حكاية حرف
سألتْ عنِ الحرفِ المتيمِ بالجنــونِ وقدْ تناثرَ لوعةً ،
من بعدِ أنْ نثرَ الشتــاتُ رمادَهُ .. وأماتَ فيهِ القافيةْ
قالتْ – فديتُكَ – لا تُطلْ ظمأ اشتياقي للمعينِ العذبِ
كمْ شقَّ الظما قلبي ؛
فَدَعْنِي أرشفُ العسلَ المصفَّى .. من شِفاهِ الحرفِ
يُجري في شراييني الهوى والعـافيةْ
دعني أنامُ كطفلةٍ في حُضنِ حرفِكَ
أستلِذُّ الشدوَ .. أفترشُ المُنى .. في روضةِ الأحلامِ
أختلسُ الزمانَ ..أضمُّ طيفَكَ .. بالجفونِ الغافيةْ
***
فأجبتُها .. والقلبُ يعصرُهُ الأسى .. متجلداً ؛ أُخفي التنهُّدَ ..
والضلوعُ يهزُّها رجفُ الحنينْ
والطرفُ يخنقُ عبرةً كادتْ تُعرِّي الحزنَ في عينيَّ
تُشمِتُ بي جموعَ الناظرينْ
أوَّاااهُ ما أقسى البِعادَ .. وما أمرَّ الدمعَ .. ما أشقى حروفَ النازفينْ
عذراً – فداكِ الروحُ – لا أقوى على حبسِ الدموعِ أوِ الأنينْ
سأُغادرُ الآنَ المكانَ .. أبثُّكِ النجوى .. هناكَ ..
ولستُ أخشى اللائمينْ
***
يا مَنْ ملكتِ القلبَ .. ضاعتْ أحرُفي .. أوَتعلمين ؟!!
طارتْ مُجنِّحةً بأشواقي إليكِ ..
يقودُها روحُ الغرامِ .. يضمُّها الأفقُ الرحيـبْ
حيثُ التقتْ أرواحُنا .. فتعانقتْ قبلَ المـغيـبْ
باتتْ تُغنِّي للمُنى .. وتُودِّعُ الزمنَ الكئيــبْ
أتَتِ النُّجومُ تزفُّنا .. زفَّ الحبيبِ إلى الحبيـبْ
قالوا قِرانكَ يا سهيلُ .. على الثريَّا عن قـريبْ
سعدُ السعودِ أتى يُهنِّئنا .. يُبشِّرُ بالربيعِ مُصافحاً
والروضُ ينفحُ عنبراً ، مسكاً ، وطيبْ
***
يا أنتِ .. يا حرفي المتيَّمَ ..
يا ابتسامَ الخلدِ في هذا الوجودْ
يا مَنْ سألتِ عن الحـروفِ .. – فداكِ روحي –
ما أقولُ – حبيبتي – وأنا المتيَّمُ .. والفقيدْ
كمْ غُصَّتِ الكلمــاتُ في حلقي .. تحشرجتِ الردودْ
أوَّاااهُ كمْ غدرَ الزمانُ بخافقي .. غدرَ اللئيمِ أوِ الحقودْ
إنْ يبتسمْ يوماً .. تجهَّمْ وجـهُهُ دهراً .. فينتزعُ الكبودْ
ماذا أقولُ ؟!! .. أتذكرينْ ؟!!
من يومِ أنْ صُلِبَ الفؤادُ بضحكةِ الزمنِ الغبيِّ على الحدودْ
حاولتُ لملمةَ الحروفِ .. أردتُ تحطيمَ القيودْ
لكنَّها احترقتْ بنيرانِ الشتاتِ
ودمعُنا المسفوكُ كانَ لها وقودْ
***
مازلتُ أسمعُ صوتكِ المبحوحَ
من خلفِ الجدارِ تلوِّحِــينْ
لَـفُّوا على عنقي السلاسلَ يا حبيبُ .. أألتقيكْ ؟!!
فأجبتُ - والحرفُ المتيَّمُ يلفِظُ النفسَ الأخيرَ .. مؤكداً -
لا بدَّ للأحرارِ يوماً من لقـا .. هــذا يقـينْ
***
يا مَنْ سكبتِ العطرَ بالآمالِ شوقاً لاحتضانِ العشقِ في تلكَ الجنانِ الوارفةْ
شكراً .. لقدْ لملمتِ ذراتِ الحروفِ ..
جمعتِ أشلائي مضمِّدةً بصدقِ العاطفةْ
ونفختِ فيها الروحَ .. لـكنْ ماتزالُ كـ(نحنُ) .. يذبحها الضياعُ ..
تئنُّ من ألمِ الجراحِ النازفةْ
نَزْفُ الشتاتِ وهجرةُ المحبوبِ راجفةٌ تلتها الرادفةْ
لكنَّنا - بشراكِ - رغمَ جراحِنا ..
رغمَ الشتاتِ أو العواصفِ والضياعِ - حروفُنا .. أرواحُنا .. ودماؤنا ..
ستظلُّ تؤتي أُكلها .. مثلُ النخيلِ الواقفةْ
حتماً هناكَ سنلتقي ..
لا القيدُ يمنعُنا .. ولا الفولاذُ يحجُبنا ..
ولا تلكَ الحدودُ الزائفةْ
*****
ياسين عبدالعزيز سيف
13/4/2010م