أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قراءات .. في المنهاج التعليمي الفلسطيني : د . لطفي زغلول

  1. #1
    الصورة الرمزية لطفي زغلول شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 217
    المواضيع : 128
    الردود : 217
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي قراءات .. في المنهاج التعليمي الفلسطيني : د . لطفي زغلول


    قراءات في المنهاج التعليمي الفلسطيني " التوجيهي "
    عقدة المعدلات الدراسية
    د . لطفي زغلول

    انتهز فرصة حلول موعد اداء امتحان الشهادة الثانوية الفلسطينية العامة " التوجيهي " ، هذه الأيام التي يعتبرها الكثيرون من الطلبة وأولياء أمورهم ، انها تشكل ضاغطا نفيسا يضاف إلى ما يعانونه من ضغوطات نفسية أخرى في مقدمتها الإحتلال الإسرائيلي .

    سمحت لنفسي بالكتابة عن هذا الموضوع ، كوني أفنيت نيفا وأربعين عاما في حقل التعليم . إضافة إلى كوني أحمل شهادة عليا في تصميم المناهج التربوية . وهو بحد ذاته ماس بحياة شريحة من شبابنا آخذة بالإزدياد ، وتتكرر سنويا . وأنوه مقدما إلى أنني سوف أقتصر حديثي على شهادة الدراسة الثانوية العامة " التوجيهي " في فلسطين ، - وهي نظام موروث من عهود سابقة - ، والتي تعقد امتحاناتها هذه الأيام . وهنا سوف أركز على افرازاتها السالبة .
    إن واحدة من أهم هذه الافرازات ما أطلقت عليها " عقدة المعدل " . وهي بكل بساطة تحول المعدل او العلامة الى هدف ، وليس الى وسيلة لدى معظم العناصر التربوية بدءا بمديريات التعليم ومرورا بالمدارس بهيئاتها الادارية والتعليمية وانتهاء بأولياء امور الطلبة ، والطلبة بطبيعة الحال . اما المجتمع فهو يختصر العملية التعليمية في المعدل . ناهيك ان العلامة تظل هي المعيار الوحيد لدخول الجامعات وتحديد التخصصات ، وهي علاوة على ذلك تلعب دورها في تحديد ميادين العمل .
    وهكذا فان المعدل يصبح ضاغطا نفسيا واجتماعيا واداريا وسلوكيا وعامل تحكم في الاعصاب ، وباعثا على القلق المستداملكل العناصر التي ذكرناها آنفا بعامة وللطلبة بخاصة وهذا ناشىء اولا واخيرا عن كون العملية التعليمية ما زالت تعتمد اسلوب التلقين والحفظ ، ولا تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الاخرى الأكثر اهمية التي تخص الاهداف الاخيرة للعملية التعليمية ، وهي كما اصطلح عليها علماء التربية " النمو العقلي ، النمو الجسدي والحركي ، النمو اللغوي ، النمو الاجتماعي ، النمو الانفعالي ، النمو المعرفي " – وهذا الأخير له في ظل التعليم السائد الأولوية المطلقة - وهي في مجموعها ومن خلال توازن دقيق بينها تكمل نمو الانسان .
    في مدارسنا ، وفي ضوء مناهجنا التعليمية السائدة ، يحتل التلقين من قبل القائمين وكل العناصر التي تشكل العملية التعليمية " المنهاج والمدرسة والمعلمين " ، والحفظ في المقابل من قبل عناصر العملية التعلمية " المتعلمين " ، المساحة الرئيسة من المشهد التربوي . والحكم بين الاثنين هو الامتحان الذي يقدمه المتعلم ، والذي على ضوئه اما ان ينجح واما ان يفشل . والنجاح ليس مطلقا ، وانما هو معدلات ، ولكل معدل سبيله والتخصص الذي يؤدي اليه ، والاجواء التي يفرضها على كل ذوي الشأن والمعنيين .
    ان مشكلة المشكلات وعقدة العقد في نظامنا التعليمي وتحديدا في عمليتي القياس والتقويم تنبع من طبيعة عملية التلقين القائمة على الحفظ ، ومن طبيعة الامتحانات التي تعتمد اساسا على المستوى الاول وهو " الاستدعاء "أو " الحفظ " . وجدير بالذكر ان هناك ستة مستويات للتعليم من جهة والقياس والتقويم من جهة اخرى . وهي على التوالي تصاعديا " الاستدعاء ، الفهم ، التطبيق ، التحليل ، التركيب ، التقويم " .
