أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 14

الموضوع: جفاف الدموع

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد عبد القادر شاعر عامية
    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : مصر - الأسكندرية
    المشاركات : 1,036
    المواضيع : 32
    الردود : 1036
    المعدل اليومي : 0.19

    افتراضي جفاف الدموع

    جفاف الدموع
    .
    دارٌ متسعة نسبياً من الطين اللبن ، أسـرةٌ تتكون من أب و أم و ولد و فتاة ،حقلٌ يحصد منه رزقه ، و القليل من المواشى التى تساعده على عمله و يحصل منها على بعض الخيرات و بعض الكسب من بيع منتجاتها .. هكذا كانت أحـلام ( شحاتة ) ؛ الشاب الريفى البسيط .. ها هو قد تجاوز الثلاثين عاماً بشهورٍ قليلة ، و مازالت تلك الأحـلام تراوده ما بين الحين و الآخر لتترك إحساسـاً بالحزن فى أعماق قلبه ، كوحشٍ ضـارٍ لا يترك فريسته حتى تأخذ أنيابه طريقهـا نحو عنقه لتذيب أى أثر من أثـار الأمل . وكيف له أن يحققها و هو يحمل مسؤلية أمه و إخوته فوق عاتقه . لم يعرفْ ( شحاتة ) طعماً للراحة قَطْ ؛ فهو من أسرةٍ أقرب للفقر منه إلى الغنى . منذ نعومة أظافره ؛ كان يذهب إلى العمل فى إحدى مخابز القرية ، يرى الأطفال فى عمره يلعبون و يضحكون فى الطرقـات ، يظل ينظر إليهم و هو يتجه إلى العمل فى بطىء كأنَّ قدميه يريدان العبث قليلاً بين هؤلاء الأطفال ، و لكنَّ نفسه تحدثه عن بعض الجنيهات التى سيأخذها اليوم من صاحب المخبز ليذهب بهنَّ إلى أمه و يبذر فى قلبها الفرحة . تدور عجلة الأيام ، و يودِّع ( شحاتة ) أيام طفولته - التى لم يقضِ فيها يوماً كبقية الأطفال - و يصبح شاباً فى ريعان شبابه و قد ضحَّى بحقه فى التعليم من أجل توفير متطلبات أمه و إخوته بعد أن رحل عنهم رب الأسرة ليتزوج بامرأةٍ أخرى تاركاً خلفه – دون مبالاة - أربعة أفواه و زوجة يعتصرها الحزن على ما آلت إليها حياتها و حياة أبناءها . تمر السنون تِباعاً و تزداد الحياة صعوبةً بتضاعف متطلبات الأسرة و تزداد بدورها أعباء ( شحاتة ) مما اضطره إلى أن يقتسم جزءاً من وقت راحته ليبدأ فى عملٍ آخر يساعده على مقاومة أمواج الحياة العاتية .. يعود من عمله الثانى متأخراً فى الليل ليجد أمه و قد ملأ الحزن كل ثنايا وجهها شفقةً على ابنها و ما يعانيه ، يبتسم ( شحاتة ) ليزيح بعضاً من الأحزان المتراكمة على قلب أمه و يطبع قبلة حنانٍ على جبينها ، و لا يكاد أن يختلى بنفسه فى غرفته حتى يُلقى بنفسه على سريره المتهالك كجسده ، يحترق بداخله و يتألم .. لا من الإجهاد .. بل من وجع نظرات أمه الحزينة و نظرات إخوته عندما يطلبون شيئاً و يكون جوابه " ليس الآن " ، فهو لا يجنى من عمله ما يكفى متطلبات أسرته .. يُخرِج زفرةً محترقةً من بركان صدره لا يستطيع معها منع قطـرات الدمع من التساقط ، كطفلٍ أحس بضعفه و قلة حيلته ، يفتقد أبويه فينزوى وحيداً و يجهش بالبكاء .
    لم يكن لـ ( شحاتة ) صديقاً مقرَّباً يبثُّ إليه همه و نجواه غير وسادته التى تبتلع كـل يـومٍ قطرات الأسى التى تفرُّ من قبضـات جفونه الملتهبة لتتخذ من الوسادة مَجْرًا لها .. يستيقظ فى صباح كل يومٍ و يزيل أثار البكاء حتى لا تراها أمه فيزداد عناؤها .
    كثيراً ما كان يتمسك ( شحاتة ) بأحلامه البسيطة برغم علمه أنه لا سبيل أمامه لتحقيقها ، و لا يعلم ما الذى يدفعه للحُلم ؛ ربما رغبته فى ترك الواقع و الخروج من دائرة الهموم ، أو ربما أراد أن يحتفظ بحقه فى أن يحلم .. لكنْ سريعاً كانت تنقضى لحظات الخيال و يعود ( شحاتة ) إلى أرض الواقع الجـرداء و قد ملأ الحزن و الأسى جميع أركانه. فى صباح أحد الأيام ، و بعد أن قام ( شحاتة ) بإزالة أحزانه من فوق وسادة الأحلام ، ألقى التحية على أمه فردت عليه بابتسامة هادئة أثارت بداخله شعوراً بالحيرة أكثر منه بالطمأنينة و لكن ما كان منه إلا أن قابلها بابتسامة تعبر عن حيرته .. جلسا لتناول الإفطار ، لم يستطع كتم فضوله فبادر أمه بالسؤال فى لطف ، و لم تستطع هى الأخرى كتم فرحتها و أجابته بأن جارتهم أخبرتها اليوم أن ولدها سيذهب للعمل بأحدى المصانع الكبرى بالقاهرة و أن المصنع يحتاج إلى الكثير من الأيدى العاملة بمرتبات كبيرة و طلب إليها أن تذهب إلى ( شحاتة ) لتخبره بأن يتقدم للعمل هناك .. و كأنما أشرقت الشمس - و لأول مرة - فى سمـاء حياته المظلمة ، لمع بريق الأمل فى عينيه و اتسعت ابتسامته ، احتضن أمه و قبَّل يديها و جبينها و ترقرقت عيناه بالدموع و أخذت الفرحة تنساب بين عروقه . و فجأة .. جفت إبتسامته و انطفأ الأمل فى عينيه ؛ كيف يغادر قريته و يترك أسرته ؟؟ من سيراعى أسرته فى غيابه ؟؟ .. و قبل أن يذهب بعقله إلى العديد من التساؤلات لاحظت أمه نظرة القلق فى عينيه و قد قرأت ما يدور بذهنه ، فأخذت تطمئنه و تُذْهِب عنه ما يجول بخـاطره من قلق .. اطمئن ( شحاتة ) لحديث أمه و علت إبتسامة الأمل وجهه.ذهب ( شحاتة ) إلى عمله و قدماه تحملهما الرياح لا الأرض .. يعود من عمله مبكراً و مازالت تلك الابتسامة تعلو ملامح وجهه ، يعد نفسه للسفر فى الصباح ، يدخل غرفته لينام و قد أصبح لليل مذاقٌ آخر ، يفكر فى الحياة الجديدة ، يتذكر أحلامه و قد حان الوقت لتحقيقها .. ينقضى الليل شيئاً فشيئاً و مازال (شحاتة ) غارقاً فى أفكاره و أحلامه إلى أن غلبه النعاس ، يستقيظ فى الصباح ليجد أن دموعه قد جفت .
    .
    ******

