أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الاستشهاد بالحديث .. من مقدمة "عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد" للسيوطي

  1. #1
    الصورة الرمزية فريد البيدق أديب ولغوي
    تاريخ التسجيل : Nov 2007
    الدولة : مصر
    المشاركات : 2,698
    المواضيع : 1052
    الردود : 2698
    المعدل اليومي : 0.45

    افتراضي الاستشهاد بالحديث .. من مقدمة "عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد" للسيوطي

    مقدمة [ في الاستشهاد بالحديث]
    اعلم أن كثيرًا من الأحاديث روتها الرواةُ بالمعنى، فزادوا فيها ونقصوا، ولحنوا، وأبدلوا الفصيح بغيره، ولهذا تجد الحديث الواحد يروى بألفاظ متعددة، منها ما يوافق الإعراب والفصيح، ومنها ما يخالف ذلك.
    وقد قال الحافظ فتح الدين بن سيد الناس: "إذا ورد الحديث على وجهين ما يوافق الفصيح وما يخالفه، فالموافق للفصيح هو لفظ النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن ينطق إلاّ بالفصيح". وقد نقل هذا الكلام عن المزني.
    قال أبو عاصم العبادي - من متقدمي أصحابنا- في طبقاته: "قال المزني: لا يروى في الحديث خطأ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أفصح العرب، فلا يجوز أن يروي خطأ".
    وقال أبو الحسن بن الضائع - بالضاد المعجمة- في شرح الجمل: "تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة كسيبويه وغيره الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث، واعتمدوا في ذلك على القرآن وصريح النقل عن العرب. ولولا تصريح العلماء بجواز النقل بالمعنى في الحديث لكان الأولى في إثبات فصيح اللغة كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أفصح العرب".
    قال: "وابن خروف يستشهد بالحديث كثيرًا فإن كان على وجه الاستظهار والتبرك بالمروي فحسن، وإن كان يرى أن من قبله أغفل شيئًا وجب عليه استدراكه فليس كما رأى".
    وقال أبو حيان في شرح التسهيل: "قد أكثر ابن مالك من الاستدلال بما وقع في الأحاديث على إثبات القواعد الكلية في لسان العرب، وما رأيت أحدًا من المتقدمين والمتأخرين سلك هذه الطريقة غيره. على أن الواضعين الأوّلين لعلم النحو المستقرئين للأحكام من لسان العرب كأبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر الخليل وسيبويه من أئمة البصريين، والكسائي والفراء وعلي بن المبارك الأحمر وهشام الضرير من أئمة الكوفيين- لم يفعلوا ذلك.
    وتبعهم على هذا المسلك المتأخرون من الفريقين وغيرهم من نحاة الأقاليم، كنحاة بغداد وأهل الأندلس. وقد جرى الكلام في ذلك مع بعض المتأخرين الأذكياء فقال: إنما ترك العلماء ذلك لعدم وثوقهم أن ذلك لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ لو وثقوا بذلك لجرى مجرى القرآن في إثبات القواعد الكلية، وإنما كان ذلك لأمرين:
    أحدهما: أن الرواة جوّزوا النقل بالمعنى فتجد قصة واحدة قد جرت في زمانه صلى الله عليه وسلم تقال بتلك الألفاظ جميعها. نحو ما روي من قوله: "زوجتكها بما معك من القرآن"، "ملكتكها بما معك", "خذها بما معك" وغير ذلك من الألفاظ الواردة في هذه القصة.
    فنعلم يقينًا أنه صلى الله عليه وسلم لم يلفظ بجميع هذه الألفاظ، بل لا نجزم أنه قال بعضها؛ إذ يحتمل أنه قال لفظًا مرادفًا لهذه الألفاظ غيرها، فأتت الرواة بالمرادف، ولم تأت بلفظه صلى الله عليه وسلم؛ إذ المعنى هو المطلوب، ولاسيما مع تقادم السماع، وعدم ضبطه بالكتابة، والاتكال على الحفظ، والضابط منهم من ضبط المعنى، وأما ضبط اللفظ فبعيد جدًا، لاسيما في الأحاديث الطوال.
    وقد قال سفيان الثوري: إن قلت لكم: إني أحدثكم كما سمعت- فلا تصدقوني، إنما هو المعنى. ومن نظر في الحديث أدنى نظر علم العلم اليقين أنهم إنما يروون بالمعنى.

