أحدث المشاركات
صفحة 4 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 56

الموضوع: عبد المجيد فرغلي..شيخ شعراء صعيد مصر رحمه الله سيرةومقتطفات من اشعاره

  1. #31
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    المشاركات : 108
    المواضيع : 32
    الردود : 108
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي


    لَيْلَة الْقَدْر
    شعر
    عبد المجيد فرغلي
    رحمه الله

    لِي فِيْك مَا قُدِّر الْرحَمْن لَي وَطَر ... وَبِي رَجَاء لَعَفُو الْلَّه يُنْتَظَر

    يَا لَيْلَة أَلْف شَهْر أَنْت دِرَّتَهَا .. وَأنْت خَيْر:وَفِيْك الْعَفْو مُنْتَظِر

    فِيْك الْتَّجَلِّي عَلَي خَلَق رَحْمَتِه .. وَفِيْك يُرْجَي الْهَدْي وَالذَّنْب يُغْتَفَر

    أَلَم يَقُل فِيْك رَبِي فِي مَنْزِلَة .. مِن أَلْف شَهْر سَمَت مِن فَضْلِهَا ذِكْر؟

    تَنَزَّل الْمَلِك الْرُّوْح الْامِيْن بِهَا .. وُحَفَّهَا الْامْن لَم يَحْلُل بِهَا كَدَر

    وَقَال فِيْهَا سَّلامِ مِن بِدَايَتِهَا .. حَتَّي يُلَوِّح شُعَاع الْفَجْر يَنْهَمِر

    كَم سَال فِيْهَا سَلَام فِيْه مَرْحَمَة .. وَأَنْعَم الْلَّه لَايُحْصَي لَهَا صَدَر

    فِي الْبَدْء مَرْحَمَة فِي الْوَسَط مَغْفِرَة .. وَفِي نِهَايَتِه عَتَق وَمُغْتَفِر

    يَالَيْلَة يُفَرِّق الْأَمْر الْحَكِيْم بِهَا .. وَفِيْك يُرْجَي لَأَعْمَال الْوَرَي ثَمَر

    لِي فِي سِجِلّك نُوْر اسْتَضِئ بِه ... مِن ظُلْمَة لَيْس فِي اّفَاقَهَا قَمَر

    حَمَلْتَه بِيَقِيْن لَا مِرَاء بِه .. وَبَيْن جَنْبِي مِنْه الْقَلْب مُّنْبهَر

    قَد ضَم صَالِح أَعْمَالِي وَمَا حَمَلَت .. يَدَاي إِذ عَنْه حُجُب الْغَيْب تَنْحَسِر

    حُرُوْفِه كَلِمَات بِالشَّذِي عَبَقَت .. بِرَوْضَة دَوْحِهَا مُخْضَوْضِر عِطْر

    غَرَسْتُهَا فِي رِيَاض الْخُلْد لِي أَثَرَا .. أَرْجُو بِه وَجْه رَبِّي وَهُو مُدَّخَر

    يَالَيْلَة شَرَف الْشَّهْر الْعَظِيْم بِهَا .. وَنَزَلَت فِيْه مِن اّي الْهَدْي سُوَر

    تَضَمَّنَت فِي كِتَاب فِي بَلَاغَتِه .. حَار الْأَنَام وَهَيْض الْجِن وَالْبَشَر

    كِتَاب رَبِّي لَا يَأتِيّة بَاطِلِهِم .. أَنِّي يَزِيْغ بِه عَن قَصْدِه بَصَر؟

    لَم يَسْتَطِيْعُوْا بِه إِتْيَان عَالِمُهُم .. بِسُوَرَة مِنْه مِن لاّلائِهَا بُهِرُوا

    فِي قَوْلُه الْفَصْل لَا رَيْب يُمَازِحُه .. وَفِيْه نُوَر وَفِي اّيَاتِه عَبْر

    قَد فَاض تَنْزِيَلْه فِي لَيْلَة عَظُمَت .. قَدْرا وَفِيْهَا تُوَارِي الْخَوْف وَالضَّجَر

    فِيْهَا مَلَائِكَة وَالْرُّوْح قَد نَزَلْت .. بِالْأَذَان مِن رَبِّهَا الْخَيْر تَأْتَمِر

    لِمَطْلَع قَد سَاد الْسَّلام بِهَا ... فَلَم يُخَالِط سَنَّا إِشْرَاقِهَا كَدَر

    فِيْهَا الْتَّجَلِّي عَلَي خَلَق بِرَحْمَتِه .. وَعَتَق اسْرِي بِافَاق الْسَّمَا ذُكِّرُوْا

    ذُنُوْبِهِم فِي بِحَار الْعَفْو سَابِحَة .. فِي شَهْر بِرَبِّه الاثام تُغْتَفَر

    اطْلِقَت فِيْهَا رَجَائِي بَيْن سَاحَتَه .. لَعَلَّنِي بَيْن مَن فِي ظِلِّه حُشِرُوا


    وَالْقَصِيدَة طَوِيْلَة جَدَّا وَعَدَد أَبْيَاتُهَا 109مِائَة وَتَسَّعَه بَيْتا شَعْرِيّا نَكْتَفِي مِنْهَا بِهَذَا الْقَدْر..رَحِم الْلَّه الْشَّاعِر:عَبْد الْمَجِيْد فَرْغَلِي قَائِل هَذِه الْأَبْيَات

  2. #32
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    المشاركات : 108
    المواضيع : 32
    الردود : 108
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    (الْيَوْم عِيْد الْفِطْر)

    شِعْر

    عَبْد الْمَجِيْد فَرْغَلِي

    رَحِمَه الْلَّه

    الْيَوْم عِيْد الْفِطْر قُم .. هَيَّا بِنَا نَدْع الْدِّيَار!!

    هَيَّا أَخِي لِنُرِي مَظَاهِر .. عِيْدُنَا هَذَا الْنَّهَار

    فَالصُّبْح أَشْرَق بَاسِمَا .. وَالْلَّيْل قَد رَفَع الْسِّتَار

    وَالْنَّاس قَد خَرَجَت تُهَنِّئ .. بَعْضُهَا فِي كُل دَار..

    وَتَصَايَح الْاطْفَال فَي .. فَرِح وَقَد سَبَقُوَا الْكِبَار

    باكْفَهُم لَعِب تُعَبِّر .. عَن سُرُوْر أَو فَخَّار

    كُل يَقُوْل أَبِي اشْتُرِي .. لِي لُعْبَة: وَبَدَا الْحِوَار

    هِي مَظْهَر لِلْعِيْد إِذ .. وَافِي وَلِلبَشْري شِعَار

    كُل بِلَعْبَتَه اسْتُهَل .. وَضَمَّهَا فَرَحَا وَطَار

    وَبَدَا يُدَاعِبُهَا كَمَا .. يَحْلُو لَه طُوِّل الْنَّهَار

    هَذَا هُو الْطِّفْل الْصَّغِيْر .. إِذ بَدَا مَرَحَا وَصَار

    أَمَّا الْكِبَار فَمَن مَظَاهِر .. عِيْدِهِم حَب الْمَزَار

    وَتَبَادُل الْنَّفَحَات مِن .. طَرَف الْحَدِيْث إِذَا اسْتَدَار

    هَذَا يَقُوْل أَخِي نِعْمَت .. بَعِيْد فِطْرِك فِي افْتِرَار

    أَو كُل عَام يَا اخِي .. يَأْتِي بِخَيْر ذِي انْهِمَار

    وَيُعِيْدُه الْمُوَلِّي عَلَيْك .. بِمَا تُحِب وَلَا ضِرَار

    وَيُزِيل مَا عَلِقَت يَدَاك .. بِه وَيَكْفِيْك الْعِثَار

    كُل لَه لُغَة تُعَبِّر .. عَن شُعُور .. أَو حِوَار

    أَمَّا أَنَا فَلَدَي شِعْر .. صِيَغ مِن ذَوْب الْنُّضَار

    مِن أَدْمُعِي الْحَرِي عَلَي .. طِفْل أَحَس بِالانْكِسَار

    لَم يَلْق مِن حَاب عَلَيْه .. وَبَائِس تَحْت الْجِدَار ..

    لَم لَق قُوَّت عِيَالِه .. فَأَصَابَه ذَل ذَل انْهِيَار

    وَبَدَا يَمُد يَدَا قَد ارْتَعَشَت .. وَبَاءَت بِاصْفِرَار

    أَو بَائِس مَن عَيْشُه .. قَد مُل طُوِّل الانْتِظَار

    يَمْضِي الْمَسَاء عَلَيْه مُنْطَوِيا .. وَيَكْشِفُه الْنَّهَار

    لَا زَائِر يَأْتِيَه يَسْأَل عَنْه .. أَو يُؤَيِّه ..دَار

    أَو ذَات أَطْفَال صِغَار .. دَمْعُهُم زَاد انْحِدَار

    الْبُؤْس حَطَّم نَفْسُهُم .. وَرَمِي بِهِم تَحْت الْدِّيَار

    مِن تَحْت حَائِط مَسْجِد .. يَتَطَلَّعُوْن لِكُل مَار

    أَو فِي مَمَرَّات الْمَسِيْر .. لَدَي الْشَّوَارِع أَو قِطَار

    أَو عَاجِز لَا يَسْتَطِيْع الْسَّيْر .. فَأَقْعَدَه الْضِّرَار

    أَمْثَال هَذَا فِي صَبَاح الْعِيد .. أُوْلِي بِالْمَزَار

    هَيَّا هُنَاك نْزْرِهُم .. وَنَزِيل الّام الْعِثَار

    هَيَّا نُخَفِّف بُؤْسَهُم .. هِيّا يَا اخِي حَث الْمَسَار

    هَيّا نَمُد يَد الْحَنَان .. لَهُم فَقَد طَلَع الْنَّهَار

    هَيَّا نَزِيْل مَن الْاسّي .. عَنْهُم فَهَاهُم فِي انْتِظَار

    هَيَّا أَخِي (أَخْرَج زَكَاتَك ) .. فَالصِّيَام لَه شَعْر

    إِن الْزَّكَاة لِصَوْمِنَا .. حِصْن يَقِيْه مِن الْبَوَار

    هَيَّا نُهَنِّئِهُم بَعِيْد الْفِطْر .. لَيْس لَنَا اعْتِذَار

    هَيَّا نَقُوُل لَهُم تَعَالَوْا .. وَافْرَحُوْا فَرِح الْصِّغَار

    هَيَّا الَي أَطْفَالُهُم .. نَّهْدِي مِن الْلَّعِب الْفَخَار

    هَيَّا نُرِيْهِم أَنَّنَا .. أَهْل وَيَجْمَعُنَا جِوَار

    إِن الْأُخُوَّة هَكَذَا .. تَمْحُو الْضَّغِيْنَة وَالْنِّفَار

    وَلِمِثْل ذَا شُرِع الصِّيَام .. وَكَم لَمَوْعِظَة اشَار ؟

    الْصَّوْم عَلِمْنَا الْحَنَان .. ويُحَلْنا بَيْن الْخِيَار

    وَالْلَّه يَنْصُر أُمَّة .. رَفَع الْسَّلَام لَهَا الشِّعَار

    وَيَمُد أَبْنَاء الْعُرُوبَة .. بِالْوِئَام وَالانْتِصَار

    فِي ظِل قَائِدُهَا الْامِيْن .. وَمَن يَصُوْن لَهَا الْوَقَار


    الْقَصِيْدَة عَدَد أَبْيَاتُهَا 49 تِسْعَة وَارْبَعُوْن بَيْتا شَعْرِيّا

    قِيْلَت فِي شَهْر عِيْد رَمُضَار فِي 25-2-1962

    وَكُل عَام وَأَمِتْنَا الْأَسَلُامِيِة بِالْخَيْر وَفِي أَنْتِصَار

  3. #33
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    المشاركات : 108
    المواضيع : 32
    الردود : 108
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    ترجمه باللغة الفرنسية للقصيدة

    للأستاذة

    سارة معتوق

    من تونس

    Aujourd'hui, c'est "Aid Elfeter"
    Lève-toi, aujourd'hui, c'est "L'Aid", qu'on appelle les maisons
    Mon frère, qu'on montre ce jour, les manifestations de notre "Aid"
    Le matin est souriant, la nuit se dissipe
    Les gens se félicitent dans chaque maison,
    ... Les enfants, en rejoignant les grands, crient de joie