  2. #2

  3. #3
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,786
    المواضيع : 391
    الردود : 23786
    المعدل اليومي : 4.14

    افتراضي

    سرد جميل لتبدل حال بوصف دقيق .. وبأسلوب رائع جعلنا نتعايش مع الأحداث ,
    ونتفاعل مع البطل الذي قام بدوره ليمثل كل منا في ظروف شتى .. وجميعها في أمور متناقضة مابين اليأس والأمل وتغلب الإنسان على همومه
    جميل ماقرأت لك اليوم
    وإلى مزيد من الألق
    تقديري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد ذيب سليمان مشرف عام
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 19,255
    المواضيع : 522
    الردود : 19255
    المعدل اليومي : 3.71

    افتراضي

    الأخ محمد عبد القادر
    سردية موفقة لحياة تمثل العدد الأكبر من الناس
    ولمنك كنت جميلا ومبدعا في وصف الحالة النفسية السريعة التقلب
    فيلحظات نتيجة الحال المنواضع لكثير من الناس
    قفلتها كانت موفقة لحد كبير
    وأظنها كانت مغايرة لما قد يخطر بالبال
    شك
    را لك

  5. #5
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.72

    افتراضي

    قصة جميلة أجاد كاتبها التحكم بأوتار انفعالات القاريء ...
    حملنا في البدايات على تصور خاطيء لافتتاحية قصصية ضعيفة، تفتحت عن إبداع في رسم البداية، وغوص في أحلام البطل، في سردية مشوقة تأرجح فيها إيقاع الحدث بين تسارع وخفوت، فيما يماهي تأرجح البطل بين الحلم الحي النشط والواقع الراكد ...
    وصف موفق لملامح العلاقة بين الشاب وأفراد أسرته وما يحكمها من أحاسيس ويؤثر فيها من انفعالات، وقفلة حذقة تركت الباب مفتوحا على امتدادات الحلم وخنقه ...
    ما لست أفهمه هنا ميل الكاتب ومثله كثر لتكرار اسم البطل بما يشق على القاريء ...

