أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الإرادة الشعبية المستهدفة

  1. #1
    شاعر ومفكر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    الدولة : ألمانيا
    العمر : 77
    المشاركات : 254
    المواضيع : 79
    الردود : 254
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي الإرادة الشعبية المستهدفة

    الإرادة الشعبية المستهدفة
    بين توحّش الهجمة الصهيو-أمريكية وخواء الأنظمة الاستبدادية

    الاغتيالات الإسرائيلية والاستهتار الأمريكي وخواء الموقف الرسميّ، العربي والإسلامي، من أيّ مضمون، هي ثلاثة عناصر تلتقي معا ومع كثير من التحليلات والسياسات الإعلامية، على نشر الإحساس بالقنوط ومحاولة كسر الإرادة الشعبية، ليس في فلسطين أو في العراق على وجه التحديد، وإنّما على امتداد المنطقة العربية والإسلامية، وصحيح ما يقال عن استحالة ذلك، ولكن تحويل الإرادة الشعبية من قوّة كامنة تعبّر عن نفسها بالآلام على المستوى الفردي، أو –للأسف- بما يشبه جلد الذات على مستوى "النخب"، إلى إرادة فاعلة محرّكة تصنع الحدث، قتكتب –بالتالي- التاريخ، هذا ما يحتاج إلى جهد متواصل قائم على نظرة بعيدة المدى، وقدرة على رؤية الممكن وتنميته، ورؤية العقبات وتجاوزها، وتوسيع دائرة الصمود والمقاومة، لتصبح نهجا عمليا منظما، يقطع الطريق مرحلة بعد مرحلة للحفاظ على الثوابت الأصيلة وتحقيق الأهداف العزيزة.

    الاطمئنان الخادع
    من يتأمّل فيما تعبّر عنه الأصوات الغاضبة على المستوى الشعبي أثناء متابعة مجرى الأحداث الدامية بفلسطين والعراق وسواهما، يدرك أنّ أسباب الغضب والألم لا تعود فقط إلى خسارة قادة مجاهدين من مستوى أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي رحمهما الله وأسكنهما منازل العليّين في جنانه، في زمن شحّ فيه ظهور أمثالهم، بل يعود في الوقت نفسه، إلى رصد مواقف الذلّ المتجلّية في إدانات كلامية أحيانا، وسياسات عشوائية استسلامية غالبا، على مستوى أولئك الذين يتصدّرون كراسي الزعامة الشكلية، وهم لا يعطون الزعامة حقّها على مختلف المستويات، كما يعود أيضا إلى التساؤل المرير عمّا ينبغي أن يحدث بعد، كي ينفجر الغضب الجماهيري على مستوى الشعوب، رغم إدراك المتسائلين لحجم المخاطر المترتّبة على ذلك، بعد أن انتشر الاعتقاد، بأنّه لا يمكن أن يقع على مستوى القضايا المصيرية، وعلى مستوى الشعوب والبلاد، أكثر ممّا يقع الآن، وقد أصبحت أشبه بالملك المشاع، تتصرّف به القوى العدوانية الأمريكية والصهيونية كيف تشاء.
    كثير من هذه التساؤلات يصدر عمّن ينبغي في الأصل أن تصدر الأجوبة عنهم، فهم من يصفون أنفسهم بالنخب، وهم من يعتبرون دور النخب أشبه بدور الخطّ الدفاعي في أيّ أمّة من الأمم، فمن أين تأتي الأجوبة إذن؟.. من يتولّى مهمّة تحويل الغضب إلى قوّة محرّكة، وترشيد تلك القوّة لتحقق الغرض المطلوب دون أن تنزلق التطوّرات باتجاه حروب أهلية أو صدامات دموية بين الشعوب والأنظمة؟. لئن كانت توجد مصلحة لطرف من الأطراف في تجنّب انفجار شعبي، فالمفروض أن يكون ذلك الطرف هو الحكومات القائمة، فهي الخاسرة في نهاية المطاف، وهذا ما يدفع إلى استغراب محاولاتها المستمرّة في تحويل ما يجري الحديث عنه بشأن "الإصلاح" إلى مجرّد حديث دون مضمون حقيقي لتغيير الأوضاع القائمة المرفوضة، وكأنّها تريد أن تصبّ الزيت على النار.
    قد يكون لديها بعض الاطمئنان المخادع، استنادا إلى تجاربها على المستوى "الأمني" والتي ما زالت مستمرة في تحويل المظاهرات في الجامعات والمساجد، إلى صياح بين جدرانها تحاصره المدرّعات والآليات والشرطة المجهّزة بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والرشاشات، أو كأنّها تصدّق ما تردّده وسائل الإعلام الخاضعة لها، وألسنة المنتفعين من خلالها، أنّ الشعوب مستسلمة للمهرجانات الغنائية والأفلام الخلاعية وسوى ذلك من وسائل متبعة منذ عشرات السنين، للفصل ما بين الشعوب والأحداث المأساوية على مستوى قضاياها المصيرية.
    إنّ انفجار الغضب الشعبي يكتسب هذه التسمية فيما شهده التاريخ من أحداث، لأنّه يأتي مفاجئا دون سابق إنذار، ويجرف ما في طريقه بسبب الحيلولة من قبل دون القيادات المخلصة الواعية ودون الشعوب، ولئن كانت توجد مؤشرات له فجميع هذه المؤشرات ظهرت للعيان فيما تشهده بلادنا من قبل اندلاع انتفاضة الأقصى عبر احتلال العراق وإلى ما بعد اغتيال أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي.

