يعاني الشباب الفلسطيني اللاجيء للعديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية خاصة في البلاد العربية.
وكما نرى بأن عدونا يمارس الكثير والعديد من الضغوط لننسى قضية اللاجئين، ولكن كيف ننسى وقضية اللاجئين هي أساس القضية ولا حل للقضية بدون حل مشكلة اللاجئين.
ولذلك رأيت أن ألقيَ الضوء على بعض صور المعاناة التي يعانيها الشباب الفلسطيني اللاجيء والضغوطات التي يتعرضون لها. وكيف أن معاملة بعض البلاد العربية وسياستها مع الشباب الفلسطيني اللاجيء أدت إلى تفاقم الأمر وإلى يأس بعض هؤلاء الشباب وتغير أفكارهم تجاه حلم العودة لفلسطين أو الحفاظ على الهوية أو الوثيقة التي بيدهم والتي تثبت هويتهم وكل هذا لاحساسهم بضرورة معاملتهم معاملة إنسان له حق المعيشة وتحسينها وحق التعلم والعيش كما غيره دون قيود تفرض وتفرقة وعدم مساواة بينه وبين أبناء البلد التي لجؤوا إليها.
وكبداية أعرض هذه القصة بين أيديكم ومن ثم دعونا نستخلص منها ما يجب أن نسلّط عليه الضوء ونتدارسه ونطرحه بأسبابه ونتائجه والحلول المقترحة أو الخطة التي يجب اتباعها ورسمها للوصول لما هو مطلوب.
وأملي أن أجد منكم أعزّائي التجاوب بكل ما لديكم سواء باستخلاص ما ستقرؤونه في القصة او من خلال طرحكم لقصص واقعية مثيلة عن حال الشباب اللاجيء في البلاد العربية ومشكلاتهم.
هذه قصة أحد الشباب هي بين أيديكم والتي أنقلها لكم من موقع البوابة:
[HR]
بين الفيزا والهوية.. ضاعت القضية
حنـان عيسـى
"مستعد لأن أبيع باسبوري الفلسطيني بآخر أوروبي للحصول على حياة أشعر فيها بأنني إنسان!". "همي الأول هو إيجاد عمل وتأمين لقمة العيش وهذا عندي أهم من القضية الفلسطينية!".
لم أتوقع أن أسمع مثل هذا القول قبل توجهي إلى مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في الضاحية الجنوبية لبيروت. كان نقيض ما أعرفه تماما. كان وقعه علي كمن يقول إن أميركا أعلنت السلام العالمي ورفعت وصايتها عن العالم العربي وأن الاحتلال الإسرائيلي زال.
كان الموعد عند العاشرة صباحا عند بوابة مستشفى حيفا مع شاب كل ما أعرف عنه أنه في العشرين من العمر، وصلت في الموعد المحدد وانتظرت نحو عشر دقائق ولم يصل، وبعد اتصال هاتفي أجريته بعائلته أتى أخوه واصطحبني إلى المنزل وقال لي: "وسيم لسه (ما زال) نايم"، مع العلم أن وسيم هو الذي حدد الموعد!.
أول ما لفت انتباهي في المخيم عبارة كتبت على حائط متداع وتحته كومة نفايات تقول: "هنيئا لشعب الجبارين!".
سلكت دهاليز ضيقة جدا، لا تتسع لمرور شخصين. أما ما يعرف بالبنى التحتية فهي إمدادات خارجية مهترئة تحيط بها مستنقعات من المياه الآسنة ومياه المجارير. والبيوت من باطون لا يمكن تمييز بيت عن آخر أو فصله. في المخيم تجمعات بشرية تتعفن باسم سياسة منع التوطين وتترك في شروط حياة غير إنسانية.
بدأت ترتسم أمامي خريطة جديدة لوطن جديد، فكل شيء في هذا المخيم فلسطيني له طعم خاص ونكهة خاصة على رغم البؤس.
وصلت إلى منزل الشاب المقصود واستقبلتني العائلة المكونة من ثلاثة شبان وابنتين والأم.
تعبق في هذا المنزل روائح القرى الفلسطينية. هو عبارة عن غرفة للجلوس وغرفة خالية من الأثاث فيها مجموعة من الفرش والحرامات التي تشكل غرفة النوم التي يتجمع فيها أفراد العائلة السبعة، ومطبخ صغير يكاد لا يتسع للبراد الموجود في غرفة الجلوس التي ازدانت جدرانها بصور قديمة وأعلام فلسطينية.
بعد انتظار دام أربعين دقيقة دخل وسيم واعتذر عن تأخره قائلا: "أنا معتاد أقوم (أستيقظ) الساعة وحدة (الواحدة ظهرا) كل يوم".
شعرت بالذنب، إذ أن الوالدة كلفت نفسها وأعدت إفطارا استثنائيا على شرفي.
لم يكن من الصعب التأقلم في جو هذه العائلة البسيطة. وفي حضور شقيق وسيم الأكبر وصديقه بدأ سرد حكاية شاب تشبه في محطات كثيرة حكايات معظم الشباب الفلسطيني.
