أحدث المشاركات
صفحة 4 من 8 الأولىالأولى 12345678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 71

الموضوع: رحلة في قاع المدينة ..رواية .

  1. #31
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي الحلقة العشرون


    قلت لصديقي (كافو) أريدك في مشوار مهم سيصحح الكثير من الأوهام التي تحيط بحياتي …سنذهب لنزور (بطة) .. لقد وعدتها بزيارتهم وحتى لو لم أعدها فأنا اشتاقها بشدة .. اشتاق بحة صوتها .. وهل يعشق إنسان امرأة ما لبحة صوتها ..؟ لا ليس ذلك بالضبط ولكنني لا اشبع من حديثها لا اشبع من بحتها واشعر كأنني أحلق بعيداً في الفضاء بينما هي توشوشني بكلامها .. لدى إحساس بأنني خلقت من اجلها .. معها لا احتاج لاثبات شخصيتي ..معها اشعر بالثقة والاطمئنان لقدراتي… إذن ما المشكلة ؟ المشكلة تكمن في (سحر).. هي الأخرى تشغلني وأفكر بها ليل نهار ..وأنا سعيد يا صاحبي لأنك بدأت تعقل .. (بطة ) هي الزوجة المناسبة .. (بطة) فقط لا (سحر) ولا حتى (مها) فلماذا نخدع أنفسنا ونركض خلف السراب والحقيقة ماثلة أمام أعيننا .. توقفت لدى الباب ويبدو أن الجميع بالداخل يتوقعون زائرا ما .. فما إن صفق باب العربة وخرجنا منها باتجاه الباب حتى رأيت قريبة (بطة) تقف مخذولة وترد على تحيتنا بفتور شديد .. أهلا ممكن ندخل ..؟ لا والله متأسفين الحقيقة في مناسبة عائلية وفى (ستات) في الداخل .. طيب ممكن أشوف (بطة) ؟ بطة غير موجودة .. ( في الكوافير) ولم تكمل حديثها فإذا بعربة ملاكي تقف وتترجل منها (بطة) بصحبة أحدهم وهى بكامل أناقتها .. سلمت علينا وهى تردد في اضطراب شديد اتفضلو .. اتفضلو .. إقترح عليّ (كافو) بان نتريث ولا ندخل .. تابعتها وهى تتوغل داخل المنزل .. قلت لقريبتها ..(ممكن اعرف الحاصل شنو بالضبط ..) هنا كشرت عن أنيابها وقالت لي بحزم شديد .. الحاصل إنو بطة حيخطبوها بعد شويه ونحن منتظرين أهل العريس .. تاجر قدر الدنيا وعندو بوتيكات في كل الخرطوم .. قلت لها وما العيب في ذلك ؟.. نقول ألف مبروك وأنا سأكون أسعد الناس بزواج (بطة) وربنا يتمم بخير قلت ذلك وأنا أتراجع نحو العربة .. وفي الطريق نحو منزلنا قال لي (كافو) وهو يحاول تهدئة خواطري انسي بطة يا حربي لقد كنت دائماً أميناً معها فلماذا تغضب ..؟ نعم يا (كافو) .. سأنساها حتماً ولن أفكر بها مطلقاً .. إنها ليست المرة الأولى التي تخذلني فيها ولن تكون الأخيرة فلماذا الندم على امرأة لا يعرف الإخلاص سبيلاً إلى قلبها .. يجب ان تعذرها يا (كابو) .. بطة إنسانة غلبانة وتسعي جاهدة لتأمين مستقبلها مع زوج تطمئن معه خاصة بعد التجربة المريرة التي عاشتها مع زوجها الأول .. وكنت أنا وفي كل مرة الكتف الحنون الذي تطرح عليه بطة عذاباتها وما أن تستعيد ثقتها بنفسها وتجد من يلوّح لها بالزواج حتى تضحي بي .. المرأة بطبعها أنانية وإذا كان حبيبتك من تخون فماذا أقول أنا وقد خانتني أمي .. (يا الله كل شيء قسمة ونصيب والمقدر لابد ان يكون) ..لماذا تردد نفس كلام شنكل .. وفي مكان آخر كان شنكل يوشوش أمه بحلو الكلام .. أنا اقدر موقفك يا أمي .. أنت أروع إنسان في الوجود ومن حسن حظي انك أمي فعلاً لا قولاً .. ولو انك لم تضعي النصف الثاني من القطعة المعدنية على الطاولة لصدقت روايتك الأولى بأنني أشبه طفلك الذي مات في حادث حركة .. لقد سامحتك والحمد لله انك عوضتني حرمان سنين وسنين … واشعر كأن المستر ريتشارد أبى الحقيقي .. هو أيضا يكن لك نفس الشعور وقد قال لي أنه يشعر الآن بسعادة لا يمكن وصفها ذلك انه بات رب أسرة حقيقية تملأ عليه حياته .. فها أنت وزوجتك الرائعة سلمى تبعثران الفرح في باحة حياتنا .. انظر كم هي متواضعة ومتفانية في خدمتنا… تستيقظ من النوم مبكراً لتعد لإفطارنا .. وتذهب للتسوق وحدها وعندما تعود أنت من عملك وأنا وزوجي من المنظمة وابنتى من المدرسة نجدها وقد رتبت البيت واعدت الغداء والقهوة وقامت بتجهيز ملابسنا بما في ذلك الغسيل والمكواة .. هذه انسانة لا مثيل لها .. وانظر كيف ضحت بموهبتها في الغناء لأجلك .. وهى تعلم إن أبواب الشهرة والمجد مشرعة في أمريكا لكل صاحب موهبة ..لا يا أمي الحبيبة (جوليا) .. أنا اقدر أن لكل إنسان ماضيه الذي يخصه وحده .. وأسراره التي لا يود لأحد الاطلاع عليها .. ولكن الأمر يتعلق بأبي الحقيقي .. أنا لا أريد معرفته لأنني اشتاق إليه أو احبه .. كلا .. لقد قلت لي انه كان خطيبك و انه غرر بك وسافر .. هذا المجرم الحقير الذي هو في الأساس أبى وقد خرجت من صلبه .. أريد أن أعرف من هو ؟ وأن ابحث عنه لأحاكمه نيابة عنك .. لأكشف له ضعته وأنه في نظري ونظرك لا شئ ولأقول لذلك التعيس .. أنه قد ضيّع على نفسه فرصة الارتباط بأنبل إنسان في هذا الوجود .. كانت مثل هذه الحوارات تتفجر بينهما عندما يكونان لوحدهما .. وكانت (جوليا) تحرص ألاّ تتبرم من أسئلته وقد سرها انه ليس غاضب عليها وأنه قد سامحها .. ويسعدها اكثر تحديقه المسهب بعينيها وهو يردد (امى الرائعة جوليا) يظل يكرر هذه الجملة وهو يأخذ يديها الى فمه يقبّلها وأحيانا يضمها إليه فىحنان وحب .. فتنساب دموع الفرح على خديها فيكفكف دموعها وهو يتمتم (لا بأس يا أمى لا بأس )..

