رسالة إلى القيمين على حياتنا الأدبية

رسالة
إلى القِيِّمين على حياتنا الأدبية

لله ما أثمر أدبكم يا أسلافنا .....
كان بين يديَّ كتاب الكامل للمبرد و هو ما هو جلالة و إفادة بين كتب الأدب قديمها و محدثها ، و سحت أجول بين صفحاته التي ملؤها شخوص و أحداث و وقائع مما يملأ قارئه علماً و فهماً ، و يجعل له جعبة من الألفاظ و المعاني التي يتلقاها عن أكابر الشعراء و الأدباء و العلماء ، و يفيد منها وقت الحاجة إليها .
و هنا يحق لي أن أتساءل ....
أيعقل أن يعرض نفر ممن يدعون الحداثة عن كل هذه المغاور المملوءة كنوزاً و جواهر و لآلئ ، و يصروا على أن يغرقوا في بحور غموضهم و إبهامهم ، تحت ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرجوا أيديهم لم يكادوا يرونها ، و يصفوا من يتأثر هذا الطريق الزاهر بالعفن ، و التخلف ، و التحجر ، و العيش في قوقعة الماضي .
لا نريد أن نعيش خارج زماننا ، فمهما فعلنا فإننا لا نملك أن نقلب دورة الأيام و نرتد إلى القرون الأولى للهجرة ، و لا نرغب في أن نقصر ساحة الأدب علينا و نحرم منها من لهم آراء تخالفنا أو تعارضنا ، فالمضمار يتسع للجميع ، و القمع و الاستبداد و سيلة الضعفاء و عديمي الحجة و فاقدي الوسيلة ، و لكننا نريد منهم أن يتركوا لنا مساحة و لو أقل من التي اتخذوها لأنفسهم ، فنحن لنا أن نختار نهجنا ، و لهم أن يختاروا نهجهم ، فيكون لنا دين و لهم دين ، و من بعد لا يتنازع الدينان .
أما أن يغلقوا الباب بعشرات المتاريس ، و يجعلوا حوله أشواك السعدان و مشاعل النيران ، و يحظروه على كل من لا يحشو مقالاته بالمصطلحات الحداثية حشواً حتى تغدو كجيوب الطفل العائد من دكان بائع الحلوى ، فذلك الطغيان عينه ، و السخف كله .
و لسنا ننكر على أدبائنا الجدد دورهم ، فمن يزورُّ عن قصائد محمود درويش و مآسي نازك الملائكة ، و أناشيد بدر شاكر السياب ، و ترانيم و غصص أمل دنقل ،
لهو أشد سخفاً ممن يؤلههم و يجعلهم خالقي الأدب الذي كان قبلهم عدماً سديمياً ،
فأوجدوه و زينوه و أحسنوا شأنه و أصلحوا حاله ، و الفريقان في الخطأ و الجريمة مشتركان .
فالأدب الحديث مرحلة من تاريخنا الأدبي لا تنكر ، و الإبداع عالم تخلقه نفس الشاعر ، و من أشد الظلم أن نحرم نفساً من إخراج فيضها لأنها لم تملك القدرة على إبراز نتاجها في القوالب التي اعتدناها ، فالنفوس البشرية ليست واحدة في القدرة و المواهب ، ولرب قادر على إنشاء مئة قصيدة على الأوزان و البحور لا يملك أن يحلق بخياله أكثر من مدى أنفه ،فينزل شعره على قارئه أشد من وقع البارود ، و لرب من خلق الله في نفسه قدرة التشبيه و التصوير ، و عوالم الإحساس و التأثير ، و لم يملِّكه زمام بحور القصيد ، أفنحرمه الخير كله إن لم يقدر على بعضه .
لقد تجاوز أجدادنا عن فنون تجديدية مثل ألوان الجزل و الكان وكان و المواليا و غيرها ، و لهي أشد إجراماً بحق الفن و الإبداع من قصيدة التفعيلة و شعر النثر في أيامنا هذه ، فلم نصم آذاننا عن تلك المواهب الدافقة ، و الأرواح المتألقة .
و لم يصر أهل الحداثة الذين باتوا أصحاب السلطان على مجلاتنا و جرائدنا على إقصاء أهل القديم أو الأسلوب الأقرب للقديم عن وسائل الإعلام ، و يتركونها حكراً لهم ، و يسمحون لمن لم يتأت لهم من ناصية الأدب أي ملمس أن ينشروا و يوزعوا ما تصطك له المسامع ، و يقفلون أي بوتقة يشع منها النور على القراء من كتاب ينشئون بأسلوب القديم أو ما هو أقرب للقديم .
رسالة ..... أرجو أن يلتفت لها أحد ممن بيدهم مقاليد الأمر في حياتنا الأدبية المأسوف عليها ، و إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