    معادلة العنف والمقاومة
    المرحلة الراهنة تتميّز أوّل ما تتميّز في اتّباع وسائل العدوان الدموي العلني من جهة، واستعراض العجز الرسمي المخزي من جهة أخرى، لقتل الإرادة الشعبية، والحيلولة بذلك دون وقوع انفجار شعبي، لا يجهل من يراقبون الأوضاع في بلادنا، من خارج حدودها وداخل حدودها، أنّه واقع لا محالة، آجلا أو عاجلا. ولقد سبق اتّباع هذه الوسيلة الإجرامية من قبل، ورافقت في حينه غزو جنوب لبنان بعد اتفاقات "كامب ديفيد"، وارتكاب المذابح البشعة على أرضه بينما بقيت الدول العربية على مقاعد المتفرّجين، ولكنّ الغرض من ذلك لم يتحقّق بل على النقيض من ذلك، فقد ولدت المقاومة اللبنانية في ظلّ أقصى درجات القهر العلني الاستعراضي، وولدت الانتفاضة الفلسطينية الأولى مرافقة لها، وكانت الحصيلة دحر الاحتلال الصهيوني في جنوب لبنان، واضطراره إلى "الاستعانة" بمنظمة التحرير الفلسطينية التي تحوّلت إلى " منظمة سلام" لقمع الانتفاضة الأولى في حقبة "مدريد وأوسلو" عقب حرب الخليج الثانية.
    ولا بدّ أن يتكرّر المشهد، ليس لأنّ التاريخ يعيد نفسه، ولكن لأنّ سنن التاريخ لا تتبدّل، فيمكـن أن تتخذ الأحداث مجرى آخر، ولكنّ الحصيلة تبقى بمغزاها واحدة. ولئن كانت الهجمة الصهيو-أمريكية الجديدة قد وسّعت ساحة أهدافها باحتلال العراق، ووضع المسؤول عن مذبحة "صبرا وشاتيلا" على رأس آلة المذابح الصهيونية الجديدة بفلسطين، فإنّ ذلك لا يعني أن تحقّق الوسيلة نفسها ما لم تحقّقه في تجربتها الأولى، فتوسيع ساحة المواجهة يعني توسيع ساحة المقاومة أيضا، وما يشهده العراق من أحداث لم يكن يحسب الاحتلال الأمريكي لها حسابا، لا يمثل إلاّ صورة مكرّرة لما تشهده الأرض الفلسطينية وما شهدته الأرض اللبنانية من قبل، ممّا لم يحسب له الاحتلال الصهيوني حسابا أيضا.
    ليست المعادلة الحقيقية التي يتحدّثون عنها معادلة العنف والعنف المضادّ، إنّما هي معادلة عنف إجرامي إرهابي يولّد مقاومة تتنامى وتزداد قدرة على الصمود، وخبرة في الأداء، ويزداد تعداد من يبرز من داخل صفوفها ليتولّى دور القيادة، ويضاعف إمكاناتها في طريق تحقيق أهدافها.
    سياسة الاغتيالات الإجرامية ليست جديدة أيضا، مثلها في ذلك مثل مختلف صور انتهاك القانون الدولي أمريكيا وصهيونيا منذ عشرات السنين، إنّما الجديد هو أنّ ما كان يجري من اغتيالات في السبعينات الميلادية، كا يواجهه التحرّك الرسمي، وكان على الدوام باتجاه التراجع، مرحلة بعد مرحلة، وهدفا بعد هدف، فيصنع نكبة بعد نكبة، بينما تواجه سياسة الاغتيالات وانتهاكات القانون الدولي هذه الأيام، التحرّك الشعبي، وتصعيده منطقة بعد منطقة، وميدانا بعد ميدان، ليصنع –رغم المآسي- ما يتطلّع إليه من انتصارات، انتصارا بعد انتصار.

