وأطلّ الشيطان!!
فراشة المدرسة..
لا أظنني أتذكّر من زملاء المدرسة الابتدائية من يزيد على أصابع الكف الواحدة..
ومن بين الزميلات ربما تذكرت اسما أو اثنين بالكاد..
لكنها لم تكن كذلك، ليس فقط كونها مثالا حيا للكمال الطفولي في أبهى صوره.. ولكن لما كان بيننا من تنافس محتدم وتبادل سريع للمراكز في لعبة الكراسي الموسيقية على الترتيب الأول على الصف، ومن ثم المدرسة..
حتى صفة "التلميذ المثالي" خطَفتْها مني في الصف الخامس، وانتزعتها منها في الصف السادس الحاسم.. ناهيك عن زمالتنا في مسابقات "أوائل الطلبة"..
فرّقت بيننا سنوات الدراسة غير المختلطة ثم الجامعية، لنلتقي من جديد في الدراسات العليا في الجامعة.. حيث لم يعد مجالا للتنافس الشرس القديم، وإنما التعاون في مجال البحث.. وفي مجال آخر أكثر رحابة.. فكل منا الآن علما من أعلام العمل الدعوي والخيري بالجامعة!!
عندما شققت طريقي نحو ما يشبه الهجرة خارج الوطن، لم أعد أتذكر حقيقة سوى ما تفرضه علي أعباء العمل، ومتطلّبات حياة الأسرة الصغيرة بدفء ارتباطها، ومشاغل تفرضها علينا الحياة اليومية فرضا، ونزعا للعمل العام يفرض نفسه في صورة نشاطات أغلبها كتابيا.. على صورة تأملات في التجارب، وخبرات للأجيال القادمة..
عبر الشبكة العنكبوتية التقينا من جديد.. يقولون -تأدبا-: قد انتصفت أعمارنا.. والواقع أننا –حسابيا- في الأمتار الأخيرة من مرحلة الكهولة.. شيّبتنا الحياة.. وخطفتْنا السنون.. لو صح اطلاق الشيخوخة المبكرة على عتبة الخمسينات من العمر، لاستحققنا اللقب عن جدارة واستحقاق..
فراشة المدرسة تتمتع الآن بريادة ثقافية.. فهي دائما في سباق مع كل جديد وطريف..
وقعت عيناي على موعد لقاء ثقافي متلفز لها ينقل مؤتمرا ثقافيا عاما..
فترقّبت الموعد في لهفة أسترها عن عيني رفيقة العمر، وحينما أطلت فراشة المدرسة عبر الشاشة.. لم أجدها هي ذات الفراشة النقيّة التي عرفتها عبر سنوات العمر..
وإنما صارت انقلابا شائها على كل ما بشّر به مستقبلها الواعد..
ورأيت الشيطان يُطلّ من وجهها..
فأغلقت التلفاز.. ولم أكمل الاستماع إلى حديث الريادة والأوهام..