    Tenant entre les mains des jouets, signe de joie et de fierté
    Chacun dit:" papa achète-moi un jouet"
    Et la conversation commence
    Belle image de "l'Aid", signe de nouveauté
    Chacun ,de joie, serrait fortement son jouet

    A sa façon la caresse, une journée
    C'est le petit jouissant
    Les grands, se visitent
    se discutent largement
    L'un dit:"mon frère, jouis de ton "Aid" pleinement

  4. #34
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    المشاركات : 108
    المواضيع : 32
    الردود : 108
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    عُنْصُرِيَّة الْغَرْب وَحُقُوْق الْإِنْسَان شِعْر
    عَبْد الْمَجِيْد فَرْغَلِي
    رَحِمَه الْلَّه




    حُقُوْق بَنِي الْإِنْسَان لْوَصَانُهَا الْغَرْب .. كَمَا صُنَّاهُا لِمَا اشْتَعَلَت حَرْب



    بَل الْغَرْب قَد أُلْقِي بِهَا مِن وَرَائِه .. وَضَيَّعَهَا مِن لَايَحُس لَهُم قَلْب



    هُو الْغَرْب بِخُبْث طِبَاعَه .. وَفِيْه سِيَاط الْعُنْصُرِيَّة تُنْصَب



    فَمَن كَان مِن جِنْس يُغَايِر جِنْسِهِم .. فَلَا حَق إِلَا أَن يَحِل بِه الْضَّرْب



    وَلَيْس لَه إِلَّا الْمَهَانَة وَالَّاذَي .. وَنَبْل أَمَانِيِّه عَلَي مِثْلِه صَعْب



    أَلَا بِئْس الاسْتِعْمَار مِن كُل مِلَّة .. وَخَابَت مَسَاعِيْه الَّتِي كُلَّهَا قَصَب



    مَتَي كَان الاسْتِعْمَار صَاحِب مَبْدَإ .. سِوَي أَنَّه بَيَّن الْشِّيَاه هُو الذِّئْب؟



    أَمَّا سَام أَحْرَار الْشُّعُوْب عَذَابَه .. وَمَا نَالَهُم إِلَا الْتَّعَسُّف وَالْسَّلَب؟



    حُقُوْق بَنِي الَإِنْسَان كَيْف يَصُوْنُهَا .. غَدَوْر كَأَهْل الْغَرْب شِيْمَتُه الْنُّصُب؟



    فَكَم سَلَبُوْا شَعْبا حُقُوْقَا عَزِيْزَة .. وَلَيْس لَه فِيْمَا أُصِيْب بِه ذَنْب؟



    رَمَوْه بِظُلْم لَايُطَاق احْتِمَالَه .. فَكَيْف عَلَيْه يَسْتَقِر لَه جَنْب؟



    دَعَا بَعْضُه بَعْضا لِإِشْعَال ثَوْرَة .. يَنَال بِهَا أُسَمِّي مَطَالِبُه شَعْب



    أُرِي الْحَق لَا يُحْظِي بِه أَي طَالِب .. إِذَا لَم يُنَاضِل عَن قَدَاسَتِه رَب



    حُقُوْق بَنِي الْإِنْسَان رَاحَت ضَحِيَّة .. أَمَام بُغَاة كُل أَخْلَاقِهِم عَيْب



    فَكَم وَقَعُوْا فِي كُل حِيْن وَثِيْقَة .. تَنُص عَلَي تِلْك الْحُقُوْق وَمَا لَبَّوْا





    وَالْقَصِيدَة عَدَد أَبْيَاتُهَا 38بَيْتا شَعْرِيّا وَقُيِّلَت فَي 10-12-1964 رَحِم الْلَّه الْشَّاعِر :عَبْد الْمَجِيْد فَرْغَلِي

  5. #35
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    المشاركات : 108
    المواضيع : 32
    الردود : 108
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    القصيدة العلمية بين قوة السرد وذكاء التعامل مع التاريخ
    دراسة تحليلية في قصيدة
    (هيكل سليمان.. وَهْمٌ لا وجود له)
    للشاعر الكبير / عبد المجيد فرغلي
    بقلم الشاعرة / شريفة السيد

    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
    اخترت هذا الشاعر كما اختارت شكسبير أمته.. بل ونضعه في أحداق عيون الأمة على أرض الإبداع العربي؛ لأنه يستحق التكريم...
    ما قبل:
    إن كتابة مقالة نقدية حول قصائد الشاعر الكبير عبد المجيد فرغلي أصابتني بالحيرة؛ بسبب غزارة إنتاجه وملحميته التي تـُربكُ أي كاتب أو قارئ حديث.. لأنه يحتاج إلى كتيبة من النقاد، ولن يفلحوا في سـدّ تلك الثغرة.. فكل قصيدة تحتاج لدراسة خاصة، وكذلك الدواوين والملاحم والمسرحيات والقضايا التي تناولها.. فما بالكم وأنا أمام كم هائل من الإنتاج الأدبي المتميز.. لا يمكن لفرد واحد الإلمام به؛ وإن استطاع أبناؤه جمعه وحصره وتدوينه ونشره؛ فإنهم يحتاجون إلى عُمر إضافيٍّ لأعمارهم...
    ودخلت المأزق بنفسي؛ فوجدته مأزقا يصعب التملص منه؛ إلا بكتابة مقدمة لكتاب يضم سيرته العطرة.. فرأيتها أيضا أقل مما يستحق الرجل، فهداني الله لعمل دراسة عن إحدى قصائده لعلها تفي الغرض، وتعطيه جزءًا من حقه على الأدب والنقد، وعليَّ أنا تحديدا... حيث استضافني الشيخ عبد المجيد فرغلي في النخيلة وفي صدفا بأسيوط؛ فكان هو بعينه الكرم يمشي على قدمين، والأدب والأخلاق يتوزّع نهرا سلسبيلا لا مثيل له، والفصاحة التي تفحم كل الفصحاء، وتـُخجل كل صاحب قلم.
    من هنا توجَّبَ عليَّ ردًا لبعض دَينهِ، وحفاظـًا لجميل صنعهِ مع الأدباء الذين عاصروه وتنعّموا بكرمه الزائد وعلمه المتين، أن أقدم شيئا وإن كان يسيرا، مع وعد بعمل الأكثر من أجل تكريمه.
    لذا.. وقع اختياري على قصيدته (هيكل سليمان.. وَهْمٌ لا وجود له) لتكون محط َّدراستي المتواضعة؛ التي أعتبرها مجرد انطباعات لا تعتمد على المناهج البلاغية الحديثة؛ لأن النص يُعد من الكلاسيكيات التي تتخذ من قواعد البلاغة القديمة أساسا لها..
    من هنا نبدأ:
    أولا: عنوان النص:
    اختار الشاعر عبد المجيد فرغلي لهذا النص عنوانا جامعا مانعا يقرر فيه أن (هيكل سليمان هذا.. وَهْمٌ لا وجود له) وأنه أسطورة مزعومة فكانت أكبر الأكاذيب البشرية بل أكبر جريمة تزوير للتاريخ.. قال تعالى في وصف كـَتـَبـَةِ التوراة: "فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله، ليشتروا به ثمناً قليلاً، فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم، وويلٌ لهم مما يكسِبون" سورة البقرة آية 79.
    فكان العنوان أبلغ تعبير عن هدف النص، وإفحام الآخر بالأدلة والبراهين على كذبه وادعاءاته الكثيرة، ومنها أكذوبة هيكل سليمان.. تقرير واضح لا يحتاج إلى تفسير. ونفي يؤكد العكس، ويقف حجر عثرة أمام العدو المكابر... وفي توازٍ ملحوظٍ جاء العنوان لخدمة النص، والنص يبرر العنوان تبريرًا قاطعا.. دون أن يعطي فرصة للاهتزاز أو عدم اليقين.
    ثانيا: البناء الشعري الرصين
    إن ما يلفت النظر في هذا النص ذلك التناغم النصي، وعدم التنافر بين الجُمل الشعرية، وإعطاء كل فكرة حقها في العرض والتناول، دونما بتر يضعف بالمعنى أو يهدد النص بأي نوع من الخلل..... حيث يبدأ النص بقسَمٍ صادمٍ، ضميرُه اليقين بوهمية ما يقولون:
    أقسمت بالمسجد الأقصى فداه دمي ..
    وقبة الصـــــخرة اجتاز الهيام فمي
    أن العـــــــدو الذي طال الغـرور به..
    ويحسب الحلم ضعفا من ذوي الكرم
    قد مدّه الصــــمت منا أن رأى هدفا..
    يـــروم تنفيذه في ذلك الحـــرم
    فهو يستعرض تلك النية المبيتة لهدم المسجد/ مكان إسراء رسول الله سيد الخلق قاطبة، ويسرد حقيقة هذا الهيكل المزعوم؛ مؤكدا أن الحَفر تحت المسجد الأقصى للتوصل للهيكل سيبوء بالفشل، ونتيجته هدم المسجد؛ إذ لا يوجد هيكل من الأصل..
    ويتعرض الشاعر لعلاقة نبي الله سليمان – عليه السلام - بهذا الهيكل وعلاقته باليهود وقصة بناء الهيكل، وأين يوجد المسجد الأقصى والصخرة المقدسة بالضبط؛ حيث أ ُسْرِيَ برسول الله (صلى الله عليه وسلم) منهما؟ يقول الشيخ في قصيدته:
    أيبتغي الهدم شــــــارون لقبته....
    والبحث في صخرة المعراج عن وهم
    أظن هيكلا اندسَّتْ معالمــــــه ....
    تحـــت البنــاء سـليمان بنى ولـم