    ولا يترك للمتعلم هنا أي خيار الا الحفظ او استدعاء المعلومات من الذاكرة ، حتى ان الاسئلة التي يمكن ان يستشف منها مستويات الفهم او التطبيق او التقويم ، فان المدرسين يأخذون على عاتقهم عملية تلخيص اجاباتها في نقاط حتى يتمكن المتعلمون من حفظها .
    وهكذا فحينما يطلب منهم مناقشة موضوع ما " مستوى التقويم " فان النقاط تكون جاهزة ، ولا ينبغي الخروج عليها او الحذف منها او الاضافة عليها ، الامر الذي يفقد هذا المستوى قيمته الحقيقية والهدف منه وهو أرقى مستوى تعليمي . وهذا ينطبق على مادة التعبير " الانشاء " وهو " مستوى التركيب " ، فان المدرسين لا يتركون في كثير من الاحيان مجالا لابداع المتعلمين بل انهم يجهزون لهم هذه المواضيع على شكل نقاط . وهكذا ففي مثل هذه الحالات وهي تتكرر على الدوام تفقد العملية التعليمية مساحة كبيرة من خواصها .
    واعتمادا على ما تقدم تختصر العمليتان التعليمية والتعلمية في المستوى الاول القائم على الحفظ وحشو الذاكرة بالمعلومات " النمو المعرفي " ، ناهيك عن أن اشكال النمو الاخرى يهضم حقها . ففي كثير من الاحيان تحول دروس الرياضة " النمو الحركي والجسدي " الى دروس تقوية في المواد الاخرى ، وكذلك دروس الفن والمكتبات ، أو ان علامات هذه الانشطة لا تحسب في المعدلات التي يحصل عليها المتعلم .
    وجراء عملية التلقين وبرمجة الاجابات يتم تحييد " النمو العقلي " فليس هناك ابداء رأي او محاكمته او تفكير ناقد ، فكل الاجابات معدة سلفا وجاهزة كون المنهاج يفتقر الى انشطة لامنهجية ، حتى وان كانت هناك حصص لهذه الانشطة ، فانها على الارجح تحول الى دروس التقوية التي اشرنا اليها .
    في عملية تصحيح اوراق امتحان الشهادة الثانوية العامة " التوجيهي " هناك اجوبة محددة يفترض بالمتقدم للامتحان ان يأتي بها كي تحسب له علامة السؤال . وكل اضافات او آراء يأتي بها هذا الطالب كمحصلة لثقافة خارجية على سبيل المثال ليس لها أي اعتبار ، ولا تحسب لها علامات ، الامر الذي يدفع بهذا المتعلم ان يلتزم حرفيا بما هو مبرمج له ، وبالتالي فان هذا الاسلوب التعليمي يفرز أيضا آثاره السالبة على التحصيل الخارجي وبخاصة الثقافي منه .
    ان مدارسنا ومناهجنا ومعلمينا يساهمون عن قصد أو غير قصد مساهمة أكيدة في ترسيخ عملية التلقين وقتل الابداع والتفكير الناقد الايجابي لدى المتعلم . بمعنى ان المتعلم الناجح هو الاقدر على الحفظ ، أي انه ذو نمو معرفي فقط ، اما بقية اشكال النمو فلا تحتل الا مكانة متدنية في مثل هذا التقييم الخاطىء والظالم والذي هو من سمات المدارس والمناهج والاساليب التي عفا عليها الزمن .
    ان اخطر ما في هذا النظام التعليمي التعلمي انه يقزم المتعلم ، فلا ينظر الا الى جانب واحد وهو قدرته على الحفظ والتذكر ، او بمعنى اخر "الصم" . وهذا النظام يلقي بظلاله القاتمة على هذا المتعلم ، فيهمش كل مواهبه الاخرى ، ويختصر قدراته واستعدادته في بذل اقصى الجهود واضناها لتخزين اكبر كمية من المعلومات لتفريغها على ورقة الامتحان النهائي التي ستكون الشاهد الوحيد على مدى "نجاحه" .
    ثمة ظلال قاتمة اخرى تتموضع في الادارات المدرسية الادارية ، ونقصد بها المديرات والمديرين الذين ينظر من قبل المديريات التربوية الى مدى نجاحهم او فشلهم من خلال عاملين اثنين لهما الصدارة في الدرجة الاولى . الاول عدد الناجحين من طلبة مدارسهم في امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" . اما العامل الثاني فهو عدد الذين حصلوا على معدلات عالية ، او الذين كانوا من الاوائل على مستوى محافظتهم ، او على مستوى الوطن ككل .
