بسم الله الرحمن الرحيم
ملحمـة غــزة ..!!
يا أُمّـة التـوراة ..
هاتي لنا التوراة نقرأ ما سُطِرْ
وأْتي لنا التلمود يُفْتِـينَ الورى ..
يُجْلي لنا الحاخام ما بين السُّطُرْ
نحن الأمم ..
نحن الذين تخندقوا .. في البذل .. قد بلغوا القمم
هذي أريحا موطنٌ ..
هي موطئٌ .. دارٌ لنا .. ومنارةٌ منذ الْقِدَمْ
وهنا بغـزة رهطنا ..
من هجرتموهم تحت سوط القهر في ليل ادْلَهَمْ
سَعَّرْتم وجه الدجى .. لهباً تعالى يَضَّرِمْ
يغلي بمعمعة الفناء يُزَغْرِدَنَّ أزيزه ..
يغتال كل ناصيةٍ وفم
هذي قبية , دير ياسين خوتْ ..
حيفا ويافا بين أظهرنا هوتْ ..
أطلال غشت ثوبها ..
شبح المنية لفَّها سيلاً عَرِمْ
لنهيم في وادي الأسى ..
لا ملجأٌ .. عبثاً .. أتؤوينا الْخِيَمْ ؟؟
حتى حللنا غـزة ..
هي مرفأٌ للآجئـين قلوبهم ..
شَدَّ الحنين رباطها فيها ازدحم
ورثوا الجدود والأصالة والْقِيَمْ
وحموا المبادئ لم تَزِلَّ بهم قدم
يُحْيُون شمس الطهر يُعْلون الشمم
يهوون مهوى الروح .. يرعون الشيم
صانوا لنا المفتاح ما عرفوا السأم
يروون للأحفاد قصة فجرنا .. عَبْقَ النّسَمْ
من أي طينٍ أنتم ..
يا من غصبتم أرضنا وقتلتم شمس الظهيرة تستجم ؟!!
الليـل من حولي تَفَحّمَ لونه ..
يمتد مثل جدائل العذراء في شَبَقٍ يئنْ
وسفينتي بالعشق بَرَّحَهَا النَّوَى ..
تجري بنا في موجه العاتي تُصَارِعْنَ الْمِحَنْ
سارت بنا ..
تُحْيي بنا الآمال تختزل الزمن
فإذا بزهري قد غدا مُتَضَوِّعَا ..
وتنفس الصبح الأغر على شواطئنا سَكَنْ
حَلَّ الربيــع بروضنا ..
رغم الحصار ترنمت أطياره ..
وبدتِ الطلائع تَغْزِلَنَّ الْعَـوْدَ جافاها الْوَسَنْ
تشدو البلابل للهوى فينا اختزنْ
راحت تشدُّ على القلوب ـ قلوبنا ـ
تُحْيي الرميم قد اسْتَبَدَّ به الْحَزَنْ
يا من أسَرْتَ الْحُلْمَ يملأ مقلتي ..
وَاغْتَلْتَ أنوار السناء به تضن
حَتَّامَ نحيا في حصارٍ .. نفتقد معنى الحياة ..
فلا هواء ولا شموع ولا غذاء ولا كساء سوى المنايا نحتضن
حَـلَّ الدُّجَى ؟؟
ما سِرُّ هذا الْغيم يخترق الْمَـدَى ..
غشى السماء .. همى .. انْسَدَلْ ؟؟
ما للسما ترمي اللهيب صواعقاً .. مطراً نزلْ ؟؟
والتُّرْبُ من حولي تَخَضَّبَ لونه ..
جمراً بلون الدم .. مأْساتي اخْتَزَلْ
أهي القيامة قد أتت ؟؟
قل لي بربك أيها الحاخام من بدمائنا قُرْبَى اغْتَسَلْ ؟!!
أهو الصليب تمددت حلقاته ..
وتحالف القسيس والحاخام من لهلاكنا صلى احتفل ؟!!
أهي الشريعة ..؟ أي شرع شرعكم ؟؟
أشريعةٌ هذي تُبيح جريمةً ..؟!
ما قالتِ الألواح ؟ من لنبيه منكم قتل ؟؟
أهي الحضــارة .. وَيْحها ..
ما للحضارة ..؟ هل أُصيبتْ بالشَّلَلْ ؟؟
أتَكَلَّسَ الإنسان بين ضُلُوعكم ..
ماتت ضمائركم .. أتندبها الْمُقَـلْ ؟؟
هذي المآذن بالثرى قد سُوِّيَتْ
ضَمَّتْ حشاشة مُؤْمِنٍ ..
رفع الأكف تضرعاً لما هَوَتْ
تُؤْوي الجباه الساجدات بها ثَوَتْ
حاكتْ براءة يوسفٍ منها ارْتَوَتْ
فإذا اللهيب صواعقاً .. حمماً غَلَتْ
وانْهَالَتِ الجدران فوق ربوعها وتفجَّرَتْ
ما للبيوت الآمنات ؟ بأي ذنبٍ أجْرَمَتْ ؟؟
يجتاحها الطوفان ينسف زهرها .. ماذا جَنَتْ ..؟؟
وربيعها الفينان في مهدٍ ذوى ..
مُسْجَى على صدر الأمومة أُزْهِقَتْ
بالزمهرير تَصُبًُّه ..
حِمَمٌ من الفسفور ـ يا لله ـ كيف تلونت ؟!
وتجملت ..!!
عبثاً تُذِيبُ الجلد تفتك ما وَنَتْ
تَسْلِبْنَ أنْسَام الحياة .. بها الحياة تَبَدَّدَتْ
وَتَلَفَّتَتْ ..!!