  2. #32
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي الحلقة الواحدة والعشرون


    أخطر الطبيب آنسة سحر بأنها علي ما يرام وأن الأعراض التي تشعر بها تعود بشكل أساسي للإرهاق والتوتر وعليها أن تخلد للراحة لمدة أسبوعين علي الأقل .. تقبلت ذلك علي مضض وهي التي تعودت علي التنقل والتسفار من بلد إلي آخر وزاد علي ذلك بان قال لها .. عليك بالكف عن الطيران لمدة لا تقل عن شهر .. كنت سعيداً بهذه النصيحة فقد أراحني أنها لن تكون مضطرةً للسفر بكل ما ينطوي عليه من مخاطر .. كنت أعبر عن شعوري بتلقائيةٍ وبسفورٍ شديد .. حدقت في وجهي ملياً وقالت ( إنت إنسان غريب جداً يا حربي .. تخاف عليّ أكثر من والدي وشقيقي ..) .. وكيف لا أخاف عليك وأنا أراك تتنقلين من مطار إلي مطار ..؟ همست في عينيها .. وعندما تعودين أشعر بسعادة عظيمة سرعان ما تنقضي عندما تعاودين الترحال من جديد .. أنا .. أنا .. وكنت علي وشك أن أقول .. أنا أحبك يا سحر .. بيد أن الحروف تعثرت فوق شفاهي وآثرت ألآ تخرج .. أنت ماذا يا حربي ؟ أرجوك أكمل .. أنا لا أعرف كيف أفسر لك حقيقة مشاعري نحوك .. أنت عزيزة علي نفسي يا سحر .. لو تعلمين مقدار معزتك عندي منذ أول يوم جئت فيه لورشة المعلم ( سلمان الفاضي ) لما سألتني هذا السؤال وبكل ظلال الشك والريبة التي تطل من عينيك .. أنا لا أشك بك يا حربي ولكنني عشت تجارب مريرة مع البشر .. قسم منهم من أهلي وآخرون جمعتني بهم ظروف العمل وقليل منهم التقيته صدفةً .. ولا أريدك أن تكون كهؤلاء .. أريدك كما أنت وبطبيعتك الطيبة والعفوية هذه .. ولا أريدك أن تخلط الأمور مع بعضها البعض .. لقد أصبحت كواحد من أفراد العائلة .. تأكل معنا في طبق واحد وتجلس معنا نتفرج علي التلفزيون .. عاوزاك تكون زي ما إنت .. وإذا عصام أخوي ضايقك بحاجه كده ولّه كده .. سيبك منو .. وعاين لي أنا ولأبوي وأمي .. لأننا كلنا بنعزّك وبنحبك زي ما إنت بتعزّنا .. أفهم الكلام ده كويس يا صالح لأني ما حأقولو ليك تاني .. واضح ؟ ..واضح , والآن بعد هذه المحاضرة القيمة يا فتي .. ماذا فهمت من كلام الآنسة سحر ؟ لماذا بنعزك وبنحبك وليس بعزك وبحبك ؟ الآن بدأت تفهم .. إن ما تشعر به سحر نحوك لا يعدو عن كونه عطف وتقدير وليس حباً كما تتوهم .. نعم نعم لقد فهمت .. ولكن ما حدث في الأيام التي تلت ذلك الحوار قلب أوضاعي رأساً علي عقب .. فقد طلبت من والدها أن أتفرغ لهم بالمنزل طيلة فترة راحتها المرضية لأتحرك بعربتها إذا ما احتاجوا لمشاوير هنا أو هناك .. فوافق علي الفور .. كنت أحضر باكراً وأبقي في الإنتظار لحين مغادرة والدها وشقيقها فتدخلني والدتها إلي الصالة الرئيسية بالمنزل حيث تقدم لي كوباً من الشاي ومن ثمّ أذهب للسوق وبيدي قائمة من الطلبات لا سيما وأن الطبيب قد قرر لها نظاماً غذائياً صارماً .. وكانت ضمن القائمة بالطبع الصحف والمجلات النسائية ولدي ساعة الإفطار تهبط سحر من غرفتها وقريباً من خزانة الأسطوانات والأشرطة تتناول قارورة عطر مهملة تنضح منها شيئاً تحت أذنيها وذقنها وهي تردد نفس الجملة ( ريحة عصام دي بتكمل متين ؟ ) .. وكنت أجدها رائعةً وجميلةً بالرغم من آثار النعاس التي تبدو عليها .. وكانت تنتابني في بعض الأوقات أحاسيس فوارة كالبراكين خاصة عندما نجلس ثلاثتنا أنا وهي ووالدتها نتفرج علي أفلام ( الفيديو ) .. وما أن يبدأ الفلم حتي تتثاءب والدتها وتستأذن منا في أخذ قسط من الراحة فنواصل أنا وهي متابعة الفلم وعندما يدور حديث عن الإخلاص والوفاء بالوعد والغدر والخيانة تحاصرني بالأسئلة الصعبة حول المضامين التي حاول الفلم تقديمها ....

  3. #33
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي الحلقة الثانية والعشرون