    الظن منه أتى في غير موقعـــــه ....
    من فعـل شــارون أو باراك من قـدم
    ليؤكد أن اليهود يدّعون أن نبي الله سليمان بنَى هيكلا لليهود كمكان لحفظ تابوت العهد، وأن هذا الهيكل يزخر بالرموز الوثنية والأساطير الخاصة بعبادة الآلهة الكنعانية، وأن نبي الله سليمان بنى الهيكل لإله اليهود "يهوه" أو "ياهو" لحفظ تابوت العهد، فإذا أثبتنا أن تابوت العهد لا وجود له في عهد النبي سليمان، إذن فلا حاجة لبناء الهيكل أصلا..! وهنا يبدأ في وضع الدلائل على مصداقية النفي يقول:
    الهيكل انهـدّ مُذ عيسى المسيح أتى..
    يقضي على الشرك حيث الوهــم لم يرم
    وقـد طلـوه بقـار كبرتـوه لظـى ..
    وأ ُحـرق القصر بالرومان لم يقم
    .................................................. ..................
    فإن يكـن هدمـه صحت روايتـه....
    سـفر الملوك رواه من فم الكلم
    " لكم خرابـا " سيغدو ولا وجـود له....
    أبعد هـذا دليـل بالــغ الحكــم؟
    قد دمرتـه يد الرومان ناقمـة.....
    على يهــود وهم جرثومــــة الأمـم
    ثم يحكي لنا كيف يدّعي اليهود ومنهم باراك وشارون ونتنياهو– زورًا – بذلك الهيكل مبررين ادعاءَهم بأن نبي الله سليمان كان يعبد إلهًا غير الذي كان يعبده باقي الأنبياء؛ هو إله بني إسرائيل، وأنه كان من عبدة الأوثان؛ لأنه بنَي معبدا يزخر بالرموز الوثنية. فإذا أثبتنا لهم أن نبي الله سليمان لم يكن كذلك، وأنه كان يعبد الله رب العالمين الواحد القهار كسائر الأنبياء؛ فهذا يعني أنه لا حاجة لبناء هيكل ضخم كما وصفه اليهود لإله اليهود ياهوه .
    وقد اعتمد الشاعر في قراراته هذه على كتاب الله تعالى في قصة سيدنا سليمان عليه السلام ومُلكه العظيم.. وكذلك على كتب التاريخ المحققة والتي جاء فيها أن مُلكَ نبي الله سليمان ليس من بينه هيكلٌ وثنيٌ مطلقا، بل كان له قصرٌ عظيمٌ من الزجاج الصافي شاهدته بلقيس ملكة سبأ، وعندما تأكدت أنه نبي الله أتاه المُلك والعِلم والنبوّة آمنت وأسلمت لله رب العالمين، ولم تؤمن بإله بني إسرائيل الذي يدَّعي اليهود أن نبي الله سليمان كان يعبده، فإذا كان نبي الله سليمان يعبد الله الواحد كسائر الأنبياء؛ فلماذا يبني هيكلا وثنيًا لإله بني إسرائيل (ياهو) كما يدّعون؟
    إذن فلا وجود لتابوت العهد بعد ذلك التاريخ، والاحتمال الأكبر أنه فـُقد منهم في أحد الحروب، لأنهم لم يحافظوا على ما جاء في لـَوحَي الشهادة، وبالتالي فلا وجود لتابوت العهد في عهد نبي الله سليمان عليه السلام.. لذلك يقول الشيخ:
    أنتم بنو فريةٍ بالإفـك روَّجهـا ...
    وثمّ صدق وهمـــًا غيـــر معتلم
    ما هيكل من سليمان بناه لكم ...
    وصُنتمـــــوه ولكن زال من قـدم
    الهيكل المدعَّى مسـّـته قارعة...
    ألقت حجــــارته من كـــف منتقم
    فقد جاء في كتب التاريخ أن: "تابوت العهد" هو صندوق مصنوع من خشب السّـنط أودع به لوحَا الشهادة اللذان نـُقشتْ عليهما الشريعة، وتلقاها نبي الله موسى عليه السلام بسيناء، وكان بنو إسرائيل يحملونه معهم أينما ذهبوا، فضاع منهم حيث لم يحافظوا عليه.
    وتاريخ كتابة هذه القصيدة 10/11/2000 يؤكد ثقافة المؤلف، واطلاعه على التاريخ العربي والعبري بلغتيه، أو بترجمة عن العبرية، حيث كان يعمل مُدرسًا لمادة التاريخ والجغرافيا معظم سنوات عمره.. ويبدو أنه اطلع على ما نـُشر بصحيفة معاريف الإسرائيلية في عدد 7 فبراير 1997: وأنَّ "منليك" بن سيدنا سليمان من "بلقيس" ملكة سبأ سرق تابوت العهد من أبيه أثناء بناء الهيكل، وهرب به إلى الحبشة، وأن الهيكل لا يعني أيَّ شيءٍ بدون تابوت العهد. وأن الحفر تحت المسجد الأقصى للتوصل للهيكل مجهود لا طائلَ من ورائه ولا هدف منه سوى هدم المسجد الأقصى.. وهذه هي الحقيقة برُمتها.. حيث شهد شاهد من أهلها... فيقول:
    في دير مارٍ له قد كان موضعه..
    في أرض سورية قد شـيدَ من رَضم
    ولم تكن أرض قـدس تحت قبتها...
    من مسـجد كان مسرى صاحب العلم
    نعم بناه ســـليمان وشــــيّده ..
    دارا لسـكناه أو محراب ذي رنم
    إذن ما بناه سيدنا سليمان لم يكن أصلا تحت القبة، وإنما في (دير مار أو هار باللغة العبرية) بسورية، وكان دارًا لسكناه ومحرابا يتعبَّد فيه.. فما بالهم يدّعون غير ذلك.. ويضيف:
    فقل لشـارون أو باراك قد ذهبتْ ...
    أســـطورة الهيكل انسلتْ إلى العدم
    وبحثكم عنه ســـعيٌ ليس يبعثه ...
    من رقـدة الموت للثـاوي لدى أطم
    وحقنا في تراب القـدس من زمن ...
    زالـت هياكلـه في غمرة الظلــم
    ما أرض كنعان قد كانت لكم وطنا...
    في أي يـوم وعصـر بادَ لم يدم
    بعدها يدلل على أن هذا لم يكن أول ادِّعاء كاذب، فقد مرَّ ذلك المكان بحملات غزو الفرنجة، حين قيل أن جسد المسيح ثاوٍ به.. ساردًا قصة الحوت وعصيان اليهود لنبي الله حين كانوا يصيدون في يوم السبت الذي حرَّمه الله... وحكى كذلك قصة العجل المصنوع من ذهب. وأهل إرم وعاد وثمود... الخ من القصص التي عصى فيها بني البشر الرسالات السماوية.... وأن القدس كانت لهم من قبل اليهود في منطقة أورشليم.. يقول:
    القدس كانت لهم من قبل تسمية .. "بأورشليم" ودار للســلام نسم
    كانوا أحق بها من قبل مرسلهم ..داوود.. وابن له قد كان في الحكم
    حتى يصل إلى قوله بأن هناك من تنبأ بهدم الهيكل داود صاحب الحرث حتى حدث ما تنبأ به.. بالفعل..
    ويوم أن كان داوود بمحكمـة..
    في صاحب الحرث والمنفوش من غنم
    وإن يكُ الهيكل البانيه صاحبه..
    للذكــر في مشـرق الإصباح والظلم
    وحينما مات من شــيد البناء له ..
    وخربوه بفعل الســــوء والجــــرم
    تنبأ المرســـل الداعي بشرعته ..
    بهدم هيكلهم رأسـا على قدم
    وكان ما كان من مســرى نبوءته ..
    أبعـد قـــول فيه من كلم.؟
    عودوا فما تلك من أرض المعاد لكم
    بل أرض شعب ثوىمن سالف القدم
    ثم يبدأ في سرد قصة الإسراء والمعراج.... إلى أن يقول متسائلا:
    فهل مكان براق عند صـــخرته.. يُعطي إلى أحد من بعد مقتسم؟
    لا فوق أو تحت أرض للبراق غدا.. من هيكل أو سواه ملك مختصم
    ليعود لنفس القضية مرة أخرى، وأنه لا يوجد فوق القبة ولا تحتها إلا وهم من أوهامهم.. فهُمْ بأنفسهم الذين دمَّروا ما أشاروا إليه.. وأنهم بتدميرهم لتاريخهم قد شرَّدهم الله على الأرض فلم تقم لهم قائمة.. ليختتم النص بقوله:
    طفل الحجارة من ماضين أو قدم .. من حقهم أرضهم ليست لمُجترم
    ثالثا: نص فضفاض لشاعر محلق
    من المدهش في هذا النص أن عدد أبياته يقترب من مائة بيت.. يحلق فيها الشاعر صعودا وهبوطا، وبيده عصا الأستاذ والمعلم والخبير، يشير بها على خريطة معلقة أمامه، يشرح جغرافيا المكان، ويعود بالكاميرا على طريقة (البلاي باك) مذكـِّرا إيانا بالتاريخ الذي نسيه اليهود.. بداية من عهد الكنعانيين الأول والآشوريين الأول ومن هم قبل ذلك.. فقد تغلبت مهنة الأستاذية عنده.. نظرًا لعلمه الغزير بشأن تواريخ البلاد؛ فسخـّر كل معلوماته لخدمة النص. يترك الموضوع الأصلي ليستطرد بما له علاقة به ليعود للموضوع الأصلي بانسيابية وحنكة وحكمة في التناول والعرض، ودون أن تشعر بأي نوع من الترهّل.. لأن كل جملة وكل معلومة وكل استطراد جاء في مكانه تماما. لنجد أنفسنا أمام نص محكم..
    رابعا: ظاهرة التدفق الفكري في النص
    يلاحظ أيضا ازدحام النص بالرؤى والأفكار، مع المحافظة على روح الفكرة الأساسية، وهي نفي القول بوجود هيكل سليمان تحت قبة الصخرة أو تحت المسجد الأقصى.. وفي المقابل إثبات أغراضهم الدنيئة وهي هدم المسجد الأقصى ....
    فيتنقل الشاعر بمنتهى الرشاقة بين الأفكار الفرعية، التي فرضت نفسها بقوة على النص ومنها :
    - غرور العدو بسبب الصمت العربي الطويل ما يجعلهم يحسبوننا ضعفاء.
    - المرور بالضرورة على مكان المسجد الأقصى، والهدف من وجوده منذ البداية؛ كحكمة إلهية كبرى وهو الإسراء والمعراج.
    - الهدف الحقيقي وراء حفر اليهود تحت قبة الصخرة وهو هدمها، وليس البحث عن الهيكل، وما هي إلا حجة ووهم يغلف أفكارهم الهدامة.
    - إثبات صحة أهدافهم الخفية بالدليل القاطع التاريخي، بأن الهيكل انهدَّ منذ جاء عيسى ومنذ تدمير الروم للقدس كلها، وحرق الرومان للقصر.
    - تحقـُق النبوءة التي قالت بخراب المكان كله من قبْل عيسى تحقـُقـًا فعليا..
    - النتيجة الحتمية لكل هذا: وهي أنه لا معنى إذن لادعاءات شارون أو نتنياهو أو باراك بوجود الهيكل تحت القبة أو تحت المسجد الأقصى.
    - تحديد المكان الحقيقي للهيكل السليماني، وهو دير (مار) أو (هار) (باللغة العبرية) في أرض سورية إن كانوا لا يعلمون.. وأن القدس لم تكن في سورية أصلا.. حيث بنى سيدنا سليمان هناك محرابًا له؛ لكن اليهود هم الذين أزالوه بأيديهم.. وبهذا ضاعت أسطورة الهيكل من الأساس.
    - بيان أحقيتنا في القدس، وأن أرض كنعان لم تكن لهم وطنا في العصور البائدة..
    - إظهار محاولات غزو متعددة على أرض القدس منذ الفرنجة وكلها باءت بالفشل. حيث ادعوا أنهم أحق بعيسى ولا هم أحق بعيسى ولا بموسى.
    - التذكير بالفلسطينيين الذين هم أولَى بالقدس منذ أيام أورشليم، بل إنهم أحق بها من قبل داوود وابن له في الحكم.
    - التذكير بصاحب الحرث والغنم المنفوش والمحكمة التي أقيمت وقتئذ، والهيكل الذي تم بناؤه للذكر.. وموت من شيَّده وتخريب المكان بفعل السُوء والجُرم. وتحقـُق النبوءة في ذلك أيضا.
    - وجود قبة الصخرة كحلقة ربط بين الماضي والحاضر.
    - التعرُض لرحلة الإسراء والمعراج وما حدث فيها بالضبط.. حتى العودة في نفس الليلة.
    - استنكار أن يعطي الله مكان البُراق لأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالله يُقسم الأشياء بحكمة.
    - تقرير أخير بأن كل تلك الأقاويل ما هي إلا ادعاءات وافتراءات، لا أساس لها من الصحة.. وأن أصحاب الأرض أولى بها.. لأنها أرض العروبة ولها شعب يمثلها.. وبيانها درة جاءت من بين البانِ والعَلَمِ..
    - سيظل طفل الحجارة سيد تلك الأرض وصاحبها.
    ورغم تعدد الأفكار وازدحامها لم تهرُبْ الفكرة الأساسية من الشاعر، ولم يترهل النص.. بل ظلَّ مُحكما متينا، يتميز بقوة البيان في كل بيت فيه. واحدٌ وتسعون بيتا لم تتضارب فيها الأفكار ولا الرؤى ولا المعاني.. بل كانت في كل فكرة تدق مسمارًا في نعش ادعاءاتهم.. وترد عليهم رد الواثق باليقين القاطع بحقه.
    خامسا: تعدد أساليب التعبير
    تعددت أساليب الكتابة في هذا النص برشاقة؛ لتثبت جدارة الشاعر في التعبير بشتى الطرق. وأدلتنا من الربع الأول للنص على سبيل المثال (نظرا لطول القصيدة) هي :
    - أسلوب القسم الدال على اليقين والثقة في مفتتح النص (أقسمت بالمسجد الأقصى فداه دمي)..
    - وأسلوب النفي والإثبات كما في قوله: (فما له أثر يوحى بموقعه) (ما هيكل من سليمان بناه لكم) (ولا وجود له في أي مزدحم) وتعدد أدوات النفي بين ما ولا ولن.
    - والإتيان بالأدلة والبراهين والمعلومات الثابتة من كتب التاريخ في قوله: (وقد طلـَوْهُ بقار كَبْرتـُوهُ لظى)، (وأ ُحرق القصر بالرومان لم يقم) (فرام قائد رومان كمنتقم) (حرقا لهيكلكم واجتاس بالقدم).
    - والأسلوب التقريري والخبري في قوله: (الهيكل المدعَى مسَّته قارعة)، (ألقت حجارته من كف منتقم)، (مكان إسراء خلق الله قاطبة)، (وبدء معراجه سعيا على قدم)، (الهيكل انهدَّ مذ عيسى المسيح أتى)،( قد دمَّرته يد الرومان ناقمة، على يهود وهٌم جرثومة الأمم )، (باراك شارون نيتنياهو زعمُهمُ، محض افتراءٍ وقولٌ غير ملتئم ) ..
    - وأسلوب التساؤل الاستنكاري.. في قوله: (أيبتغي ـ أظنَّ ـ أبَعدَ هذا دليل بالغ الحكم؟ )، (فأي معنى ادعاءٍ منه باقية، يجيزها مدَّعٍٍ في وهم محتكم؟)، (أو فعلٌ لمُجترم.؟).
    - وأسلوب الاستنتاج (الظن منه أتى في غير موقعه)..
    - وأسلوب الشرط بفعله وخبره كنتيجة مؤكده لصدق كلامه، ونفي ادعائهم في قوله: (فإن يكن هدمُه صحَّت روايته سفر الملوك رواه من فم الكلم) ..
    - وأسلوب الاستدراك بـ لكن بعد النفي بـ ما في قوله: (ما هيكل من سليمان بناه لكم، وصنتموه ولكن زال من قدم ) (لكن يهودا أزالوا عنه حرمته).
    - كثرة استخدام مشتقات الأفعال أو الأسماء مثل قوله: (مٌجترم- مُؤتمم- مُختتم- مُقتدم – مُختصم... الخ) وهي للدلالة على قوة المعنى وعدم سطحيته.
    - وأسلوب الالتفات والانتقال من الحديث بضمير المتكلم في البيت رقم 1، إلى الحديث بضمير الغائب في البيت رقم6 و 7، إلى المخاطب في الأبيات رقم 9 إلى 19، ثم توجيه الخطاب لله تعالى بقوله: (يا رب فرية قوم عشـَّشتْ زمنا ) في البيت رقم 20، ثم إلى اليهود بقوله: (أنتم بنو فرية بالإفكِ روّجها ) في البيت رقم22، ثم إلى المخاطب مرة أخرى بقوله: (فقل لشارون أو باراك قد ذهبت) في البيت رقم 34،
    كل ذلك قد أتى برشاقة بالغة وفي أبيات متتالية ومتتابعة، تفيد الانتباه واليقظة الدائمة، وتطرد الرتابة أو الملل من طول الأبيات، فلا يشعر المتلقي بشيء كهذا، من خلال قص وسرد متنوع الدلالات ومختلف في أساليب البيان..
    - استخدام فعل الأمر للتنبيه والتحذير.. حيث تميزت القصيدة بالتنبيه الدائم باستخدام فعل الأمر كناقوس يدق فوق رءوسهم كقوله: ( فقل لشارون أو باراك قد ذهبت – فلترحلوا من ديارٍ كم بكم غصبت - فقل لعُبـَّاد عِجل صيغ من ذهبٍ- فلتتركوا أرض شعب ظل صاحبها - عودوا فما تلك من أرض المعاد لكم- فاخسأ أخا البغي شارون الذي عميت) ......إلخ
    سادسا: نصٌ علميٌ تاريخي
    وقد تميز هذا النص بكثرة المعلومات المحققة، سواء من القصص القرآني الكريم، أو من كتب التاريخ وكتب الجغرافيا... أو من قراءاته الحرة، والتي أثبتت تبحُّره في العلم، لدرجة تتدفق معها المعلومات خلال الكتابة، فلا يستطيع منعها في أماكنها لأهميتها وضرورتها وقوة الدحض بها..
    فهو شاعر موسوعي.. نضحتْ على قصيدته كل المعلومات التي جمعها وعرفها عن موضوع النص.. فذكر:
    - 19 اسمًا من أسماء الأماكن ( المسجد الأقصى – قبة الصخرة – القدس – دير مار – سورية – شرق سورية – محراب سليمان – أرض كنعان – أرض عاد – أرض إرم – أورشليم القديمة – دار السلام – أرض المعاد – البان والعلم – أرض الشعب الفلسطيني.
    - 13 اسمًا لشخصيات تاريخية عظيمة: (ليس على رأسها اسم الله تعالى جل جلاله حيث تنزه عن كل اسم)، ثم جبريل عليه السلام.
    - ومن الأنبياء: النبي سليمان – عيسى المسيح عليه السلام – موسى عليه السلام – داوود عليه السلام – ابن داوود عليه السلام – ورسول من عند داوود.
    - ثم شخصيات يهودية مثل: شارون وباراك ونتنياهو – كما ذكر أيضا طفل الحجارة.. وأخيرًا البراق.
    - ثم ذكر عدد 6 أمم ٍ وبدأها بخلق الله قاطبة: وهي الروم ومرة أخرى قالها الرومان – اليهود – الفرنجة – العرب – الفلسطينيين ضمنا..
    - وذكر اثنين من الكتب السماوية: سفر الملوك.. وكتاب الله تعالى ضمنا.
    - وعدد 6 قصص من القصص القرآني هي: قصة الإسراء والمعراج – قصة الحوت والبحر وصيد يوم السبت والأيام الحرم – قصة العجل الذهبي والسامري – قصة محكمة داوود وصاحب الحرث والغنم المنفوش – قصة بناء محراب سيدنا سليمان – قصة ملك سليمان العظيم.
    - مما يدل على أنه شخصية موسوعية لديها من العلم والاطلاع والمعرفة ما يجعله في مصاف الشعراء الموسوعيين.. ويجعل من النص مرجعا تاريخيا تتعلم منه الأجيال.