    الأمر الثاني: أنه وقع اللحن كثيرًا فيما روي من الحديث؛ لأن كثيرًا من الرواة كانوا غير عرب بالطبع، ولا يعلمون لسان العرب بصناعة النحو، فوقع اللحن في كلامهم، وهم لا يعلمون ذلك. وقد وقع في كلامهم وروايتهم غير الفصيح من لسان العرب.
    ونعلم قطعا غير شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفصح الناس، فلم يكن ليتكلم إلاّ بأفصح اللغات وأحسن التراكيب وأشهرها وأجزلها, وإذا تكلم بلغة غير لغته فإنما يتكلم بذلك مع أهل تلك اللغة على طريق الإعجاز، وتعليم الله ذلك له من غير معلم.
    وابن مالك قد أكثر من الاستدلال بما ورد في الأثر متعقبًا بزعمه على النحويين، وما أمعن النظر في ذلك.
    "وابن المصنف رحمه الله كأنه موافق لأبيه في استدلاله بما روي في الحديث، فإنه يذكره على طريقة التسليم".
    وقد قال لنا قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وكان ممن أخذ عن ابن مالك: قلت له: يا سيدي، هذا الحديث رواية الأعاجم، ووقع فيه من روايتهم ما يعلم أنه ليس من لفظ الرسول؟ فلم يجب بشيء.
    قال أبو حيان: "وإنما أمعنت الكلام في هذه المسألة؛ لئلا يقول مبتدئ: ما بال النحويين يستدلون بقول العرب وفيهم المسلم والكافر، ولا يستدلون بما روي في الحديث بنقل العدول كالبخاري ومسلم وأضرابهما. فمن طالع ما ذكرناه أدرك السبب الذي لأجله لم يستدل النحاة بالحديث". انتهى كلام أبي حيان.
    وقال القاضي عياض في شرح مسلم: قال الشعبي: "إذا وقع في الحديث اللحن البينّ يعرب". وقاله أحمد بن حنبل. قال: "لأنهم لم يكونوا يلحنون". وقال النسائي: "إن كان شيئًا تقوله العرب فلا يغيّر، وإن لم يكن من لغة قريش؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يكلم الناس بألسنتهم، وإن كان لا يوجد في كلام العرب فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلحن".
    احرص على أن تنادي أشياء حياتك الإيمان وشريعة الله تعالى!

  2. #2

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2011
    الدولة : خارج التغطية
    العمر : 44
    المشاركات : 5,087
    المواضيع : 206
    الردود : 5087
    المعدل اليومي : 1.09

    افتراضي

    رائع ما قرأتُ هنا ومفيد ومهم
    أستاذ فريد دمتَ مثمراً
    تحيتي وتقديري الكبيرين
    أنــــا لا أعترض إذاً أنا موجود ....!!

المواضيع المتشابهه

  1. وجوه "الفتنة" .. من "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى المُعْجَمُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 07-02-2023, 11:58 AM
  2. وجوه "القضاء" .. من "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى المُعْجَمُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-01-2012, 02:06 PM
  3. وجوه "الهدى" ومشتقاتها.. من "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى المُعْجَمُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 21-02-2011, 06:45 PM
  4. الاستشهاد بالحديث في اللغة.. للشيخ العلامة محمد الخضر حسين (1874 – 1958م)
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى النَّحوُ والصَّرْفُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 05-08-2010, 11:49 AM
  5. فى مُسْند الخَوْلَدِىّْ
    بواسطة محمود موسى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 07-02-2009, 05:36 PM