ستؤدي إلى استقالة الشعب والسادة المسئولين - إلا من رحم ربي-.


سيستقل سيادة وزير التعليم:
الذي نقل سياسة "الباب المفتوح" من عالم السياسة إلى التعليم، فأصبحت المدارس خاوية.
ورغم أنها محاولة من وزارة التربية والتعليم، لتقليل الضغط على أساسات المدارس المتهالكة.
إلا أننا ننكر على الوزارة، ضعف دورها في تطوير المنظومة التعليمية، لتخرج لنا سائقي قطارات على مستوى يليق بسمعة مصر، خصوصا أنها كانت ثاني دولة أدخلت السكك الحديد بعد بريطانيا.


كذلك كان يمكن أن تعمل الوزارة على إخراج علماء متخصصين في الهندسة الوراثية.
وكان ذلك ليفيد في تغيير الجينات الوراثية للأرانب، بحيث نجعلها تتناول الخيار عوضا عن الجزر، أو تغيير جينات الجزر ليصبح كالكرفس.


سيستقيل وزير الإعلام:
وكيف لا، وقد فشل في تنظيم العلاقة بين أندية كرة القدم والتلفزيون، في قضية البث الشهيرة، التي أرقت المواطن المصري ونغصت عليه أيامه، فهو يحيا من أجل كرة القدم وحدها.


كما أن الإعلام المصري، تحول من وسيلة هيمنة فكرية على المنطقة، إلى إعلام ضئيل لا يمثل أي شيء.


وزاد الطين بلة، وصول أصحاب "الشورت" القصير إلى لقب "الإعلامي الكبير"، وتحولت الفضائيات إلى وصلات من التهجم، على كل من تصل إليه ألسنه المذيعين المهذبين، أصحاب أربطة العنق الأنيقة.


لكن الأخطر من كل هذا، هو ترك الباب مفتوحا - على البحري – أمام غزو حسناوات الشام لأراضي مصر، مما ضرب فاضلات الفن المصري في مقتل، وكيف تقف "القرعة" في مواجهة "أم الشعور".


وتسببت هذه الثغرة الإعلامية، في زيادة حالات طرد الزوجات من بيوتهن، مما زاد من الضغط على المواصلات بشكل عام، والقطارات بشكل خاص.


سيستقيل وزير الصحة:
الذي كان سببا في تعرض مصر لحملة تشهير على المستوى العالمي.
وذلك لدفن وحرق الخنازير في معتقالات جماعية، وكان يفترض بنا أن نراعي الخنزير المصري، ورفع معدل تواجده في المطاعم المصرية.


وأظن أن هذه كانت الخطة التي عملت الوزارات السابقة على تنفيذها. وراح هذا المخلوق اللطيف الظريف المسمى بالخنزير، ينمو ويترعرع ويتكاثر على أراضي مصر الحبيبة.


لكن سيادة وزير الصحة قام بالقضاء على ثروة قومية خنزيرية لا تقدر بثمن، مما أدى إلى ارتفاع سعر السيارة الخنزيرة، نظرا لأنها أصبحت مهددة بالانقراض. وبالتالي زاد الضغط على القطارات.


وغيره الكثير والكثير...وكما ترون أن كل الخيوط متشابكة.


النقطة الثامنة (الحشاش والصندوق الأسود):
رغم أن الصندوق الأسود ينفع في اليوم الأبيض. ورغم وجود إشاعات، تقول أن الصندوق الأسود كان يستخدم في تثليج "الأزوزة" و"حاجة ساقعة بيبس".
رغم هذا كله، إلا أنه كان يمكن فبركة مكالمة بين السائقين لتكون على النحو التالي:
السائق الأول (متطوحا):
- كيف حالك؟ وكيف حال الأولاد؟


السائق الثاني:
- تمام ولله الحمد.