    سابعا: قلة الصور الفنية
    لذلك... تقلُ في النص التشبيهات والصور الفنية، لأنه لم يستخدم لغة الخيال.. وإنما استخدم لغة الحقائق التي من شأنها التنوير والوصول إلى الحقيقة.. وكأنه يقدم مرافعة في قضية أمام المحكمة الدولية، ولكن بطريقة الإغراء الشعري بالوزن العروضي والقافية المتوحدة مع النص.. ذلك لأنه قارئ في القانون بل دارس له.. وله باع طويل فيه.. فكان العقل الباطن القانوني هو لسان حال الشعر.. وليس الخيال البحت.
    فلم نجد سوى قليل من الصور ــ على طول القصيدة ــ منها على سبيل المثال: وصفه لليهود بأنهم/ ذوو فكرٍ نزق في البيت رقم 21.. وأنهم/ شُذاذ فكر في البيت رقم 26.. وأنهم/ الظالم الباني على وهْم ٍفي البيت رقم 77.. وأنهم/ جرثومة الأمم في البيت رقم 17.. وأنهم/ بنو فرية في البيت رقم 22.. وأنهم/ يحلمون بها، ويقصد الأرض في البيت رقم 26.. ووصف شارون بأنه/ أخو البغي شارون في البيت رقم 88.. ووصف سيدنا محمد بأنه/ صاحب الصخرة المرسى البراق له في البيت رقم 61. ووصف الأنوار بأنها/ مسبحة باسم الله في البيت رقم 67.. وأنه/ صلى على بساط هو وسام فخر في البيت رقم 72..
    ثامنا: ميمية تتفق مع الغرض
    وأخيرًا .. لقد وفق الشاعر في اختيار الوزن الشعري والقافية، لما فيهما من انزياحات دلالية ومعنوية ترمي إلى ميمية نهج البردة للإمام البوصيري، التي قيلت في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وما كان غيرُهما ليؤدي الغرض.. لكن ذكاء الشاعر في اختيار البحر والقافية جنح بنا إلى حب النص على المستوى النفسي، كمدخل مبدئي نميل إليهما طربا.. فاستطاع أن ينسينا بذكاء مفرط طول النص، وندرة الصور والخيال، كعامل لا يـُستهان به في الشعر بعامة.
    لكنها في النهاية - بطريقته وأسلوبه المميز - قصيدة تمثل إضافة لشعره، الذي هو بالتالي إضافة للشعر العربي.



  6. #36
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    المشاركات : 108
    المواضيع : 32
    الردود : 108
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي


    المطولات الشعرية عند :عبدالمجيد فرغلي

    ديوان "عبير الذكريات" أنموذجاً

    دراسة بقلم : د . على حوم


    شاعت كلمة المطولة فى الدراسات الأدبية والنقدية فى العصر الحديث بعد ظهور المطولات الشعرية ، كمطولات البارودي ، وأحمد شوقي ، ومحمد عبدالمطلب ، وعمر أبي ريشة وخليل مطران وغيرهم .
    فمعظم الدارسين والنقاد الذين عالجوا تلك المطولات بالنقد والتحليل اكتفوا بذكر كلمة "مطوَله"(1) دون أن تنال منهم تعريفاً يذكر ، ولم نجد – على الرغم من كثرتهم – إلا عدداً قليلاً منهم اقترب إلى تحديد مفهوم المطولة – كمصطلح شعري – دون أن يبسطوا القول فى سماتها الفنية التى تميزها عن القصيدة العادية التى تعارف عليها دارسو الشعر العربي فى عصوره المختلفة .
    ولعل التعريف الذي أورده الدكتور / أنس داود للمطوَلة(2) يتكئ على المادة التى اشتقت منها كلمة "مطوَلة" وقد سبق غيره من الدارسين والنقاد وأصحاب المعاجم الحديثة إلى توضيح المعنى اللغوي والاصطلاحي للمطوَلة ، بادئاً من النظرة إلى جذور المصطلح متابعاً تطور النظرة النقدية القديمة إلى خاصية الطول والقصر فيما يتعلق بالقصيدة الشعرية القديمة ، فقد ذكر أن بعض القصائد قد بلغت من الطول "بضع مئات" كمقصورة ابن دريد ، وتائية ابن الفارض ، وهي قصائد قليلة فى الشعر العربي القديم وأكثر منها عدداً ما شارف المائة أو نيف عليها ، كالمعلقات العشر ومطولات ابن الرومي ، وبعض قصائد أبي تمام والبحتري وأضرابهم .. وظل للقصيدة التى دون المائة بيت أغلبية فى العدد ، وقد سمي العرب كل ما ينيف على سبعة أبيات أو عشرة قصيدة دون تفريق بين قصيدة المنخل اليشكري : ((إن كنت عاذلتي فسيري)) وبين معلقة طرفة أو حتي مقصورة ابن دريد ، فلكل منهم قصيدة ، قال ابن رشيق : ((إذا بلغت الأبيات سبعة فهي قصيدة .. ومن الناس من لا يعد القصيدة إلا ما بلغ العشرة وجاوزها ولو ببيت ، وما دون ذلك كانوا يسمونه "قطعة")) ، ويختلفون فى تفضيل المطيل أو صاحب القطع ، ويشتم من كلام ابن رشيق أن العرب ميزت الشاعر المطيل ، فقالوا عن الفرزدق إنه – بالنسبة إلى جرير " أقدرهما على التطويل" وقالوا : "لا شك أن المطول إن شاء جرد من قصيدته قطعة أبيات جيدة" ، هكذا دارت المادة على ألسنتهم : تطويل ومطول .
    ولا شك أن المطولة تختلف عن الملحمة ، ولا يمكن أن نطلق على المطولة اسم " الملحمة " فثمة نقاد اتفقوا على إطلاق لفظ "المطولة" على تلك الأعمال الشعرية التى يسميها أصحابها "ملاحم" ، من هولاء الدكتور / حلمي القاعود ، إذ يقول : ((المصطلح الغربي لكلمة ملحمة يخرج هذه الأعمال عن مفهوم "الملحمة" ومن هنا فإننا نطلق عليها ملاحم تجاوزاً ، وإن كانت مناقشة المصطلح قد تعطينا دلالة ملحمية ما ، ولعلنا لو أطلقنا على هذه الأعمال اسم "المطوَلات" الشعرية لكان فى هذه التسمية قدر أكبر من الدقة)) (3)
    ومن ثم فإننا سوف نمضي فى دراستنا هذه على ضوء هذه التسمية (مطولات لا ملاحم) ، حيث بلغ شاعرنا الراحل / عبدالمجيد فرغلي – شأواً عظيماً فى كتابة المطولات الشعرية(4) وحسبنا أن ندرك حجم المطولات الشعرية فى ديوان واحد له بعنوان "عبير الذكريات" الذي طبع منه عدد محدود من النسخ ، تحت رقم إيداع بدار الكتب المصرية 5646/2008م .
    ففي هذا الديوان – إذا نحن استبعدنا القصائد القصار – عشر مطولات ، أقلها تبلغ مائة وثلاثة أبيات ، وأكبرها يبلغ عدد أبياتها مائتين وثمانية وأربعين بيتاً ، وكلها يتخذ من وحدة الوزن والقافية أسلوباً بنائياً فى تشكيلها الموسيقي .
    ونبدأ هذه المطولات الشعرية لدى عبدالمجيد فرغلي بمطولته "أخت القمر" وموضوعها اجتماعي ، وقد قالها بمناسبة زفاف ابنه ، ويبلغ عدد أبياتها 163 بيتاً ، وهي موزونة على بحر الوافر ، ومطلعها :
    عروس ابني تهادت فى حلاها كبدر الأفق فيه نرى أخاها
    وهي تجمع بين الغنائية والقصصية معاً ، حيث يعرب الشاعر عن أحاسيسه نحو عروس ابنه فى كثير من الأبيات ، ويتخلل ذلك سرد قصصي ، يبدأ بيوم الجمعة الذي بدأ فيه عقد القران ، ثم يأخذ فى وصف الدار التى ضمت هذا الجمع من الآهلين : أهل العروسة وأهل العريس :
    وقد صفت أرائك فى فناء وقد بثت (زرابيَُُُ) إزاها
    فأحبب باللقاء لدي قرانِ يد الرحمن تمنحه رضاها
    وأقبل من بني الأهلين رهط يشارك فرحةً رُبطت عراها
    والشاعر يستقي من الموروث الديني ما يعدَُ تناصاً مع الحديث النبوي الشريف : ((تنكح المرأة لأربع لمالها وجمالها وحسبها ونسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك)) ، حيث ورد هذا التناص فى قول الشاعر :
    ومن يظفر بذات الدين زوجاً فقد بلغ المدى شرفاً وجاهاً
    كما يتناص أيضاً مع الحديث النبوي الشريف حيث روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال : "الدنيا متاع وخير متاعها زوجة صالحة إذا نظر إليها أسرته ، وإذا غاب عنها حفظته فى ماله وعرضه" فقد جاء هذا التناص فى قول شاعرنا :
    إذا يرنو لها سرته حسناً وتحفظ بعلها ديناً وقاها
    بل إن الشاعر يمتاح من التراث الشعبي ، ومن الأقوال الشعبية المأثورة التى تجري مجرى الأمثال ، ومن ذلك القول الشائع : ((أكفي القدرة على فمها تطلع البنت لأمها)) حيث تم التعبير عن هذا المعني فى البيت الآتي :-
    وتحكي أمها كرماً وأصلاً وخلقاً فى فضيلته نماها
    وليس بخاف عنا طريقة تشكيل الصورة الفنية لدى الشاعر وتفردها حيث تعتمد الصورة على الاستعارة التصريحية التى يخلع عليها القرآن الكريم ثوباً ناصعاً ، وذلك من خلال نصائحه لابنه أن يحفظ زوجته حتي تكون له بمثابة الظل الظليل ، بل حتى تؤتي أكلها – لاحظ جمال الأسلوب المستمد من القرآن الكريم – فى قول الشاعر :
    وكن روضاً تكن لك فيه ظلاً ودوحاً مثمراً يهدي شذاها
    وتؤتي أكلهـا فى كل حين بإذن إلهها الحـابي جناها
    فالتناقض مع القرآن الكريم ومدى توافقه مع سياق القصيدة يعد "وحدة حية لا يقتصر دورها على الجانب الدلالي فحسب ، بل تساهم مساهمة فاعلة فى التشكيل الجمالي" (5) .
    ******
    ثمة مطولة آخرى تنتمي إلى الاتجاه الاجتماعي ، ونعني بها مطولة "الجمال الباكي" ويبلغ عدد أبياتها 128 بيتاً موزونة على بحر الوافر ومطلعها :
    • آثار جمالك الباكي خيالي وأشعل فى بركان انفعالي
    وقد صدَرها الشاعر بكلام نثري ، هذا نصه : ((قصة واقعية بطلتها فتاة عذراء عاشت زوجة فى الخيال ، تقيدها الفضيلة ، ويطلقها سحر الجمال ، وقد حصلت على وثيقة حريتها بالطلاق)) .
    ولما كانت القصيدة الطويلة – أو المطوَلة – كما يقول ديفيد بشبندر ((تميل للحركة باتجاه السرد ، ومن ثم ينشأ تحوَل فى القراءة وفى التوجه النظري فإن هذه المطولة تتميز بالقص والحكي والسرد كما تتميز بهيمنة الغنائية عليها فى نفس الآن ، أضف إلى ذلك ، المطولات التى تعد تعبيراً عن عواطف الشاعر الجياشة تجاه فكرة ما، أو حدث ما ، أو إحساس ما ، تبعاً لبعض المضامين التى تحتاج إلى تدفق الطاقة الشعرية)) (6) وكلها سمات فنية تتجلي فى هذه المطولة حيث يتحدث الشاعر عبدالمجيد فرغلي عن تلك الفتاة :
    وقفت أسيرة بشباك شيخِ بلا حولِ لديك ولا احتمال
    ثم يصف حال تلك الفتاة من خلال تصوير فني أخاذ
    فتاة فى ربيع العمر تحيا معذبة الجمال بلا مجالِ
    وشمعة عمرها تنسال دمعاً يفوق كنوز تبر أولآلي
    ثم يمضي السرد القصصي ، فيصف مقابلته لها على شط البحيرة ، ثم يقارن بينها وبين شخصه ، حيث تزوج منذ سبع سنوات ، وله من العيال سبع ، بينما هي زوجة على الورق فحسب ، ثم يصف زوجها ومدى القهر الذي يواجهها به :
    وصاحب قيدها شيخ عتل يعاقبها على همس النمــال
    كسجان بلا قلبِ رمـاها على حر الظهيرة فى الرمال
    ثم يصف جمالها ، لتبرز من خلال ذلك المأساة التى تعاني منها :
    وكانت ذات سحر عبقري بحسن سال منساب الجمال
    طبيعي بلا زيف جلــيب سوى العناب فى شفتي ثمال
    جري خمر الجمال بوجنتيها وقوسي حاجب مثل الهلال
    قد انسابا على مهل ولطف بريشة رب مكة ذى الجلال
    إن تأثر الشاعر بمأساة تلك الفتاة جعله يقدم المحتوى النفسي لشخصيته ومدى إحساسه الأليم بما تعانيه ، بدلاً من تركها تتحدث عن نفسها ومأساتها ، وذلك من خلال المونولوج الداخلي أو الحوار الذاتي الذي يعرفه بعض النقاد بأنه ((التكنيك المستخدم فى القصص بغية تقديم المحتوى النفسي للشخصية ، والعمليات النفسية لديها – دون التكلم بذلك على نحو كلي أو جزئي – وذلك فى اللحظة التى توجد فيها هذه المستويات المختلفة للانضباط الواعي قبل أن تتشكل للتعبير عنها بالكلام على نحو مقصود)) (7)
    نقول : من خلال هذا المونولوج الداخلي يعبر الشاعر عما يعتمل فى صدره هو من مرارة والتياع :
    يقيدني الآسي بقيود عمر مضى هدراًوأمعن فىمطالي
    على أيام عمر قد قضينا وجرعنا بها كأس العُضـال
    لذلك لم أزل أبكي عليها كباكــية الجمال وراء آل
    يخب على الرمال كبحر ماء ولكن بين أودية خوالــي
    ومالي لم أزل أبكي عليها وأندب سوء حظي من منال
    أليس أمامها دنيا براح ومالي فى البراح من انتقال
    ومن هنا يبدأ الصراع عند الشاعر بين أحاسيسه الغريزية وبين جمال تلك الفتاة ، حيث يشده خيطان هما : تمسكه بالفضيلة من ناحية والجمال الذي يستثير كوامن المتعة الحسية من ناحية آخري :
    أحس شعورها وتحس مني كما فى عمق نظرتها بدا لي
    فباكية الجمال بكت شباباً وإني قد بكيت أسي كلالـي
    وإن يكُ بيننا أدني رباط هو الحب المسافر فى الجبال
    وحيداً ليس بين يديه حام سوى التقوى خلالك اوخلالي
    كلانا حافظ لكريم ود دعته به الفضـيلة للكمــال
    ثم يختتم الشاعر مطولته بالدعاء لها ، بأن تنعم مع قرين يعوضها سنوات الحرمان :
    ويالجمال باكية كفاني وصالك فى الكرى عبر الليالي
    فقد تجد القرين شباب قلب تركتها بخـير : فـى وصال
    يلاحظ فى مثل هذه المطولات التعامل ((مع ما يسمي بالقوس الإسلامي فى المعمار ، بمعني الاهتمام بأول الشئ وآخره)) (نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي فكما كان هناك اهتمام أشد بالأبيات الأولى فى المطولة ، وبخاصة مطلع المطولة : (أثار جمالك الباكي خيالي ........) فإن بداية المطولة تربق فى العادة برقاً ، كما هى تبرق الآن فى نهاية أبيات المطولة ، حين اختتمها الشاعر بالدعاء لتلك الفتاة بحياة سعيدة مع زوج آخر .
    *******
    من اللافت للنظر فى المطولات الشعرية التى احتوى عليها ديوان "عبير الذكريات" وشائج القربى التى تربط بين أربع مطولات تنتمي إلى مضمون واحد هو ((الخلاص من قيود الوظيفة بالإحالة إلى التقاعد ونهاية الخدمة)) ، حيث يلاحظ أن هذا المضمون يعد قاسماً مشتركاً بين أربع مطولات هي : مطولة "وداعاً يا مكتب الذكريات" وعدد أبياتها 152 بيتاً – موزونة على بحر المتقارب ، ومطلعها :
    نفضت اليدين عن المكتب وكم كان من ذكرياتي وحبي
    ومطولة "رحلة القيد فى ظلال الوظيفة" وعدد أبياتها 137 بيتاً ، وقد جاءت موسيقاها على بحر الخفيف ، ومطلعها :
    رحلة القيد بين أمن وخيفة رحلة العمر فى ظلال الوظيفة
    والمطولة الثالثة بعنوان " فى يوم تكريم شاعر" وقد كتبت فى 163 بيتاً ، وهي موزونة على بحر الخفيف أيضاً ، ومطلعها :
    إخوة الروح يا هواة القوافي فى احتفال يضم فكراً ثقافي
    ولأن هذا التكريم تم تنظيمه بمناسبة بلوغ سن الإحالة للتقاعد وترك الوظيفة ، فإن الشاعر بعد أن يشكر القائمين على هذا التكريم ، يدلف إلى التعبير عن حالته بعد أن توقف صرف راتبه الشهري :
    وقف الصرف للمرتب فيـه ولوى العطف مرفق الصَراف
    لم يقل : آسفٌ ولا رد سؤلي إنما قال لم تصـبك صـحافي
    فارجع اليوم وانتظر فى مقر قد سـيأتيك راتب باسـتلاف
    أما المطولة الرابعة فهي بعنوان "الهزيع الأخير" وقد جاءت فى 248 بيتاً على بحر الخفيف أيضاً ، ولا شك أن التشكيل الموسيقي لهذه المطولات الثلاث يلقي بظلاله على توحد المضمون الشعري وتناغمه – بشكل عفوي – فى التعبير عن إحساس واحد مشترك ، مما يشي بأن المضمون الشعري يستطيع أن يختار موسيقاه طواعية ، ودون تصنع وتكلف من الشاعر ، متى كان هذا الشاعر موهوباً وذا قدرة على امتلاك أدواته الفنية بشكل تلقائي ، يحس به قارئ الشعر ومتذوقه .
    *********
    تتسم المطولات الشعرية – بشكل عام – بتدفق الطاقة الشعرية لأنها تعتمد على الجزئيات والتفصيلات ، والجمل المتوهجة ، والزحام الموسيقي ، حيث يلاحظ أن أغلب المطولات فى العصر الحديث كتبت على البحور المركبة كالخفيف والبسيط – على سبيل المثال-(9) لأنها تدور أساساً حول محور فكري لا محور موسيقي ، وإن كانت الفكرة قد تتوحد – فى عدد من القصائد أو المطولات – مع الموسيقى، كما أوضحنا آنفاً ، ولكن ثمة مطولات كتبت على البحور الصافية ، كبحر الكامل أو بحر الوافر أو غيرهما ، من هذا النوع نجد مطولة "أماكن لها تاريخ" للشاعر عبدالمجيد فرغلي ، وعدد أبياتها 154 بيتاً، فقد جاءت موزونة على بحر الوافر ، ومطلعها :
    أماكن ابتغي منها الوداعا وقد حان الوداع لها زماعا
    وقد كتب الشاعر مطولته هذه تعبيراً عن حبه لأرض الذكريات الجميلة " صدفا "، ولا غرابة فى ذلك ، فقد عاش الشاعر فيها فترة طويلة ، حيث تداعت الذكريات الجميلة التى ربطت الشاعر بكثير من الأصدقاء ، والأحباب ، باعتبار أن المكان الذي يعينه الشاعر هو "ذلك الجزء من الواقع الذي مارس فيه الشاعر تجربته الحياتية والذي انزرع فى وجدان الشاعر وأعماقه وتجلى بالتالي في نشاطه الإبداعي، فهو مكان له حضور وخصائص مرئية ملموسة" (10) تتمثل فى هذا المكان (صدفا بأسيوط ) وما ينشأ عن ذلك من وعي الشاعر بهذا المكان ، وبخاصتة إذا كان يمثل " البيت" الذي يعد "بيت الأحلام والألفة" كما يقول غاستون باشلار (11) ، لاحظ وصف الشاعر لأشياء هذا البيت فى قوله :
    أملي الطرف والنظرات حيرى بأي أبتدي هذا الوداعــا
    أبا الحجرات من أرض وطوب تهشم باكياً وهوى إنصداعا
    أم الآثـار من بـاقي أثــاث تنـاثر فى نواحيه تباعـا
    أم الأبواب أم ســقف تداعت وقد بقي الحنين لها التياعا
    أم الأنقـاض قد ثقفت يبــاباً عليها العنكوت شرى وباعا
    أم الأسوار قـد أكلت جـذوراً وخـرَ أساسها يشكو الصداعا؟!
    أم الـدورات من مـاء تراهـا على سفر وما تنوي ارتجاعا
    هكذا يخلع الشاعر أحاسيسه الملتاعة وحنينه الممتزج بالشجن على أشياء البيت (الحجرات – الأبواب – السقف – الأسوار – دورات المياه) ، مما يعمق المعنى بالشعور تجاه هذه الذكريات ، وما يصاحبها من أسى ، فالبيت الأليف الذي "يركز الوجود داخل حدود تمنح الحماية" (12) - كما يقول غاستون باشلار – أصبح مجرد ذكريات مما يشي بانقطاع الشاعر عن المكان ، وأحالته – أى هذا المكان (الدار) – إلى نوع من الحنين الذي يعاوده بين الحين والآخر:
    أأبقي بينها لا الدار داري ولا الأهلون إذ رمت ازدماعا
    سآتي كلما سنحت ظروف أقـبل أرض ذاكراك انتجاعا
    ثم يسرد الشاعر الأماكن والمنشآت والموافق العامة بصدفا كمركز الشرطة ، والمستشفى ، والإدارة التعليمية ، والمجلس المحلي الشعبي، ومجلس المدينة ورئيسها ، وإدارة الإسكان والتموين ، وكالنافورة التى يشبه تدفق مياها بالإنسان الكريم الجواد ، مما يؤكد على أن الشاعر – شأن شعراء المطولات فى العصر الحديث – يركز على الجزئيات ، ويقترب من الوصف والسرد والروح القصصي بصفة عامة .
    ****
    بقيت جملة من الظواهر الفنية والمعنوية تتعلق بهذه المطولات ، منها أن هذه المطولات بالرغم من كثرة عدد أبيات كل مطولة فإنها تميزت بالتماسك العضوي ، وتوحد المشاعر ونمو العاطفة ، كما جاءت موسيقاها متناغمة مع مضامينها ، لا خلل فيها ولا اضطراب، سواء فيما يتعلق بالموسيقى الداخلية أو الموسيقى الخارجية ، بحيث إننا لم نعثر على كلمة مجتلبة للقافية أو فى غير موضعها ، مما يدل على موهبة الشاعر الفذة وثراء لغته ومخزونه الضخم من الألفاظ والتعبيرات ، تلك التى تميل - فى أغلبها – إلى اشتقاقات لغوية قلما نجد مثيلتها فى قصائد الشعراء المحدثين .
    أما أنماط هذه المطولات ، فقد تنوعت بين الغنائية ، والقصصية ، والغنائية والقصصية معاً (13) ، وإن كانت الغنائية قاسماً مشتركاً بينها جميعاً ، لأن "الشعر يبدأ غنائياً مطلقاً ، ثم غنائياً مقيداً بحدث ثم يميل إلى الحكاية والحبكة والسرد والروح القصصي والملحمي"(14) ، وإن كانت النزعة القصصية تغلب على الغنائية فى تلك القصائد التى تنحو منحىً قصصياً .
    أما موضوعات هذه المطولات ، فقد تنوعت بين الذاتية تارة ، وبين الاجتماعية والوطنية والإخوانية تارة أخرى ، هذا فضلاً عن أن ثمة مطولات تنتمي إلى أدب الخيال العلمي كمطولة "رحلة عبر الكواكب"، وهي من المطولات التى لم نقف أمامها بالدرس والتحليل، حيث يتعذر أن تنهض هذه الدراسة المحدودة بكل المطولات التى ضمها ديوان "عبير الذكريات" ولكن حسب هذه الدراسة أن تفتح الباب أمام الدارسين والنقاد لإعداد أكثر من دراسة حول المطولات الشعرية عند عبدالمجيد فرغلي ، تدرسها من عدة زوايا كالصورة الشعرية والتراكيب اللغوية والنزعة الدرامية ، هذا بالإضافة إلى أن بعض المطولات تنتمي إلى شعر الفكرة باعتباره – أي شعر الفكرة – نوعاً من الشعر لم يعرف من قبل ، حيث لم يعد مفهوم الشعر أنه مجرد مشاعر بل أصبح – كما يقول الشاعر الكبير "رلكة" – خبرات إنسانية وتجارب عميقة"(15) وهذا ما حدا بناقد كبير مثل الدكتور / عز الدين إسماعيل أن يقول : ((والحق أن القصيدة الطويلة – المطولة – هي الكشف الحقيقي فى ميدان الشعر العربي الحديث بعامة ، والإضافة الجديدة الجديرة بمزيد من الاهتمام فى وقتنا الحاضر ، وأقول : فى ميدان الشعر العربي الحديث بعامة))(16) أو كما يقول ناقد آخر : ((المطولة تعد خطوة متقدمة نحو تحرير القصيدة العربية من هيمنة الغنائية كموقف ولغة وتطور أسلوبي وموضوعي وإيقاعي وتركيبي)) (17)
    ومن ثم ندرك أهمية الإنجاز الشعري العظيم الذي أضافه شاعرنا الراحل عبدالمجيد فرغلي إلى شعر المطولات العربية ، مما يجدر بنا أن نناشد الهيئات الثقافية ودور النشر فى مصر والوطن العربي الكبير أن تطبع هذا التراث الشعري الضخم الذي خلفه لنا الراحل عبدالمجيد فرغلي حتي يكون فى متناول القراء والدارسين والنقاد .

