أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الجمل الموسيقية -21 من أساليب التربية النبوية

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي الجمل الموسيقية -21 من أساليب التربية النبوية

    من أساليب التربية النبوية
    الجمل الموسيقية (21 )
    الدكتور عثمان قدري مكانسي

    رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أفضل من نطق الضاد ، فحين أوتي القرآن الكريم أوتي الحديث ليشرحه ويوضح متشابهه ويفصل مجمله . فكانت ألفاظه ومعانيه مشرقة أيّما إشراق ، بليغة قمة البلاغة . وقراءة في ( البيان والتبيين ) للجاحظ(1) ، نرى جمال العبارة في حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقوة المعنى ، ولا غَرْو في ذلك ، فالذي نزَّل عليه القرآن علمه وأدّبه ، قال تعالى : ( لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(2).
    يقول الجاحظ في وصف أسلوب الحبيب المصطفى خير من نطق بالضاد : ( فكيف وقد عاب التشديق ، وجانب أصحابَ التقعيب ، وهجر الغريب الوحشيّ ، ورغب عن الهجين السوقيّ ، فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة ، ولم يتكلم إلا بكلام قد حُفّ بالعصمة ، وشيد بالتأييد ، ويسر بالتوفيق ، وهو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة ، وغشّاه بالقبول ، وجمع له بين المهابة والحلاوة ، وبين حُسْن الإفهام وقلّة عدد الكلام ، مع استغنائه عن إعادته وقلة حاجة السامع إلى معاودته ، لم تسقط له كلمةُ ، ولا بارت له حُجّة ، ولم يقم له خصم ، ولا أفحمه خطيب ، بل يبُذ الخُطبَ الطوال بالكلام القصار ، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصمُ ، ولا يحتجّ إلا بالصدق ،ولا يطلب الفلَج ( الفوز)إلا بالحق ، ولا يستعين بالخلابة ، ولا يستعمل المواربة ، ولا يهمز ولا يلمِز ، ولا يبطئ ولا يَعجَلُ ، ولا يُسهب ولا يحصَر ، ثم لم يَسمعِ الناسُ بكلام قط أعمّ نفعاً ، ولا أقصَد لفظاً ولا أعدلَ وزناُ ، ولا أجمل مذهباً ، ولا أكرمَ مَطلباً ، ولا أحسنَ موقعاً ولا أسهل مخرجاً ولا أفصح معنىً ولا أبْيَن في فحوى من كلامه صلى الله عليه وسلم كثيراً ).
    ملاحظة : قصدْت فقط الجمل الأخيرة مما نقلت عن الجاحظ ، وما سردتُ صفة كلام النبي صلى الله عليه وسلم كله إلا للتبرّك بمعرفة روعة أسلوبه - صلى الله عليه وسلم - ليس غير.
    فبالإضافة إلى المعنى الدال على أن اللغة العربية واضحة بينة ، معروفة بالبلاغة والبيان ، هناك معنى لطيف : إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان فصيح اللسان ، بيّن النطق ، واضح العبارة . وكانت قراءته للقرآن على المشتركين تذلهم ، وقصة الأخنس بن شريق ، وأبي سفيان بن حرب ، وأبي جهل بن هشام ، الذين سحرهم القرآن بلسان الرسول الكريم دالة على تأثيره فيهم ، لذلك روى القرآن عنهم موضحاً مكرهم : قال الله تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)(3) .
    والمقصود في هذه الآية عدم سماعهم للقرآن من منبعه البليغ الأصيل ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فهم لا يرغبون بسماعه ، ويحاولون الصياح في وجهه ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى لا يدري ما يقول .
    وقد قال مجاهد : ( المعنى والغَوا فيه بالمكاء " أي الصفير " والتصفيق والخلط في المنطق حتى يصير لغواً ) ، وقال أبو العالية وابن العباس : ( قعوا فيه وعَيَّبوه ( لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) محمداً على قراءته فلا يظهر ولا يستميل القلوب )(4) .
    وقد وظف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فصاحته وبلاغته في خدمة دعوته ، ومن أساليب هذه الفصاحة التي استمال بها القلوب : الجمل الموسقية من حسن في التقسيم ، وسجع ، ومقابلة ، وطباق . . .
    وقد كان العرب يحفظون الشعر ـ وما أكثره ـ لموسيقاه ، فاغتنمها الرسول الكريم في الوصول إلى عواطفهم وقلوبهم ، ومن ثمَّ إلى عقولهم وأفكارهم .
    ومن ذلك ما كتبه المغيرة بن شعبة إلى معاوية بما سمع من رسول الله : إني سمعته ينهى عن :
    كثرة السؤال ، وإضاعة المال ، وقيل وقال(5) .
    فأنت ترى معي جمال الموسيقى ـ في الجمل الثلاثة ـ الناتجة عن حسن التقسيم ، وعن السجع ( انتهاء الكلام باللام المسبوقة بالألف ) .
    ونلمح أيضاً جمال التقسيم ، والسجع في هذا الحديث الذي رواه أبو أسيد ـ رضي الله عنه ـ قال : كنا عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال رجل : يا رسول الله ، هل بقي من برِّ أبويَّ شيء بعد موتهما أبَرُّهما ؟
    قال : نعم ، خصال أربع : ـ الدعاء لهما ، والاستغفار لهما ، ـ وإنقاذ عهدهما ، ـ وإكرام صديقهما ، ـ وصلة الرحم التي لا رَحمَ لك من قِبَلهما(6) .
    نلاحظ تكرار ( هما ) في آخر كل خصلة من الخصال .
    وانظر معي إلى هذه النواهي التي وردت متوالية ، كأنها عقد نضيد من التوصيات والحكم ، جاءت كموسيقا العرض العسكري الأخاذ :
    عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تناجشوا(7) ولا تحاسدوا ، ولا تباغضوا ، ولا تنافسوا ، ولا تدابروا(8) ، وكونوا عباد الله إخواناً ))(9) .
    وكذلك ما نراه في هذا الحديث الشريف : فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
    عليك بالرفق فإنه لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينزع من شيء إلا شأنه(10) .
    حسن التقسيم واضح في الجملتين ،
    والمقابلة بينهما : ( لا يكون : لا ينزع ) ، ( زانه : شانه ) .
    والجناس الناقص : ( زانه : شانه ) .
    والسجع الجميل في ( النون والهاء ) في نهاية كل من الجملتين .
    وكذلك نلحظ جمال التعبير الموسيقي الذي يأسر القلوب ، ويمتلك العواطف في الحديث التالي :
    عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
    يسِّروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا(11)
    جملتان متقابلتان فيهما موسيقى آسرة متنوعة ، تجمع بين حسن التقسيم ، والجناس ، والطباق دون تكلف أو تصنع ، ألم يقل ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ) .