السائق الأول:
- لماذا أغلقت جهاز الاتصال لديك؟


السائق الثاني (كيف يكون مغلقا، وأنا أتحدث إليك الآن أيها "الغشيم"، هكذا ستتضح "الفولة". ولكن دعني أسايرك، فنحن أذكى من كل من سيسمعنا):
- الجهاز لا يعمل كالعادة. لكن، لك وحشة يا أبا ربيع، إن شاء الله سأراك بعد دقائق معدودة.


السائق الأول:
- أسرع أكثر قبل أن تنتهى اللحمة.


السائق الثاني:
- لحمة؟ هل هذا هو اسم الصنف الجديد الذي تتعاطاه يا أبا ربيع؟


السائق الأول ضاحكا (في عقله يدور السؤال، من ربيع هذا؟):
- لا، لا، ألم أخبرك عن الحادثة التي وقعت للقطار الذي أقوده، وتسبب في قتل جاموسة؟، لكن لا يمكنني أن أصف لك كثرة اللحم، أسرع فهذه فرصة لا تتكرر.


السائق الثاني:
- حادثة!!!


السائق الأول:
- ألم أخبرك حتى اللحظة، أن هناك........؟؟؟!!!
طاااااااااااااااااااااااا ااااااااااااخ


أخيرا وليس آخرا:
أيها السادة، الأمر كله وطنية ودفاع عن مصر الحبيبة.
فلقد وصلتنا أنباء من أحد المصادر الموثوق فيها، والذي رفض ذكر اسمه، حتى لي أنا شخصيا.
صرح المصدر المسئول قائلا:
"أن استقالة سيادة الوزير، جاءت للتعبير عن حسن النية من الجانب المصرى، فيما يخص التعامل مع الجاموس. وذلك بعد اعتصام جماعات كبيرة من الهندوس في الهند، اعتراضا على المعاملة الشرسة والغير آدمية التي لاقتها الجاموسة المصرية.
وكانت قد تطايرت الأنباء، حول وجود نية لدى البقرة المقدسة لدى الهندوس، في التقدم لخطبة الجاموسة المصرية.


مما دفع الحكومة الهندية للضغط على الجانب المصري، للضرب بيد من حديد، على يد من سولت له نفسه في قتل هذه الجاموسة المقدسة.


بل وصل الأمر إلى حد التلويح باستخدام السلاح النووي الهندي ضد أذن أبي الهول، مما قد يؤثر بشكل كبير على السياحة المصرية، فمن سيرغب في رؤية رأس أبي الهول بدون أنف وأذن؟"


السيدات والسادة نصل الآن إلى الخلاصة،،،
كان يمكن إلقاء التهم على السائقين، والاعتماد على الاتهام الذي تم توجيهه إلى سائق القطار الأول، بأنه يتعاطي "الحشيش".
وتكرار كلمة "حشيش"، يؤكد – بما لا يدع مجالا للشك - وجود أرانب متربصة منتشرة في القطارات المصرية، فالويل للأرانب إذا، لا يمكن أن نتركها تفر من العقاب.


كان يمكن كيل التهم إلى "المحولجي" - وهو المسئول عن تغيير مسارات القطارات-، بعد أن ثبت "تزويغة" قبل خمسين دقيقة من مكان العمل، وركوبه للقطار الأول، ولقى حتفه في الحادثة كذلك.


كان يمكن إلقاء اللوم على الصغير والكبير، لكن كل هذا لم يحدث.


وفي النهاية:
أرى أن استقالة سيادة الوزير كانت خاطئة ومتسرعة.


وقد يقول البعض أنها كانت إقالة....الأمر سيان بالنسبة لي. فأنا أرى أنه كان ينبغي أن يحصل على الفرصة الكاملة حتى نهاية تصفيات 2050.


فأنا مع مبدأ تثبيت الأجهزة الفنية على طول الخط، مما يؤدي إلى الاستقرار، وفهم المدير الفني لقطاراته.


"وإن شاء الله تعمريها، وعيالك يجروا فيها."


بقلم: عدنان القماش.
19 نوفمبر 2009.

وإلى اللقاء في سؤال آخر من سلسلة مقالاتنا: "سؤال يطرح نفسه = صفر"
http://qequalzero.blogspot.com