الشاشة المحطمة ..!

الشاشة المحطمة .. قصة : مهنا أبو سلطان
وحيداً كان " عاصي " الشاب ابن الخامسة والعشرين .. في غرفته يشاهد التلفاز .. مستلقياً على ظهره .. يُنقّل إبهامه بين مفاتيح " الريموت كونترول " باحثاً عن برنامجٍ ممتع .. أو فيلم مُسلٍ .. أو أغنيةٍ تُطرب أذنيه .. أو راقصةٍ تمحو آثار النهار المتعب .
كان الوقت بعد منتصف الليل بقليل .. الظلام يغلف الكون .. والسكون سيد الموقف .. والأجواء صامتةٌ كجثةٍ محنّطة .. إلا من بعض نسماتٍ خفيفةٍ تداعب الستارة التي تغطي النافذة الوحيدة في الغرفة .!
كل شيءٍ مظلمٌ باستثناء وميض شاشة التلفاز بين لحظةٍ وأخرى ..
وبينما هو على هذه الحال .. إذ استقر البحث على إحدى الفضائيات .. شيخٌ جليل .. ذو لحيةٍ بيضاء .. يلبس بردةً بيضاء بلون لحيته الكثة الطويلة ..
عبثاً حاول عاصي تغيير المحطة .. لم تستجب مفاتيح " الريموت " .. كأنها تعطلت بفعل فاعل .. ثم .. وبلحظةٍ لم يكن لأحدٍ أن يتوقعها .. حطم الشيخ الجليل شاشة التلفاز وخرج .. خرج من الجهاز إلى أرض الغرفة .. دب الرعب في قلب الشاب حين سماعه صوت الشاشة تتحطم .. وحين رأى الشيخ الجليل بشحمه ولحمه عنده في الغرفة ، تجمد كتمثالٍ إغريقي .. بحث عن لسانه فوجده ملتصقاً بحلقه ..
يقترب الشيخ منه رويداً رويداً .. بخطىً ثابتةٍ .. وبهدوءٍ ووقار .. ملامحه في منتهى الجِدّية .. صار بمحاذاة السرير .. وعاصي لا يستطيع تحريك أي ساكن ..
( ما الذي يحدث ؟ ) .. قال في أعماقه .. كيف يحدث هذا ؟؟ والشيخ يقترب أكثر فأكثر .. حتى كأنه يسمع أنفاسه .. حاول الصراخ فلم يعثر على صوته .. ظل مستلقياً على ظهره كأنه ينتظر مصيراً مجهولاً .. ثم .. صعد الشيخ السرير وجثم فوق صدر الشاب .. أحس عاصي وكأن جبلاً اتكأ على صدره .. وببطء قبض الشيخ بكلتا يديه على عنق الشاب .. وبدأ يضغط ..
في هذه اللحظة .. وبغريزة البقاء وحلاوة الروح .. فُكّت عقدةٌ من لسانه وقال بصوتٍ مبحوح ٍ بفعل قبضتي الشيخ الجليل على رقبته :
ـ من أنت .. وماذا تريد مني ؟ أنا لم أفعل شيئاً ..
ـ أنا ؟؟ .. أنا الضمير .. سأقتلكم واحداً واحداًً .. أيها الطغاة الظالمون .. سأخنقكم بيدي هاتين أيها الفاسقون .. وبدأ يشد أكثر على رقبة " عاصي " .. حتى كاد الأخير يسلم الروح ..
استجمع الشاب كل قواه الداخلية .. وصدرت عنه صرخةٌ مدويةٌ .. اهتزت لها أركان الغرفة .. ثم .. فتح عينيه .. فلم يجد بجانبه سوى أمه التي كانت تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .. وتحمل بيدها كأس ماء ..
ـ ماذا جرى لك يا ولدي ؟؟ قالت أمه واللوعة تكسو ملامحها ..
ـ الشيخ يا أمي .. الضمير .. قال ذلك بصوتٍ متقطع .. وهو يرتجف .. وجبينه يتفصد عرقاً بارداً ..
ـ أي شيخٍ وأي ضمير ؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله .. اللهم اجعله خيراً .. هذا كابوسٌ يا بني ..
ـ أي والله يا أمي .. كابوسٌ رهيبٌ جداً .. كدت أموت ..
ـ قلت لك يا ولدي أكثر من مرة ، غطِ نفسك جيداً حين تنام .. سقته كأس الماء ووضعت يدها على رأسه وقرأت المعوذات .. فاسترخى .. شدت عليه الغطاء جيداً بيدٍ حنونة .. وانسحبت بهدوء وهي تدعو له ..
في الصباح .. نهض عاصي مفزوعاً على صوت أمه ويدها تهزه هزاً لتوقظه بعد نومٍ ثقيل .. فتح عينيه مرتبكاً صائحاً وقال :
ـ ماذا حدث يا أمي ؟؟ ما الأمر ؟؟
أشارت إلى التلفاز ..
فغر عاصي فاه إلى أقصى حدود الدهشة .. لقد كانت شاشة التلفاز .. محطمةً بالفعل ..!!
تمت ..!!

