أحدث المشاركات
صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 39

الموضوع: أنستاسيا .. وردة الهزيع الأخير ..رواية

  1. #21
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    من كل الصباحات أستاذي الغالي الدكتور سمير يفاجؤني هذا الصباح حضورك المفرح وستظل كلماتك هذه قلادة إعزاز وتكريم تضيء طريقي في دروب العطاء الفكري والحياتي ودمتم ودامت هذه الواحة الباذخة متكأً مترفاً نهرب إليه كل يوم لنرتاح .أسعد الله صباحاتكم بكل خير .

  2. #22
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    الحلقة الثالثة عشرة
    يقولون في بلادنا أن من يشرب عصير التوت (الكولمبي) لا يتردد في الفناء عشقاً لكل ما هو (كولمبي) .. هل تريدين مني أن أموت فيك أكثر من ذلك يا ( إزابيلا ) ؟ .. بالطبع .. يا طفلي الغالي .. ويقولون في بلادنا من يشرب من ماء ( توتيل ) لا بد أن يعود إلي كسلا ....وأين تقع كسلا هذه ..إنها أجمل مدن السودان قاطبة وتقع في أقاليمه الشرقية ....لحظة حتى تشرب آخر قطرة منه .. لقد شربتها وانتهي الأمر .. وكان مشروباً بنكهة (الكاسترد ) .. أعطاني في البداية دفعة مفاجئة من النشاط والحيوية ومن ثمّ شعرت براحة عجيبة ورغبة جامحة في الخلود للنوم ..أمرت ( بريماكوف ) بتوصيلي بعد أن ودعتني حتى البوابة الرئيسية ومر بنا زوج من الجيران رجل وزوجته ..ولم يسلما علينا وكانت نظراتهما عدائية نحو ( إزابيلا ) .. علاقتك بالجيران بحاجة إلي ترميم عاجل .. ماذا أفعل بها ؟ .. تساءلت في لامبالاة ..إنني أضرب حول نفسي طوقاً رهيباً من العزلة ولا دخل لي بهم .. وقبل أن أصعد إلي العربة .. ناولتني زجاجة عطر فاخرة بدت وكأنها قطعة من الماس بالنظر إلي الطريقة التي لفت بها ومعها مظروف لا أعلم ملا بداخله حتى تلك اللحظة ..هذا العطر هدية من ابنة عمتي ( سيسيليا ) .. أوصتني أن أسلمك له لأنها تشعر بالخجل الشديد تجاهك ..( سيسيليا ) .. ذات الخمسة عشرة ربيعاً ..والله ما أروعها بطفولتها وشقوتها الحلوة ..ثم ..؟ ..هذا مبلغ بسيط هدية من عمتي لتختار بها الهدية التي تناسبك .. فهي لم تجد في أسواق ( ليننقراد ) شيئاً يليق بك فتهديه لك ..رفضت بإلحاح شديد استلام المظروف .. وقلت لها نحن نفضل الموت جوعاً علي أخذ المال من إمراة مهما كانت عمق العلاقة التي تربطنا بها .. هذا في عرفكم أنتم أما نحن فلا وعليك أن تحترم عاداتنا وتقاليدنا .. اسمع يا عزيزي أويس .. إذا لم تأخذ هذا المظروف مني الآن سأخاصمك أبد الدهر ولن تراني بعد اليوم ..حسناً ..حسناً ..سآخذه حالاً .. فأنا لا أتصور الحياة بدونك يا ( إزابيلا ) .. قراسيا حبيبي .. جاو .. ولدي وصولي إلي غرفتي اكتشفت أن بالمظروف عشرة آلاف دولار بالتمام والكمال ..أعطيت منها كريموف علي الفور عشرة دولارات وهو يحمل عني متاعي .. فكاد يطير من الفرح .
    يقولون إن خير وسيلةً للدفاع هي الهجوم .. وهذا ما فعلته مع (أنستاسيا) حين التقيتها بعد رحلة ( لينينقراد ..) رسمت فوق وجهي قناعاً زائفاً من التجهم والاستياء بصورة أخافتها .. وظلت تردد عليّ في حيرة واضطراب ..أويس ما بك ..عزيزي ماذا حدث في غيابي ؟! .. ما حدث في غيابك يا امرأة .. هو غيابك .. لا أفهم ما تقصد .. حقيقة لا أفهمك يا أويس .. كيف تجرؤين يا زوجتي المثالية علي الغياب عني وعن أولادنا أسبوع بأكمله .. سأطلقك يا ( أنّأ ) .. وسأرسل خلفك أطفالنا الخمسة إن عدت لهذا مرة أخري .. ليس من تقاليدنا أن تسافر الزوجة دون إذن من زوجها .. مفهوم يا امرأة ؟! .. قلت زوجتك ؟ أنا زوجتك ولدينا خمسة أطفال ؟ .. نعم وسأطلبك في بيت الطاعة إن لم تطيعي أوامري ..سرتها هذه المسرحية الجديدة بدرجة لا توصف .. والآن اسمعني جيداً يا ( أويس ) .. أقسم بأنني سأتزوجك إن شئت أو أبيت وعليك أن تكف عن العبث بي وبمشاعري .. لأن مثل هذه الأمور لا تحتمل المزاح .. والآن سأوضح لك يا زوجي العزيز كما تدّعي أين كنت .. لقد اتصلت بك قبل سفري إلي( بكين )مع الوفد المرافق للرئيس ( قورباتشوف ) وعلمت من (كريموف) بأنه لم يكن موجوداً لدي مغادرتك الداخلية .. لقد أردت عتابك علي طريقة ( السايكودراما ) وها أنت تقسمين بأننا سنتزوج .. وعليك أن تعلمي بأنني مستعد للزواج بك الساعة إن كان هذا يناسبك .. أنت غالية جداً عندي يا ( أنّا ) .. بل أغلي شيء في حياتي .. وكان عليك أن تتمهلي لأخطبك أنا قبل أن تقوليها أنت صراحة .. أنستاسيا يا طفلتي الرائعة بل الأروع .. كنت وستظلين أعظم قصة حب في حياتي ..وكرامتك من كرامتي .. لقد كنت سخيفاً جداً إذ وضعتك في مثل هذا الموقف .. وعلم الله أنني أحبك بكل كياني .. لم تتحمل أعصابها المرهفة هذا الموقف فبكت وهي تداري وجهها بكّلتا يديها وتتأوه باطّراد فاقتربت منها وأنا أربت علي كتفها .. لا بأس يا عزيزتي .. أرجوك كفي عن البكاء ( It’s O.K. ..) والآن هيا ابتسمي ..