    أخطر الطبيب آنسة سحر بأنها علي ما يرام وأن الأعراض التي تشعر بها تعود بشكل أساسي للإرهاق والتوتر وعليها أن تخلد للراحة لمدة أسبوعين علي الأقل .. تقبلت ذلك علي مضض وهي التي تعودت علي التنقل والتسفار من بلد إلي آخر وزاد علي ذلك بان قال لها .. عليك بالكف عن الطيران لمدة لا تقل عن شهر .. كنت سعيداً بهذه النصيحة فقد أراحني أنها لن تكون مضطرةً للسفر بكل ما ينطوي عليه من مخاطر .. كنت أعبر عن شعوري بتلقائيةٍ وبسفورٍ شديد .. حدقت في وجهي ملياً وقالت ( إنت إنسان غريب جداً يا حربي .. تخاف عليّ أكثر من والدي وشقيقي ..) .. وكيف لا أخاف عليك وأنا أراك تتنقلين من مطار إلي مطار ..؟ همست في عينيها .. وعندما تعودين أشعر بسعادة عظيمة سرعان ما تنقضي عندما تعاودين الترحال من جديد .. أنا .. أنا .. وكنت علي وشك أن أقول .. أنا أحبك يا سحر .. بيد أن الحروف تعثرت فوق شفاهي وآثرت ألآ تخرج .. أنت ماذا يا حربي ؟ أرجوك أكمل .. أنا لا أعرف كيف أفسر لك حقيقة مشاعري نحوك .. أنت عزيزة علي نفسي يا سحر .. لو تعلمين مقدار معزتك عندي منذ أول يوم جئت فيه لورشة المعلم ( سلمان الفاضي ) لما سألتني هذا السؤال وبكل ظلال الشك والريبة التي تطل من عينيك .. أنا لا أشك بك يا حربي ولكنني عشت تجارب مريرة مع البشر .. قسم منهم من أهلي وآخرون جمعتني بهم ظروف العمل وقليل منهم التقيته صدفةً .. ولا أريدك أن تكون كهؤلاء .. أريدك كما أنت وبطبيعتك الطيبة والعفوية هذه .. ولا أريدك أن تخلط الأمور مع بعضها البعض .. لقد أصبحت كواحد من أفراد العائلة .. تأكل معنا في طبق واحد وتجلس معنا نتفرج علي التلفزيون .. عاوزاك تكون زي ما إنت .. وإذا عصام أخوي ضايقك بحاجه كده ولّه كده .. سيبك منو .. وعاين لي أنا ولأبوي وأمي .. لأننا كلنا بنعزّك وبنحبك زي ما إنت بتعزّنا .. أفهم الكلام ده كويس يا صالح لأني ما حأقولو ليك تاني .. واضح ؟ ..واضح , والآن بعد هذه المحاضرة القيمة يا فتي .. ماذا فهمت من كلام الآنسة سحر ؟ لماذا بنعزك وبنحبك وليس بعزك وبحبك ؟ الآن بدأت تفهم .. إن ما تشعر به سحر نحوك لا يعدو عن كونه عطف وتقدير وليس حباً كما تتوهم .. نعم نعم لقد فهمت .. ولكن ما حدث في الأيام التي تلت ذلك الحوار قلب أوضاعي رأساً علي عقب .. فقد طلبت من والدها أن أتفرغ لهم بالمنزل طيلة فترة راحتها المرضية لأتحرك بعربتها إذا ما احتاجوا لمشاوير هنا أو هناك .. فوافق علي الفور .. كنت أحضر باكراً وأبقي في الإنتظار لحين مغادرة والدها وشقيقها فتدخلني والدتها إلي الصالة الرئيسية بالمنزل حيث تقدم لي كوباً من الشاي ومن ثمّ أذهب للسوق وبيدي قائمة من الطلبات لا سيما وأن الطبيب قد قرر لها نظاماً غذائياً صارماً .. وكانت ضمن القائمة بالطبع الصحف والمجلات النسائية ولدي ساعة الإفطار تهبط سحر من غرفتها وقريباً من خزانة الأسطوانات والأشرطة تتناول قارورة عطر مهملة تنضح منها شيئاً تحت أذنيها وذقنها وهي تردد نفس الجملة ( ريحة عصام دي بتكمل متين ؟ ) .. وكنت أجدها رائعةً وجميلةً بالرغم من آثار النعاس التي تبدو عليها .. وكانت تنتابني في بعض الأوقات أحاسيس فوارة كالبراكين خاصة عندما نجلس ثلاثتنا أنا وهي ووالدتها نتفرج علي أفلام ( الفيديو ) .. وما أن يبدأ الفلم حتي تتثاءب والدتها وتستأذن منا في أخذ قسط من الراحة فنواصل أنا وهي متابعة الفلم وعندما يدور حديث عن الإخلاص والوفاء بالوعد والغدر والخيانة تحاصرني بالأسئلة الصعبة حول المضامين التي حاول الفلم تقديمها ....

  4. #34
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي الحلقة الثالثة والعشرون

    ويبدوان هذا العالم الصغير يسمح أحياناً للمواقيت الغائبة بان تصبح حقيقة .. فقد قرع أحدهم جرس الباب وكان بالمنزل المستر رتشارد وابنته و(شنكل) أو بالأحرى (رامى) وزوجته (سلمى) .. ركضت الصغيرة( لوسي ) نحو الباب وهى تصيح (أنا سأفتح الباب..) ووالدها يقول لها (كونى حذرة) وانظرى أولاً عبر العين السرية ولا تفتحى لشخص لا نعرفه .. عادت الصغيرة لوسيانا) أدراجها دون ان تفتح الباب وقالت لوالدها أن شخصاً ما ذو ملامح شرقية هو من قرع الجرس .. نهض المستر رتشارد وفتح الباب .. وسمع الجميع صوت رجل .. المستر رتشارد .. كيف حالكم أنا (وجدى ) .. لا اعتقد بانك نسيتنى .. لاطبعا .. تفضل بالجلوس .. دخل وجدى وسلم على (شنكل ) بمشاعر مضطربة وهو يكاد أن يسقط ..إنه ابنه .. لقد راقب جوليا عندما كانت بالسودان وهى تبحث عنه وكان يختبيء فى مكان ما بالمطار يراقبهم وهم يغادرون .. وقد حدثته نفسه بالأقتراب منهم .. ليقول لإبنه .. أنا أبوك .. ولكن .. لم يكن الوقت مناسباً .. لذلك جاء إلى نيويورك بعد أن استقال من المنظمة التى يراسها المستر رتشارد وتعمل بها بالطبع السيدة (جوليا) والتحق بمنظمة أغاثية أخرى أمرت بنقله للعمل بأمريكا ..وظل لأكثر من ثلاثة أشهر يقدم رجلاً ويؤخر اخرى قبل أن يقرر الحضور إلى هنا إذ لم يجد صعوبة فى الحصول على العنوان .. فهو أيضاً ضائع ومأزوم وقد أربكه عثور جوليا على إبنهما .. إسمى وجدى وأنا من الخرطوم وكنت أعمل زميلاً للسيدة والدتكم .. هرع المستر رتشارد للهاتف وأخبر (جوليا) بما يجرى فى المنزل وطلب منها أن تحضر فوراً .. طلبت (جوليا) من سلمى أن تأخذ ابنتها للحديقة الخلفية وتتركهم لوحدهم ..وبقي وجدى والمستر رتشارد وشنكل وقد إنضمت لهم بعد فترة وجيزة جوليا وأحس شنكل أن هذا الرجل يمثل بالنسبة له شيئا يجهل كنهه.. وشعر فى دخيلة نفسه بالرفض التام لمجرد النظر فى عينيه .. نعم ..زيارة لا نرحب بها .. أما إنك وقد فرضت نفسك علينا فما هو شكل الخدمة التى يفترض ان نقدمها لك .. قال لها وهو فى حالة يرثى لها من الضعف والهزال .. جئت لارى ابنى .. فاذا كنت أنت أمه فأنا أبوه ومن حقي ومن حقه أن يعلم من هو أبوه .. وإذا كنت قد قصرت عندما تخليت عنك في الماضي وعنه فانا هنا لاعتذر عن تقصيرى ولكم أن تقرروا أى شىء بخصوصى.. هنا تدخل المستر رتشاردقائلاً ماذا تعنى بكلمة (ابوه) ؟ ..هل تملك سنداً قانونياً يثبت أبوتك له .. لا .. لا أملك ولكن جوليا تعلم .. مستر رتشارد .. أرجوك .. جوليا تقاطعه بفظاظة ..عفواً مستر رتشارد .. هو إبنى ولا أملك سندا وأنت ياسيد رتشارد أيضاً لا تملك سنداً قانونياً يثبت أبوتك له وبامكانى أن أطعن أمام المحاكم الأمريكية فى صحة نسبه هذا .. أنا عايش وموجود ومستعد لأكفر عن أخطائى فاين المشكلة إذن ؟ هل تعترف بأنك قد إرتكبت جريمة زنا مع امرأة قاصر وبدون زواج وتطالب بثمرة علاقة محرمة لتدخل السجن وتقضى فيه خمسة أعوام..؟! لا طبعاً الأمر ليس بهذه الصورة .. هنا وقف شنكل على رجليه وقد إستبد به الغضب وصرخ فى وجهه .. كفى ياسيد ومن ثم تقدم نحوه ليقف وجدى .. وقف الأثنان وجها لوجه .. أنت لست ابى ولن تكون .. وأنا لا أتشرف بالإنتساب لشخص وضيع مخادع مثلك .. أنت تافه وحقير .. وقد إقتحمت علينا منزلنا دون إذن من أحد .. هيا أخرج من هنا ولو رأيت وجهك مرة أخرى أمامى ساهشمه بيدىّ هاتين .. لم يجد وجدى بداً من الإنسحاب وقد تحول (شنكل) إلي بركان يريد أن يدمر كل شىء أمامه .. لقد طاشت في ذهنه وهو يوجه السباب له صورة الاذلال والمهانة التى لقيها إبان حياة (المجارى) والتشرد .. وصور الإستغلال البشع التى تعرض لها .. قلت لك وأكرر أخرج من هنا حالاً قبل أن تندم على مجيئك إلى هنا.

