معذرة يا أحمد ياسين..

لست أدري كم من قصيد كُتب فيك يا شيخ المجاهدين بعد استشهادك..
لست أدري كم من المداد صبّت الأقلام خلال أيام معدودات بعد رحيلك..
لست أدري كم من دمعة ذرفنا.. وآهة أطلقنا.. ودعاء ردّدنا.. وعزاء أقمنا.. ومواساة تبادلنا.. وصورة نشرنا ووزّعنا
وجميع ذلك قليل قليل.. لا يساوي قطرة دم واحدة من قطرات دمك ودماء الشهداء الذين صنعتهم يداك على طريق تحرير الأرض والإنسان من غدر عدوّ وخذلان صديق

هل وفّيناك حقّك أيها الشهيد الجليل في حياته.. والجليل في شهادته؟..
لم تكن تنتظر من أهل الأرض أجرا.. فما عند الله خير وأبقى
فماذا كنت تنتظر منّا أيّها المجاهد المقعد الصامد حتى الشهادة؟..

معذرة يا أحمد ياسين..
معذرة إن حسبنا أن دورك ودور أمثالك أن تقدّموا الدماء.. لنقدّم المداد.. وأن تبذلوا الأرواح.. انبذل الدموع.. وأن تصولوا في ساحات الجهاد.. لنجول بالحديث عنكم في المنتديات وعلى صفحات المجلات..
ما الذي جعلكم تتقنون العمل.. ونتقن القول؟.. تتقنون التخطيط ونتقن الرصد للضحايا.. تتقنون التحرّك.. ونتقن النقد..
ما الذي جعلكم تطلبون الجنّة بالإيمان والعمل.. ونطلب الجنّة بالإيمان والدعاء؟..

معذرة يا أحمد ياسين..
إن كان لكلّ دوره في هذه الحياة الفانية.. فلقد واللهِ خجلنا من أين يكون دورنا أن نكون شهودا على الشهداء.. نلعق الأحزان وتسكبون الأدماء.. تفدوننا بضحاياكم.. ونفديكم بتعداد ضحاياكم..

معذرة يا أحمد ياسين..
أمامكم دبابات لا تفرّون منها.. وجرّافات لا تتجنبونها.. وسجون لا تخشونها.. وعذابات من كلّ لون تغلبونها بالصمود بعد الصمود والجراح بعد الجراح
وأمامنا دون ذلك بما لا يقاس ممّا نخشاه إن رفعنا صوتنا بكلمة في مسجد.. أو جامعة.. أو مصنع.. أو دائرة..
ترى.. هل هذا ما يجعلنا نلجأ إلى المنتديات نبثّ فيها فيما بيننا -بعيدا ما أمكن عن أعين الرقباء- ما لا نجرؤ على البوح به.. خوفا أو تقاعسا أو انشغالا بالدنيا عن الآخرة؟..

فينا من يريد أن يكون بينكم.. هكذا نقول.. وتمنعنا الحواجز والعراقيل
فينا من يريد دعمكم.. هكذا نقول.. وتمنعنا الرقابة ومن يحمي يهود
وفينا من يقول.. يجب أن نزيل الحواجز والعراقيل.. لنصنع ما تصنعون..
فما الذي صنعته يا شيخ المجاهدين والشهداء فبلغت ما بلغت؟..
علام لم تقم بإزالة الحواجز والعراقيل أولا.. والإفلات من الرقابة ثانيا.. ومواجهة جند يهود من طوابير "الأمن" ثالثا.. قبل سلوك طريق الجهاد للتحرير؟..

كيف كنت تعلّم هذا الجيل في فلسطين قبل ربع قرن وأكثر.. كيف يبيع دنياه بآخرته، وراحته بمستقبل أمّته، ووقته الضائع بإعداد نفسه؟..
علام سلكت ذاك الطريق الطويل.. الطويل في الإعداد.. لتصل إلى الغاية البعيدة في الجهاد والاستشهاد؟..
علام لم تصنع مثلنا.. فتختصر الطريق.. أو تعتذر بعقبات الطريق؟.. أم أنّك لو فعلت لم تصل إلى ما وصلت إليه ولم يصل من وصل معك من أبناء جيل الحق والجهاد والاستشهاد بفلسطين وبناته؟..

معذرة يا أحمد ياسين..
ما زلنا لا نفقه شيئا أكثر من الكلام.. فما مدى صدقنا في كلامنا؟..
علام نؤجّل العمل الصغير.. ونعجز عن العمل الكبير الجليل؟..
علام ننشغل بما لا ينبغي أن ننشغل به من خلاف بيننا عن عمل مشترك فيما نتفق عليه، وننشغل بعزاء بعضنا بعضا على نكباتنا عن التعاون في إعداد أنفسنا وبعضنا بعضا، وبرثاء شهدائنا.. عن سلوك الطريق الذي سلكه من قبل شهداؤنا.. حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه

معذرة يا أحمد ياسين
لقد علّمتنا الصدق في العمل.. ونكاد لا نتقن حتى الصدق في الكلام
علّمتنا الصمود على درب الشهادة.. ونكاد لا نصمد على الاستغناء عن بعض تفاهات الدنيا
علّمتنا المقاومة لأعتى الأعداء.. ونكاد لا نقاوم نفوسنا ونحملها على عمل يومي جادّ طويل.. لا تتحقّق دونه غايات من الغايات الجليلة التي نتحدّث عنها ليل نهار..
ثمّ بعد هذا نحسب أنفسنا جديرين بأن نكون في مقام رثائك والكلام عنك!!

معذرة..
فحتى في الحديث عنك إليك أيها الشيخ الجليل.. يعجز القلم عن المواصلة..
فما أشدّ عجزنا وقصورنا..

أيها النبيل الشامخ:

لم أدر كيف فاتتني هذه الموجعة فلم أشاركك حينها الألم.

الشيخ مضى جسده ولحق به جسد تلميذه ولكن روحهما دربهما علمهما نبراسهما لا زال يسطع متلألئاً يهدي إلى طريق العزة والكرامة.

ولا زال رغم هذا الذل الذي يغشى معظم القلوب عزة دفينة قد انتفضت في صدور فريق وتململت في صدور فريق ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.


دمت في القلب

اخي


عذرا يا ياسين
إن نام الأعراب


عذرا يا ياسين
إن نام الأحباب

فالحب لدين الله ليس بالكلمات تترجم


إن الافعال خير دليل

على صدق الأقوال


أخي وأستاذي نبيل

شكرا لشاعريتك

ولكلماتك الحارقة

التي اشعلت في الضلوع شيئا من الهمة

بارك الله فيك