هيا .. ومن بين الدموع التي سألت علي وجنتيها الساحرتين ..تفتحت نصف ابتسامة خجولة أضاءت وجهها الجميل .. نعود لرحلة بكين .. ماذا حدث ؟ ..كانت رحلة محبطة لنا جميعاً ..كنا نحاول الإستقواء علي الغرب وضغوطاته بحلفائنا التقليدين لكن الشعب الصيني استقبلنا بالمظاهرات العدائية .. نحن ُيفعل بنا هذا ؟! الاتحاد السوفيتي العظيم يتعرض رئيسه للإهانة ومن دولة شيوعية ..؟ .. بهذه المناسبة وددت لو ألفت انتباهكم لحدث خطير تناقلته إذاعات العالم في غيابك وهو طرد المسلمين الأتراك المقيمين لقرون بواحدة من بلدان السوفييت بعد أن خيروهم بين تغيير أسمائهم ذات الطابع الإسلامي وتغيير ديانتهم وعدم التخاطب باللغة التركية وبين البقاء بذاك البلد .. وكان منظراً مؤثراً نقله مراسل ال ( B.B.C. ) وهو ينقل النبأ..أي منظر يا أويس .. ؟ الأتراك المبعدين وقد حشروا قسراً داخل القطارات في رحلة بلا عودة من منازلهم التي ولدوا وترعرعوا بها من أول جيل للمهاجرين قبل مائة عام وحتى الجيل الرابع ..إنهم حتى لا يعلمون من أي جزء من الأراضي التركية هاجر أسلافهم .. هذه قسوة غير مبررة وستكون بداية النهاية للإتحاد السوفييتي .. إنه ليحزنني إبلاغك بوجهة نظري هذه وبكل صراحة لأن بلدكم لم تقصر معنا .. وفرت لنا ( الأونيفيرستيت دورشبي ) أعظم العلماء والأساتذة وأضخم المعامل وأجمل الُنزل ..أنتم كرماء جداً يا أنستاسيا وجامعتنا جامعة الصداقة عظيمة ومتميزة .. ولكن مثل هذه التصرفات تغضب الله سبحانه فينتقم منكم .. أرجوك توقف ولا تكمل .. سأبلغ رئاسة الحزب فوراً بما حدث وأنا متأكدة بأن وزارة الخارجية لن تسكت علي مثل هذا التصرف الذي سيغضب أصدقائنا في الشرق الأوسط وبالدول الإسلامية أيضاً.
    لم أعد أحتمل غياب صديقي وزميلي في الغرفة شرودر وكان عليّ العثور علي أنجلينا باية وسيلة سيما وأن الجامعة مغلقة في إجازة نصف العام .. فكرت أول ما فكرت ببسام الذي توطدت علاقته مع أنجلينا بصورة لافتة وهنالك بوادر تحول دراماتيكي نحو نعوم من قبل شاهندة .. التقيته صدفة ذات مرة ..استوقفته وقلت له في حزمٍ شديد ..أيها العزيز نعوم ..شاهندة أختي وهي مسلمة وأنت مسيحي من اسبانيا .. ومظفرأباد ليست كمدريد .. عليك أن تكون مؤدباً ومهذباً معها وإلا .. لماذا تهاجمني بهذه الصورة العدائية يا أويس ..شعوري نحو شاهندة هو شعور أخوي تحتمه زمالتنا ووجودنا في كلية واحدة وأنا احرص عليها أكثر منك .. صدقني يا أويس سأحافظ عليها كما لو كانت شقيقتي .. أثق في كلامك ووعودك يا نعوم .. صحيح أنت أوربي النشأة ولكنك زرت لبنان وتدربت مع المقاومة وفيك حساً ثورياً تغذيه حزمة من القيم النبيلة ولأنك وشربت من نهر (الليطاني) .. ألستم من قال أن من يشرب من نهر الليطاني لا يعرف الحقد سبيلاً إلي قلبه .. هل بدأت تشعر بالغيرة منه يا أويس .. في الحقيقة لا ونعم .. شاهندة عزيزة علي قلبي بيد أني لا أجد الوقت الكافي لأمنحها عظيم اهتمامي وقد بت موزعاً بين ( أنّا ) و( إزابيلا ) وتبقي رزان صامدة في ثنايا الذاكرة المتعبة لا تفارقها ليل نهار ..وأخيراً عثرت علي إحدى صديقات أنجلينا التي أرشدتني إلي مكان تواجدها .. قالت لي ( أنجي ) عصبية وقلقة جداً طوال الفترة الماضية وقد تركتها للتو بإحدى الحانات وهي تشرب الكأس تلو الكأس حتى أضحت مخمورة تماماً .. وكلما أسألها عما يقلقها تنفجر باكية .. مرحبا أنجي .. أويس ؟!! قالت ذلك وقد انتفضت محدثة فوضي لا مثيل لها بالمكان .. تساقطت الأكواب و( منفضة ) السجائر وعلبة سجائرها واندلق كأسها علي الطاولة بعد أن تدحرجت فوقه زجاجة (الويسكي ) التي لم يتبق منها الكثير محدثة فرقعة هائلة كقنابل ( المولتوف ) .. ما بك يا أنجي ؟ اخبريني بربك ما بك ؟ .. احتضنتني بقوة وهي تردد ( halt mich fest.. lass mich nicht ) ..ومضي زمن طويل قبل أن أتمكن من تهدئتها .. إنها كارثة لا تصدق يا أويس .. لقد غادر شرودر إلي كينيا وهنالك التقي بعض الرفاق ومن ثمّ استقلوا طائرة اللوفتهانزا المتجهة إلي ألمانيا عن طريق القاهرة وقاموا باختطافها وأجبروها علي الهبوط بمطار مقديشو .. نعم .. نعم .. لقد سمعت بالحادثة في ال ( B.B.C. ) .. ولم أكن أتصور أن شرودر من بين الخاطفين .. هذا يفسر لي غيابه المستمر منذ ما يزيد علي الأسبوعين .. إنه من بينهم .. لقد خدعتنا السلطات الصومالية وأدخلت القوات الألمانية الخاصة للطائرة في زي موظفي الإغاثة .. المجرمين القتلة .. الآن يا أنجي العزيزة أدركت معني القتل وسفك الدماء .. الآن ..؟ بعد أن تأكد لك أن شرودر من بين المفقودين وربما القتلي .. هذا شيء فظيع .. أكاد أُجن يا أويس .. أكاد أُجن .. كانت مطالبهم بسيطة وهي الإفراج عن رفاقنا المسجونين في سجن ( شتوتقارد ) .. أنا حزينة وضائعه يا أخي

