1- المنهج الذي سار عليه الخليل في كتاب العين
يمكن إيجاز المنهج الذي سار عليه الخليل في كتاب العين على النحو التالي:
1- اتبع نظام التقليبات الصوتية وبدأ بأبعد الحروف مخرجًا: حيث رتب المواد على أساس مخارج الحروف فبدأ بأبعدها مخرجًا وهي الحلقية ( ع ح هـ خ غ)، ثم حروف أقصى اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى (ق ك)، ثم وسط اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى (ج ش)، ثم حرف الضاد على اختلاف في مخرجه (ض)، ثم طرف اللسان مع أطراف الثنايا السفلى (ص س ز)، ثم مع أصول الثنايا العليا (ط د ت)، ثم مع أطراف الثنايا العليا (ظ ذ ث)، ثم مع اللثة العليا (ر ل ن)، ثم حروف الشفتين (ف ب م)، وأخيرًا الحروف الجوفية (و ا ي).
وقد سمى كل حرف منها كتابًا، وسمى المعجم كله بأول حرف بدأ به وهو العين.
قال السيوطي:
فائدة: ترتيب كتاب العين ليس على الترتيب المعهود الآن في الحروف، وقد أكثر الأدباء من نظم الأبيات في ترتيبه. من ذلك قول أبي الفرج سلمة بن عبدالله بن لادن المعافِري الجزيري:
يا سائلي عن حروف العين دونكها* في رتبة ضمها وزنٌ وإحْصاء
العين والحاء ثم الهاء والخاء* والغين والقاف ثم الكاف أكْفاء
والجيم والشين ثم الضادُ يتبعها * صاد وسين وزاي بعدها طاء
والدال والتاء ثم الطاء متَّصل * بالظاء ذال وثاء بعدها راء
واللام والنون ثم الفاء والباء * والميم والواو والمهموز والياء
2- جمع الكلمات المكونة من حروف واحدة في موضع واحد، واتبع فيها نظام التقليبات.
3- لاحظ الأبنية حسب مقدار حروف الكلمة؛ حيث يبدأ بالثنائي، ثم الثلاثي، ثم الرباعي، ثم الخماسي.
4- أرجع الكلمة إلى حروفها الأصلية وذلك بتجريدها من الزوائد، وإرجاعِ المعتل إلى أصله، مثال ذلك: استغفر تكون: غفر، وقال: قول، وباع: بيع ... وهكذا.
5- استشهد بالكتاب والسنة، كما استشهد بالمأثور من كلام العرب، ونادرًا ما يَنْسِب ما يَذْكُر.
6- ينبه على المهمل والمستعمل في بداية كل مادة وتقليباتها مثال ذلك: باب العين والكاف والدال: عكد، دعك، دكع–مستعملات. عدك، كدع، كعد- مهملات.
2- المآخذ على كتاب العين
1- استشهاده بشعر بعض المُحدثين، واحتواؤه على حكايات عن بعض المتأخرين الذين جاؤوا بعد وفاة الخليل كأبي إسحاق الزجاج، وكراع النمل وغيرهما.
2- خلطه بعض المواد الرباعية والخماسية.
3- احتواؤه على كثير من التصحيفات التي لا تليق بالخليل.
4- بناء المعجم على أساس صوتي، وذكر المادة وتقليباتها في موضع واحد؛ فهذا يجعل البحث عن الكلمات صعبًا؛ إذ لا بد من معرفة مخارج الأصوات، ومعرفة التقليبات لمن يريد الكشف في العين عن معنى كلمة حتى يسهل عليه ذلك.
وهذا من أكبر الأسباب التي قللت الاستفادة من مثل هذا المعجم.
وقد طبع المعجم طبعة جديدة صدرت عن دار الكتب العربية بيروت لبنان 1424هـ، وترتيب وتحقيق د. عبدالحميد هنداوي.
وهذه الطبعة رتَّبت المعجم ترتيبًا أبجديًا عاديًا؛ فلعل في ذلك تسهيلًا وتيسيرًا.
5- أنَّ ما في العين من آراء نحوية إنما هو على مذهب الكوفيين، وبخلاف مذهب البصريين مع أن مذهب الخليل كان يتبع المذهب البصري.
6- أخذ بعض العلماء على الخليل انفراده بكثير من الألفاظ، مثل قوله: التاسوعاء: اليوم التاسع من المحرم. وقد استدرك ذلك عليه الزبيدي بقوله: لم أسمع بالتاسوعاء، وأهل العلم مختلفون في عاشوراء؛ فمنهم من قال: إنه اليوم العاشر من المحرم، ومنهم من قال: إنه اليوم التاسع.
ودافع السيوطي عن ذلك بقوله: إن الانفراد أمر طبيعي، وحكمه القبول إن كان المنفرد به من أهل الضبط والإتقان كأبي زيد والخليل والأصمعي.
7- اشتمل كتاب العين على أخطاء صرفية واشتقاقية كقوله: ليس في الكلام نون أصلية في صدر الكلمة. قال الزبيدي في استدراكه: جاءت كثيرًا نحو: نهشل، ونعنع.
هذه جملة من المآخذ على كتاب العين، وقد اعتذر له كثير من الباحثين والمنصفين.
يقول الدكتور أمين فاخر: ويبدو أن هذه المآخذ يرجع معظمها إلى عمل النساخ الذين خلطوا بين متن الكتاب الذي هو للخليل، وبين الهوامش التي وضعها بعض المتأخرين من تلاميذ الخليل حينما رأوا أن يدونوا ملاحظاتهم على الكتاب.
وقال السيوطي: وقد طالعته إلى آخره، فرأيت وجه التخطئة فيما خُطِّئ به غالبُه من جهة التصريف والاشتقاق؛ كذكر حرفٍ مزيد في مادة أصلية، أو مادة ثلاثية في مادة رباعية ونحو ذلك، وبعضُه ادعى فيه التصحيف.
وأما أنه يُخَطأ في لفظه من حيث اللغة بأن يقال: هذه اللفظة كذب، أو لا تعرف- فمعاذ الله لم يقع ذلك.
وحينئذ لا قدح في كتاب العين؛ لأن الأولَ الإنكارُ فيه راجع إلى الترتيب والوضْعِ في التأليف، وهذا أمر هين؛ لأن حاصله أن يقال: الأولى نقل هذه اللفظة من هذا الباب، وإيرادها في هذا الباب.
وهذا أمر سهل، وإن كان مقام الخليل ينزه عن ارتكاب مثل ذلك، إلا أنه لا يمنع الوثوق بالكتاب، والاعتماد عليه في نقل اللغة.
والثاني: إن سُلِّم فيه ما ادعي من التصحيف يقال ما قالته الأئمة: ومن ذا الذي سلم من التصحيف كما سيأتي في النوع الثالث والأربعين مع أنه قليل جدًا.
وهكذا يتبين لنا من خلال ما مضى منزلة كتاب العين، وأن المآخذ عليه - إذا وجدت - لا تنقص من قيمته، ويكفيه فخرًا أنه أول معجم لغوي شامل في العربية.