قد يَردُ "أفعلُ" التفضيل عاريًا عن معنى التَّفضيل، فيتضمَّنُ حينئذٍ معنى اسم الفاعل كقوله تعالى: {ربُّكم أعلمُ بكم} أي "عالمُ بكم"، أو معنى الصفة المُشبهةِ كقوله سبحانهُ: {وهو الّذي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثم يُعيدُهُ، وهو أهوَنُ عليهِ} أي "وهو هَيِّنٌ عليه"، وقولُ الشاعر:
إِنَّ الَّذي سَمَكَ السّماءَ بَنى لنا * بَيْتًا دعائِمُهُ أعزُّ وأطوَلُ
أي عزيزةٌ طويلةٌ.
(ولم يرد أعز من غيره وأطول، بل يريد نفي أن يشارك في عزته وطوله، وكذلك في الآيتين الكريمتين؛ لأنه لا مشارك لله في علمه ولا تتفاوت المقدورات بالنسبة إِلى قدرته، فليس لديه هين وأهون. بل كل شيء هين عليه سبحانه وتعالى).

وإِنّما يَصحُّ أن يعرى عن معنى التفضيل إذا تجرَّد من: "أَلْ" ومن الإضافة إِلى نكرةٍ، ولم يُصل بِـ "مِنْ" التفضيليّة، كما رأيت.
فإِن اقترنَ بِـ "ألْ"، أو أُضيفَ إلى نكرةٍ، أو وُصل بِـ "مِنْ"- لم تجُز تَعرِيَته عن معنى التفضيل.
وتعريتُه عن معنى التفضيل سماعيّةٌ فما وردَ منه يُحفظُ ولا يُقاسُ عليه على الأصحِّ من أقوالِ النحاةِ.
وإذا عَرِيَ عن معنى التفضيل، فإذا تجرَّدَ من "ألْ" والإضافةِ فالأصحُ الأشهرُ فيه عدَمُ المُطابقةِ لما قبله، أي فهو يَلتزمُ الإفراد والتذكيرَ، كما لو أُريدَ به معنى التفضيل، كما رأيت في البيت السابق.
وإن أُضيفَ إلى معرفةٍ وجبت المطابقةُ لِما قبله، تقولُ: "هذانِ أعلَما أهلِ القريةِ" أي هما "عالماهم"، إن لم يكن في القرية من يُشاركُهما في العلم. ولا يصحُّ أن تقول: "هما أعلمَهُم" إلاّ إذا أردتَ معنى تفضيلهما على غيرهما، وذلك بأن يكون فيها من يُشاركهُما في العلم؛ لأنه إن كان فيهما من يشاركهما فيه، كان المعنى على التفضيل، وحينئذ يصحُّ أن تقول: "هما أعلما أهلِ القرية وأعلمُهم"- بالمطابقةِ وعدمِها؛ لإضافته إلى معرفة مقصودًا به التفضيلُ. ويكون المعنى "هما أعلمُ من جميع أهل القرية".
ومن ذلك قولهم: "الناقصُ والأشجُّ أعدَلا بني مَرْوانَ" أي "هما عادِلاهم"، ولا يصحُّ أن تقولَ: "أعدلُ بني مَروان"، بل تجبُ المطابقةُ.
(لأنّ التفضيل الذي يقتضي المشاركة في الصفة غير مراد هنا؛ لأن مراد القائل أنه لم يشاركهما أحد من بني مروان في العدل؛ لذلك لم يكن القصد أنهما أعدل من جميع بني مروان بل المراد أنهما العادلان منهم. و (الناقص) هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، سمي بذلك لنقصه أرزاق الجند. و (الأشج) هو عمر بن عبد العزيز بن مروان (رضي الله عنه) سمي بذلك لشجة أصابته بضرب الدابة).
وحيثُ جازَ تقديرُ (من) كان المعنى على التفضيل، وحيثُ لم يجُزْ تقديرُها كان المعنى على غيره أي "كان اسمُ التَّفضيلِ عاريًا عن معنى التفضيل".

وقد يُجمعُ العاري عن معنى التفضيل المجرَّدُ من (ألْ) والإضافة إذا كان موصوفه جمعًا كقولِ الشاعر:
إذا غابَ عَنْكُم أَسْوَدُ العَينِ كُنْتُمْ * كِرامًا وأنتُم ما أقامَ أَلائِمُ
وإذا صحّ جمعه لتجرُّده عن معنى التفضيل جاز أن يُؤنَّثَ، وهو مجرَّدٌ منه، فيكونُ قولُ ابن هانيء:
كأنّ صُغْرى وكُبرى من فَقاقِعِها * حَصْباءُ دُرٍّ على أَرضٍ منَ الذَّهَبِ
صحيحًا وليس بِلَحنٍ كما قالوا؛ لأنَّ "صغرى وكبرى" ههنا بمعنى "صغيرة وكبيرة" فهما عاريتان من التفضيل، فلا يجب فيهما الإِفراد والتذكير، بل يجوزان كما تجوز المطابقة، وإن كان الأول هو الأفصح والأشهر.
وقال من لحنه: كان حقه أن يقول: "كأنّ أكبر وأصغر" أو "كأنّ الكبرى والصغرى" باعتبار أن اسم التفضيل إذا تجرد من (ألْ) والإضافة يجب إفراده وتذكيره، وغفل عن أنه يجب ذلك فيما قُصد به التفضيل.
وقول العروضيين: "فاصلة صغرى، وفاصلة كبرى" أي صغيرة وكبيرة. وهو من هذا الباب.