  5. #35
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي الحلقة الرابعة والعشرون

    لم أشأ أن أذهب لسحر وأنا خالي الوفاض لذلك طلبت من الست الوالدة ان تعد لها حساءاً من الخضر وشيئآ من ( النشاء) المصنوعة من مسحوق الذرة مع (العرديب) .. وتفننت الوالدة المتخصصة في صنع الأكل الطيب في إخراجها بشكل رائع .. حملت أشيائي وتوجهت إلى الفردوس الممنوع وأميرة تشوقاتي ( سحر ) .. قرعت الباب فإذا بي وجهاً لوجه مع شقيقها عصام .. صباح الخير أستاذ عصام .. الوالدة طبخت بعض الطعام للأستاذة سحر ورجتني أن أحمله لها .. سحر ؟!! .. سحر تأكل مثل هذه الخزعبلات يا حربي .. إنها أختي وأنا أعرفها جيداً .. إذا كانت سحر تعاف حتى ماء ( الحنفية ) فكيف تستسيغ أي أكل لا تعرف نوع اللحم الذي صنع منه .. أنها لحمة ضاني .. والله العظيم .. ويجوز يكون لحم قطط أو فئران أو شيء من هذا القبيل .. وبينما نحن نتجادل أطلت ( سحر ) من نافذتها وهي تقول له ( ده منو يا عصام .. أهلاً حربي .. اتفضل أدخل ..) هنا أفسح لي شقيقها الطريق وتوجه نحو عربته وهو يردد كلام مثل ( البت دي جنت ؟! أكيد جنت .. انا ماعارف كيف بتستحمل الاشكال دي ..) ابتلعت اهانته وركضت صوب الصالة وكانت هي قد نزلت من غرفتها .. ياه .. ده كلو لي انا ؟! .. انت تستاهلي كل خير يا استا .. يا سحر .. يالله من أين نبدأ ؟!.. بهذه السرعة ؟!.. في الحقيقة انا مضطر اسيبك عشان ألحق انتخابات النقابة وحتفوز يا صالح ؟!.. ان شاء الله .. دعواتك .. ان شاء الله يارب .
    وصلت متأخرآ لاجتماع الجمعية العمومية وكان هنالك حشد هائل من الناس وقد برز اسمي ضمن قائمة المرشحين .. صالح عويضة الملقب بحربي .. وكان ترتيبي العاشر ويتعين على كل مرشح القاء خطبة قصيرة يوضح فيها برنامجه الانتخابي .. لم أكن خطيباً مفوهاً ولا مثقفاً ضليعاً في فنون الخطابة .. وقفت امام ذلك الحشد الذي آزرني بالتصفيق الشديد .. قلت لهم .. لا استطيع ان اعدكم بحلول سحرية لمشاكل العمال والموظفين .. لكنني اعدكم بأنني مستعد لأن اموت في سبيل تحقيق مطالبكم وطموحاتكم في العيش الكريم .. وقاطعتني الجموع الحاضرة بتصفيق حاد .. وزدت بأن قلت .. صدقوني يا اخواني ويا اخواتي .. لن اساوم على حقوقكم حتى لو اعطوني كل كنوز الدنيا .. والسلام عليكم .. ثلاث جمل لا أكثر ولكن ردة الفعل كانت توحي بأنني سأكون ضمن الخمسة الفائزين بمقاعد النقابة وقد جاء ترشيحي تحت مسمى ( مستقلين) .. مع وجود مرشحين لاحزاب عقائدية واخرى طائفية .. ومن ثمّ جرت الانتخابات .. ولم تعلن النتيجة إلا قبيل صلاة المغرب .. حيث نلت أكبر نسبة من الاصوات .. (750) صوت من اصل ثلاثة آلاف صوت . وعلى الفور دخلنا في اجتماع مغلق لاختيار الرئيس والسكرتير وأمين الخزينة .. وكان التباين واضحاً لدى المنتخبين حول من سيكون رئيس النقابة ويكتسب هذا المنصب اهميته من ان الشخص الذي سيفوز به سيصعد تلقائياً للنقابة المركزية للوزارة لذلك إستعّر الخلاف بين الاربعة الموجودين بالاجتماع وعندما فشلوا في الاتفاق على ملء المنصب اقترح احدهم اسناده لي .. الاخ حربي يا اخوانا شخص مستقل ومقبول لدى القاعدة ونال أكثر الاصوات .. وهكذا تم انتخابي كرئيس للنقابة وهو اختيار ستترتب عليه اشياء بعضها مفرح والآخر محزن .. أولاً .. ما يسعدني هو انني ساحظى بمكتب مثل بقية الموظفين وميزانية وسأكون حاضراً في اجتماعات رؤوساء الادارات والاقسام وسوف ادعى لاجتماع النقابة العامة برئاسة الوزارة لدى التئام النقابة العامة وبمجرد اكتمال انتخاب النقابات الفرعية .. وتلك قصة أخرى .. ثانياً وما يحزنني ويحّز في نفسي هو انني لن اكون بعد اليوم السائق الخاص للسيد المدير وسأحرم تقريباً من رؤية سحر كل يوم .. لذلك خرجت من الاجتماع وانا مهموم البال لا انا قادر على الفرح ولا انا قادر على الإنغماس في الحزن .. وفي ثاني يوم قلت لـ(سحر ) وانا ازف لها نبأ فوزي في الانتخابات وتعييني رئيساً للنقابة .. انا حزين وتعيس لانني لن اكون معكم طول الوقت كما كنت في السابق .. ولكنني مستعد لأي مشاوير في الامسيات .. وحتى اثناء ساعات العمل واعطيتها رقم هاتف البقالة القريبة من منزلنا .. كانت سعيدة ومتوثبة بعكس ما توقعت .. مبروك يا صالح ومزيد من التقدم .. قالت لي ذلك وعيناها تشرقان بالدموع .. بيد ان الدموع طفرت من عينيها الرائعتين لتستقر عند زوايا فمها .. هل تبكين يا سحر ؟! دموع الفرح يا صالح .. يالله شد حيلك وورينا صالح الحقيقي .. صالح الزعيم .. مش بقولوا عليك كده في الورشة .. نعم .. نعم يا سحر .. يا مليكة اشواقي وأميرة احلامي .