    وهذا الامر ايضا يلقى بظلاله على العلاقة بين المدرسين والمدرسات من جهة واداراتهم المباشرة التي تطلب منهم بذل اقصى المستطاع من الجهد وتكثيف دروس التقوية والاضافية ، وان كان ذلك على حساب راحة هؤلاء وايام عطلهم واجازاتهم . وفي نهاية المطاف وايا كان الامر ، فان تقييم هؤلاء الثانوي يخضع لهذا المعيار في الدرجة الاولى ، وهو الذي يتحكم غالبا في بقائهم في هذه المدرسة او نقلهم الى اخرى .
    وهنا لا بد من التنوية الى بعض الافرازات السالبة لمثل هذا الوضع التعليمي التعلمي ومنها تلك المنافسة غير الصحية بين المتعلمين ، وبين المدرسين ، وبين المدارس في اشخاص مديريها ومديراتها ، وبين المحافظات ايضا . وهي اصبحت تشكل مادة اعلانية دعائية لكثير من المدارس الخاصة التي يحقق بعض طلبتها معدلات عالية .
    ومن هنا نشأت عقدة المعدلات التي اشرنا اليها في عنوان حديثنا وهي عقدة يمكن استقراؤها في افرازات سالبة على مجمل العملية التربوية المدرسية والاسرية ، ونظرات خاطئة عليها . ان النظرة السائدة في ظل هذا النظام التعليمي التعلمي تتمثل في أن " المعدل " هو وحده معيار نجاح المتعلم . اما مواهبه الاخرى وابداعاته وانشطته ومهاراته فلا تدخل في هذا التقييم ، وهي في الغالب لا يحسب لها أدنى حساب .
    وسواء كان المتعلم اجتماعيا او رياضيا أو فنانا واعدا أو لديه ابداعات أدبية شعرية كانت او نثرية ، أو سواء كان يرتاد المكتبات ويطالع الكتب والصحف ، أو يشاهد البرامج المفيدة والاخبار على سبيل المثال ، أو كان لديه مهارات اخرى " لغات / رسم / موسيقى / كمبيوتر / سياقة / أو اية حرفة اخرى الخ " ، فانه لا هذا ولا ذاك يشفعان له ، ذلك ان ثمة شيئا واحدا ووحيدا هو الذي يشفع له وهو معدل علاماته .
    ومثالا لا حصرا ، اسوق هذه الحالات الثلاث ، شاهدة على تحكم ثقافة العلامة المعشعشة في اذهان الكثيرين الذين ينظرون الى العلامة على أنها الركيزة الأساسية في العملية التعلمية التعليمية :
    الحالة الاولي في معرض تباهيها بابنتها المتفوقة جدا ، قالت ام ان ابنتها لا تعرف شيئا في الدنيا الا الدراسة . انها " تحبس " نفسها في غرفتها ، و " تدفن " رأسها في كتبها حتى تنعس في ساعة متأخرة من الليل . انها لا تشاهد التلفاز ، ولا تزور صديقاتها ، حتى انها اعتذرت عن حضور زفاف شقيقها . وأضافت هذه الام " نصيحتها التربوية " والتي مفادها ان كل بنت تريد ان تنجح وتحصل على معدل عال ، ينبغي عليها ان تفعل ما فعلته بنتها .
    الحالة الثانية تخص الطالب الذي حصل على معدل 87 ، وكان يتمتع بمنظومة من الهوايات والمهارات ، وكان ايضا يأمل بالحصول على معدل في التسعينات . اعتكف هذا الطالب وأضرب عن الطعام وأصابته حالة اكتئاب ، وكانت نظرات الاهل تحمل خلف الاشفاق اللوم والاتهام بالتقصير . وحين سئل هذا الطالب عن الموضوع الذي يريد ان يتخصص به فاجاب " الحقوق " . قيل له ان المعدل المطلوب للحقوق لا يزيد عن 80 وانت حاصل على 87 ، فما هي المشكلة ؟ فأجاب على الفور : وما هو موقفي امام اهلي واصحابي وجيراني الذين كانوا يتوقعون ان يكون معدلي في التسعينات ؟
    الحالة الثالثة تخص ولي امر طالب حصل على معدل 96 . تقدم هذا الولي باحتجاج الى لجنة تكريم أوائل الطلبة في اللواء ، منوها بكل افتخار وتباه انهم قد نسوا ان يدرجوا اسم ابنه في لائحة المكرمين ، فذهل هذا الوالد من رد اللجنة بان المكرمين هم اربعون ، وهم من الحاصلين على معدل 97 فأعلى .
