حلقة جديدة وكل عام والجميع بخير..
طلبت تماضر من شقيقها أنور أن يأخذهما إلي مكان عام للإحتفاء بإبنة عمهم ناهد ..وكان في بالها الفلم الهندي الرهيب قاهر الأقوياء ..الذي تعرضه قاعة الأخوة هذه الايام ..فلم الإثارة و المتعة ..أقوي أفلام الآكشن علي الإطلاق ..وقاعة الأخوه مكنددشه وهااادئه ..أنور طالب التاريخ الذي يحضر للماجستير حول الحضارة النوبية رد عليها قائلا : بل سنذهب للمتحف القومي السوداني ..تماضر إعترضت بشده : إنت قايلنا تلميذات في الأبتدائي ؟ ..ما هو ده الفهم الخاطيء المعشعش في أذهان الناس ..الدنيا كلها تقوم وما تقعد عندما يتم إكتشاف مقبره في مكان ما من الصحراء وفتيات في سنكم شغالات في الحفريات الأثريه في عز الصيف وإنتو أسياد الحضاره دي .. ما بتكلفوا نفسكم تمشوا المتحف عشان تشوفوا عظمة الأجداد .. العظمه المكتشفه بواسطة بنات أجنبيات ..الواحده تلقيها جايه من برلين أو كوبنهاقن ..تركن المدينه الجد والسينمات الجد ..وجايه هسه تقولي لي بكل بجاحه : ودينا القاعه ..تماضر صفقت له في إستهزاء وهي تقول له :اهو ده الأنت فالح فيه ..تاريخ مين وامجاد مين يا عمي .. ما خلاص كل واحد راح لحالو .. نحن ما عندنا وقت نضيعو في موميات وحاجات زي آمون وخفرع ..وريني كدارس للتاريخ كان إنت أو ناس البلد عموما.. ما هو نصيبكم من التاريخ لما بعد مئات السنين حتكونوا أصبحتو جزء من التاريخ ..ماذا بنيتم ؟ ماذا اكتشفتم ؟ ضيعتوا الزمن في ساس يسوس بدون أي فائده ..ناهد الرائعه التي كانت تتابع النقاش وهي ترسم فوق شفتيها نصف ابتسامه تدخلت في النقاش وهي تقول لهما بمرح ..يا أخوانا إنتو الأتنين غلطانين ..يا تماضر التاريخ هو كتاب الأيام الخوالي ..عيب تتكلمي عنو بالشكل ده وكمان يا أنور ..المتاحف دي بقت موضه قديمه وحاجه متخلفه ..أنا شخصيا بشوف المتحف من عربيتي وأنا ماشه أم درمان ..يعني ما تزعل مني إذا قلت ليك مافي زول الأيام دي يترك شغلو عشان يتفرج علي العصر الخزفي ومش عارفه أيه ..أنور رد عليها بإستياء واضح ..معقول يا ناهد إنتي الأعلاميه المثقفه تقولي كلام زي ده ؟.. الأجانب بقطعوا تذاكر طيارات من آخر الدنيا عشان لحظة تأمل في بهو الحضارات القديمه من خلال المتاحف ..وتحت ضغطه وإصراره وافقتا علي الذهاب للمتحف وقد شعرت تماضر بأنها أهينت ..لذلك لم تشارك بكلمة واحده طوال المشوار ..غير أن الوضع إختلف تماما بعد طوافهن علي أقسام المتحف وقد تخيلت ناهد نفسها كأميره من أميرات مملكة نبتة وفي الواقع كانت كل لفته من لفتاتها تقول إنها لكذلك .
أدارت كوثر محرك العربه بإتجاه مستشفي السجن لمعاودة صاحبنا المذهول وشعرت كما لو أنها تريد تأخير لحظة لقاءها به فدارت دورة طويلة من شارع النيل وحتى أمدرمان ومن ثم بحري حتى كوبر ..ياه !!! لماذا هي خائفة ومشوشة الفكر وكأنها ذاهبة لموعد طال إنتظارها له ..كان قلبها يضرب بشدة وكأنه طبول إستوائيه ..وكانت موزعه بين الشوق واللهفة للقاء ذلك الإنسان الذي لا تعرف عنه أي شيء ولا حتي إسمه .. هل أحبته ؟! معقول يحصل ده وأنا ما داريه ..أيوه يا كوثر قال لها ضميرها ..لقد أحببته ولا داعي للهروب من الواقع ..وعصام خطيبي ودكتور همام ؟؟ ما هو إحساسي نحوهم ..المهم لقد وقعت في حب هذا الرجل .. ولكنه معتوه ..مذهول ..متشرد .. ولو يا كوثر هذه هي الحقيقة للأسف الشديد .. والعمل ؟ ليس أمامك سوي التسليم بقدرك ..أحبه أنا هذا المجنون ..لا ليس بمجنون وأنت تدركين ذلك جيدا ..وتتمنين لو أنك تفوزين به .. لا لا أنت تبالغ ولا شك ..ربما يكون إشفاق أو شعور بالمسئولية تجاه إنسان ضائع مريض ..سترين .. سترين يا كوثر ..وعندما وصلت إلي بهو المستشفي تمنت لو أنها تطير بأجنحة الخيال وتختصر تلك الأمتار القليلة حتى غرفته ..كان الباب مواربا والسكون يلف المكان وقد غادر الحارس موقعه ..أعادت خصلات شعرها للوراء ورفعت رأسها إلي أعلي وطرقت الباب طرقا خفيفا ثم نظرت نحو السرير الخالي ..لا أحد ..لا أحد ..حدثت نفسها ..ربما يكون مع الطبيب ..ركضت نحو غرفة الطبيب وكادت أن تصطدم بالحارس الذي تعودت علي رؤيته قابعا أمام غرفته ..لو سمحت يا شاويش ..أين أين هو ؟ الرجل المصاب ..قصدك الذيّ شرع في الانتحار ..نعم نعم ..لقد حوكم بحسن سير وسلوك لمدة عام وغادر المستشفي ..ولكن إلي أين ..إلي ..يا إلهي ..تحاملت نحو أقرب مقعد وجلست غير قادرة علي الكلام ..غير قادرة علي البكاء ..وبعد وقت ليس بالقصير لملمت بقاياها انصرفت