    ****

  6. #36
    الصورة الرمزية محمد ذيب سليمان مشرف عام
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    المشاركات : 19,255
    المواضيع : 522
    الردود : 19255
    المعدل اليومي : 3.71

    افتراضي

    غبت كثيرا لأسباب
    سأعود بتعليق يليق
    ولكن بعد الإستمتاع بكامل ما مضى من النص
    لك الحب

  7. #37
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    وأنا أكثر سعادة أستاذي بعودتكم وتهمني ملاحظاتكم للاستفادة منها في أعمال قادمة بإذن الله هذا مع تحياتي لك وللاسرة الغالية .

  8. #38
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي

    لم يستغرب السيد المدير دخولي عليه .. فهتف ليبارك لي انتخابي رئيساً للنقابة .. كل ناس البيت سعيدين بهذا الاختيار .. طبعاً يا عمي .. أنت المدير وأنا رئيس النقابة .. بإمكاننا أن نتآمر على حقوق الخلق إن شئنا .. ولكن كونك والد الآنسة (سحر) حبيبة عمري ومنتهى أحلامي لن يعفيك من شراستي .. صحيح أنت من أتى بي إلى هنا .. وأنت في (الحسبة) تبقى والد أجمل زهرات حياتي .. القاتلة (سحر) .. نعم لقد قتلتني و(غلاوتك عندي) وأظنها ستمارس معي وظيفة السفاح مدى حياتي .. أليست الأشواق نوعاً من الذبح .. هي كذلك لو كنتم تعشقون .. أسألوني أنا .. أسألوا العبد لله صالح عويضة الملقب بـ(حربي ) أسألوه عن حدود الألم والسهر والمواجد .. أنا من سار حتى آخر نقطة في خارطة الصبابة .. ولم يتبق إلا أن اهوي إلى أعماق سحيقة ليس لها آخر .. إن شاء الله أكون عند حسن ظنك سيادة المدير .. بس لدي طلب بسيط أرجو أن توافق عليه .. المكتب يحتاج إلى كاتب يساعدنا في المكاتبات مع النقابة الأم ومع إدارات المصلحة المختلفة .. ويا ريت تنتدب لينا الآنسة (مها) من مكتب الباشكاتب مؤقتاً وتصدق لينا بآلة كاتبة وشوية أداوات مكتبية .. على عيني ورأسي يا صالح .)
    قالت مها وهي تتبوأ مقعدها ( أوعك تفتكر يا حربي أني سكرتيرتك ..) قلت لها .. أنا لا أحلم ولن أحلم بأن تكون لي سكرتيره في يوم من الأيام .. وقد كنت صادقآ فيما أقول .. فانا حقيقة لا أسعي للشهرة والمجد .. ولا أروم سوي حياة بسيطة أجد فيها الوقت لنفسي ولوالدتي وشقيقاتي وأصدقائي .. وأحلم طبعاً بزوجة حلوه .. زوجه أنيقه .. وعند هذه النقطة تأملت مها بعمق .. كان لوجهها جمال غامض .. يختبيء خلف تقاطيع عادية ولكنها مريحة للنظر .. وهل ستبدأ في عشق مها أيضاً يا هذا ؟ ..( مها ) ..؟ لا والله لم أفكر بذلك قط ..لأن سحر تربعت علي عرش قلبي لا تترك بوصة واحدة لأخري .. ولكنك ستجد لها دون شك حيزاً في وجدانك .. فأنا أفهمك جيداً .. لا لن أجد .. بل ستجد .. يجب أن أعترف بأنها حلوة علي كل حال .. وإعجابي بها بلا عنوان .. بلا هوية لحين إشعار آخر .. ربما يتطور هذا الإعجاب إلي حب .. ربما ..( تاني تلقي الملح وين ؟ ) .. مها وهي تشير بالطبع إلي عربة السيد المدير التي كنت أعمل بها كسائق قبل انتخابي رئيسآ للنقابه .. لا إطمئني يا قمري فأنا والحمد لله أملك عربة ملاكي وقد حضرت بها للعمل هذا الصباح وقد حرصت علي تسليم العربة الحكومية بالتفصيل .. الإطار الإحتياطي والرافعة وحزمة المفاتيح وأشرطة تسجيل مختلفة هذا بالإضافة لبعض المساند والعطر المثبت فوق ( الطبلون ) وما إلي ذلك .. ولم أنس طبعآ توديع الحاجة زوجة السيد المدير وشقيقها الذي أعطاني درسآ في الوطنية ( نقابة شنو وعمال شنو ؟ .. هو انتو شغالين لامن تعملوا ليكم نقابه ؟ .. تبيعوا في بنزين الحكومه وتشاركوا في المسيرات .. سامحك الله يا ( عصام ) .. فأنا مستعد لتحمل إهاناتك من أجل الرائعة سحر .. كانت حزينة وساهمة وهي تضع يدها فوق يدي دون أن تنبث ببنت شفه .. وكنا وحدنا تحت مظلة العربة قريبآ من البوابة الرئيسية .. حدقت في وجهي مليآ وكأنها تود الإفصاح باشياء لا تملك الجرأة علي البوح بها .. سوف تزورنا يا صالح .. أليس كذلك ؟ نعم وهل أستطيع غير ذلك .. وأنا مستعد لكل مشاويرك المسائية وتلفون الجيران وتلفون الكنتين معاك .. مش ؟ .. أيوه معاي .. طيب مع السلامه .. مع السلامه .
    حملت قرارات الإجتماع الأول للنقابة للسيد المدير وكانت (مها) هى من طبعتها على الآلة الكاتبة .. وأضافت كلمة (حربى) للتوقيع .. قلت لها .. لا يا آنستى الجميلة .. (حربى) هذا لقب وإسمى الحقيقى هو صالح عويضة عبد السيد ..أهدتنى إبتسامة رقيقة وهى تسبل أجفانها فى حنان دافق.. تناولت منها المظروف وقد اعترانى اضطراب عظيم وتساءلت بينى وبين نفسى .. لماذا أنا ضعيف لهذا الحد أمام الجمال .. إسمى حربى وأنا فى أغلب الأحوال شجاع ومتهور أقود شاحنة وقود مشتعلة وأضعف كاى طفل أمام الجمال

