كلاب تنبح و تموء
في تلك الأيام التي لن تستطيع أن تعود, وتدق أبواب الضياء, سارعت في إحدى طياتها على منادتك دوما بأستاذي , ألا تدري معنى تلك الكلمة؟ تدق في أذنيك كتلك التموجات حيث رأينا حينما ثملنا , يأستاذي ...أنت لم تعدني بأن العالم خلف الجدران لم يكن ولن يكن جنة , بل جحيم لنا ونار تلك التي تكون أشلاءه , أكنت تقصد حقا عتبة النار , حينما تغدو ترهب الكل لحد كوننا مرهوبين منها في عوالمنا, حيث نعيش وحيث ننتظر أن نسافر إليه.
أتذكر تلك المدينة , في الشارع حيث أطبق الليل ستاره على حتى الضياء, ثملت ككلب يأستاذي , حقا بكيت كثيرا من شدة التعب , تعب سنوات دراسة مريرة , كنت تستحق مدينة أفضل يا أستاذي على الأقل , مدينة نور , تلفت انتباه أهلها وتبعد السياح , وهذا ما لن يتحقق, ألاتعرف لماذا , لأنك كنت دوما أستاذي ولم تكن أستاذهم ,الخاضع ,كنت تتفوه بالحماقات ,كما أجدت استعمال كلمة العنف بكل اللغات . تكتب وتكتب , فجأة تسمع ضجيج وكم تكرهه, تلتفت شيئا فشيئا بهدوء وبنظرات مرتسمة يقبلها الغضب, كنت شيطانا أنذاك , أكملت التفاتك وسكت الجميع ..أه,كم كنت تجيد قمع الضجيج بالصمت , أتذكر حينما أحرجتك,أمام التلاميذ, تجرأت أنذاك ومنعتنا عن الساحة , ولم نكن نفهم شيئا من فرنسيتك البالية... واجهتك صراحة...أتعلم لماذا ؟ لأن الساحة كانت ملاذي الوحيد, مشاكل العائلة, هموم الشارع, فرنسيتك البالية وموادا تشعر بالتقزز مصيرها في نظري هي الساحة ..وما هي الساحة في نظري أستاذي , إنها السيجارة والاستمتاع بمرض الموت ..لطالما رددت في كل مكان لم يستطع الانسان كشف شيء لاتزول لذته مثلما كشف النبيذ والسيجارة...اتفقت معي فيما قلت عن النبيذوالسيجارة, وخفت أن أكرهك حينما رأيت غرفتك, ولكن لا للقلق مادمت ذكرت لوحة فان غوغ مثلها, إنها لوحة غرفته , وحذاء الفلاح.
ماذا عساي أقول أستاذي?!! , بعد إستماعنا لتلك الموسيقى الحزينة, أعترف لك , لقد إختنقت وزادتني كلماتك النبيذية أرقا بعدما بكينا .أولا تعرف أنني بكيت كذلك , للحظة ما , انهمرت دموعي حنوا عليك بعدما فصلت ونبست بشيء مخفي في قلبك ..قد أصدق أن أباك قتل أمك , وساعدت أباك في السجن , لكني لم أصدق طرد أبيك لك من البيت بعدما خرج بريئا , لم أصدق عدم موتك من جراء مأساتك هاته, ولماذا عصرت يدك أنذاك, بشكل ما أحدتث دموعك فوارا نا في الأرضية...وإنتهت الموسيقى الحزينة .
لم أضحك مثلك ياأستاذي ,مع أني لم أحدثك عن قصتي , وعن دموعي التي لو كانت ماسا لكنت ثريا, دموعي التي انهمرت بغزارة كاني أرغوس" صاحب المائة عين", وعن كذلك أسرتي التي أحرقتني في الجحيم طال غيابي بينهم مع أني أعيش مع غرف معيشتهم, وعن ليالي التي قضيت في خارج المنزل, ومازلت حافظا على وعدي الذي قطعته مع نفسي , وعدي الذي جعلت منه من قلبي انسانيا مهما كل الظروف, كل ما أردته , هو صديق , ثم جئت أستاذي وكنت أبي وكل ما أملك , وخزانة أسراري وحافظة مطامحي , وطريق محو ألامي وتطلعات أمالي ..إذن دعنا نضحك وننسى الليالي مهما عدم استطاعتنا....فقط لنضحك
حقا ودعنا تلك الليلة المريرة بليلة ضحكنا فيها كثيرا ..ضحكنا حين أكلت النملة أستاذي..أطبقت فمك على النملة , وكأن عينيك تحدثان النملة , قائلة لا مفر يا قطعة البطاطس المقلية ...وصوت الانقطاع تداول في الغرفة , أفرطنا في الضحك وتذكرنا الألام مرة أخرى ...واقترفنا دنوبا في حق القمر , قمرنا نيتشه وطبعتك القديمة ...أستاذي كنت في الخامسة والأربعين من العمر, وأنا في التاسعة عشر ...كيف إخترتني من بين التلاميذ, أكنت مجدا في طرح الأسئلة ؟.
وانقطعت أخبار أستاذي بعدما رحل عني وودعته وودعني بكلام لاذع وقادح , تدخل الناس لفظ نزاعنا في الشارع , كان حقودا ومجنونا في أواخر لحظات لقائنا , وعلمت أن صداقتنا لابد لها أن تنحل لأننا لم نضف لها حبات الخطأ...
مرت ايام عديدة ووصلتني أخبار من أستاذي مفادها . إصداره لسيرته الذاتية في ألمانيا باللغة الفرنسية ولم أراه مذ ذاك الوقت.
تمت