حرت في هذه الكلمة، فكان هذا البحث الذي أزال الحيرة.
***
1- المصباح المنير لأحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري
[ح د ب]... و"الحُدَيْبِيَةُ" بئر بقرب مكة على طريق جدة دون مرحلة، ثم أطلق على الموضع. ويقال: بعضه في الحلّ وبعضه في الحرم، وهو أبعد أطراف الحرم عن البيت. ونقل الزمخشري عن الواقدي أنها على تسعة أميال من المسجد، وقال أبو العباس أحمد الطبري في كتاب دلائل القبلة: حدّ الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال، ومن طريق جدة عشرة أميال، ومن طريق الطائف سبعة أميال، ومن طريق اليمن سبعة أميال، ومن طريق العراق سبعة أميال.
قال في المحكم: فيها التثقيل والتخفيف. ولم أرَ التثقيل لغيره وأهل الحجاز يخففون. قال الطرطوشي في قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}: هو صلح الحديبية. قال: وهي بالتخفيف. وقال أحمد بن يحيى: لا يجوز فيها غيره، وهذا هو المنقول عن الشافعي. وقال السهيلي: التخفيف أعرف عند أهل العربية. قال: وقال أبو جعفر النحاس: سألت كلّ من لقيت ممن أثق بعلمه من أهل العربية عن "الحُدَيْبِيَةِ"، فلم يختلفوا على في أنها مخففة. ونقل البكري التخفيف عن الأصمعي أيضا، وأشار بعضهم إلى أن التثقيل لم يسمع من فصيح، ووجهه أن التثقيل لا يكون إلا في المنسوب نحو "الإِسْكِنْدِرِيَّةِ" فإنها منسوبة إلى الإسكندر، وأما "الحُدَيْبِيَةُ" فلا يعقل فيها النسبة وياء النسب في غير منسوب قليل، ومع قلته فموقوف على السماع.
والقياس أن يكون أصلها حَدْبَاةً بألف الإلحاق ببنات الأربعة، فلما صغرت انقلبت الألف ياء، وقيل: "حُدَيْبِيَةُ". ويشهد لصحة هذا قولهم: لييلية بالتصغير، ولم يرد لها مكبر، فقدره الأئمة ليلاة؛ لأن المصغر فرع المكبر، ويمتنع وجود فرع بدون أصله فقدر أصله؛ ليجري على سنن الباب.
ومثله مما سمع مصغرا دون مكبره، قالوا: في تصغير غلمة وصبية: أغيلمة وأصيبية، فقدروا أصله أغلمة وأصبية، ولم ينطقوا به؛ لما ذكرت فافهمه فلا محيد عنه. وقد تكلمت العرب بأسماء مصغرة ولم يتكلموا بمكبرها، ونقل الزجاجي عن ابن قتيبة أنها أربعون اسما.
2- تاج العروس من جواهر القاموس لمحمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبي الفيض، الملقّب بمرتضى الزَّبيدي
(والحُدَيْبِيَةُ) مُخَفَّفَةً (كدُوَيْهِيَةٍ) نقَلَه الطُّرْطُوشِيُّ في (التفسير)، وهو المنقول عن الشافعيّ، وقال أَحْمَدُ بنُ عِيسَى: لاَ يَجُوزُ غيرُهُ، وقال السُّهَيْلِيُّ: التَّخُفِيفُ أَكْثَرُ عندَ أَهلِ العربية. وقال أَبو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: سأَلتُ كلَّ مَنْ لَقيتُ ممن وَثِقْتُ بعِلْمِه من أَهلِ العَرَبِيّة عنِ الحُدَيْبِيةِ فلم يَخْتَلِفوا علَى أَنَّهَا مُخففَةٌ. ونقَلَه البَكْرِيُّ عنِ الأَصمعيِّ أَيضاً، ومِثْلُه في المَشَارِق والمَطَالع، وهو رأْسُ أَهْلِ العِرَاقِ.
(وقَدْ تُشَدَّدُ) يَاؤُهَا، كما ذَهَب إِليه أَهلُ المَدِينَةِ، بَلْ عامَّةُ الفُقَهَاءِ والمُحَدِّثِينَ، وقال بعضُهُم: التَّخْفيفُ هو الثَّابِتُ عند المُحَقِّقِينَ، والتثقيلُ عندَ أَكْثَرِ المُحَدِّثِينَ، بل كثيرٌ من اللُّغوِيِّينَ والمُحَدِّثِينَ أَنْكَرَ التخفيف. وفي (العناية): المُحَقّقُونَ على التَّخْفِيفِ كما قاله الشافعيُّ وغيرُه، وإِن جَرى الجمهورُ على التشديدِ، ثم إِنهم اختلفوا فيها، فقال في (المصباح) إِنَّهَا (بِئرٌ قُرْبَ مَكَّةَ، حَرَسَهَا الله تعالى)، على طَرِيقِ جُدَّةَ دُونَ مَرْحَلَةٍ... وقيل: إِنها قَرْيَةٌ ليست بالكَبِيرَةِ سُمِّيَتْ بالبِئرِ التي هُنَاكَ عندَ مَسْجِدِ الشَّجَرَةِ، وبينَهَا وبينَ المَدِينَةِ تِسْعُ مَرَاحِلَ، ومَرْحَلَةٌ إِلى مكةَ وهي أَسْفَل مَكَّةَ، وقال مالك: وهي من الحَرَمِ. وحَكَى ابنُ القَصَّارِ أَنَّ بعضَها حلٌّ. (أَو) سُمِّيَتْ (لِشَجَرَةٍ حَدْبَاءَ كانت هُنَاكَ)، وهي التي كانت تَحْتَهَا بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ.
3- تهذيب الأسماء واللغات للعلامة أبى زكريا محيي الدين بن شرف النووي
الحديبية: بضم الحاء وفتح الدال وتخفيف الياء، كذا قاله الشافعي رضي الله عنه وأهل اللغة وبعض أهل الحديث، وقال أكثر المحدثين: بتشديد الياء وهما وجهان مشهوران، وقد تقدم في حرف الجيم، ثم ذكر الجعرانة فيها زيادة، قال صاحب مطالع الأنوار: ضبطناها بالتخفيف عن المتقنين، وأما عامة الفقهاء والمحدثين فيشددونها، قال: وهي قرية ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة، قال: وهي على نحو مرحلة من مكة.