    هذه الحالات الثلاث ليست منفردة ، وانما هناك الكثير على نمطها تعكس النظرة الخاطئة للمعدل الذي اصبح هدفا لا غاية . علاوة على النظرة الخاطئة للعملية التربوية التي تستثني كل اشكال النمو وتركز على النمو المعرفي ، وبلغة ابسط حشو المعلومات التي تتبخر معظمها فور التخرج من المدرسة .
    الا ان الاخطر من هذا كله هذه المعدلات العالية جدا الآخذة في التوسعين الافقي والرأسي . أفقيا هذا الكم الهائل من الطلبة الذين يحصلون على معدل 90 فصاعدا ، وهم في ازدياد كل عام . ورأسيا هذا المعدل الذي كسر حاجز ال 99 حتى وصل في بعض الحالات الى 99,7 وربما أكثر . أليس في هذا وذاك ما يضع علامات استفهام حول مصداقية هذه العلامات مقارنة بسنوات سابقة وببلدان اخرى ؟ . وهنا فانني لا اتهم احدا ، ولا أقلل من ذكاء طلبتنا . وهذا الموضوع يشكل مادة دسمة لحديث آخر .
    وهناك الكثير من الافرازات السالبة لهذه المعدلات على المدارس والمديرين والمديرات والمدرسين والمدرسات ، واقلها انه يبنى عليها تقييم اداء المدرسة هيئة ادارية وهيئة تعليمية ، وتتحكم في تطورهم المهني والاداري والوظيفي ، الامر الذي يجعل هؤلاء جميعا يعملون تحت ظلال " بعبع " الحصول على اعلى نسب المعدلات والنجاح بأي ثمن ، وبغض النظر عن ما يسبب ذلك من ارهاق للقائمين على هذه العملية .
    واخيرا لا آخرا ثمة اشياء كثيرة لا يقيمها المنهاج لدى المتعلمين ، ولا تهتم بها المدارس، ومثالا لا حصرا ابداعاتهم الأدبية والفنية ومهاراتهم الاخرى وهواياتهم الرياضية ، ولا تدخل هذه المنظومة الانسانية في عملية التقويم والقياس ، ذلك ان هذه العملية مكرسة لقياس الجانب المعرفي الذي يعتمد على الصم وحشو المعلومات . وهو علاوة على ذلك لا يراعي الفروق الفردية في قدراتهم واستعداداتهم وميولهم واتجاهاتهم الخاصة .
    لقد آن الاوان لمناهجنا أن تأخذ كل ذلك بعين الاعتبار وان تدخله في صميم عملية القياس والتقويم حتى تكون ذات مصداقية وثبات وموضوعية ، والا فاننا نتجنى على ابنائنا ، ونحكم عليهم من خلال معايير غير حقيقية وظالمة بكل ما في هذه الكلمة من معنى .





  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 852
    المواضيع : 19
    الردود : 852
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    الموضوع للتثبيت لأهميته ..
    وأرجو أن يشفع بحلول مقترحة لانتشال الطلبة من هذا الوضع المزري ..
    - خالص الشكر والتقدير والاكبار ..

  3. #3
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    مقال ثري
    الشكر موصول للدكتور لطفي زغلول على مواضيعه المفيدة ...

    تحياتي
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

المواضيع المتشابهه

  1. قراءات شعرية ثم قراءات أدبية ونقدية في شعر الحداثة
    بواسطة د. محمد حسن السمان في المنتدى فَرْعُ دَولَةِ الكوَيتِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 07-02-2017, 12:39 AM
  2. عًٍ ى دًٍ
    بواسطة اسماء محمود في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 28-10-2008, 04:11 PM
  3. مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 25-02-2007, 06:40 AM
  4. قراءة .. في المشهد الشعري الفلسطيني : لطفي زغلول
    بواسطة لطفي زغلول في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 27-01-2007, 11:45 AM