للفاعل سبعةُ أحكامٍ:
(1) وجوبُ رفعه، وقد يُجَرُّ لفظًا بإضافته إلى المصدر نحو "إكرام المرءِ أباهُ فرضٌ عليه"، أو إلى اسم المصدر نحو "سَلمْ على الفقيرِ سلامَكَ على الغني"، وكحديثِ "من قُبلة الرجلِ امرأتَهُ الوُضوءُ". أو بالباءِ أو من أو اللاّمِ الزَّائداتِ، نحو {ما جاءَنا من أحدٍ، وكفي بالله شهيدًا، وهَيهات هيهاتَ لما توعَدون}.
(2) وجوبُ وقوعهِ بعدَ المُسندِ، فإن تقدَّمَ ما هو فاعلٌ في المعنى كان الفاعلُ ضميرًا مستترًا يعود إليه، نحو "عليٌّ قامَ".
(والمقدم إما مبتدأ كما في المثال والجملة بعده خبره، وإما مفعول لما قبله نحو "رأيت عليًا يفعل الخير"، وإما فاعل لفعل محذوف نحو "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره" فأحد فاعل لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور.
وأجاز الكوفيون تقديم الفاعل على المسند إليه، فأجازوا أن يكون "زهير" في قولك: "زهير قام"- فاعلا لجاء مقدمًا عليه. ومنع البصريون ذلك، وجعلوا المقدم المبتدأ خبره الجملة بعده كما تقدم. وتظهر ثمرة الخلاف بين الفريقين في أنه يجوز أن يقال على رأي الكوفيين: "الرجال جاء"- على أن الرجال فاعل لجاء مقدم عليه. وأما البصريون فلم يجيزوا هذا التعبير، بل أوجبوا أن يقال: "الرجال جاءوا"- على أن الرجال مبتدأ خبره جملة جاءوا من الفعل وفاعله الضمير البارز.
والحق أن ما ذهب إليه البصريون هو الحق، وقد تمسك الكوفيون بقول الزباء:
ما للجمال مشيها وئيدا** أجندلا يحملن أم حديدا
فقالوا: لا يجوز أن يكون "مشيها" مبتدأ؛ لأنه يكون بلا خبر؛ لأن "وئيدًا" منصوب على الحال، فوجب أن يكون فاعلا لوئيدًا مقدمًا عليه. وقال البصريون: إنه ضرورة، أو إنه مبتدأ محذوف الخبر وقد سدت الحال مسده، أي ما للجمال مشيها يبدو وئيدًا.
على أنه لا حاجة إلى ذلك، فهذا البيت على فرض صحة الاستشهاد به شاذ يذوب في بحر غيره من كلام العرب. ونرى أن الاستشهاد به لا يجوز؛ لأن الزباء هذه مشكوك في كثير من أخبارها، ثم إنها لم تنشأ في بيئة يصح الاستشهاد بكلام أهلها؛ فإنها من أهل "باجرما" وهي قرية من أعمال البليخ قرب الرقة من أرض الجزيرة جزيرة "أقور" التي بين الفرات ودجلة، وهي مجاورة لديار الشام. والعلماء لا يستشهدون بكلام الفصحاء المجاورين لجزيرة العرب، فكيف يصح الاستشهاد بكلام امرأة من أهل جزيرة "أقور"؟ وقد قالوا: إنها كانت ملكة الجزيرة، وكانت تتكلم بالعربية. راجع ترجمتها في شرح الشواهد للعيني، في شرح شواهد الفاعل. وفي مجمع الأمثال للميداني في شرح المثل "بِبَقَّةَ صُرِمَ الرأي". وذكر في جمهرة الأمثال هذه أنها كانت على الشام والجزيرة من قبل الروم. وفي القاموس وشرحه للزبيدي أن الزباء اسم الملكة الرومية تمد وتقصر، وهي ملكة الجزيرة، وتعد من ملوك الطوائف وهي بنت عمرو بن الظرب أحد أشراف العرب وحكمائهم، خدعه جذيمة الأبرش، وأخذ عليه ملكه وقتله، وقامت هي بأخذ ثأره في قصة مشهورة مشتملة على أمثال كثيرة.
نقول: وإن تاريخ الزباء يشبه تاريخ زنوبيا التي يذكرها الروم في أخبارهم، ويرجح العلماء أنها هي. ويراجع الكلام على "باجرما" و"جزيرة أقور" في معجم البلدان).