    (1) الجزء الثاني : ص / 44 / ، طبعة دار الفكر للجميع ، 1968 .

    (2) سورة الشعراء : الآية 195 .

    (3) سورة فصلت : الآية 26 .

    (4) تقسير القرطبي المجلد / 15 / في تفسير الآية السابقة من سورة فصلت : 26 .

    (5) الأدب المفرد الحديث / 16 / .

    (6) الأدب المفرد الحديث / 35 / .

    (7) التناجش : أن تزيد في ثمن سلعة ليس لك بها حاجة تريد أن ترفع سعرها ليقع فيها غيرك .

    (8) لا تدابروا : أي لا تقاطعوا .

    (9) الأدب المفرد الحديث / 410 / .

    (10) الأدب المفرد الحديث / 469 / .

    (11) الادب المفرد الحديث / 473 / .

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 852
    المواضيع : 19
    الردود : 852
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    جزيت خيرا أستاذنا على هذه الموضوعات القيمة .. وعلى هذا الموضوع بالخصوص .. فعلا جمال اللفظ وموسيقاه بمثابة الباب الذي يلج منه المتكلم إلى القلوب .. وقد علم هذا رسولنا الكريم وأحسن استخدامه ..
    دمت بخير ..

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    إنه صلى الله عليه وسلم المربي الأول ، أستاذ الأساتيذ ، أدّبه ربُّه سبحانه وعلمه فكان النبراس المرشد.
    شكراً أخي الفاضل لمرورك اللطيف ، جمعنا الله تعالى على ما يرضيه

  4. #4
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    موضوع قيم جميل
    هي قناديل ضياء في ليالي الجاهيلة
    هو خير و أفضل من نطق لغة الضاد

    تحياتي
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    المشاركات : 2,069
    المواضيع : 373
    الردود : 2069
    المعدل اليومي : 0.32

    افتراضي

    شفعه الله تعالى فيك وفي أحبابك والمسلمين
    لك تحياتي أستاذي الفاضل عبد الصمد

المواضيع المتشابهه

  1. القسَم من أساليب التربية النبوية
    بواسطة د عثمان قدري مكانسي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 14-06-2010, 11:46 PM
  2. من أساليب التربية النبوية تحديد العدد
    بواسطة د عثمان قدري مكانسي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-06-2010, 05:46 PM
  3. السؤال : من أساليب التربية النبوية
    بواسطة د عثمان قدري مكانسي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-06-2010, 12:28 PM
  4. الحوار من أساليب التربية النبوية
    بواسطة د عثمان قدري مكانسي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-05-2010, 02:51 PM
  5. التصوير الحسّي من أساليب التربية النبوية
    بواسطة د عثمان قدري مكانسي في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 14-03-2010, 01:08 PM