  9. #39
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي الحلقة السادسة والعشرون

    أهلاً وسهلاً بالنقابى الكبير صالح .. كان ذاك هو السيد المدير وقد التقانى بفرح غامر ظنا منه بأننى ساكون ذراعه الأيمن فى الحفاظ على هد وء العاملين .. بالمصلحة بالنظر لعلاقتى السابقة به كسائق متفرغ .. حدثنى حديث العارف بالمصلحة وتاريخها وعرج على أول مدير لها .. المستر قريفس هو أول خواجة تقلد منصب مدير لهذه المصلحة .. كنت وقتها مساعد كاتب عندما أتى إلى هنا في بداية الخمسينات .. وقفنا في شكل طابور وهو يسلم علينا فردا فردا .. يتفحص وجوهنا كقائد فى الميدان .. مااسمك من فضلك ؟ الخواجة وقد وقف قبالتى .. عز الدين .. اسمى عزالدين ياسيدى هل تقبل بان تكون أحد العاملين بمكتبى .. الاحظ أن انجليزيتك لا بأس بها .. على الرحب والسعة سيدى .. وقص على نصف دستة من مواقفه مع المستر قريفس والانجليز عامة .. ومن ثمّ عرج على الكورسات التى تلقاها فى كل من نيويورك وبوسطن ودلهى .. نحن جيل محظوظ .. قال لى وهو يواصل حكاياته فى زمننا التدريب خارج البلاد متاح للجميع والحكومة تنفق بسخاء على البعثات ولعل هذا ما يفسر المقولة المشهورة ان الانجليز لم يتركوا لنا شيئا يذكر باستثناء مشرو ع الجزيرة بيد انهم تركوا لنا خدمة مدنية ممتازة .. كان يتكلم وأنا أستمع وتركته ينزف كل ما بدواخله وأخيراً فطن إلى أننى هنا كرئيس للنقابة وليس كصديق قديم .. والآن كيف أساعدكم .. قلت له أنا سعيد بالعمل فى النقابة تحت إمرة مدير فى قامة سيادتكم ولكننا فى أول اجتماع للنقابة .. تداولنا فى نقطتين رئيسيتين .. أولاهما متاخرات بدل المامورية وتعويضات أسر العمال الذين إنقلبت بهم الشاحنة وهم فى طريقهم لاداء واجباتهم وكما يعلم سيادتكم فقد توفى منهم خمسة وجرح الخمسة الباقون وحتى اليوم لا نلمس دعما ملحوظا من قبل الدولة لأسرالجرحى والمتوفين ..لا يا صالح .. قال ذلك وقد بدأ عليه التوتر.. أرسلنا جوال سكر وصفيحة زيت وثلاثة كراتين من الصابون لكل بيت عزاء وسلمنا أسر الجرحى مبلغا لابأس به من المال .. لقد زرتهم بنفسى فى المستشفى وقمت بواجب العزاء حتى لاولئك الذين خارج الخرطوم .. نعم سيادتكم هذا عمل جيد ولكنه ليس بكاف .. وقد طلب منى الأخوة فى النقابة بتسليمكم هذه المذكرة التى تطالب بدفع متأخرات بدل المامورية وتسليم كل أسرة المبالغ الموضحة أمام كل جريح ومتوفّ فى خلال أسبوع والا فإنهم سيدخلون فى اضراب مفتوح عن العمل .. سلمته المذكرة وغادرته بسرعة وهو يردد كلمة .. لكن .. لكن ..
    صار الآن عندى مكتب .. ولدى تسلمى العهدة من أمين المخزن طلب منى التوقيع على المستندات .. وكانت هذه أول عقبة أتوقف عندها كرئيس للنقابة .. فانا لاأعرف كيف أوقع .. لذلك كتبت اسمى بخط ( تعبان ) بيد أن أمين الخزينة أعاد لى الاوراق مرة أخرى طالبا منى التوقيع وليس مجرد كتابة الإسم فقلت له بصراحة ليس لدى توقيع ولم أوقع على أى أوراق من أى نوع .. وعندما اشتريت عربتى بصمت على التوثيق .. قال لى مارأيك بهذا التوقيع ومن ثمّ رسم لى أشكالآ فوق اسمى .. قلت له .. والله مش بطال .. إذن ساترك لك الأوراق وحاول أن تقلده عشرات المرات إلى أن تتعود عليه .. وكعادتى أخذت الموضوع مأخذ الجد الى أن تطابق توقيعى مع الأصل مائة بالمائة .. وجاء الساعى الذى يعمل بمكتب النقابة لتنظيفه وساعدته فى ذلك .. ولكنه كان مستغربا من تصرفى هذا .. (هدومك نظيفة ياجنابو.. بتتوسخ ) ..جنابو ؟!.. هل صرت أخيرا ضابطا فى الجيش .. كان حلم والدى أن أدخل العسكرية مثله وقد أخبرتنى والدتى بذلك .. بيد أنه استشهد فى نقطة نائية إسمها (واسكيبح) بجنوب البلاد ولم يعد يتذكره أحد .. لم تعزف له الأناشيد ولم تبن لأجله المظلات فى مواقف المواصلات .. ولم تكرمه قبيلته .. كان يعلم بأن العسكرية إما قاتل او مقتول لذلك لم ينتبه لموته أحد .. ولكن رقم999 الفرقة الخامسة مشاه الرقيب أول عويضة لايزال موجودآ فى ذاكرة الحكومة .. فأنا أقوم بصرف معاشه كل شهر .