    تجاوز "النخب"
    في التاريخ الإسلامي صور لا نحتاج إلى التفصيل فيها، إنّما لا ينبغي تغييبها عن الأذهان في هذه المرحلة بالذات، فغزوة الخندق، لم تكن ذروة "حصار" القلّة المؤمنة الأولى، بل كانت الباب إلى فتح مكّة وما بعدها، وغزوة مؤتة لم تكن "النهاية" في مواجهة الدولتين الكبريين آنذاك، بل كانت بداية الطريق إلى اليرموك والقادسية، ومن عايش اجتياح المغول للمنطقة، لم يكن يتصوّر "لحظة الاجتياح" أنّ بداية نهاية المغول ستكون في عين جالوت، ومن بكى على دماء المسلمين في الأقصى إبّان الغزو الصلبيبي، لم يكن قادرا على التنبّؤ بحطين وتحرير القدس من بعد، إنّما يبقى القاسم المشترك بين جميع ذلك، هو "الإرادة مع العقيدة" فبقاؤها حيّة في جيل الصحابة في مؤتة، أتى بالحصيلة قبل أن يرحل جيل الصحابة، ومواتها في مطلع الحروب الصليبية، أخّر التحرير لعدّة أجيال، وعند مقارنة الإمكانات ما بين هاتين الحقبتين من التاريخ، ندرك أنّ "صناعة الإمكانات" ترتبط بالإرادة أيضا، فالفارق الضخم بين إمكانات المسلمين من جهة والروم والفرس من جهة أخرى، أيام غزوة مؤتة، كان أكبر بكثير من فارق الإمكانات بين جيوش المغول والصليبيين، وجيوش الدول الإسلامية التي كانت قائمة آنذاك.
    على أنّ في أحداث فلسطين والعراق الآن أيضا ما يبيّن أنّ حسم القضايا المصيرية، لا يلعب فارق الإمكانات –وحده- الدور الرئيسي فيها، إنّما يلعب الدور الأكبر على الدوام، مَن يتصدّى لأداء مهمّة التحرير، وكيف يجري توظيف الإمكانات القليلة لتحقيق أهداف كبيرة.
    ذاك ما لا تزال الأنظمة العربية والإسلامية بعيدة كلّ البعد عن إدراكه، فقد نشأت في محاضن العقود الماضية على مسلسل التسليم والتراجع، وتوظيف ما تتسلّط عليه من إمكانات الشعوب، في قهر الشعوب واستغلالها في الدرجة الأولى، وليس في الدفاع عنها ناهيك عن تحقيق رخائها.
    وذاك ما لا ينبغي أن يبقى غائبا عن "النخب" التي تتطلّع إلى قيادة الشعوب على الطريق الصحيح، وهو ما يستحيل تحقيقه ما دامت تعيش على ما كانت عليه في العقود الماضية، سواء من حيث التعصّب الأعمى للتصوّرات المتباينة والتنظيمات التقليدية، أو من حيث ترهّل القيادات، أو من حيث التحرّك بردود الأفعال من دون التخطيط والتنظيم والتنسيق والتعاون.
    النخب نفسها مهدّدة.. ليس من جانب الأنظمة التي وجدت أنّ÷ لا يوجد خطر عليها في إفساح المجال لها لتقول ما تريد، ما دامت صناعة القرار بعيدة عمّا تقول، وما دامت مستمرّة على أساليبها القديمة ولا تحقّق التطوّر المطلوب في مواجهة الجديد من الأحداث والتحدّيات، بل النخب مهدّدة من جانب أن تتجاوزها الشعوب، فيولد من داخل الغليان المكبوت فيها، نخب جديدة، وقيادات جديدة، يصنعها الغليان.. ويصنعها أيضا الوعي بأنّ الأمل الأكبر بات معقودا على الشعوب نفسها وليس على قياداتها السياسية الرسمية والحزبية، في الحكومات والمعارضة، ولا على نخبها "الحالية" الفكرية والثقافية، المرتبطة بماضيها أكثر من حاضرها ومستقبلها، والباقية على قدر كبير من الانبهار بالغرب وما فيه من "نخب" هي من نتاج تاريخه، سواء كان انبهارا يولّد التبعية، أو كان انبهارا يولّد التخوّف والقنوط.
