معنى جديد لاصطلاح "العروض" يرفض القيد على الإبداع







تحفل اللغة العربية بالألفاظ التي تحمل أكثر من معنى ، و قد يكون من هذه المعاني ماهو متضاد تماماً ، ويفهم المعنى المقصود من سياق الجملة ، أو مماَّ يأتي بعد اللفظة المقصودة من كلمات ، و حتى لا يحدث خلط أو تعتيم لمعاني اللفظة التي قد تحتمل التناقض ظهرت الاصطلاحات الشعبية لتحديد أحد معاني اللفظة في اللغة ، بينما تظل اللفظة الرئيسية بمعناها المقابل ، و ربما يأتي الاصطلاح بتغيير بسيط في حروف اللفظة الأصلية (بإضافة/حزف/استبدال أحد الحروف) ، أو بتغيير في التشكيل الحركي لبعض أحرف اللفظة ، أو بالاكتفاء بأحد المعاني لها من فعل ثلاثي مثلاً ، و تحميل المعنى المقابل للفعل الرباعي أو غيره ، أو حتى يُطلق على اللفظة اصطلاحاً لمعنى مختلف تماماً عن أصول معانيه .. ،
و من الألفاظ التي تعرضتْ لمسألة الاصطلاح في أكثر من جانب لفظتي "دائن" و "مَدين" تعني كلٌّ منهما على حدة مَنْ أقرض و مَن اقترض ، وكذلك تأتي بمعنى مَنْ خضع للمجازاة/المحاكمة ، و قد اتفق اصطلاحاً على الاكتفاء بمعنى مَنْ أقرض للدائن (من فعل ثلاثي دان) ، و معنى مَن اقترض تكون للمَدين (من فعلها الرباعي أدان) ، و لتحديد معنى مَنْ خضع للمجازاة/المحاكمة تم استبدال حرف الياء من "مَدين" إلى ألف مدّ ، فظهر اصطلاح "مُدَان" ، وكذلك لدينا لفظة "نَسْر" مفتوحة حرف العين تعني الفضَّ/الاقتطاع ، و تعني كذلك اسم الطائر المُحلِق المعروف ، وحتى لايتم الخلط أيضاً تمَّ الاكتفاء بمعنى واحد من هذه اللفظة ، أماّ اسم الطائر ، فلقد اصطلح أن يُكْسر حرف العين من اللفظة ، فيُقال "نِسْر" ، ويقال عندئذٍ "خطأ مشهور خير من صواب شائع" ، و من الألفاظ ما يعتمد في معناه على ما يأتي بعده لفظة "إنصاف" .. ، إذْ تأتي بمعنى عدْل في قولنا "إنصاف محمد" ، و تأتي بمعنى شطر الشيء إلى نصفين في قولنا "إنصاف الشيء" ، و تأتي بمعنى استيفاء الحق في قولنا "إنصاف من فلان" و اتفقَ اصطلاحاً أن لفظة "إنصاف" وحدها تعني معنى عدْل .. ، و كما أن الاصطلاحات نالت معاني الألفاظ ، فهي نالتْ أيضاً من الأوزان الشعرية في مُحاولة منها لرفض القيد على الإبداع .. ، و كمثال على ذلك لفظة "العَروض" تعني في اللغة المعترض/المستعصي ، وكذلك مانح الموافقة ، فضلاً عن كونها تُطلق على الناحية و بعض الأماكن .. ، ولكن اصطلاحاً حصَر العروضيون المعنى المراد من اصطلاح "العروض"في ميزان الشعر عند العرب ، وكذلك الجزء الأخير من الشطر الأول للبيت الشعري ..، بلْ و أكثر من ذلك و هو أنه طالما ذُكِرت كلمة العروض ، فلابدّ أن يتوارد إلى الذهْن مباشرة بحور الشعر الخليلية ، و بينما تكون البحور في العروض هي أساس معرفة صحيح الوزن من فاسده إلاَّ أنه وُجدَتْ أشعار يقبلها الطبع السليم ، و لم تردْ أوزانها ، و لا تجوز في بحور الخليل بن أحمد ، فمثلاً على وزن "مفعول مفاعلن فعول" يقول البهاء زهير:-

ياَمَـنْ لَعِبَتْ بهِ شمولُ .... ما ألطف هذه الشمائلْ

نَشــوان يَهــزُّهُ دلالُ ..... كالغصن مع النسيم مائلْ

وكذلك على وزن مفاعلتن فعول أقولُ:-

تشَكَّلْ ما تشاءْ .... فَلَنْ يَعْيا الهواءْ


نُسورُ الشّعْر تبقى ..... تُحلِّقُ في السماءْ

وبما لم يرد هذا الوزن ضمن ضروب البحر الوافر ،
و كذلك على وزن فعولن مفاعيلن فعولن فعول أقولُ :-



أراني مع التجديدِ أُحْيي الأصُولَ .... و إنِّي إلى طقْسي دَعَوْتُ الفصولَ

و بِما لمْ يردْ أيضاً في ضروب البحر الطويل

و إذا كان الوزن الذي أنشأ عليه البهاء زهير قصيدته من الشعر القديم ، و لم يُشر إليها الخليل بن أحمد ، فمن الإنصاف أن يكون حقي أن أكتب بأي وزن قديماً أو استحدثه طالما يوافق الطبع السليم و ألتزم به دون التقيد ببحور الخليل بن أحمد التي وَردت في علم العروض ، و بالتالي يأخذ اصطلاح العروض معنىً جديداً هو خُذْ ما شئت و لكن التزم به، وذلك المعنى لم يأتِ عبثاً ، و إنما في ضوء رفض القيد على الإبداع و التجديد .