وتلفتت صوب النجاة جـدائلٌ ..
حيرى تدق الأرض أدمعها جرت
فإذا الردى وحشٌ يُبَاغِتُ حُلْمَها ..
جَفَتِ الْمشاعر قلبه فتحجرت
جمع الأيامى في صعيدٍ واحدٍ ..
في غرفةٍ .. في شارعٍ .. في خيمةٍ بهم انْزَوَتْ
وانْهَال في نهمٍ بألْفِ صَلِيَّةٍ ..
عبثاً يعيد الرَّدْعَ أعْصره خَلَتْ
وبحثت عن لحـدٍ يضم رُفاتنا ..
فرأيتها الأشلاء تبكي حسرةً ..
ووجدتها مـلء الفضاء تبعثرت
تشكو إلى رب السماء مصابها ..
دَكَّ العـدا أكفانها فتبددت
هل حرمة الأمـوات يُهْتَكُ عرضها ..
يَنْدى لها الأحيـاء أعظمها بَلَتْ
يَمَّمْتُ مدرسة المخيم صاديا ..
أمَّتْ حيارى الناس أعينهم هَمَتْ
شَدُّوا الرِّحَال ينشدون أمانها ..
فإذا المدارس كالبيوت على الرءوس تهدمت
دوليةٌ .. وهموا الحضانة دارها
مكفولة .. بِعُرَى الحصانة طُوِّقَتْ
وأمينها الهمام حَطَّ رِحَالُه ..
أتجير هيئته الْمنايا طَوَّفَتْ ..؟!!
وَشَخَصْتُ مَشْفَى الحي أنشد ظِلَّه ..
فوجدته طللاً عيـونه أُعْدِمَتْ
يهوي بأجنحة الملائك قلبه ..
مِزَقَاً على خد الأسِرَّةِ خُضِّبَتْ
هل هذه حربٌ .. فديتك غـزة ..
شُقِّي أوار الصمتِ عيناً تأْتَلِقْ
حربٌ على وهج الأثير لحافها ..
تنعي الحضارة والمبادئ والْخُلُقْ
تنعي القرابة مُزِّقَتْ أرحامها ..
وتبددت سُبُلُ المحبة تفترق
نفسي الفـدا ..
فهنا بغـزة للبطـولة آيـة ..
تَحْدو الصمـود شكيمةً .. علماً سَمَقْ
أحْيا الجهـاد من عزائم أهلها
شَقُّوا غبار الأفق .. في ساحِ الْوَغَى .. كل سبق
شَقُّوا بملحمة الجهاد قَنَـا الْعِـدَا ..
فَارْتَدَّ في جُبْنٍ يُلَمْلِمُ ما انْفَتَقْ
وَانْهَال في هَلَعٍ بِقَصْفٍ أرْعَـنٍ ..
غَشَّى وجوه الكائنات لها سحق
أرَأيْتِ يا أُماه أشجار الْحِمَى ..
والتُّرْب غازله الردى وبه مَحَقْ
يحنو على الزيتـون ضَمَّ جذوره ..
يرمي مسوخ الخلق يلتحم الشفق
أرأيْتِ يا أُماه أشباح الدُّجَى ..
حملوا البشائر .. ما لقلبك قد خفق ؟!!
لم يُثْنِهم أبداً تخاذل إخْـوةٍ ..
خارت عزائمهم .. يُوَالُون الْعِِـدَا .. جُـلٌّ مَـرَقْ
كلا .. ولا موت الضمائر جُمْـلةً ..
بخساً تُبَاع بكل ناصيةٍ تُرَقْ
شمطاء ..!! في قلب الْمُعِـزِّ عُـروبة
بُسِطَتْ لها الأيدي : تُبادئنا الوعيد على جماجمنا تُدَقْ
وعلى الحدود تَوَاكَبَنْ أشباهها ..
حشدوا لنا الرشاش يَفْقَأْنَ الْحـدقْ
رفعوا لها الرايات حُمراً أشْرعوا
وتداعت الأحْـزاب ـ في مَـدٍ لها ـ من كل عِـرْقْ
لولا الشعوب كيف صارت حية ..
سبحان ربك إنَّ ذا عجبٌ مُحِـقْ
أبْدَيْتِ غـزة بالجهاد جواهرا ..
ديست على وَقْعِ الهزائم نُسْتَرَق
وصمدتِ رغم الهول أرْهَبْتِ الْعِـدَا ..
فصنعتِ ثوب النصر فُرْقَانَـاً نطق
وأعدتِ ( بَـدْرَاً ) في العوالم حيـة
( إنْ تنصـروا )
قسماً سيأْتي النصر في مَـدٍ صَدَقْ
وكشفتِ غزة زيف طَوْقِ السلم خادع ربه
عَرَّيْتِ أذناب الذئاب بهم رَمَـقْ
وهتفتِ ملء الكون ينشد عـزة ..
أبداً يسود السِّلْم إن وهن الجهاد أوِ افْتَرَقْ
ـــــــــــــــــــــــــ ـ
" أهلكوا .. أحرقوا كل ما في المدينة ( أريحا ) من رجل وامرأة وشيخ وطفل , حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف , وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها , إنما الفضة والذهب فاجعلوها في خزانة بيت الرب " التوراة .. في التوصية ليوشع بن نون
المصدر : جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن ( تاريخنا المعاصر ) ص 390 تأليف صالح سعود أبو بصير بيروت 1968 م.
الشكر موصول لأستاذنا مازن لبابيدي لشرحه وعرضه الرائع نفعنا الله بعلمه وجزاه عنا كل خير