"اسمي وسيم الجرشي مواليد 1981م من الطبسية، قضاء عكا، نشأت في هذا المخيم ودرست في مدارس الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) من المرحلة الابتدائية إلى حين تخرجي هذه السنة، وقد نلت شهادة البكالوريا، القسم الثاني في العلوم وحزت درجة جيد. وأنا اليوم أنتظر فيزا السفر إلى روسيا لمتابعة دراستي بعد أن حصلت على قبول في إحدى الجامعات وعلى منحة. إن مستقبلي هو خارج هذا البلد وقد توصلت إلى هذه القناعة من خلال معايشتي الشباب في داخل المخيم حيث لا فارق بين طبيب أو أستاذ مدرسة أو عامل بسيط. فالجميع عاطل من العمل. أما ما شجعني على نيل الشهادة فهو سفر ابن عمي السنة الماضية إلى روسيا".
وعن فلسطين وحلم العودة الذي بدا غائبا تماما قال: "لا شك في أن فلسطين حاضرة في قلبي وقد رسمت صورة قريتي ومنزلي من خلال أحاديث أهلي وجدي الذي وصل لبنان سنة 1948م وكان في الثلاثين من العمر. هو لا يزال يحتفظ بصور ووثائق عن أرضه وبمفتاح منزله ظنا منه أنه سيعود يوما. لكن، وعلى خلاف جدي، أنا أدرك أن الأحلام هي مجرد أحلام ونحن في الحقيقة ندفع ثمن هذا الحلم غاليا جدا، فالأوضاع اليوم لا تشبه أيام الحرب والمتاريس والفلتان الأمني حيث كان الهم الشاغل هو الدفاع عن الهوية الفلسطينية ويوم كان السلاح اليد الثالثة للعجوز والفتى.
أما اليوم بعدما أمسكت الدولة اللبنانية بزمام الأمور واستتب الأمن، تبدو الآفاق مسدودة أمامنا نحن الشباب في ظل التشدد اللبناني الرسمي في مسائل العمل، حيث يمنع الفلسطينيون من مزاولة أكثر من ثمانين مهنة ويحرمون من حقوقهم المدنية والاجتماعية. إن القوانين لا تزال تسن وتشرع لإحباط هذا الشعب وآخرها إصدار قانون يتعلق برفع الرسوم الجامعية للطالب الأجنبي بصورة خيالية.
اليوم أفكر فقط بالسفر إلى أي بلد كان والاستقرار في مكان أشعر أنني إنسان يحق له التعلم والعمل والطموح وتحقيق الذات، من هناك يبدأ النضال من أجل الأرض والهوية. فعندما نتحرر نستطيع أن نحرر أرضنا ووطننا، أما إذا بقينا مكبلي الأيدي في هذا السجن الكبير فسيزداد الأمر سوءا وستدفن القضية في زواريب المخيم".
عند الساعة الثالثة والنصف رافقت وسيم في جولته اليومية داخل المخيم وقد بدا النهار طويلا بالنسبة إليه. يجتمع أصدقاء وسيم الخمسة يوميا بعد الظهر ويتحدثون في كل المواضيع ما خلا السياسة والمستقبل. وبدا واضحا خلال الجولة وجود عدد كبير من كبار السن وفراغ المخيم من العناصر الشابة.
في الطريق أشار وسيم إلى غرفة صغيرة وقال: "هنا يسكن أحد السماسرة الذين يستغلون الأوضاع الاقتصادية ويوهمون الشباب بتنفيذ إجراءات سريعة للسفر، بينما هم في الواقع يخدعونهم للإفادة منهم ماديا". وعما يجري من حوادث داخل فلسطين قال: "أصبح شيئا عاديا أن يستشهد كل يوم خمسة أو ستة فلسطينيين، ولم تعد المجازر ومحاصرة القرى وما تقوم به القوات الإسرائيلية من ممارسات يلقى تأثرا أو تعاطفا. ونحن، بصراحة، لم نعد نتابع ما يجري داخل الوطن والقضية غابت عنا في شكل تام. نحن نمضي السهرة نشرب النرجيلة وأحيانا نشرب أكثر من رأسين، إذ لا شيء نفعله سوى إضاعة الوقت، وهذا ما نفعله يوميا طوال بعد الظهر وحتى ساعات الصباح الأولى بانتظار أن يبدأ نهار آخر له الوتيرة ذاتها والإيقاع نفسه".
قبل أن أستودع وسيم مع مسلسل النرجيلة الطويل سألته: ماذا ستفعل في حال لم تحصل على الفيزا؟ فقال: "سأمزق شهادتي، عوضا عن وضعها على الحائط، لأنني لا أستطيع أن أفعل بها شيئا".
بعد خروجي من المخيم أصبت بإحباط وأدركت أن في هذه البقعة المنسية لا مكان للبسمة أو الفرحة أو الأمل، فالأبواب موصدة باسم حق العودة، والإنسانية مشوهة باسم سياسة منع التوطين.