    صحيح أنه لا يساوى شيئا أمام متطلبات المعيشة ولكننا منحنا قطعة ارض ووالدى سيدخل الجنة إن شاء الله .. إذن مافيش مشكلة .. لكننى كنت أتمنى لوكنت موجودا عندما دفنوه فى واسكيبح بجنوب السودان لأشاهد بنفسى مراسم الدفن وموسيقى الجيش تعزف له و زملاؤه يؤدون أمامه التحية العسكرية من أصغر عسكري حتى أكبر ضابط.

    سأخرج من المكتب لأدعك تعمل براحتك .. قلت لي إسمك منو ؟! .. عطية .. يا جنابو .. عطية .. ستكون معي دائماً يا عطية .. سأعجبك كثيراً يا جنابو .. فأنا أعرف أحسن( زول بعمل فول في البلد .. فول أصلي .. فول السليم ما سمعت بيه ..؟ نعم .. نعم .. وكمان بعرف اظبطوا بالسلطات والملطات .. ) فول ؟! .. هل تمحورت مشاكل العمال في ( صحن فول ) .. أين الرواتب والسكن وأين العلاج بل أين فوائد ما بعد الخدمة ؟!.


  10. #40
    أديب
    تاريخ التسجيل : May 2010
    المشاركات : 1,149
    المواضيع : 174
    الردود : 1149
    المعدل اليومي : 0.23

    افتراضي


    وعدت للمكتب لاجد بطة ومها وجها لوجه .. ويبدو أن بطة هذه لا تريد ان تتركنى وشأنى .. لقد سئمت خياناتك ونقضك للعهود .. ولكن .. من أين لك هذا الاشراق والجمال يا بطة .. لكأنك إنسان آخر التقيه لأول مرة .. سلمت عليها وأنا أقدمها لمها على أساس أنها (بت اهلنا) قارنت بين كلتيهما ووجدت الفارق الكبير فى المظهر والجوهر .. الأسورة الذهبية الرهيبة مقابل اليد الفارغة إلا من سوار مصنوع من ذنب الحصان .. وحقيبة اليد الفاخرة والساعة المذهبة والثوب السويسرى مقابل حقيبة مها المثقوبة وساعتها (الكوارتز) وهندامها المتواضع .. ونظرت إلى الحذا ء اللامع الذى استقر على قدميها المصقولتين مقابل الحذاء القديم والغبار يلون قدميها الصغيرتين..(عن اذنكم) مها وهى تغادر المكتب .. أهلاً بطة كيف حالك .. حالى لا تسر (وتحنن الكافر) خير ان شاء الله .. أنا تعيسة فى زواجى وتمنيت لو لم أقبل به .. وبالرغم من تضحيتى بالزواج منه إلا أن إبنته الكبرى بلقيس أحالت حياتى إلى جحيم .. إبنته الكبرى ؟ قاطعتها بإستغراب .. نعم وقد لا تصدق إذا قلت لك إنه شيخ فى السبعين من العمر.. وهو غنى ومهذب .. وهل تزوجته من دون حب يا بطة ؟ وكيف احبه وانا أحبك أنت يا حربى .. انت تعلم دون غيرك انك حبى الأول والأخير .. فكيف أحب مرتين .. قالت ذلك وقد بدأ الإنفعال يسيطر عليها .. وتدحرجت دموعها ببطء فوق وجنتيها الرائعتين..ولكنك ذبحت الحب الذى تتحدثين عنه أكثر من مرة ..خذلتنى مرتين يا بطة .. وفى كل مرة احمل أحلامى واشواقى وأنا أكاد اطير من اللهفة لأخطبك شريكة لحياتى أفاجأ بك وأنت تتزوجين من شخص غيرى .. أنا أحبك أنت ولا أحد غيرك .. أقسم بالله العظيم لم أفكر يوماً بأحد سواك وقد حاولت الإنتحار بسببك .. ولكننى أعيش هاجس الحياة المذّلة التى عشتها قبل أن القاك .. وقد كنت دائما بالنسبة لى غير مضمون .. أعترف بأننى لم أثق بك يوماً وفى كل مرة تاتى وتكذب شكوكى وتبرهن على نبلك وأخلاقك أما أنا .. فقد كنت أعض بنان الندم فى كل مرة وأجلد نفسى بقسوة لتسرعى .. لقد عشت فى أحضان الفقر أنا ودستة من شقيقاتى وأشقائى .. لذلك تجدنى أتشبث بكل يد تمتد نحوى .. والآن ماهو الطلوب منى يابطة ؟.. لقد وعدتنى ( بلقيس ) .. بمبلغ كبير من المال إذا أنا أجبرت والدها على تطليقى .. إنه يحبنى وهو مستعد لفعل أى شئ أطلبه منه .. ولكن هذه العقرب تسمم حياتى .. فماذا أفعل يا حربى ؟ أفعلى ما يمليه عليك الشرع والضمير .. لقد إنتهى الأمر.. ولو أنت بعت زوجك الثاني من أجل المال فلن يكون لك مكان فى قلبى .. لا أستطيع يا بطة ..لا أستطيع أن أحبك مرة أخرى بهذه البساطة وأنت تتلاعبين بمشاعر الناس بهذه الطريقة .. يعنى ما فى أمل ؟ خلينا نكون أصدقاء وأهل .. و اجتهدى يا بطة فى خدمة زوجك ..فربما تنجبين له ولد يؤمن مستقبلك ويمنحه السعادة .

