1- "كم" الاستِفْهامِيَّة وتَمْيِيزُها
كم على قسمينِ استفهاميّة وخَبَريّة؛ فكَمِ الاستفهاميةُ ما يُستفهَمُ بها عن عددٍ مُبهَمٍ يُراد تَعيينُهُ، نحو "كم رجلًا سافرً؟". ولا تقعُ إلاّ في صدر الكلامِ كجميع أَدواتِ الاستفهام. ومُميّزُها مفردٌ منصوبٌ كما رأَيتَ. وإن سبقها حرفُ جرّ جاز جره على ضَعفٍ بِمنْ مُقدَّرةً، نحو "بكمْ درهم اشتريتَ هذا الكتابَ؟" أَي بكم من درهم اشتريته؟ ونصبُهُ أَولى على كلِّ حالٍ. وجرُّهُ ضعيفٌ، وأَضعفُ منه إظهارُ "مِنْ".
ويجوزُ الفصلُ بينها وبينَ مُميِّزها، ويكثرُ وقوعُ الفصل بالظّرف والجارِّ والمجرور، نحو "كم عندَك كتابًا؟* كم في الدار رجلًا؟" ويَقِلُّ الفصلُ بينهما بخبرها نحو "كم جاءَني رجلًا؟"، أو بالعامل فيها نحو "كم اشتريتَ كتابًا؟"
ويجوزُ حذفُ تمييزِها، مثل "كم مالُكَ؟" أي كم درهمًا أو دينارًا، هُو؟
وحُكمُها في الإعرابِ أَن تكونَ في محلِّ جرٍّ إن سبقَها حرفُ جرٍّ أو مضافٌ، نحو "في كم ساعة بلغتَ دمَشقَ؟"، ونحو "رأيَ كم رجلًا أّخذتَ؟".
وأن تكونَ في محل نصب إن كانت استفهامًا عن المصدر؛ لأنها تكونُ مفعولًا مطلقًا، نحو "كم إحسانًا أحسنت؟"، أو عن الظّرفِ؛ لأنها تكونُ مفعولًا فيه نحو كم يومًا غِبْتَ؟ وكم ميلًا سِرتَ؟"، أَو عن المفعول به نحو "كم جائزةً نِلْتَ؟" أَو عن خبر الفعلِ الناقصِ، نحو "كم إخوتُكَ؟"
فإن لم تكن استفهامًا عن واحدٍ مما ذُكرَ كانت في محل رفعٍ على أنها مبتدأ أو خبرٌ؛ فالأولُ نحو "كم كتابًا عندَكَ؟"، والثاني نحو "كم كتُبكَ؟". ولك في هذا أيضًا أن تجعل "كم" مبتدأ وما بعدَها خبرًا، والأول أولى.

2- "كم" الخَبَرِيَّة وتَمْيِيزُها
كم الخبريّةُ هي التي تكون بمعنى "كثيرٍ"، وتكونُ إخبارًا عن عدَد كثير مُبهَمِ الكميّةِ، نحو "كم عالمٍ رأيتُ!"، أي رأيتُ كثيرًا من العلماء، ولا تقعُ إلاّ في صدر الكلامِ.
ويجوز حذفُ مُميّزها إن دلَّ عليه دليلٌ، نحو "كم عَصَيتَ أمري!"، أي "كم مَرَّةٍ عصيتَهُ!"
وحكمُ مُميّزها أن يكونَ مفردًا نكرةً مجرورًا بالإضافةِ إليها أو بِمن، نحو "كم علمٍ قرأتُ!" ونحو "كم من كريم أكرمتُ!"، ويجوزُ أن يكون مجموعًا، نحو "كم عُلومٍ أعرِفُ!". وإفرادُهُ أَولى.
ويجوزُ الفصلُ بينها وبينَ مُميّزها؛ فإن فُصِلَ بينهما وجبَ نصبُهُ على التَّمييز؛ لامتناعِ الإضافةِ معَ الفصلِ، نحو "كم عندكَ درهمًا!"، ونحو "كم لك يا فتى فضلًا!" أو جرُّه بِمنْ ظاهرةً، نحو "كم عندكَ من درهم!". ونحو "كم لك يا فتى من فضل!". إلاّ إذا كان الفاصل فعلًا مُتعدّيًا متسلّطًا على "كم" فيجبُ جرُّهُ بمن، نحو "كم قَرأتُ من كتابٍ"، كيلا يلتبسَ بالمفعول به فيما لو قلت: "كم قَرأتُ كتابًا".
(وذلك لأن الجملة الأولى تدل على كثرة الكتب التي قرأتها، والجملة الأخرى تدلّ على كثرة المرّات التي قرأت فيها كتابًا؛ فكم في الصورة الأولى في موضع نصب على أنها مفعول به مقدم لقرأت، وفي الصورة الأخرى في موضع نصب على أنها مفعول مطلق له؛ لأنها كناية عن المصدر، والتقدير: كم قراءة قرأت كتابًا، فيكون تمييزها محذوفًا).
ويجوز في نحوِ "كم نالني منك معروفٌ!"، أن تَرفعَهُ على أنه فاعل "نالَ"، فيكون تمييزُ "كم" مقدَّرًا، أي "كم مرَّةٍ!". ويجوز أن تنصبَهُ على التمييز، فيكون فاعلُ "نال" ضميرًا مستترًا يعود إلى "كم".
وحكمُ "كم" الخبريّةِ في الإعراب كحُكم "كم" الاستفهامية تمامًا، والأمثلةُ لا تخفى.
واعلم أنَّ "كم" الاستفهاميةَ و"كم" الخبريَّةَ لا يَتقدَّمُ عليهما شيءٌ من متعلَّقاتِ جُملَتيهما إلا حرفُ الجرّ والمضاف، فهما يَعملانِ فيهما الجرَّ؛ فالأولى نحو "بكم درهمًا اشتريتَ هذا الكتاب؟" ونحو "ديوانَ كم شاعرًا قرأتَ؟". والثانيةُ نحو "إلى كم بلدٍ سافرتُ!" ونحو "خطبةَ كم خَطيبٍ سَمِعتُ فَوَعيتُ!".
وتشترِكُ "كم" الاستفهاميةُ و "كم" الخبريّة في خمسةِ أمور: كونُهما كنايتَينِ عن عددٍ مُبهَمٍ مجهولِ الجنس والمِقدارِ، وكونُهما مبنيَّتينِ، وكون البناءِ على السكونِ، ولُزومُ التصديرِ، والاحتياجُ إلى التَّمييز.
ويفترقانِ في خمسة أُمور أيضًا:
1- أنَّ مُميزيهما مختلفانِ إعرابًا، وقد تقدَّم شرحُ ذلك.
2- وأنَّ الخبريّة تختصُّ بالماضي كَرُبَّ فلا يجوزُ أن تقول: "كم كتُبٍ سأشتري!"، كما لا تقولُ: "رُبَّ دارٍ سأبني". ويجوز أن تقول: "كم كتابًا ستشتري؟".
3- أن المتكلَم بالخبرية لا يستدعي جوابًا؛ لأنه مخبِرٌ، وليس بُمستفهِم.
4- أنَّ التصديقَ أو التكذيب يتوجَّهُ على الخبرية، ولا يتوجّه على الاستفهاميّة؛ لأنَّ الكلامَ الخبريّ يحتملُ الصدقَ والكذبَ، ولا يحتملُهما الاستفهاميُّ؛ لأنه إنشائي.
5- أنَّ المُبدَل من الخبريةِ لا يقترِنُ بهمزة الاستفهاميّة، تقولُ "كم رجلٍ في الدار! عَشَرةٌ، بل عشرونَ". وتقولُ "كم كتابٍ اشتريتَ! عَشَرةً، بل عشرينَ"، أما المُبدَلُ من الاستفهاميةِ فيقترن بها، نحو "كم كتُبُكَ؟ أعشرَةٌ أم عشرون؟" ونحو "كم كتابًا اشتريتَ؟ أَعشرةً، أَم عشرين؟".