    الهوامش والإحالات :
    (1) انظر : د. جابر قميحة : صوت الإسلام فى شعر شوقي ، دار الهداية للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة 1987م (حيث تعرض بالنقد والتحليل للمطولة العمرية لحافظ إبراهيم ، وذكر أنها مطولة دون أن يعرفها كمصطلح شعري) .
    (2) د. أنس داود : الأسطورة فى الشعر العربي الحديث ، مكتبة عين شمس – القاهرة 1975م ، صـ483 ، 484 .
    (3) د. حلمي القاعود : محمد صلي الله عليه وسلم فى الشعر الحديث – دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع – المنصورة – ط . الأولي 1978م ، صـ452 .
    (4) انظر : السيرة الذاتية التى أعدها ابن الشاعر : عماد عبدالمجيد فرغلي – ضمن كتاب "رحالة الشعر العربي عبدالمجيد فرغلي – دراسات نقدية - إقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافي – أسيوط 2011م" .
    (5) أحمد مجاهد : أشكال التناص الشعري دراسة فى توظيف الشخصيات التراثية – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1998م – صـ8
    (6) ديفيد بشبندر : نظرية الأدب المعاصر وقراءة الشعر – ترجمة عبدالمقصود عبدالكريم – الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سلسلة الألف كتاب الثاني 206 القاهرة 1966م ص 8 .
    (7) على حوم : أدوات جديدة فى التعبير الشعري المعاصر الشعر المصري نموذجاً دراسة نقدية – دولة الإمارات العربية المتحدة – حكومة الشارقة – دائرة الثقافة والإعلام 2000م – صـ28 .
    (نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي د. عبده بدوي : فن المطولات عند شوقي وحافظ – مجلة الشعر (القاهرية) عدد أكتوبر 1983م ، صـ44
    (9) انظر : د. عبده بدوي : المرجع السابق صـ44
    (10) اعتدال عثمان : إضاءة النص – دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت – ط . الأولي 1988م ، صـ68
    (11) انظر : غاستون باشلار : جماليات المكان – ترجمة غالب هلسا – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – بيروت – ط . الثانية 1984م ، صـ58
    (12) انظر : غاستون باشلار : المرجع السابق ، صـ59
    (13) انظر : دراستنا : المطولة الشعرية مفهومها وسماتها الفنية – مجلة العرب – دار اليمامة للبحث والنشر والتوزيع – الرياض – المملكة العربية السعودية عدد أكتوبر / نوفمبر 2010م ، صـ291
    (14) د. جلال الخياط : الأصول الدرامية فى الشعر العربي – دار الرشيد للنشر – بغداد 1982م ، صـ57
    (15) د. عز الدين إسماعيل : الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية – دار الفكر العربي – القاهرة – ط. الثالثة 1978م ، صـ250
    (16) د. عز الدين إسماعيل : المرجع السابق ، صـ267
    (17) حاتم الصكر : مرايا نرسيس الأنماط النوعية والتشكيلات البنائية لقصيدة السرد الحديثة – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع – بيروت – ط. الأولي 1999م ، صـ180 ، 181



  7. #37
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    المشاركات : 108
    المواضيع : 32
    الردود : 108
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    كتب الشاعر المغربي الكبير الأستاذ

    حميد بركي

    محللا للجزء الأول من الأعمال الكاملة لرحالة الشعر العربي

    "عبد المجيد فرغلي "

    سترالحقيقة بالكناية مجاز .والثورية إيجاز.وكلاهما عموض فصيح..



    أما البديع ما لان حرفه .ونقشت كلماته حتى إذا لفظ بغير هذا اواستبان على التقريرية .وفي الماشر تمادى .كانت الاستعارة إحدى المزينات مالم يتعتر به لسان ولا يشمئز منه إنسان على مستوى ...البلاغة والبيان ..كماقدلايكون هذا ولاذاك معتمدا فيه



    على النسيج اللفظي .والتوضيب .الحرفي. أو عكس ذالك من نسج الحرف وتوضيب اللفظ الى غاية الشطحات التي تجعل للنص إيقاعا تستصغه الاذن ويتجاوب معه الذهن ..خصوصاذالك الجانب السلوكي والحس الوطني كأي خاصية يتملكها السياق التمهيدي الذي هو مطلع كل قصيدة تنتمي الى الشاعر ..عبد المجيد فرغلي ..من ديوانه

    "وستبقى ياوطني حيا "



    ..وطني فداؤك مهجتي وكفاني ...أني أموت على أعز مكان



    ..سبل الجهاد كثيرة وأجلها...سعي الفتى لحماية الأوطان



    هي ثلاث أظرفة مكانية تدل على التعلق الوطني ..نحو



    وطني ..مكان ..أوطان..



    وأربع دلالات للتضحية نحو.



    فداؤك ..أموت..الجهاد ..حماية..



    وبعد..مهجة واحدة في..مهجتي..لأنها أقل ماتكون عند الشدة .



    وكفاني..الدالة على الإقتناع بما عليه من نضال وجهاد وهو يموت على أعز مكان ..



    واستعمال الشاعر ..على ..بدل في أعز مكان .لايستبعد أن يراد بها الطلب الذهني للشهادة لأن الشهيد يرفع الى الله عز وجل ولايبقى فيها ولا أظن هذا يغيب عنه وهو الشاعر الفقيه والله أعلم..