    أجد متعة في توصيل مها إلى منزلهم .. كنت اراقب نظرات المارة وهم يبحلقون فيها .. انا نفسي كنت افعل نفس الشيء مع آخرين .. تستهويني لمحة عابرة اقطفها من وسامة تلكم الجميلات وهن يجلسن بقرب اناس اعتبرهم محظوظين .. اشعر باحساس غريب عندما اقرأ علامات الرضا وربما الضحكات تلون تلك الوجوه الناعمة .. واحياناً اكون قريباً جداً من أولئك .. لا سيما لدى تقاطعات الطرق .. اذ يكون المرء قريباً جداً من هؤلاء القوم .. وتدور عجلة الايام فاذا بي اغادر موقعي في الحافلات لتكون لي عربة خاصة وتجلس بقربي فتاة جميلة .. يا لأناقتها المفرطة وابتساماتها الطفولية ومحياْها الجميل .. لم أكن اسمح لنفسي بالخوض في تفاصيل اعجابي بها .. ولكنها لابد ان تكون قد فهمت بانني مولع بها .. ولدي توقفي امام منزلهم لأول مرة .. وجدنا والدها وهو يهم بالدخول فعاد الرجل ليدعوني لتناول الغداء معهم .. حاولت الاعتذار وهمهمت بعبارات الشكر دون جدوى ..( علي الطلاق تدخل .. معقول تجينا وقت الغداء وما تتغدى) والدها وهو يبرهن على جدية كرمه ومعدنه الاصيل .. دلفنا إلى الداخل .. كان منزلاً متواضعاً يشبه منزلنا إلى حد بعيد .. غرفة تفتح على فرندة واخرى بالاتجاه المعاكس ..وغرفة جثمت غير بعيدة فى زاية الدار(كمضّيفة ) .. ولم امكث سوى لحظات حتى اطلت علينا والدتها بسمتها الريفى الاصيل ..( إزيك ياوليدي ..كيف هالك .. شرفتنا )
    وجلست إلى والد مها وهو يعرفنى بنفسه الاستاذ عمر.. معلم لغة إنجليزية بالثانوي وقد تقاعدت عن الوظيفة قبل حوالى ستة اشهر ولا أزال اركض بين مكاتب الدولة لاستلام استحقاقاتي من فوائد مابعد الخدمة وهل انت بالمعاش يا عم عمر ؟ ( انت هسع مااقوى مننا ..) نعم يا ابنى .. بمجرد ما صار عمرى خمس وخمسين سنة وخمس ساعات وصلنى خطاب الإحالة وكأنهم يعدون الساعات والدقائق إنتظارا لتلك اللحظة .
    وعلمت منه أنه عمل بمدارس عديدة وتنقل فى جميع محافظات السودان .. ولكن ما ادهشنى فعلا توقفه .. لدى (اكسفورد) اكسفورد دى ياابنى مدينة جميلة .. هى بمثابة (البندقية) بالنسبة لانجلترا ترقد فى أحضان الطبيعة بالريف الانجليزى الخلاب .. وبما أننا من الشمالية وكنت من صغرى اجيد فن العوم .. فقد وجدت الفرصة سانحة للاشتراك فى فريق السباحة بالكلية التى ادرس فيها .. وكان يوما حافلا إستعد له جميع طلاب الجامعة .. وقد اصطفوا على طول ضفّتى النهر يتابعون سباحة المسافات الطويلة الذى يقام كل عام .. ومضى ليقول أنه كان الأول على المتسابقين .. كنت اضرب الموجة بقوة .. وأستخدم أساليب فى العوم لم يسمع بها المتسابقون ..) ولدى تسلمى الجائزة فؤجئت بمقدمها يقول (الفائز بجائزة (دنقلا) هذا العام هو الطالب عمر ابراهيم من السودان دنقلا ؟.. ياربى دي دنقلا الليلتنا وله دنقلة تانية **************** **********؟؟..إنها هى يا إستاذ وترمز الجائزة الى تكريم تلك البعثة النيلية التى أبحرت باتجاه الخرطوم لإنقاذ (غردون باشا) بيد أنها عادت أدراجها لما علمت بأن غردون قد قتل .
    وهكذا أمضيت وقتا جميلا مع والد مها وهو ينقلنى من مدينة الى مدينة ومن بلد الى بلد .. وقد انضم الينا لاحقا إبنه الاكبرالذى يدرس الهندسة بجامعة الخرطوم وآخر يد رس الصيدلة بنفس الجامعة .. والبنت الكبيرة متزوجة وتعيش مع زوجها بالخليج .. بنتان وولدان .. هذا نتيجة لتأثرنا بالخواجات .. قالو لنا إن الانجاب الكثير يضر بصحة الأم وليتنى لم استمع لنصيحتهم .
    ولكن من أي بلد أنت يا ( مها ) .. نحن من الشماليه .. لكن أسرتنا مقيمه في أم درمان من كذا سنه .. هذه الهجرات إلي متي ؟ .. هل رأيت وجوه الناس الذين يتجولون في شوارع الخرطوم .. كيف تقرأ ملامحها وتعابيرها ؟ أقرأ في كل وجه حنينآ طاغيآ إلي جذوره .. أقرأ رفضآ يائسآ لواقع معيشتهم هنا .. وألاحظ الإحساس المفرط بالوحدة والاغتراب بل والإنفصال عن محيطهم .. هذه السيدة ذات الملامح الكردفانية .. ماذا تفعل في شوارع الخرطوم ؟ من المؤكد أنها تشعر بالضياع والغربة في هذا البلد حتي وإن التحقت بأبنائها هنا .. إن مكانها هنالك في سفوح كردفان وتلك في حقول الجزيرة وهذه في شواطيء الشمالية أما هذه فمكانها غابات الجنوب بين شجيرات الباباي وهاتان السيدتان لابد أنهما من الشرق الرائع من جبال التاكا .. لا شيء يعوضهما لذاذات ماضيهما هناك .. لا شيء يعوض طفولة رائعة وأزمانآ حلوه قلّ أن يجود الزمان بمثلها .. السباحة في النهر والركض بين المروج الخضراء والغناء الجميل ونسيمات المساء المسافرة مع الغيوم .. إذن أنتم من الشمالية ؟ هل هي حلوه ؟ من ؟ .. الشماليه .. لا أدري فأنا ولدت هنا ولم أذهب قط إلي البلد .. كل حدود أسفاري لا تتعدي سوبا شمالآ والجيلي جنوبآ .. ولكن سوبا باتجاه الجزيرة وليس الشماليه .. ما كلو واحد .. هو أنا عارفه حاجه .. تجهلين حتي بوصلة جذورك يا مها .. حيث شهقة الميلاد ومثوي الآباء والجدود وتتسربلين بسيماء الخرطوم وكأنك عاصمية بحق وحقيقه .

صفحة 4 من 8 الأولىالأولى 12345678 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة لرواية ( قاع المدينة ) للكاتب عبدالغني خلف الله
    بواسطة عبدالغني خلف الله في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 25-06-2010, 07:56 PM
  2. رسالة من قاع الدست !
    بواسطة خليل انشاصي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 11-09-2008, 04:52 PM
  3. قصيدة: رسالة من قاع الدستِ .للشاعر د. خليل انشاصي .
    بواسطة خليل انشاصي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 03-09-2008, 01:27 PM
  4. ْ{ فِي رِحَابِ .. المَدِينَةِ المُنَوَّرَة }
    بواسطة عبدالملك الخديدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 21-02-2007, 07:27 AM
  5. أسئلة في قاع البحر
    بواسطة بن عمر غاني في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 29-06-2004, 04:50 PM