3- "كأَيِّنْ" وتَمْيِيزُها
كأيّنْ (وتُكتَبُ كأيٍّ أيضًا) مثل "كم" الخبريّة معنًى؛ فهي تُوافقُها في الإبهام، والافتقارِ إلى التمييز، والبناءِ على السكون، وإفادةِ التّكثير، ولُزومِ أن تكونَ في صدر الكلام، والاختصاصِ بالماضي.
وحكمُ مُميزها أن يكون مفردًا مجرورًا بِمِنْ، كقوله تعالى: {وكأيّنْ من نَبيّ قاتلَ معَهُ رِبَيُّونَ كثير}، وقولهِ: {وكأيّنْ من دابّة لا تَحمِلُ رزقَها، اللهُ يَرزقُها وإياكم}، وقولِ الشاعر:
وَكائِنْ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لكَ مُعجبٍ * زِيادَتُهُ أَو نَقْصُهُ في التَّكَلُّمِ
وقد يُنصبُ على قِلَّة كقولِ الآخر:
وَكائِنْ لَنا فَضْلًا عَلَيْكُمْ ومِنَّةً * قَديمًا ولا تَدْرُونَ ما مَنُّ مُنْعِمِ؟
وقول غيره:
أُطْرُدِ الْيأْسَ بالرَّجا فَكَأيِّنْ * آلِمًا حُمَّ يُسْرُهُ بَعْدَ عُسْرٍ
وحكمها في الإعراب كحكم أُختها "كم" الخبرية إلا أنها إن وقعت مبتدأ لا يُخبَر عنها إلا بجملةٍ أو شبهها (أي الظَّرفِ والجارّ والمجرور)، كما رأيتَ ولا يُخبَرُ عنها بمفردٍ، فلا يقالُ: "كأينْ من رجلٍ جاهلٌ طريق الخير!"، بخلاف "كم".

4- "كَذا" وتَمْيِيزُها
تكونُ "كذا" كنايةً عن العددِ المبهَمِ قليلًا كان أو كثيرًا، نحو "جاءني كذا وكذا رجلًا"، وعن الجملةِ نحو "قلتُ كذا وكذا حديثًا" والغالب أن تكونَ مُكرَّرةً بالعطفِ، كما رأيت. وقد تُستعمَلُ مُفردَةً أو مكرَّرةً بلا عَطف.
وحكمُ مُميّزها أنه مفردٌ منصوبٌ دائمًا كما رأيت، ولا يجوزُ جرهُ. قال الشاعر:
عِدِ النَّفْس نُعْمى بَعدَ بُؤْساكَ ذاكرًا * كَذا وكَذا لُطْفًا بهِ نُسِيَ الجَهْدُ
وحُكمُها في الإعراب أنها مبنيّةٌ على السكون، وهي تقع فاعلًا نحو "سافر كذا وكذا رجلًا"، ونائب فاعل نحو "أُكرِمَ كذا وكذا مجتهدًا"، ومفعولًا به نحو "أكرمتُ كذا وكذَا عالمًا"، ومفعولًا فيه نحو "سافرتُ كذا وكذا يومًا، وسرت كذا وكذا ميلًا"، ومفعولًا مطلقًا نحو "ضربتُ اللصَّ كذا وكذا ضَربةً"، ومبتدأ نحو "عندي كذا وكذا كتابًا"، وخبرًا نحو "المسافرونَ كذا وكذا رجلًا".