    وأنت تلاحظ مفردية ..وطني..وهي أول كلمة من الصدر للبيت الأول من البيتين .يتنفس بها الصعداء لأهمية الموضوع .تجدها جمعا عند الختم من قافية البيت الثاني ...الأوطان..وهو توالد الجمع من المفرد.وتلك لغة عن العرب .وفيه تتجلى المعادلة الرياضية لأداء مالم يستطع تأديته غرض من الأغراض الأخرى .وهي كثيرة وقد سجل بعضها القراّن الكريم في قوله عز وجل ..

    "مثلهم كمثل الذي اسوقد نارا .فلما أضاءت ماحوله .ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لايبصون "الاية 17.سورة البقرة..



    مثلهم جمع .مشبه .و..مثل الذي استوقد نارا..مشبه به .والكاف اداة تشبيه ووجه الشبه الإضاءة .و وجه الشبه النور اذا كان



    المراد بالاستفاد الإضاءة .أما اذا أريد به النور فوجه الشبه الإنارة والقفا الإضاءة .والا هما اثنان معا وجه الشبه وتركهم جواب على مفردية استوقد نارا .وقديكون على جمع مثل .وهذه خاصية ثورية لتعدد المفاهيم الصورية لدى النص .



    وأضافة الكاف الى مثل الذي .توكيد الشبه وتزكية التشبيه من حيث الفعل الذي هو استوقد..والحدث .الذي هو الإضاءة



    المرتبط بالإضاءة والإنارة ..وعلى ذكر مفردية استوقد يعقبه جمع نورهم وتركهم قي ظلمات لايبصرون ..جوابا على جمع سابق بائن الا وهو .مثلهم .من أول الأية الكريمة..



    وهذا ليس كما جاء به الشاعر غير في نفس المضمار من حيث الجمع والمفرد اذ يبدأ بوطني .مفردا وينتهي بالأوطان جمعا .وقد أضمر الجمع في وطني لان الصل أوطاننا ويسمى هذا ب مكنون الكلمة .كما يوجد نوع أخر وهو مفرد الجمع مجزؤ نحو قول المتنبي



    ..لكل امرئ من دهره ماتعود...وعادة سيف الدولة الطعن في العدى



    امرئ مفرد جمع مجزؤ .مضمر .مكنون.وعلامة تجزئه .لكل.حيث أن العادة تخص صاحبها ..وغيره قوله عزوحل ..



    كل نفس ذائقة الموت..فالنفوس كلها للموت وليست واحدة او اثنين وانما هي جمع لذا هي مفرد جمع مجزؤ ب كل



    ولأن العادة بينة على المرء من لكل امرئ يسمى ..مجزؤ بائن ..ولأن مذاق الموت يخص صاحبه دون غيره المجزؤ المكتوم ..



    ومن بين علاقة جمع النهاية بمفرد البداية ..



    منفصل ..و..متصل..و..منفصل متصل..و..متصل منفصل..



    1..فالمنفصل.ماانفصل عن مفرده نحو...مات زيد فاانهمر الاهل يبكون ...جمع يبكون منفصل عن مفرد زيد ..



    2..المتصل .هومااتصل جمعه بمفرده .نحو .قوله عز وجل ...قلنا اهبطوا منها جميعا .فاما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي



    فلاخوف عليهم ولاهم يحزنون..الاية 38..سورةالبقرة...جمع .فلاخوف عليهم ولاهم يحزنون ..يتصل علاقة بمفردية .من تبع هداي..



    اما المنفصل المتصل .هو ماانفصل ظاهره واتصل باطنه .نحو ..وطني.و .الاوطان .للشاعر.اذ لاعلاقة بينهما حيث الاوطان جمع ووطني مفرد .لكن اذا عدت الى الاصل تجد العلاقة في كون وطني مخطات وطنية جمعها اوطان تقرا لوحدتها وطن لااوطان ولذا هو متصل باطنه منفصل ظاره ..اما المتصل المنفصل ...هوعكس الاول متصل ظاهره منفصل



    باطنه .نحو.قوله عز وجل.

    قل اعوذبرب الناس ملك الناس .اله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ..



    تبدو علاقة الناس وطيدة بما بعدها من حيث الجمع والاسم الاانها تحوي كل كلمة معنى غير ما تحمله غيرها .اذ ان الناس .مثلا في ..الذي يوسوس في صدور الناس ..ليست هي في .من الجنة والناس .فالناس في .صدور الناس مفعول موسوس بضم الميم ومفتوح الواوين معا..والناس في ..من الجنة والناس فاعل الوسوسة موسوس بضم الميم وفتح الواو الاولى وكسر

    الواو الثانية..وكذلك ماتبقى على وجه الجناس الثوري اذ العلاقة بين الظاهر متباعدة الباطن .وبهذا يسمى ..متصل منفصل ..لاتصالالظاهري وانفصاله الباطني ..



    ولله العلم كله أساله المغفرة إن أذنبت والتجاوز عني فيما أخطات...



    الشاعر

    حميد بركي

  8. #38
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    المشاركات : 108
    المواضيع : 32
    الردود : 108
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    كتب الشاعر المغربي الكبير الأستاذ

    حميد بركي

    محللا للجزء الأول من الأعمال الكاملة لرحالة الشعر العربي

    "عبد المجيد فرغلي "

    سترالحقيقة بالكناية مجاز .والثورية إيجاز.وكلاهما عموض فصيح..



    أما البديع ما لان حرفه .ونقشت كلماته حتى إذا لفظ بغير هذا اواستبان على التقريرية .وفي الماشر تمادى .كانت الاستعارة إحدى المزينات مالم يتعتر به لسان ولا يشمئز منه إنسان على مستوى ...البلاغة والبيان ..كماقدلايكون هذا ولاذاك معتمدا فيه



    على النسيج اللفظي .والتوضيب .الحرفي. أو عكس ذالك من نسج الحرف وتوضيب اللفظ الى غاية الشطحات التي تجعل للنص إيقاعا تستصغه الاذن ويتجاوب معه الذهن ..خصوصاذالك الجانب السلوكي والحس الوطني كأي خاصية يتملكها السياق التمهيدي الذي هو مطلع كل قصيدة تنتمي الى الشاعر ..عبد المجيد فرغلي ..من ديوانه

    "وستبقى ياوطني حيا "



    ..وطني فداؤك مهجتي وكفاني ...أني أموت على أعز مكان



    ..سبل الجهاد كثيرة وأجلها...سعي الفتى لحماية الأوطان



    هي ثلاث أظرفة مكانية تدل على التعلق الوطني ..نحو



    وطني ..مكان ..أوطان..



    وأربع دلالات للتضحية نحو.



    فداؤك ..أموت..الجهاد ..حماية..



    وبعد..مهجة واحدة في..مهجتي..لأنها أقل ماتكون عند الشدة .



    وكفاني..الدالة على الإقتناع بما عليه من نضال وجهاد وهو يموت على أعز مكان ..



    واستعمال الشاعر ..على ..بدل في أعز مكان .لايستبعد أن يراد بها الطلب الذهني للشهادة لأن الشهيد يرفع الى الله عز وجل ولايبقى فيها ولا أظن هذا يغيب عنه وهو الشاعر الفقيه والله أعلم..



    وأنت تلاحظ مفردية ..وطني..وهي أول كلمة من الصدر للبيت الأول من البيتين .يتنفس بها الصعداء لأهمية الموضوع .تجدها جمعا عند الختم من قافية البيت الثاني ...الأوطان..وهو توالد الجمع من المفرد.وتلك لغة عن العرب .وفيه تتجلى المعادلة الرياضية لأداء مالم يستطع تأديته غرض من الأغراض الأخرى .وهي كثيرة وقد سجل بعضها القراّن الكريم في قوله عز وجل ..

    "مثلهم كمثل الذي اسوقد نارا .فلما أضاءت ماحوله .ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لايبصون "الاية 17.سورة البقرة..



    مثلهم جمع .مشبه .و..مثل الذي استوقد نارا..مشبه به .والكاف اداة تشبيه ووجه الشبه الإضاءة .و وجه الشبه النور اذا كان



    المراد بالاستفاد الإضاءة .أما اذا أريد به النور فوجه الشبه الإنارة والقفا الإضاءة .والا هما اثنان معا وجه الشبه وتركهم جواب على مفردية استوقد نارا .وقديكون على جمع مثل .وهذه خاصية ثورية لتعدد المفاهيم الصورية لدى النص .



    وأضافة الكاف الى مثل الذي .توكيد الشبه وتزكية التشبيه من حيث الفعل الذي هو استوقد..والحدث .الذي هو الإضاءة



    المرتبط بالإضاءة والإنارة ..وعلى ذكر مفردية استوقد يعقبه جمع نورهم وتركهم قي ظلمات لايبصرون ..جوابا على جمع سابق بائن الا وهو .مثلهم .من أول الأية الكريمة..



    وهذا ليس كما جاء به الشاعر غير في نفس المضمار من حيث الجمع والمفرد اذ يبدأ بوطني .مفردا وينتهي بالأوطان جمعا .وقد أضمر الجمع في وطني لان الصل أوطاننا ويسمى هذا ب مكنون الكلمة .كما يوجد نوع أخر وهو مفرد الجمع مجزؤ نحو قول المتنبي



    ..لكل امرئ من دهره ماتعود...وعادة سيف الدولة الطعن في العدى



    امرئ مفرد جمع مجزؤ .مضمر .مكنون.وعلامة تجزئه .لكل.حيث أن العادة تخص صاحبها ..وغيره قوله عزوحل ..



    كل نفس ذائقة الموت..فالنفوس كلها للموت وليست واحدة او اثنين وانما هي جمع لذا هي مفرد جمع مجزؤ ب كل



    ولأن العادة بينة على المرء من لكل امرئ يسمى ..مجزؤ بائن ..ولأن مذاق الموت يخص صاحبه دون غيره المجزؤ المكتوم ..



    ومن بين علاقة جمع النهاية بمفرد البداية ..



    منفصل ..و..متصل..و..منفصل متصل..و..متصل منفصل..



    1..فالمنفصل.ماانفصل عن مفرده نحو...مات زيد فاانهمر الاهل يبكون ...جمع يبكون منفصل عن مفرد زيد ..



    2..المتصل .هومااتصل جمعه بمفرده .نحو .قوله عز وجل ...قلنا اهبطوا منها جميعا .فاما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي



    فلاخوف عليهم ولاهم يحزنون..الاية 38..سورةالبقرة...جمع .فلاخوف عليهم ولاهم يحزنون ..يتصل علاقة بمفردية .من تبع هداي..



    اما المنفصل المتصل .هو ماانفصل ظاهره واتصل باطنه .نحو ..وطني.و .الاوطان .للشاعر.اذ لاعلاقة بينهما حيث الاوطان جمع ووطني مفرد .لكن اذا عدت الى الاصل تجد العلاقة في كون وطني مخطات وطنية جمعها اوطان تقرا لوحدتها وطن لااوطان ولذا هو متصل باطنه منفصل ظاره ..اما المتصل المنفصل ...هوعكس الاول متصل ظاهره منفصل



    باطنه .نحو.قوله عز وجل.

    قل اعوذبرب الناس ملك الناس .اله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس ..



    تبدو علاقة الناس وطيدة بما بعدها من حيث الجمع والاسم الاانها تحوي كل كلمة معنى غير ما تحمله غيرها .اذ ان الناس .مثلا في ..الذي يوسوس في صدور الناس ..ليست هي في .من الجنة والناس .فالناس في .صدور الناس مفعول موسوس بضم الميم ومفتوح الواوين معا..والناس في ..من الجنة والناس فاعل الوسوسة موسوس بضم الميم وفتح الواو الاولى وكسر

    الواو الثانية..وكذلك ماتبقى على وجه الجناس الثوري اذ العلاقة بين الظاهر متباعدة الباطن .وبهذا يسمى ..متصل منفصل ..لاتصالالظاهري وانفصاله الباطني ..



    ولله العلم كله أساله المغفرة إن أذنبت والتجاوز عني فيما أخطات...