  3. #23
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    الحلقة الرابعة عشرة
    ها أنا أتكيء علي وسادة الشجن .. تتقاذفني الهواجس والكوابيس الرهيبة .. وشجيرة صحرائي ونجمتي الغائبة رزان تهدهد أوجاعي في المنام فأرتاح . .لماذا أنت بعيدة بهذه الدرجة .. أنظر في الخارطة وأقيس المسافة بين السودان وموسكو فأصاب بالرعب .. والله كم أنت بعيدة يا رزان .. إني أتذكر لحظة فراقنا وأنا أقف قريباً من نافذة المركبة في موقف العربات بالأبيض .. وكفها في كفي ..لكأنها معجونة من أجنح غيمة .. أنيقة وبضة ومشاغبة ..عبثت بأصابعي فكدت أجن من البهجة والسعادة .. وهتفت في سري .. اللهم لا تحرمني من هذا الوجه الطفولي الرائع بكل تفاصيله المدهشة وسمته المترف البهيج ..ذاك الحنون.
    قرع بالباب والقادم ليس سوي أنجلينا جاءت لتأخذ متعلقات إبن عمتها الذي مات في مقديشو .. كم هي غريبة هذه الحياة ..ألماني يموت في مقديشو وطالب غاني يموت في موسكو .. دفعت لها بكل ما يملك شوماخر أو شرودر كما تعودنا علي مناداته .. ولكن أين هو .. ربما استكثروا عليه جنازة متواضعة فقذفوا بجسده للعقبان ووحوش الغابة .. وهل من أوراق أخري ؟! همست والدموع تبلل وجنتيها الناعمتين .. هذا كل ما لديه بخزانة الملابس وقد تكون ثمة أوراق أخري في الحقيبة الصغيرة .. ضمت ملابسه إلي صدرها تشمها وتبكي بكاءً مراً .. بكت الساعات الطوال وأنا أحاول تهدئتها دون جدوي .. لكأنها خزان للدموع يكفي كل المعذبين علي وجه هذه الأرض .. استأذنتني لحظة لتدخل الحمام .. سمعت صرير المزلاج من الداخل وبقيت هنالك أكثر من اللازم .. انتابني نوع من القلق .. طرقت باب الحمام طرقات خفيفة وأنا أنادي عليها .. أنجي ..أ نجي .. هل أنت بخير ؟! .. فجاءني صوتها واهناً ومتعباً وهي تردد بالألمانية ( Ich can nicht ..ich can nicht ) ومعناها لا أقدر .. لا أقدر .. دفعت الباب بكل ما أوتيت بقوة محطماً القفل من الداخل لأجدها وقد وضعت مسدساً قرب صدعها .. أخذت منها المسدس وأفرغته من الطلقات وسحبتها في رفق إلي الغرفة .. وحمدت الله كثيراً أنها لم تنتحر بكل ما يمكن أن يمثله حادث كهذا من ذيول وتداعيات بالنسبة لي .
    وبت غير قادر علي فعل أي شيء .. دائماً متعب ومكدود واشعر بثقل في أجفاني حتي وأنا داخل قاعة المحاضرات .. حالك لا تعجبني يا أويس .. لماذا أنت شاحب هكذا ؟ هل تشعر بشيء ؟ هكذا كان حديث أنستاسيا معي في كل مرة تلتقيني فيها وهكذا كانت ملاحظات الرائعة شاهندة .. حتي روزماري الإيرلندية القادمة من بلفاست والتي تعودت أن ترشقني بنظرات حانية عندما يلتئم شمل الطلاب في غرفة الطعام وتحييني من علي البعد .. هي الأخري لاحظت ما يعتريني من أسقام .. وفي مرة مازحتني وركضنا معاً نتقاذف بكرات الثلج ونحن نلهو في ميدان كرة السلة .. فشعرت بميول رهيبة نحوها لدرجة أنستني نفسي والمحاضرات فاقترحت عليّ جولة في الضواحي علي ظهر الدراجات البخارية وكانت لدي فكرة ما في قيادتها .. تجولنا في الغابات والمزارع دونما زاد دونما اتجاه .. وتمنينا لو نتوه العمر كله .. ألم تكفك ( أنّا ) وإزابيلا لتضيف لقلبك المتعب أثقالاً جديدة من المواجد .؟ كأن للجمال ثأر قديم لديك .. ما أن تتاح لك معرفة هذه الجميلة أو تلك حتي تستسلم تماماً وترفع جميع راياتك البيضاء ولا تقاوم وزملاؤك في جامعة الصداقة يقاومون الأنظمة المستبدة في بلدانهم بالدم والبارود .. ولكنني لا أؤمن بالقتل وإراقة الدماء دفاعاً عن فكرة أو قضية ما .. لأن ذلك الطريق يوقع ضحايا أبرياء من المدنيين وعابري الطريق الذين لا ذنب لهم وأؤمن بمدرسة غاندي في مقاومة الظلم والاستبداد .. المسيرات السلمية والإعتصامات فإن لم تنجح فسلاح الإضراب العام يفعل الأعاجيب في السلطة أي سلطة مهما كانت قوتها وجبروتها .. خذ مثلاً شرودر الذي فقد حياته وهو يقاوم حكومة بلده المنتخبة ديمقراطياً .. ما لها ألمانيا ؟! تقدم تكنولووجي ورفاهية لا يوجد لها مثيل .. أتفهم دوافعه لو كان قد قدم من دول العالم الثالث حيث تشقي أجيال بحالها من أجل الحصول علي شربة ماء أو جرعة دواء وليس مقعداً لحضور حفل للأزياء .. واليوم كان من المفروض أن أذهب مع ( أنّا) لمراجعة طبيب إختصاصي صديق لعمتها السفيرة السابقة ولكن إزابيلا أخبرتني علي الهاتف بأن عمتها خواليتا وابنتها سيسيليا قد حضرتا من لينينقراد وتودان رؤيتي .. توجهت علي الفور نحو منزلها لتأتي أنستاسيا في الموعد المتفق علي فلا تجدني .. لقد غضبت غضباً شديداً ولعنتك بكل اللغات .. كريموف يصف لي الموقف لدي عودتي من منزل إزابيلا .. يا لروعة الصغيرة سيسيليا ..أمضيت معهم بعض الوقت وكان علي إزابلا تركنا لوحدنا والذهاب في مشوار هام بالنسبة لهما .. حملتا ذات الحقيبة السوداء التي كانت تجد كل الحفاوة والاهتمام لدي وصولنا لآخر مرة إلي لينينقراد وهاهي ترقد الآن مهملة قرب الباب المؤدي إلي غرفة نوم إزابيلا ولا أحد يعيرها أي اهتمام .. لماذا هذه الدورة العجيبة من الحب والاهتمام ومن ثمّ الصد والإهمال بعد حين حتى بين الجمادات ؟! .. أمضيت وقتاً رائعاً وغريباً مع الصبية سيسيليا .. كانت صاخبة وضاجة ومسلية ومتوثبة كنمرة صغيرة .. وماذا أيضاً ؟ كانت حلوة وأنيقة ورائعه .. وماذا أيضاً ؟ كانت ناضجة وشيقة وغضة وناعمه .. وماذا ايضاً ؟ كانت كقطعة حلوي كحزمة من المرمر .. مشرقة وبهية و..و.. كل هذه الصفات تجمعت في سيسيليا ؟!! ..أنت تبالغ يا صديقي .. لقد منحتني ساعات من الدفء والروعة تكفيني بقية عمري .. وامتعضت حين سمعت بوق سيارة إزابيلا يطلب من الحارس فتح البوابة الرئيسية .. لعلني أول شخص تعامل معها كسيدة محترمة وليس كطفلة .. لتسكب كل ما بدواخلها من رقة وحنان .. مرحبا أويس .. مرحبا إزابيلا مرحبا خواليتا .. هل كانت سيسيليا رائقة ومؤدبة معك ؟ خواليتا .. تسأل بشيء من المرح ..أسأليه ماما .. بل كنت صامتة ومتجمدة كبحيرة روسية في فصل الشتاء .. الحق يقال .. لديك بنت رائعة يا عمة خواليتا وينتظرها مستقبل باهر .. إنها ذكية ومهذبة ..عدنا للأوصاف يا ( كامل الأوصاف ) .. علي رسلك .. علي رسلك .. ضعها هنا .. ومرة أخري تستعيد الحقيبة السوداء أهميتها .. هل قالت لك سيسيليا بأننا سنغادر بعد نصف ساعة من الوقت ..؟ العمة خواليتا تفاجئني بهذا القرار الصعب ..ماممااء ..هل سنغادر فعلاً ؟ ..اتركيني لبعض الوقت في موسكو .. أرجوك ماما .. أتوسل إليك .. لماذا لا تقولين شيئاً يا إزابيلا ؟ .. لا مجال لتركك ورائي والدراسة ستبدأ بعد غد .. مرة قادمة حبيبتي .. أعدك بأن أعيدك إلي هنا لتمضين إجازة الفترة مع ( إييزا) .. إييزا ؟! .. هل هذا هو الاسم الذي ينادونك به وأسمع به لأول مرة ( إزابيلا ) أنا الذي كنت أعتقد بأنني من أقرب أصدقاؤك يا .. يا ..إييزا ؟! .. لا والله يا أويس ولكنني سأشعر بالخجل إن طلبت منك ذلك .. وحانت لحظة الفراق القاسية .. سيسيليا تغرق في البكاء وكأننا في موسم البكاء والندم .. لماذا الجميع يبكون في هذا البلد ؟! .. سأتذكرك كثيراً أويس .. يا إلهي ..لماذا أنت بهذه الروعة التي آلمتني ؟.. آه ما أصعب الفراق وما أتعسه .

