ليست هذه تراجم وسير أوتدوين لتاريخ وسيرة ، بل إطلالة من نافذة الوجدان على آثار مسير قريب وإمتداد عبير ذات
إنحناء العزة
سعد المغلوث شيخ من قريتي تجاوز الثمانين من عمره
تراكمت السنين عليه حتى تقوس منه الظهر ثم إنحنى إنحاءً شديداً .
منذ عشرين صيفاً وأنا أراه من أول الداخلين إلى الجامع ومن آخر من يخرج منه
لم تمنعه أثقاله ووهن العظام من المداومة على الروحة والغدوة
عند كل فرض من بيته إلى مسجده
أخجل من نفسي عندما أصلي بجواره وأنا أتحسس منه
كل هذا التلهف والاشتياق لديه وكأنها الصلاة الأولى والأخيرة
بل كأنه سيلاقي مولاه بعدها مباشرة
يغالب الإنحناء وضعف الحيل ، متكيئاًً على عصاه
ولسانه لايفتر من الذكر وكأن أحد يسابقه عليه
قليل الإختلاط بالناس ، لكنه يكثر من زيارة من تجب زيارته
وإن نظرت إليه وجدت وجه مشرقاً بإبتسامة خفية صادقة
تعبر عن رضى داخلي وإيمان عميق وقناعة نادرة
لو ساق لها الأثرياء
الألاف لم يجدوها في أسواق الدنيا كلها
يحب العمل منذ صباه كما ذكر لي ،
وله في فناء منزله غروس وزروع يرعاها ويحنو عليها ويقتات منها أغلب الدهر
يكاد لايعرف إغتياب الناس أو ذمهم
إن لدى المغلوث من اليقين والإيماِن والحب الإلهي ما لو تذوقه أصحاب الشهادات العليا
والذين ضجر القلم من الأسر بين أناملهم ومن تدفق أحباره وتجوله بين كل فن
لو عرف أولئك أو شعروا بإيمان الرجل المنحني لجلسوا
تلاميذ بسطاء بين يديه يترقبون غيث
من اليقين
يتدفق على قلوب أصابها جفاف وتصحر
وكأن أقلامها المدرارة بينها وبين تلك القلوب غربة وخصام
هنيئاً لك أيها الشيخ المنحني هذا الشموخ الإيماني والعز الرفيع مع من أحببت الإنحناء له
بقلبك المؤمن وجبينك الطاهر