قلت لصديقي (كافو) أريدك في مشوار مهم سيصحح الكثير من الأوهام التي تحيط بحياتي …سنذهب لنزور (بطة) .. لقد وعدتها بزيارتهم وحتى لو لم أعدها فأنا اشتاقها بشدة .. اشتاق بحة صوتها .. وهل يعشق إنسان امرأة ما لبحة صوتها ..؟ لا ليس ذلك بالضبط ولكنني لا اشبع من حديثها لا اشبع من بحتها واشعر كأنني أحلق بعيداً في الفضاء بينما هي توشوشني بكلامها .. لدى إحساس بأنني خلقت من اجلها .. معها لا احتاج لاثبات شخصيتي ..معها اشعر بالثقة والاطمئنان لقدراتي… إذن ما المشكلة ؟ المشكلة تكمن في (سحر).. هي الأخرى تشغلني وأفكر بها ليل نهار ..وأنا سعيد يا صاحبي لأنك بدأت تعقل .. (بطة ) هي الزوجة المناسبة .. (بطة) فقط لا (سحر) ولا حتى (مها) فلماذا نخدع أنفسنا ونركض خلف السراب والحقيقة ماثلة أمام أعيننا .. توقفت لدى الباب ويبدو أن الجميع بالداخل يتوقعون زائرا ما .. فما إن صفق باب العربة وخرجنا منها باتجاه الباب حتى رأيت قريبة (بطة) تقف مخذولة وترد على تحيتنا بفتور شديد .. أهلا ممكن ندخل ..؟ لا والله متأسفين الحقيقة في مناسبة عائلية وفى (ستات) في الداخل .. طيب ممكن أشوف (بطة) ؟ بطة غير موجودة .. ( في الكوافير) ولم تكمل حديثها فإذا بعربة ملاكي تقف وتترجل منها (بطة) بصحبة أحدهم وهى بكامل أناقتها .. سلمت علينا وهى تردد في اضطراب شديد اتفضلو .. اتفضلو .. إقترح عليّ (كافو) بان نتريث ولا ندخل .. تابعتها وهى تتوغل داخل المنزل .. قلت لقريبتها ..(ممكن اعرف الحاصل شنو بالضبط ..) هنا كشرت عن أنيابها وقالت لي بحزم شديد .. الحاصل إنو بطة حيخطبوها بعد شويه ونحن منتظرين أهل العريس .. تاجر قدر الدنيا وعندو بوتيكات في كل الخرطوم .. قلت لها وما العيب في ذلك ؟.. نقول ألف مبروك وأنا سأكون أسعد الناس بزواج (بطة) وربنا يتمم بخير قلت ذلك وأنا أتراجع نحو العربة .. وفي الطريق نحو منزلنا قال لي (كافو) وهو يحاول تهدئة خواطري انسي بطة يا حربي لقد كنت دائماً أميناً معها فلماذا تغضب ..؟ نعم يا (كافو) .. سأنساها حتماً ولن أفكر بها مطلقاً .. إنها ليست المرة الأولى التي تخذلني فيها ولن تكون الأخيرة فلماذا الندم على امرأة لا يعرف الإخلاص سبيلاً إلى قلبها .. يجب ان تعذرها يا (كابو) .. بطة إنسانة غلبانة وتسعي جاهدة لتأمين مستقبلها مع زوج تطمئن معه خاصة بعد التجربة المريرة التي عاشتها مع زوجها الأول .. وكنت أنا وفي كل مرة الكتف الحنون الذي تطرح عليه بطة عذاباتها وما أن تستعيد ثقتها بنفسها وتجد من يلوّح لها بالزواج حتى تضحي بي .. المرأة بطبعها أنانية وإذا كان حبيبتك من تخون فماذا أقول أنا وقد خانتني أمي .. (يا الله كل شيء قسمة ونصيب والمقدر لابد ان يكون) ..لماذا تردد نفس كلام شنكل .. وفي مكان آخر كان شنكل يوشوش أمه بحلو الكلام .. أنا اقدر موقفك يا أمي .. أنت أروع إنسان في الوجود ومن حسن حظي انك أمي فعلاً لا قولاً .. ولو انك لم تضعي النصف الثاني من القطعة المعدنية على الطاولة لصدقت روايتك الأولى بأنني أشبه طفلك الذي مات في حادث حركة .. لقد سامحتك والحمد لله انك عوضتني حرمان سنين وسنين … واشعر كأن المستر ريتشارد أبى الحقيقي .. هو أيضا يكن لك نفس الشعور وقد قال لي أنه يشعر الآن بسعادة لا يمكن وصفها ذلك انه بات رب أسرة حقيقية تملأ عليه حياته .. فها أنت وزوجتك الرائعة سلمى تبعثران الفرح في باحة حياتنا .. انظر كم هي متواضعة ومتفانية في خدمتنا… تستيقظ من النوم مبكراً لتعد لإفطارنا .. وتذهب للتسوق وحدها وعندما تعود أنت من عملك وأنا وزوجي من المنظمة وابنتى من المدرسة نجدها وقد رتبت البيت واعدت الغداء والقهوة وقامت بتجهيز ملابسنا بما في ذلك الغسيل والمكواة .. هذه انسانة لا مثيل لها .. وانظر كيف ضحت بموهبتها في الغناء لأجلك .. وهى تعلم إن أبواب الشهرة والمجد مشرعة في أمريكا لكل صاحب موهبة ..لا يا أمي الحبيبة (جوليا) .. أنا اقدر أن لكل إنسان ماضيه الذي يخصه وحده .. وأسراره التي لا يود لأحد الاطلاع عليها .. ولكن الأمر يتعلق بأبي الحقيقي .. أنا لا أريد معرفته لأنني اشتاق إليه أو احبه .. كلا .. لقد قلت لي انه كان خطيبك و انه غرر بك وسافر .. هذا المجرم الحقير الذي هو في الأساس أبى وقد خرجت من صلبه .. أريد أن أعرف من هو ؟ وأن ابحث عنه لأحاكمه نيابة عنك .. لأكشف له ضعته وأنه في نظري ونظرك لا شئ ولأقول لذلك التعيس .. أنه قد ضيّع على نفسه فرصة الارتباط بأنبل إنسان في هذا الوجود .. كانت مثل هذه الحوارات تتفجر بينهما عندما يكونان لوحدهما .. وكانت (جوليا) تحرص ألاّ تتبرم من أسئلته وقد سرها انه ليس غاضب عليها وأنه قد سامحها .. ويسعدها اكثر تحديقه المسهب بعينيها وهو يردد (امى الرائعة جوليا) يظل يكرر هذه الجملة وهو يأخذ يديها الى فمه يقبّلها وأحيانا يضمها إليه فىحنان وحب .. فتنساب دموع الفرح على خديها فيكفكف دموعها وهو يتمتم (لا بأس يا أمى لا بأس )..