    الإرادة الشعبية لا يمكن أن تنكسر.. هذا ما يسري على سائر الشعوب ويسري على الشعوب العربية والإسلامية، ولئن كانت أدوات حصارها وكبتها في الوقت الحاضر تبدو تحت وقع المآسي وأحداثها، وكأنّها قد حقّقت الغرض منها، فإنّ التأمّل في بعض مظاهر التعبير عن الإرادة الشعبية بمعزل عن توجيه الحكومات والمعارضة والنخب –إلاّ ما رحم ربّي- يؤكّد أنّ إرهاصات التغيير الكبير قد بدأت، ونرصد في هذا المجال أنّ القسط الأكبر من التحرّك في الجامعات التي يتحرّك طلابها، أصبح وليد جهودهم هم، وليس وليد جهود خارجة عن إطارهم، كذلك فالقسط الأعظم من ظاهرة انتشار الإقبال على المساجد أو الإقبال على الحجاب أو ظهور المرأة المسلمة في ميادين كانت محرومة منها من قبل، لم تعد ظاهرة من صنع حركة من الحركات أو تنظيم من التنظيمات، بل باتت في كثير من المواقع تتجاوز بحجمها وفعّاليتها قدرات ما يوجد من حركات وتنظيمات.
    في يوم تشييع الرنتيسي بعد استشهاده، كانت وكالات الأنباء تتناقل خبر مظاهرة شهدتها مدينة صفاقس التونسية، وتعبّر في صياغتها للنبأ عن استغرابها لمثل تلك المظاهرة في بلد مثل تونس، وتتناقل التحرّك الشعبي الرافض للسياسات الأمريكية والصهيونية، الداعي لمقاطعة السلع الأمريكية والصهيونية في بلد كالكويت، بينما لا تزال الكويت –كدول أخرى- مرتكزا رئيسيا من مرتكزات الوجود الأمريكي والهيمنة الأمريكية في المنطقة، وإذا كان الألوف من رجال الأمن يحولون على امتداد سنوات الانتفاضة واحتلال العراق، دون خروج المتظاهرين من بوابات الجامعات والمساجد في مصر، وهذا ما تكرّر بعد استشهاد ياسين والرنتيسي، فلن يمكن مهما بلغ شأن قوّة "القهر الأمني" أن تصمد طويلا أمام انتشار الغضب في الصفوة المثقفة الواعية بما يحدث على مستوى الشعب في مصر.
    وما هذه إلاّ أمثلة قليلة، تعزّزها شواهد أخرى عديدة، وتؤكّد أنّ المخاض الحالي الذي تشهده الارض العربية والإسلامية ليس مخاض التسليم لهيمنة صهيو-أمريكية مطلقة، بل هو مخاض الثورة عليها، وعلى من يبقى مرتبطا بها بدلا من التحوّل إلى جبهة الشعوب. والأمل كبير في أن يسفر هذا المخاص عن حركة واعية، منظّمة، قادرة على تحقيق الإنجازات الكبرى المطلوبة منها، دون أن تتحوّل إلى انفجار جارف، وهو أمل قائم على رصد مستوى الوعي داخل إرهاصات التغيير الجاري، وليس –للأسف- داخل نطاق من يُفترض بهم من مواقعهم في السلطة، أو مواقعهم في "النخبة"، أن يكونوا على مستوى استشراف المستقبل، وإدرات تبعات المسؤولية الملقاة –حتى الآن- على عاتقهم، ليعملوا على النهوض بها، بدلا من انتظار انتزاعها منهم انتزاعا.

  2. #2

المواضيع المتشابهه

  1. نجم الإرادة / في رثاء الرنتيسي
    بواسطة الشريف عبد الله آل جازان في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 29-04-2016, 08:07 AM
  2. إشكالية التطوير بين الإرادة والوسيلة
    بواسطة طارق ملاح في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-08-2008, 05:35 PM
  3. ثقافة الروح وتربية الإرادة أو حكمة الروح في الفلسفات الشرقية المعاصرة
    بواسطة محمد اقبال في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 06-09-2007, 03:54 PM
  4. قوة الإرادة
    بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع في المنتدى عِلْمُ النَّفْسِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 30-12-2006, 05:49 PM
  5. الإرادة . . ! !
    بواسطة مروان المزيني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 17-11-2005, 01:19 AM