لو سكت العالم تقية .. متى يتعلم الجاهل

فلله درك اخي عبدالله ....مقالة تشبع النفس ...وتروي الضمآن

تحياتي لك

أرانا نشترك في الكثير غير الاسم .....
بوركت أخي و شكراً لمرورك

فالأدب الحديث مرحلة من تاريخنا الأدبي لا تنكر ، و الإبداع عالم تخلقه نفس الشاعر ، و من أشد الظلم أن نحرم نفساً من إخراج فيضها لأنها لم تملك القدرة على إبراز نتاجها في القوالب التي اعتدناها ، فالنفوس البشرية ليست واحدة في القدرة و المواهب ، ولرب قادر على إنشاء مئة قصيدة على الأوزان و البحور لا يملك أن يحلق بخياله أكثر من مدى أنفه ،فينزل شعره على قارئه أشد من وقع البارود ، و لرب من خلق الله في نفسه قدرة التشبيه و التصوير ، و عوالم الإحساس و التأثير ، و لم يملِّكه زمام بحور القصيد ، أفنحرمه الخير كله إن لم يقدر على بعضه .

بارك الله فيك أخي الكريم عبد الله على هذه النظرة الحكيمة .. فعلا لا أرى مجال في معركة الأدب والفكر إلا للثورات البيضاء .. من دون تسفيه من أحد .. ولندع المتلقي هو الحكم .. ولنفعل بيننا : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب
دمت حصيفا ..

حياك الله أخي و سلمك وبارك بك ......
رائعة كلماتك و مبهج تشجيعك و رأيك ....
ألف شكر لك

الكريم عبدالله ..

أثرت موضوعا طال النقاش به ، وهناك من أنصف وعدل وهناك من تشدد كل إلى حزبه بين الحداثة وبين الأدب العربي كما عرفناه ..
لكن البعض أتانا بما لا يقبله منطق ولا يستسيغه عقل ، كأن تقرأ قصيدة وتلجأ إلى عمليات حسابية كي تفك رمزها وهذا لعمري ادعاء وبدعة ما مرت في زمان ..
والبعض يلجأ لفاحش القول بحجة الحداثة والتطور ، أو خروج عن حدود الدين بتشبيه الإلاه بما خلق أو العكس وهذا ما يجعلنا نرى أن بعض أدعياء الحداثة ليس لهم إلا تشويه القديم وليس تطويره وناهيك عن ما يمكن أن يسببه نص فيه تطاول على الذات الإلاهية أو الرسل أو الدين من أثر في نفوس العامة المتمسكة بدينها وما حض عليه من خلق قويم من تحليل وتحريم ..
إن بعض مدعي الحداثة لهم أثر سيء على مجتمعنا ومثلهم يأخذ الصالح بجريرته تحت اسم الحداثة والتي ما هي بالحداثة من شيء ولكن هي حركة سياسية تعمل على إبعاد الدين والأخلاق عن حياة الأفراد ، وهذا ما جعل ساحتهم أوسع وعلى الأدب الحقيقي أضيق ..

نتمنى أن يكون الوعي والثقافة والأخلاق هما المسيران لمثل هذا الانشقاق الفكري دون أن يكون هناك حرب ضروس يكون ضحيتها تراثنا الأدبي ..

لك التحية والشكر .

سلمك الله و حياك ...
ويدك الكريمة أكملت نقصاً فيما كتبت ...
فنغمة الحداثة و ما بعد الحداثة أصبحت عنواناً خالياً من المضمون ، و فكرتها قائمة على محاربة القديم مهما كان جيداً ... و تبجيل الحدبث لأنه حديث فحسب ، و تحد الإيمان على أنه شيمة العصر الحالي ، و رفع راية التشفي و الانتقام من الذات الإلهية و كأنها رمز التخلف و الجهل و سببهما و العياذ بالله ......
هذه عقيدة الصغار و مذهبهم الدال قبل كل شيء على هشاشتهم و ضعفهم أمام الحق و الأدب السامي ، و استقوائهم بمناصبهم أو بالخارج ، و على أنهم ليسوا دعاة حداثة ... بل دعاة محاربة الجمال ، و الحق ، و الخير أينما وجدت