  4. #24
    الصورة الرمزية محمد ذيب سليمان مشرف عام
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 19,255
    المواضيع : 522
    الردود : 19255
    المعدل اليومي : 3.71

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد ذيب سليمان مشاهدة المشاركة
    أخي الحبيب
    أخذت بنصيحتك وقرأت الآن حتى بداية الحلقة الرابعة ولولا ما شغلني
    ما تركتها
    أعدك أن اتابع حت الحق بك
    ممتعة وأراك في غاية التوفيق

    أشكرك ودمت مبدعا

  5. #25

  6. #26
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    الحلقة الخامسة عشرة
    نحتاج لفحص شامل للدم والأنسجة ولصورة مفصلية ب(الراديو آكتيفتي ) ..الطبيب الاختصاصي وهو يوجه حديثه نحو أنستاسيا بينما أنا راقد علي ظهري فوق أريكة الفحص أمامه وكانت قد اعترتني حمي شديدة وصداع نصفي وتعرق أفقدني كثيراً من السوائل مع شيء من التشنج وطلب مني أن أعوده بعد أسبوع لمعرفة النتيجة .. ولم أكد أغادر المشفي حتى أخذتني ( أنّا) بسيارتها إلي مطعم خلوي .. لماذا نتناول طعام الغداء في هذا المكان البعيد يا عزيزتي ..؟ هذا لأنني أعددت لك مفاجأة ما .. مفاجأة ؟! .. ما هي يا (أنّا) .. أرجوك قولي لي .. وكيف ستكون مفاجأة إذا ما أفصحت عنها .. لا تستعجل ستعرف بعد ساعة من الزمن .. دلفنا إلي داخل المطعم الفخم وكانت ثمةّ أريكة قد أعدت لشخصين تتوسطها باقة من الورد وبعض الشموع .. أخذ النادل معطفينا وأجلسنا بأدب جم .. وبعد دقائق ظهر شخص يحمل بيده آلة موسيقية أشبه بالكمنجة وبدأ العزف .. طعمنا وشربنا وفي خضم هذا الزخم الاحتفالي أخرجت (أنّا) علبة أنيقة وقالت لي بحزم وبصرامة .. أسمع يا أويس .. اسمعني جيداً .. أنا أخطبك زوجاً لي علي سنة الله ورسوله .. وتسطيع الرفض أو القبول .. علي سنة الله ورسوله ؟! .. وهل أنت مسلمة يا (أنّا) ..نعم والحمد لله ..بيد أني أخفي إسلامي عن الروس وكذلك انتمائي للشيشان .. وطني الأول .. أذهلتني المفاجأة وكادت أن تقضي عليّ لو لا تشبثي ب( حسبنا الله ونعم الوكيل ) .. هل تمنحينني بعض الوقت فأصلي وأستخير الله ؟! .. بالطبع تفضل .. هرعت نحو الحمام توضأت وصليت في ركن قصي من المطعم ركعتين وتلوت في سري دعاء الاستخارة وشريط من الذكريات ينداح أمامي .. صورة أمي وأبي وأهلي ورزان .. ياااه .. لكم تتوالي عليك المفاجآت يا أويس .. بالأمس القريب شهدت بمسجد موسكو الكبير إسلام ( نعوم ) من أجل شاهندة وسفرهما معاً إلي (مظفرأباد ) ليخطبها من والدها حسب شروطها وأن يتم الزواج وفق التراث الكشميري وقبل شهر سألت إزابيلا عن صورة الزفاف التي تزين مكتبتها فأخبرتك بأن الذي يظهر في الصورة هو زوجها الراحل ( سيزار ) .. ذلك الطالب الذي هرب معها بعد نهب الصرافة وقد تقدم في صفوف القوات المسلحة الثورية التي تقود المقاومة المسلحة في كولومبيا وبينما كان يعقد مؤتمراً صحفياً داخل الغابة بإحدى المناطق المحررة حدث انفجار قوي أودي بحياته وعدد من الصحفيين وتمكنت إحدى الفصائل من نقلها إلي كاراكاس ومنها إلي روسيا وسبق ذلك بالطبع تحويل جميع أرصدتها إلي هنا .. يا لهذا العالم الغريب .. عدت إلي أنستاسيا .. اسمعي يا ( أنّا ) .. أنا من أطلبك زوجة لي فهل تقبلين ..؟غادرت موقعها وعانقتني طويلاً وهي تبكي وتردد ( الحمد لله العظيم ..) .
    تقبلت إزابيلا النبأ بما يشبه الصدمة .. وظلت تردد .. هذا مستحيل .. هذا حرام .. هذا ليس عدلاً .. قلت لها محاولاً مؤاساتها هذه الأشياء مقدرة سلفاً والزواج مثل حادث المرور لا تعلم متي وكيف يقع ومن سيكون الطرف الثاني في الحادث والأفضل لنا يا إييزا أن نظل أصدقاء .. ألسنا أصدقاء يا إزابيلا ..؟ نعم .. نعم .. ولكنني أحبك ولم أكن بحاجة لأقولها لك صراحة .. أنا أحبك يا أويس .. يا إلهي ساعدني يا إلهي ساعدني .. لن أخذلك يا إييزا .. لن أخذلك وسأبقي ما حييت صديقاً مخلصاً لك وللعمة خواليتا وللصغيرة سيسيليا .. أعدك بذلك والآن هيا كفي عن هذا المزاج الغاضب .. تعلمين شيئاً يا إييزا .. لقد اكتشفت اليوم كم أنت جميلة حين تغضبين .. أرجوك امنحيني مزيداً من التململ والغضب .. كف عن هذا الهراء يا يا أويس .. لقد بعتني وخنتني وفضلت أنستاسيا عليّ .. هذه القروية الروسية الساذجة أخذتك مني وأنا بحاجة لك أكثر منها .. علي الأقل لديها أسرتها والجامعة والحزب .. أما أنا ..ماذا تبقي لي ؟ .. ماذا ؟ مات زوجي وانقطعت صلتي بوالدي ووطني .. كنت أعول عليك كثيراً وكنت واثقة بأننا سنتزوج .. لا تبكي يا إييزا ..فأنا هنا بجنبك وسأظل .. والآن هيا ابتسمي .. هيا .. هكذا أجمل .. أتمني لك السعادة معها ومن كل قلبي .. وآمل أن تقدر كم هي محظوظة حين حصلت علي جوهرة نادرة المثال اسمها أويس .. والآن أريد شيئاً من عصير التوت ..عصير التوت ؟! .. قالت في ارتباك .. لقد نفدت الكمية التي معي .. لا تشربه يا أويس .. أرجوك لا تشربه مرة أخري ولا تسألني لماذا وقبل أن أغادر دست في يدي علبة أنيقة وهي تهمس في وجهي هذه هديتي لأنستاسيا .. أهدته لي والدتي عندما نجحت في الدخول للجامعة وأنا بدوري أهديه لعروستك .. فتحت العلبة لأجد عقداً من الماس الحقيقي .. ( واو !!!) .. هذا عقد من الجواهر الحقيقية حبيبي .. من أين حصلت عليه ولماذا .. لا بد أنه غال جداً أويس . .( أناّ ) وهي تقلب العقد بين يديها .. هذا العقد هدية زفافك من إزابيلا .. عبس وجهها لبعض الوقت وأعادته لي بشيء من الغضب .. أرجوك خذيه .. لا تحرجيني مع إزابيلا .. لأجلك فقط سآخذه .. وكان واضحاً أنها مفتونة به .. وضعته حول عنقها الأنيق فبدا أكثر جمالاً وإشراقاً .. من المؤكد أنه يساوي ملايين الروبلات .