    الشاعر

    حميد بركي

  9. #39
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jun 2010
    المشاركات : 108
    المواضيع : 32
    الردود : 108
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ـــ 1 ـــ
    بسم الله الرحمن الرحيم


    الرؤية الفنية في قصيدة الشيخ


    عبدالمجيد فرغلي (1)

    مرتزقة أبواب السلطان

    تأليف الأستاذ الدكتور / محمد أحمد مخلوف
    أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بأسيوط
    فرع جامعة الأزهر


    المبحث الأول : الرمز في القصيدة .
    ـــــــــــــــــــــــ
    وظف الشيخ عبدالمجيد فرغلي الرمز في هذه القصيدة ؛ لأنه يقصد من قوله في العنـــــــــــوان
    [ مرتزقة أبواب السلطان ] الشعراء الذين ينافقون الحكام ، أوينافقون أصحاب الجاه والسلطـة وكان هؤلاء الشعراء المنافقون أشبه بتنابلة السلطان ؛ لأنهم لم يقدموا أعمالا شعرية فنيـــــــة أصيلة وقوية ؛ لأنهم انتهازيون ، وأصحاب مصالح شخصية قد صرفتهم هذه المصالح الأنانيـة
    عن الإخلاص للشعر ، ووضعه في المكانة التي يستحقها؛ لأنه من المفترض أنه يقدم رسالة سامية ؛ ومما جعل الشيخ عبدالمجيد فرغلي يلجأ إلى الرمز في هذه القصيدة أنه تعرض لجحود هؤلاء الشعراء المنافقين لمكانته الشعرية التي يستحقها حيث إنهم كانوا يوشون به عنــــــــــد أصحاب السلطة ، ولا يقدمــونه بالطريقة التي تليق به ، ولا يذكرونه في المضمار الــــــــذي يخوضه فهذا يعد من وجهة نظره اغتيالا فنيا لشاعريته ، وإقصاء فنيا لأدبه ؛ فآلمه ذلــــــــك
    وآذى نفسيته وجعله يشعر بالكبت والحرمان والغربة في الوقت الذي يعد نفسه فيه أنه شاعـــر أصيل وفنــــان كبير وموهوب مبدع .


    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
    (1) نبذة عن الشيخ / عبدالمجيد فرغلي :
    هو : عبدالمجيد فرغلي محمد رفاعي .
    تاريخ الميلاد : 14/1/1932م .
    محل الميلاد : قرية النخيلة ــ مركز أبوتيج ــ محافظة أسيوط .
    تاريخ الوفاة : 3/12/2009م .
    المؤهلات والخبرات العلمية :
    حاصل على كفاءة التعليم 1952م
    حاصل على ليسانس الحقوق 1977م
    عمل مفتشا للتحقيقات بالتربية والتعليم حتى عام 1992م
    مؤلفاته الشعرية :
    له العديد من الدواوين والملاحم الشعرية والمسرحيات الشعرية .
    الجوائز التي حصل عليها :
    سبعة خطابات تقدير من رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر.
    كرم من الكثير من نوادي الأدب والمؤتمرات والجمعيات ووزارة الثقافـــــــــة
    وقصور الثقافة .




    ــ 2 ــ

    المبحث الثاني : الشعر الحر في إطار القصيدة .
    ــــــــــــــــــــــــ
    تعد هذه القصيدة من الشعر الحر الذي حقق الشروط الفنية للشعر الحر ؛ لأنه حقق الشرط الأول وهو أن تكون القصيدة من بحر موحد في التفعيلات ؛ لأن هذه القصيدة من بحر الخبب وتفعيلاته هي :
    فعلن فعلن فعلن فعلن فعلن فعلن فعلن فعلن
    لكن هذه التفعيلات الموحدة مبنية على نظام السطر الشعري وليس على نظام الشطرين الخليليين ، كما أنه حقق الشرط الثاني في الشعر الحر وهو ألا يزيد عدد التفعيلات في السطر الواحد عن ثماني تفعيلات ؛ كي لا نبعد عن عروض الخليل بن أحمد الفراهيدي كثيرا ، زد على ذلك أنه لم يلتزم بقافية متكررة في القصيدة من البداية للنهاية ولكنه نوع في القوافي بين الهمزة والنون .
    وذلك أن الشعر الحر الذي قنن له مقننوه لم يشترطوا فيه تكرار القافية في نظام متكرر بحيث أن الشاعر له أن يكرر القافية وله أن لا يكررها وهنا تتاح للشاعر الحرية في استخدام النظام الذي يريده ومن هنا تحلل الشاعر الشيخ عبدالمجيد فرغلي من الالتزام بقافية واحدة في كل القصيدة .

    المبحث الثالث : الصدق الفني في القصيدة :
    ـــــــــــــــــــــــــ ــ
    قد تحقق الصدق الفني في قصيدة [ مرتزقة أبواب السلطان ] ؛ لأن الشاعر هنا قد عبر عن مشاعره بإخلاص وصور معتقده بصدق ؛ لأنه كان يشعر بأن هؤلاء الشعراء المنافقين قد اضطهدوه ، كما أنه كان يعتقد أنه شاعر قوي يعبر عن تجربة شعورية عميقة وعاطفة متوهجة بقوة الحرارة .
    ومن هنا تجد الشاعر هنا قد أخلص أيضا لجمله وعباراته وألفاظه فجاءت واضحة وسليمة معنويا ولغويا ؛ مما أدى إلى الإقناع والتأثير .

    المبحث الرابع : السخرية من الشعراء الانتهازيين :
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ
    قدم الشيخ عبدالمجيد فرغلي غيظه من الشعراء المنافقين ؛ فسخر منهم سخرية لاذعة ، وجعلهم هزأة أمام المتلقي ، وأضحوكة لكل المشاهدين .

    ومن أمثلة ذلك قوله في هذه القصيدة :

    " مهلا يا مرتزقة أيام
    الشؤم الشوهاء
    مهلا ورويدا يا مزبلة التاريخ





    ــ 3 ــ
    ويا بوم غرابيل الماء . "

    ومما دفعه إلى السخرية من هؤلاء الشعراء الانتهازيين هو أن الشيخ عبدالمجيد قد وجد أشعارهم هابطة ؛ بسبب أنهم يصورون في أشعارهم الجنس المفضوح في شكل مقبوح

    ومن أمثلة ذلك قوله عن أشعارهم :

    " أن كان الشعر هو الجنس العاري
    المفضوح المذبوح
    اللابس من مزق الأردان
    ومصاص الحلمات على ربع طريق
    أو مقطوع الأوزان
    أن كان الشعر هو العري بكل معاني
    شرف الإنسان "

    فهو هنا يعترض على الشعر الفاضح الذي لا يعتمد على الإيماء في تصوير الجنس وإنما يعتمد على التصريح الذي يغري بالوقوع في الرذيلة ، وينفر من الفضيلة .

    كما أنه هنا يعترض على الشعر الذي لا يعتمد فيه صاحبه على الصياغة في بحر من بحور الشعر العربي ولا يعتمد على وزن من الأوزان المشروطة في الصياغة الشعرية سواء في سياق الشعر التقليدي أو في سياق الشعر الحر .

    وقد اعترض الشيخ عبدالمجيد على شعر هؤلاء المرتزقة حينما جعلوا أشعارهم حشوا وهم يلبسونها بأعمال السحرة والحواة .

    ومن أمثلة ذلك قوله :
    "من قال بأن الشعر فضالات الأسواق
    وآخر ما في جعبة ... سل حواة جمعوا فيها
    حيات الأركان
    وتواصوا فيها باللمز وبالغمز وتمزيق
    شيات
    الألوان " .

    واعترض أيضا على اجتماع المرتزقة من الشعر على الصياغة الشعرية المعتمدة على الوهم والاستعانة بفعل الشيطان .





    ــ 4 ــ

    ويمثل ذلك قوله :
    " أراهم قد قالوا نحن فريق تنابيل
    السلطان
    نصنع من وهم قمصانا ... وملاحف
    من نسج الشيطان
    ثيابا من عري مرئي تتأذى منه الأجفان
    أن جمعوا شلتهم يوما في ساحة قصر
    الأوهام "

    كما اعترض الشيخ عبدالمجيد على تنابلة السلطان من الشعراء في كونهم يهاجمون العرب وبلغاءهم وفصحاءهم زورا وبهتانا .

    ويمثل ذلك قوله :
    " وأخيرا قالوا ما قالوا من بعض
    حكايا موشي ديان
    في سابق أيام الحرب مع العرب لهم قال
    الصهيوني المنصان
    الخطة عندي في شن العدوان
    على كل الجبهات وضعت لها هذا
    العنوان
    العرب جميعا أو معظمهم من حملة
    أختام وبيان
    والواحد يبصم بالخاتم أو بالإبهام
    لا يدري المكتوب ولا يتقن فهم حروف
    لبيان " .

    فهو هنا يعترض على أن مرتزقة السلطان من الشعراء قد أيدوا الصهاينة في وصف العرب بالجهل والأمية والتخلف .

    لكن الشيخ عبدالمجيد يرى أنهم قد كذبوا في أشعارهم وزوروا ؛ لأن العرب أهل بلاغة وفصاحة وخاصة أهل مصر .
    ولذلك يقول الشيخ عبدالمجيد في الرد على من وصف المصريين بالعي والتخلف :
    " فتعال معي نستنبط بعضا مما قال تنابيل
    السلطان
    أو ليسوا قد وصموا العرب ومنهم مصر
    بمقبوح النقصان ؟
    وكذلك قد وصفوا أو وصموا واتهموا





    ــ 5 ــ

    بالعي ذوي الفهم أو الوعي
    وخاضوا في حق دعاة الإتقان ؟
    وصفوا العريان بذي الثوب
    وذو الثوب له قالوا بالزور العريان ؟ " .

    فهو يأمر المستمع والمتلقي والمشاهد أن يرمي بكلام هؤلاء الشعراء المرتزقة عرض الحائط فيقول :
    " فلتطمس بالكف عليهم أو ذرهم كرماد
    لا تأبه يوما بنعيق الغربان
    لا تعبأ أبدا بكلام
    تنابلة السلطان " .

    والسبب في كون الشيخ عبدالمجيد فرغلي لا يعترف بأشعار هؤلاء المرتزقة هو أنه استوثق من أنهم انتهازيون وأنانيون ومشوهون ومزيفون .

    وأخيرا :
    أقول :
    إن الجديد في هذا البحث هو ما يأتي :

    أولا :
    إن الشيخ عبدالمجيد فرغلي له رؤية فنية في الهدف من الشعر ورسالته وتتمثل هذه الرؤية في أن الشعرالحق هو ما عبر عن عاطفة صادقة في شكل فني جميل ومن هنا قد صور هذه الرؤية الفنية بالشعر في هذه القصيدة مما يدل على تمكنه من صياغة أفكاره ومشاعره بأجمل الأشعار

    ثانيا :
    إن الشيخ عبدالمجيد فرغلي له رؤية فنية في وصف الشاعر وتتمثل هذه الرؤية في أن الشاعر لابد أن يتخلص من الانتهازية وأن يضع الحق في نصابه ولا يغمط أصحاب الفن والبلاغة والفصاحة ولا يحتقرهم ولا يقلل من قيمتهم وقد استطاع الشيخ أن يصور ذلك بأبيات شعرية قيمة ومؤثرة ومقنعة

    والله الموفق
    أ . د / محمد أحمد مخلوف
    أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بأسيوط
    فرع جامعة الأزهر بأسيوط
    تأليف الأستاذ الدكتور / محمد أحمد مخلوف

    أستاذ الأدب والنقد بكلية اللغة العربية بأسيوط

    فرع جامعة الأزهر

  10. #40

صفحة 4 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. يوم العبور..شعر : عبد المجيد فرغلي ..نسأل الله له الرحمة والمغفرة.
    بواسطة عمادالدين رفاعي في المنتدى مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-10-2011, 09:36 AM
  2. إنتصار أكتوبر.. شعر:عبد المجيد فرغلي ..رحمه الله
    بواسطة عمادالدين رفاعي في المنتدى مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-10-2011, 09:34 AM
  3. الشهيد:عمر المختار(رائد الثوار)شعر:عبد المجيد فرغلي رحمه الله
    بواسطة عمادالدين رفاعي في المنتدى مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-03-2011, 02:23 AM
  4. (( بِلْفُور وَعْدَك فِي الْجَحِيْم) شِعْر عَبْد الْمَجِيْد فَرْغَلِي رَحِمَه الْلَّه
    بواسطة عمادالدين رفاعي في المنتدى مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 09-11-2010, 09:22 PM
  5. لا مستوطنات .. شعر:عبد المجيد فرغلي ..رحمه الله
    بواسطة عمادالدين رفاعي في المنتدى مُخْتَارَاتٌ شِعْرِيَّةٌ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 16-09-2010, 11:13 PM