    بإيجاز
    قصة بديعة فكرة وبناء ومعالجة
    دمت متالقا

  6. #6
    الصورة الرمزية محمد عبد القادر شاعر عامية
    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : مصر - الأسكندرية
    المشاركات : 1,036
    المواضيع : 32
    الردود : 1036
    المعدل اليومي : 0.19

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمة الخاني مشاهدة المشاركة
    لاادري ان كنت اقرا لك لاول مرة
    سلم البنان
    الشاعرة و الأدبية الفاضلة ريم الخانى
    بداية أعتذرُ عن التأخير فى الرد
    و أقول
    لا حرمنى الله من بهاء مروركم فى كل مرة
    تحياتى
    وَ مَا فِى الدَّهْرِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ = يَكونُ قِوَامُهَا رَوْحَ الشَّبَابِ

  7. #7
    الصورة الرمزية محمد عبد القادر شاعر عامية
    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : مصر - الأسكندرية
    المشاركات : 1,036
    المواضيع : 32
    الردود : 1036
    المعدل اليومي : 0.19

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رنيم مصطفى مشاهدة المشاركة
    سرد جميل لتبدل حال بوصف دقيق .. وبأسلوب رائع جعلنا نتعايش مع الأحداث ,
    ونتفاعل مع البطل الذي قام بدوره ليمثل كل منا في ظروف شتى .. وجميعها في أمور متناقضة مابين اليأس والأمل وتغلب الإنسان على همومه
    جميل ماقرأت لك اليوم
    وإلى مزيد من الألق
    تقديري
    الأديبة الرائعة رنيم
    يحق لى أن أتشرف بإعجابكِ بأول تجربة لى فى عالم القصة القصيرة
    و أشكركِ من القلب على تشجيعكِ
    خالص الود و الامتنان

  8. #8
    الصورة الرمزية محمد عبد القادر شاعر عامية
    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : مصر - الأسكندرية
    المشاركات : 1,036
    المواضيع : 32
    الردود : 1036
    المعدل اليومي : 0.19

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد ذيب سليمان مشاهدة المشاركة
    الأخ محمد عبد القادر

    سردية موفقة لحياة تمثل العدد الأكبر من الناس
    ولمنك كنت جميلا ومبدعا في وصف الحالة النفسية السريعة التقلب
    فيلحظات نتيجة الحال المنواضع لكثير من الناس
    قفلتها كانت موفقة لحد كبير
    وأظنها كانت مغايرة لما قد يخطر بالبال
    شك
    را لك
    أستاذى الحبيب
    و الله أسعد فى كل مرة أرى فيها اسمك على صفحتى المتواضعة
    و سعدتُ بتعليقك الذى يدفعنى لمزيد من المحاولة
    هى بدايتى فى القصة القصيرة و الحمد لله إنها نالت استحسانك
    شكرًا لكَ من القلب

  9. #9
    الصورة الرمزية محمد عبد القادر شاعر عامية
    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : مصر - الأسكندرية
    المشاركات : 1,036
    المواضيع : 32
    الردود : 1036
    المعدل اليومي : 0.19

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    قصة جميلة أجاد كاتبها التحكم بأوتار انفعالات القاريء ...
    حملنا في البدايات على تصور خاطيء لافتتاحية قصصية ضعيفة، تفتحت عن إبداع في رسم البداية، وغوص في أحلام البطل، في سردية مشوقة تأرجح فيها إيقاع الحدث بين تسارع وخفوت، فيما يماهي تأرجح البطل بين الحلم الحي النشط والواقع الراكد ...
    وصف موفق لملامح العلاقة بين الشاب وأفراد أسرته وما يحكمها من أحاسيس ويؤثر فيها من انفعالات، وقفلة حذقة تركت الباب مفتوحا على امتدادات الحلم وخنقه ...
    ما لست أفهمه هنا ميل الكاتب ومثله كثر لتكرار اسم البطل بما يشق على القاريء ...

    بإيجاز
    قصة بديعة فكرة وبناء ومعالجة
    دمت متالقا
    مروركِ يا سيدتى يضيف جمالاً على القصة
    و يرفع من قيمة ما كتبتَ فى أول محاولة لى
    بالطبع ينقصنى الكثير من فنيات القصة القصيرة
    و بتشجيعكم يكتمل النقص بإذن الله
    كل التحية لكِ أيتها الأديبة

  10. #10
    الصورة الرمزية حسام محمد حسين شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2006
    الدولة : مصر
    العمر : 42
    المشاركات : 551
    المواضيع : 30
    الردود : 551
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    عندما فكر شحاته جيداً بعيداً عن العواطف عرف أنه لابد أن يتخذ ما فيه مصلحته ومصلحة أسرته من القرارات

    لذلك جفت دموعه لأنه أبعد العواطف قليلاً في القرار المهم

    دمتَ كاتباً
    وما من كاتب الا سيفني ويبقي الدهر ما كتبت يداه
    فلا تكتب بخطك غير شئٍ يسرك في القيامة ان تراه

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. و كلّ الدّروب جفاف
    بواسطة عبلة الزغاميم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-04-2013, 11:15 AM
  2. جفاف
    بواسطة إبراهيم الشريف في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 21-04-2010, 09:26 AM
  3. جفافُ الأماني
    بواسطة حازم محمد البحيصي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 20-02-2010, 11:55 PM
  4. جفاف " يابحيرة الحب
    بواسطة الصباح الخالدي في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 25-04-2008, 08:34 PM
  5. جفاف المشاعر في الحياه الزوجيه‏...!!!!
    بواسطة ابو دعاء في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-09-2007, 08:14 AM