    ومضت الأيام سراعاً ونحن نركض هنا وهناك لتجهيز لوازم العرس .. نريده زفافاً متواضعاً وفي نطاق أسرتي وبعض أصدقاؤك لا أكثر ..المهم أننا سنتزوج .. وذات صباح شديد البرودة تغطيه الثلوج الكثيفة .. جلست بغرفتي وأنا أرتجف من البرد أقلب في يدي مسدس أنجلينا الذي سحبته منها خوفاً من أن تؤذي نفسها به .. سمعت طرقاً شديداً بالباب .. افتح يا أويس .. أفتح بسرعة فالبرد قارص في الخارج .. بسم الله الرحمن الرحيم من الشيطان الرجيم .. لكأنه صوت شرودر .. لقد مات وشبع موتاً .. شرودر ؟!!! .. شعرت بدوار خفيف وأن رجلاي لا تقدران علي حملي وتهاويت نحو أقرب مقعد .. أويس ما بك ؟! ما بك يا رجل ؟! .. ألم تمت يا شرودر ضمن من ماتوا في مقديشو ؟ أم أنك شبح عاد من وراء برزخ بعيد ؟! .. مقديشو .. لعلك تقصد عملية ( بادرماينهوف ) بطائرة اللوفتهانزا .. تلك قصة طويلة يا أويس وأنا متعب جداً .. لقد حالت الشرطة الكينية دون صعودي للطائرة في اللحظات الأخيرة .. سأخبرك فيما بعد .. سأخبرك .. كيف حال أنجلينا ؟ .. لم أرها قبل مدة وكانت علي وشك الانتحار بسببك .. إنها تحبك بقوة يا شرودر ويتحتم عليك عدم التفريط بها من أجل قضاياكم الواهية .. قضايانا واهية يا أويس ؟! .. بالله عليك كف عن إزعاجي بنظرياتك يا شرودر . .ماذا تعرفون عن الظلم الاجتماعي وكل احتياجاتكم متوفرة بالأسواق وحكومتكم تمنح رواتب شهرية حتى للعاطلين عن العمل .. ماذا تعرفون عن المعاناة وعن التفاوت الطبقي وأنتم تتمتعون بجميع الخدمات في بلدكم الماء والخضرة والعلاج والتعليم وحرية السفر لأي مكان والبنوك التي ما فتئت تقرض حتى غير الراغبين في الإقراض .. قروض لشراء شقق وقروض لشراء سيارة وإجازات في سواحل البحر البيض وجزر كناريا .. وتلفزة ودور سينما وانتخابات حرة ونزيهة .. في وقت نشقي فيه لمجرد الحصول علي لقمة العيش وفرصة للعمل وربما للهجرة .. كرة قدم متطورة وملابس زاهية الألوان وأجسام قوية وأناقة لا تصدق .. وبرغم كل هذا الثراء تأتي ياشرودر لتغيّر المجتمع بالقوة ..امنحونا عشر ما بأيديكم ونرضي بديكتاتور إلي الأبد .. هل انتهيت من دفاعك عن الرأسمالية يا أويس ؟! .. حسناً يؤسفني أن أقول لك بأنك إنسان بلا أفق ولا هوية وكل همك الكل والشرب كبقية الحيوانات .. طابت ليلتك .. أحلاماً سعيدة ومرحباً بك من جديدٍ في دنيا الأحياء يا شرودر.

  7. #27
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.71

    افتراضي

    أتابع بصمت هذا النص الباذخ أديبنا الكبير
    وأسجل اعجابي وأحتفائي بروعة حضورك في أفياء واحتنا ملتقى المبدعين

    دمت بألق أبتِ
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  8. #28
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    أسعدالله صباحاتك بكل خير ..هذا المرور الرائع روعة دعاش الخريف يشجعني علي الاستمرار في رفع حلقات هذه الرواية بانتظام ..إعزازي ومودتي لك مني يا ابنتي العزيزة .

