رواية البخاري:
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هِيَ النَّخْلَةُ.
شرح الإمام العيني في "عمدة القاري"، ج2، ص14:
( بيان البيان ): قوله: " مثل المسلم " بفتح الميم والثاء معا في رواية الأصيلي وكريمة، وفي رواية أبي ذر مثل بكسر الميم وسكون الثاء. قال الجوهري: مثل كلمة تسوية، يقال: هذا مثله ومثيله كما يقال: شبهه وشبيهه بمعنى. وقال الزمخشري: المثل في أصل كلامهم بمعنى المثل، يقال: مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده: مثل. ولم يضربوا مثلا ولا رأوه أهلا للتسيير ولا جديرا بالتداول والقبول إلا قولا فيه غرابة من بعض الوجوه.
قلت: لضرب المثل شأن في إبراز خبيئات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق؛ فإن الأمثال تري المخيل في صورة المحقق والمتوهم في معرض المتيقن والغائب كأنه مشاهد، ولا يضرب مثل إلا قول فيه غرابة. فإن قلت: ما المورد وما المضرب؟ قلت: المورد الصورة التي ورد فيها ذلك القول، والمضرب هي الصورة التي شبهت بها. ثم اعلم أن المثل له مفهوم لغوي وهو النظير، ومفهوم عرفي وهو القول السائر، ومعنى مجازي وهو الحال الغريبة. واستعير المثل هنا كاستعارة الأسد للمقدام للحال العجيبية أو الصفة الغريبة، كأنه قيل: حال المسلم العجيب الشأن كحال النخلة، أو صفة المسلم الغريبة كصفة النخلة؛ فالمسلم هو المشبه والنخلة هو المشبه بها، وأما وجه الشبه فقد اختلفوا فيه؛ فقال بعضهم: هو كثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجودها على الدوام؛ فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس يتخذ منها منافع كثيرة من خشبها وورقها وأغصانها؛ فيستعمل جذوعا وحطبا وعصيا ومحاضر وحصرا وحبالا وأواني، وغير ذلك مما ينتفع به من أجزائها. ثم آخرها نواها ينتفع به علفا للإبل وغيره، ثم جمال نباتها وحسن ثمرتها، وهي كلها منافع وخير وجمال. وكذلك المؤمن خير كله من كثرة طاعاته، ومكارم أخلاقه، ومواظبته على صلاته وصيامه وذكره والصدقة وسائر الطاعات. هذا هو الصحيح في وجه الشبه.
وقال بعضهم: وجه التشبيه أن النخلة إذا قطعت رأسها ماتت بخلاف باقي الشجر. وقال بعضهم: لأنها لا تحمل حتى تلقح. وقال بعضهم: لأنها تموت إذا مزقت أو فسد ما هو كالقلب لها. وقال بعضهم: لأن لطلعها رائحة المني. وقال بعضهم: لأنها تعشق كالإنسان. وهذه الأقوال كلها ضعيفة من حيث إن التشبيه إنما وقع بالمسلم، وهذه المعاني تشمل المسلم والكافر.