العتاب والعقاب
ــــــــ
أقبلتْ ترتجّ كناقة تُراود الفحل ،،، والغيرة أخذت منها مأخذا .
فدنتْ ،،، وإذا بها قد ضمّنتْ لحمها عطرا ، وعَرَقها مسكا .
فقلت لنفسي ، والله ما هذا اليوم إلا عصيبا .
فجلستْ ،،، واشتغلتْ عن الوُدّ بالعتاب ،،، وجعلتْ تَتَكَثّر محاسنها ولا تعتاض[1]عنه بشيء ،،، وهمّت تتمنّع وتعتاص[2]، حتى تضارب عناء الجد وعبوس الرفض ، فتخاصما ! ..
ثم تباعدت قليلا ،،، وجعلتْ تَغْشى جمالها لتملأني جنونا ،،، وتُكثر السُّفُور لتحشوني خَبَلا ! .
فقالت : ألم تقل أنني أفسدتُ جمال النساء بجمالي ، ونقضتُ بنائهن ببنائي ؟؟؟ .
قلت : بلى .
فوضعت يدها على فمها ثم شدّت علىحنكها كقاض جزم بإنفاذ ما تقرر شرعا ،،، وقالت :
لم هجرت الورد ، وقد كان دونك الورد ؟؟؟ .
قلت : ماهجرتُ وردا ، يا ورد .
قالت : فما بالك نسيتني إذن؟
قلت : لم أنسكِ ،،، ولكن رُبّ عملٍ أشغلني .
قالت : فبما غفلة أنستك أمري ،،، فاليوم تُنسى .
فاقتربتُ منها وقلت : رُحماكِ .
فمدت يدها نحوي وقالت : دونك .
ثم تراجعتْ أكثر وصارت تسفح جمالها سفحا ، وتصب حسنها صبا ، وتسكب دلّها سكبا ، ويُسحّ ما فاض عنها سحّا .
وحتى جاوزتْ وأهدتني من لؤم الحسان بنادر ،،، والحسان أدرى بلؤمهن .
فقلت والحبسة تروم لساني : رُحماكِ حسناء .
فأسفرت عن ذراعها والشَوَى ، حتى لم يبق بيني وبين الحَمَق إلا شبرا ،،، وحتى أقامت على اجتراح الإثم حُجّتها المُبْتدعة .
فراعني ترائي إبليس هناك بعد أن رفع يديه وقال : أنا اليوم من فتنتك براء ! ، فسحرها أشد وأنكى ،،، وجمالها على المعصية أحوط وأبقى ،،، ثم قهقه الخبيث .
فقلت لها : أسمعتِ قوله ؟
رفعت طرف حاجبها ونظرت تلقاء اليمين كأن الأمر لا يعنيها ! .
فأعدت عليها قولي تارة أخرى .
فقالت : لا شأن لي !!! .
ثم همّت مبدية بعضا من نواشرها على صفحة النحر ، فَحَدّرتْ الهوى من أقرب طُرقه ، وأناأتلقّف ما ترميني به .
وكم وددت أن أهرب إلى كل صقع ،،، غير أني لازلت في سُرّة الفتنة ، وفي قيدها .
وبقي النظر لمّا يسمدرّ ، وفتكها باق كأنهالظُلّة .
فنظرتْ إليّ وقالت : أتخشى الإثم يا حسين ؟
قلت : نعم .
قالت : إذن تَأثَّم[3]
قلت : كيف ، وانّى؟
مدت يدهاوقالت : هاك يدي وقبّلها هنا ،،، وهو العقاب الغرام .
ففعلتُ .
ثم قالت : وهنا أيضا ولا تجتز المِرفق .
ففعلتُ أيضا ،،، ثم وضعت راحتها على كتفي ومسحته لرقّة قلبها وتمتمتْ بقولها ( حبيبي ) فنظرت في عينها ، وإذا بالعين تقول ضُمّني .
فلم أجرؤ،،، غير أنها ابتدرتني بها حتى أحسّ خدّي بنحرها الدافئ ،،، فمكثت حتى أُودِع السهاد جفني فنمت .
يال رحمة حبيبتي !! .
ــــ انتهى ــــ
حسين الطلاع
28/2/2010 م .
المملكة العربية السعودية - الجبيل
[1] : تعتاض أي تطلب العوض .
[2] : تعتاص أي تصبح عصية المنال .
[3] : التأثّم هو الخروج من الإثم وعدم ارتكابه .