الاختلاف في نسبة معجم العين معروف، وقد رأيت كتاب "فقه اللغة" قد أحسن عرض الخلاف وأسند الآراء إلى أصحابها، ثم رجح في النهاية، فنقلت ذلك كله بعد عنونته وترقيمه.
***

(أ) تحقيق النسبة

اهتم العلماء بكتاب العين، وكثر الجدل والخلاف حوله خصوصًا من ناحية تأليفه ومؤلفه؛ فمنذ عصر الخليل إلى عصرنا هذا والخلاف حوله كثير جدًا. ويكاد الخلاف في هذه المسألة يتلخص في الآراء الآتية:
1- أن الخليل لم يؤلف كتاب العين، ولا صلة له به.
وممن قال بذلك أبو علي القالي، وأستاذه أبو حاتم.

2- أن الخليل لم يضع نص كتاب العين، ولكنه صاحب الفكرة في تأليفه، فزعموا أن الفكرة للخليل، والتنفيذ لتلميذه الليث بن المظفر بن نصر الخراساني.
وأول من قال بذلك: الأزهري صاحب التهذيب.
3- أن الخليل لم ينفرد بتأليف كتاب العين، ولكن كان لغيره عون في ذلك؛ حيث مال أغلبهم إلى أن الليث هو الذي ساعد في إتمام الكتاب.
ولكن أصحاب هذا الرأي يختلفون فيما بينهم في تفسير اشتراك الليث مع الخليل، وإلى أي مدى عاون الليث في تأليف الكتاب؛ فمنهم من قال: إن الليث أعاد وضع الكتاب، وينسب ذلك إلى ابن المعتز. ومنهم من قال: الخليل وضعه والليث أكمله، وينسب هذا إلى أبي الطيب اللغوي.

4- أن الخليل عمل من كتاب العين أصوله، ورتب أبوابه، وصنف مواده، ولكن غيره حشا المفردات.

5- أن الخليل عمل كتاب العين بمعنى أنه ألفه، وروي عنه.
ومن أشهر من قال بهذا ابن دريد، وابن فارس، والسيوطي، والمستشرق براونلتش.
قال ابن دريد في مقدمة الجمهرة: وقد ألف أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفرهودي كتاب العين، فأتعب من تصدى لغايته، وعنَّى من سما إلى نهايته.
وقال ابن فارس في مقدمة كتابه المقاييس حينما تحدث عن مصادر كتابه: فأعلاها وأشرفها كتاب أبي عبدالرحمن الخليل بن أحمد المسمى كتاب العين.
وقال السيوطي: أول من صنف في جمع اللغة الخليل بن أحمد ألف في ذلك كتاب العين المشهور.
وأما المستشرق براونلتش فقد توصل بعد طول دراسة وتأمل إلى أن الكتاب للخليل، وبين سببًا لهذا وهو أن جُلَّ من تكلموا على العين اتفقوا على أن التنظيم والترتيب من صنع الخليل، وهذا هو جوهر المسألة وهو المعني بكلمة التأليف، أما الإضافة والحذف فلا تؤثر في كون الخليل مؤلف الكتاب. وأضاف -أيضًا إلى هذا - أن تلميذه الليث قد قام بنصيب كبير في نقل الكتاب عن الخليل، وربما أثبت فيه أشياء بعد أن استأذن الخليل في ذلك.
وانتهى من هذا إلى أن الخليل هو المؤلف، وأن المخرج للكتاب هو الليث.

(ب) الرأي الراجح

لعل الرأي الراجح الصحيح هو أن الخليل هو واضع كتاب العين كما نص على ذلك صراحة ابن دريد، وابن فارس، والسيوطي وغيرهم.
وأما ما وجد فيه من أشياء لا يمكن نسبتها إلى الخليل، مثل التصحيف أو التحريف أو مسائل لا تسير وفق مذهبه البصري، أو حكايات عن المتأخرين عنه، أو المعاصرين له- فذلك كله إنما هو من عمل النساخ، أو غيرهم من قد يتعمدون ذلك. ثم إن الآراء الأخرى أغلبها استنتاجي يعتمد على الرواية فقط دون النظر إلى وقائع الأمور.