  9. #29
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    الحلقة السادسة عشرة
    راجعت الطبيب في الموعد الذي حدده لي ووجدت أمامه حزمة من الصور والتقارير المخبرية وقال لي أن ثمة تأثير مباشر علي الأعصاب جراء تناولك قدراً أكبر من اللازم من الكحول أو الحبوب المهدئة وربما نوع غير ضار من المخدرات .. هل تدخن الحشيش ؟ .. لا .. لا طبعاً .. أعوذ بالله .. حشيش ؟! .. تربيتي ومعتقداتي الدينية لا تسمحان لي بمثل هذا الانحراف .. لا باس إذن خذ هذه الروشتة وستجد بعض الأدوية التي ستساعدك كثيراً ولكن المهم أن تتذكر أي نوع من المشروبات أو الكحول يصيبك بالخدر .. عصير التوت الكولومبي .. إنه هو ولا ريب ..لا .. لا ..لن يكون في بال إزابيلا إدخالي إلي تلك الدائرة الجهنمية .. دائرة الإدمان علي المخدرات .
    لا وقت لدينا يا أنجي .. ستذهبين معي الآن إلي غرفتي فثمة مفاجأة سارة بانتظارك .. أرجو أن تعفيني من زيارة النزل مرة أخري .. بت لا أطيقه منذ وفاة شرودر .. بل ستذهبين ولا داعي للتسليم بان شرودر قد مات .. هل رأيت جثمانه بنفسك ..؟ لا ولكن .. هنالك بصيص أمل ولو ضئيلاً باحتمال وجود شرودر علي قيد الحياة .. قلت لها مقاطعاً .. وقريباً من باب الغرفة حاولت أن أقلل من حجم المفاجأة عليها .. كم تعطينني من المال إذا كان الشخص الذي بانتظارك في الداخل هو شرودر ؟ .. أعطيك كل ما أملك .. أعطيك نفسي لأصبح جارية لك ولأنستاسيا ..أعطيك .. كفي .. كفي والآن تفضلي بالدخول .. شرودااااار .. ومن ثمّ تهاوت نحو أرضية الغرفة .. بذلنا جهوداً مضنية لتستعيد وعيها .. جربنا الماء البارد والعطر .. وشيئاً فشيئاً بدأت تستعيد وعيها ..تساءلت في البداية بصوت واهن .. أين أنا ؟ ومن يكون هذا الشخص ؟!! ..إنه شديد الشبه بشرودر .. بل إنه شرودر .. حبيبي ..أخي .. لقد نجوت .. لقد نجوت .. وذاب كلاهما في أحضان الآخر .. أغلقت الباب خلفي فقد كان الموقف فوق طاقة احتمالي وحين عدت لهما وجدته ممسكاً بيدها وقد أراحت رأسها فوق كتفه وهي تردد كنت دائماً شديدة التشبث بفكرة وجودك علي قيد الحياة ولكنني أفقد الأمل في بعض الحيان فيجُن جنوني .
    عادت شاهندة ونعوم بعد إنهاء مراسم الزواج ب( مظفر أباد )وفق العادات والتقاليد الكشميرية .. إنها جنة الله في الأرض يا أويس .. لم أكن أتصور أن كشمير بهذا الثراء في كل شيء .. الآن عرفت لماذا تخشي الهند وباكستان توحد شطري كشمير .. لأن أي قدر من الاستقرار السياسي أو الوحدة سيطيح بكل آمال وخطط الهند وباكستان في السياحة .. فاغتنمت فرصة وجودهما معاً فدعوتهما لحضور الحفل الصغير الذي سنقيمه بفندق ( أنتشو ) بموسكو .. ستكونين وزيرة العروس يا شاهندة وستكون أنت يا نعوم وزير العريس .. هل لديكم مثل هذا التقليد في بلدكم يا أويس ؟.. شاهندة تتساءل في دهشة واستغراب .. من كانت وزيرتك يا شاهندة ؟ .. إنها صديقتي ( ماليكا ) .. وأنت يا يا نعوم .. كنت رئيساً بلا وزراء .. هكذا أحسن .. قلت له .. تنهي وتأمر كما تشاء .. وها أنت تحصل علي حقيبة في حفل عرسي .. أفعل بفخر واعتزاز .. وأنا كذلك سألتقي ( أنستاسيا ) في أقرب فرصة لأخبرها بما يتحتم عليها عمله .. هي مؤامرة إذن .. إن كيدكن عظيم ..من يتآمر علي من ؟ .. الرجال أس التآمر في هذا العالم وبفضلكم تجد الأرض كل ما تحتاجه من دماء وأشلاء .. والمحرّ ض من خلف الكواليس هو في الغالب امرأة ..يقال أن المرأة أصلها أفعي أليس كذلك يا نعوم ؟ .. ها ..ما رأيك ؟ ..نظر نحوها فأومات له بالرفض .. لا يا أويس أنت تبالغ ولا ريب .. هل بدأنا الاستسلام منذ الآن .. و(ضحكنا ضحك طفلين معاً ) وافترقنا علي أمل اللقاء .
    هل صحيح يا أويس ما سمعته ؟ .. روزماري تستوقفني بقامتها الفارعة وتفاصيلها المموسقة وكانت تضع فوق عينيها الساحرتين نظارة سوداء .. أنيقة ومترفة ورائعه .. أستأذنكم لبعض الوقت وسأعود إليك لاحقاً .. نعوم وهو يهم بالمغادرة .. بل ابق معنا .. وماذا سمعت يا روز ؟ .. لقد قيل لي بأنك ستتزوج من تلك الروسية الشقراء التي أجرت معنا ( الإنترفيو ) لدي وصولنا إلي هنا الصيف الماضي .. نعم يا روز ماري سأتزوجها وهذه فرصة أدعوك وصديقك لحضور حفل العرس بفندق ( أنتشو) .. صديقي ؟ من هو صديقي ؟ .. ذلك الإيرلندي الذي كان بصحبتك .. ليس صديقي إنما هو مواطن إيرلندي لا أكثر .. كان لي مشروع صديق من إفريقيا اسمه ( أويس ) ولكن يا خساره .. سرقته مني شقراء من هذا البلد .. أنا مشروع صديق لك يا روزماري ؟ .. انزعي هذه النظارة من عينيك لأقرأ مثل هذا الكلام في لألاء عينيك يا روز .. هل تتغزل في عيوني أم ماذا .. أرجوك ضعيها جانباً فأنا أحب التحليق في سماوات عينيك .. لن أنزعها .. إداً سأنزعها أنا .. وبدأ وكأننا نتعارك .. التحمنا في حميمية هائلة وبذل كلانا مجهوداً كبيراً وفي النهاية ظفرت أنا بالنظارة .. كانت منفعلة وأنفاسها تكاد تتقطع وصدرها يعلو ويهبط .. لقد سامحتك هذه المرة يا أويس .. لقد أوصلتني إلي مرحلة من الهياج جد غريبة وفكرت في لحظة ما أن استخدام مهاراتي التي تعلمتها مع ( الآي .آر .أ .) .. من تاكندو وأساليب الدفاع عن النفس .. ولو فعلت لكنت الآن في غرفة الإنعاش .. (الاي .آر . أ ) ..؟!! .. لقد قالتها دون أن تقصد وتظاهرت بأنني لم أسمعها جيداً .. هل هو معهد رياضي ؟! .. من ؟ .. هذا الذي نطقته قبل قليل .. نعم .. نعم .. إنه معهد معروف في بلفاست .. دعوتها علي كوب من الكولا فقبلت .. جلست أمامي كحمامة بيضاء.. وجهت سؤالي مباشرة نحو عينيها .. لماذا تودون الانفصال عن المملكة المتحدة .. عن انجلترا بكل ما لديها من ثقل اقتصادي وسياسي ؟! .. ماذا أقول لك يا أويس .. إحساس المرء بأن حملاً ثقيلاً يجسم فوق صدره إحساس بغيض .. لقد كانت إيرلندا وما زالت وطن المجد والشعر والفنون .. تذخر بطاقات اقتصادية هائلة وقد حباها الله بخيرات وفيرة .. فما حاجتنا للإنجليز ؟ .. ولكن بلدكم منقسمة علي نفسها وأنتم لا تعانون مثل الأكراد المتوزعين علي عدد من الدول ولا كالفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال .. ولا حتى كالكشميريين الذين يتوقون للتوحد تحت مظلة واحدة .. فماذا ينقصكم يا روزماري .. ماذا ينقصكم ؟ .. بإمكانك التلويح بجواز سفرك البريطاني هذا فتفتح لك كل المطارات أبوابها وترحب بك .. هذا ليس مبرراً كافياً لأفقد هويتي الوطنية وأذوب في كيان الآخر .. إذن جربوا النضال عبر الوسائل السلمية بدلاً من تفجير القنابل في غرف استقبال الفنادق والقطارات فيسقط الأبرياء .. هذا ما فكرنا به بالضبط وقد أنشأنا حزباً سياسياً وليداً يحمل اسم ( الشين فين ) وإذا لم ننل استحقاقنا في حق تقرير المصير سنعود مرة أخري للكفاح المسلح وليكن ما يكون .. قلت ل(نعوم ) وكان صامتاً طوال الوقت .. وأنت يا نعوم .. كيف تقرأ الموضوع .. أنا .. أقرأ ماذا ..؟ وفهمت منه أنه لا يود التحدث أمام روزماري .. إلي اللقاء أويس .. إلي اللقاء مستر نعوم .. روز ماري وهي تتراجع خطوتين للوراء وتزيح خصلاتها عن عينيها وتحرك شعرها يمنةً ويسرةً وهي تغادر وقد منحتنا التفاتة رهيبة أفقدتني صوابي .. هل تعجبك هذه الأيرلندية المأفونة يا أويس ؟ . .نعوم وقد تصفح تعابير وجهي وهي تودعنا وتنصرف .. يمكنك أن تقول بأنني متيم بها .. ويمكنك أن تقول بأني إنسان ضيع بوصلة مشاعره في هذا البلد العجيب .. ومع وجود أنستاسيا بكل ألقها وروعتها وأحلامنا الخضراء في عشٍ هادئٍ يجمعنا معاً إلا أنني لا أملك القدرة الكافية للصمود في وجه الجميلات بجامعة الصداقة .. ولكن قل لي بربك يا نعوم هل أنت مع رأيها في أسلوب إدارة النضال في إيرلندا الشمالية .. بالطبع أنا معها وإلا كيف سنحرر نحن إقليم (الباسك) .. ؟ .. تحررونه بقتل وجرح المئات من الجنود والأطباء والمعلمين ورجال الإعلام ..؟ .. ليس أمامنا من خيار آخر .. هؤلاء القوميون المتعصبون في اسبانيا لن يدعوننا وشأننا ولا يجدي معهم الحوار ..هل سبق لك يا نعوم أن قتلت اسبانياً ولو عن طريق الخطأ ؟ .. أنا ؟ أقتل ؟ قال ذلك باضطراب واضح .. فلماذا ذهبت إلي جنوب لبنان إذن ؟ هل ذهبت إلي هنالك من أجل السياحة والتمتع بمناظر الطبيعة الخلابة ؟ .. لا .. لا ..الأمر ليس بهذه البساطة .. لقد ذهبت للتدرب علي استعمال السلاح وصنع المتفجرات .. ويجب أن أعترف لك يا أيها الصديق العزيز أويس .. بأنني قتلت جندياً اسبانياً واحداً فقط طوال انخراطي بمنظمة ( إيتا ) .. وكيف كان شعورك وأنت تقتل شخصاً لا تعرفه وليس بينكما خصومة شخصية ؟ .. إيييه يا أويس لماذا تضعني علي كرسي الاعتراف وكأنك قاض ..؟ لا بل كصديق .. قل ولا تخف من شيء .. كان ذلك في وقت عصيب مرت به ( إيتا ) كنا بحاجة إلي المال والسلاح وإلي إحداث فرقعة إعلامية تلفت الانتباه إلي قضيتنا العادلة .. قمنا في فجر ذاك اليوم بالهجوم علي نقطة تفتيش للجيش في مشارف ( سرقسطة ) .. كان عددهم حوالي العشرة وكنا نحن حوالي الثلاثين مقاتلاً مزودين بالبنادق الأوتوماتيكية والقنابل اليدوية .. اذكر أنني أصبت أحدهم إصابة مباشرة في القلب .. كان شاباً نحيلاً في مقتبل العمر .. تهاوي نحو الأرض علي وجهه .. انسحبت المجموعة بعد أن تكبدت ستة قتلي وفقدنا نحن اثنين من رفاقنا .. توجهت نحوه وهو يسبح في بركة من الدماء أخذت سلاحه ومحفظته وانسحبنا عائدين لمعسكرنا بعد أن تركنا خلفنا بياناً بتحمل المسئولية عن العملية .. وهنالك نقبت في محفظته وقد احتوت علي مبلغ ضئيل من المال وصورة فوتوغرافية له مع أسرته .. والده ووالدته وحفنة من الأطفال وهو يتوسطهم بزيه العسكري ولكن ما آلمني أكثر عثوري علي صورة أخري بحجم (البوستال) لفتاة رائعة الجمال وقد كتبت خلفها عبارة ( إلي سابا .. مع كل الحب .. عد لي سالماً كما وعدتني ) والتوقيع ..حبيبتك إلي الأبد ( كلارا ).

  10. #30
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    ما زلت أتابع سردك الشيق المشحون
    بمزيج فريد من أحداث كثيرة ومتشابكة
    ...

    يخامرني احساس ما
    بانه صراع حول أفريقيا البريئة
    يدور بين قارات أخرى فقدت براءتها
    وتود تصدير بضاعاتها القلقة المجنونة
    إليها كي تمضي خلفها في نفس الركاب

    تقديري واحترامي أيها الكبير العميق
    حسام القاضي
    أديب .. أحياناً

صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1234 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. رواية أنستاسيا ..مصافحة ثانية ..
    بواسطة عبدالغني خلف الله في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 48
    آخر مشاركة: 12-05-2014, 08:45 AM
  2. رسالة من وردة إلى وردة.
    بواسطة د. نجلاء طمان في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 46
    آخر مشاركة: 25-04-2010, 06:53 AM
  3. ...في الهزيع الآخِر..."مصافحةُ أولى"
    بواسطة ثامر الجريش في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 21-05-2007, 08:53 PM
  4. وردة ذابلة كان اسمها نسرين
    بواسطة نسرين في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 16-09-2003, 11:21 PM