أيها الكريم
إذا كان وبقي الضمير حيا ف
وسمح له
فلا شك أن كثيرون هم من سيختنقون
أصبحت الحياة بها من المزعجات الكثير الكثير
وأصبحنا نتجاوز المنطق والمعقول إلا من رحم ربي
ونوجد لأنفسنا المبررات
ولكن النفس اللوامة يا أخي أصبحت تخافنا
نرى وندرك ونغض الطرف
فلا عجب إذا صحا الضمير رغما عنا ككابوس أو تنيه أولي
ومضة قوية لافتة وليتنا نتعظ
شكرا لك

الأخ الفاضل محمد سليمان ...
أسعدتني قراءتك الغنية للنص .. صدقت .. لعلنا نتعظ قبل الفوت ..!
ولمرورك سيدي الفاضل أثرٌ كبيرٌ في تحفيزي لتقديم الأفضل ..!
دام نبضك .. أخي الكريم ..!

ماأقوى صوت الضمير عندما يتحدث
نص رائع بكل مقوماته وأدوات القاص الحاذق
وتوظيف باذخ للغة
وخيال ألق يجعلنا نسبح معه حتى نرتطم بالخاتمة التي استوقفتني مبهورة
سيدي الفاضل ....
لايسعني أمام روعة النص إلا التثبيت تقديرا وتبجيلا
ومرحبا بك في ربوع الواحة
تقديري الكبير

مهنا أبو سلطان
شكرا لهذه القصة الماتعة الجيدة الحبك ، الهادفة
في الأسطر الأولى حاولت الانسحاب ولكني لا أعلم لماذا لم تضغط أصابعي زر الفأرة ، حتى وجدتني أسقط في منحدر القص السلس وأرتفع مع تصاعد الحدث
وأقع في حبكة القصة بانتظار فك عقدها .
فكرة الكابوس وإن كانت مكررة إلا أنك نجحت في توظيفها .
الخاتمة كادت أن تكون مكشوفة ، وخشيت جدا من ذلك ، لكنك كذلك استطعت زرع المفاجأة فيها بذكاء .
أحييك يا مهنا في هذا اللقاء الأول ، وسأنتظر الجديد منك دائما .

ماأقوى صوت الضمير عندما يتحدث
نص رائع بكل مقوماته وأدوات القاص الحاذق
وتوظيف باذخ للغة
وخيال ألق يجعلنا نسبح معه حتى نرتطم بالخاتمة التي استوقفتني مبهورة
سيدي الفاضل ....
لايسعني أمام روعة النص إلا التثبيت تقديرا وتبجيلا
ومرحبا بك في ربوع الواحة
تقديري الكبير

---------------------------------
الأخت الغالية رنيم ...
لمرورك العبق على نصي المتواضع هذا أكبر الأثر في وضعي في موقفٍ صعب .. يطالبني بتقديم الأفضل .. عساي أنجح ..!
وكل الشكر والتقدير "للتثبيت" .. فهذه لفتة كريمة جداً أعتز بها وأفخر ..!
لك باقات الياسمين ..!

مهنا أبو سلطان
شكرا لهذه القصة الماتعة الجيدة الحبك ، الهادفة
في الأسطر الأولى حاولت الانسحاب ولكني لا أعلم لماذا لم تضغط أصابعي زر الفأرة ، حتى وجدتني أسقط في منحدر القص السلس وأرتفع مع تصاعد الحدث
وأقع في حبكة القصة بانتظار فك عقدها .
فكرة الكابوس وإن كانت مكررة إلا أنك نجحت في توظيفها .
الخاتمة كادت أن تكون مكشوفة ، وخشيت جدا من ذلك ، لكنك كذلك استطعت زرع المفاجأة فيها بذكاء .
أحييك يا مهنا في هذا اللقاء الأول ، وسأنتظر الجديد منك دائما .

------------------------

أخي الغالي مازن ...
وهل أعطيك مجالاً للانسحاب ؟؟
إن لم يكن هناك صرخةٌ للقصة في الخاتمة .. تقرع دماغ القاريء .. وتبرق وميضاً على الفكرة .. فلا مجال لتسميتها قصة .. برأيي ..!
أشكر متابعتك وكلماتك الرقيقة بحقي وحق نصي المتواضع هذا .. الذي أضفتَ إليه ألقه بمفرداتك الرائعة ..!
كل الجوري لك ..!!

لا ريب أن هناك العديد من ملامح الإبداع الفني عندك في هذا النص كمثل اسم بطل القصة بما يحمل من رمزية تمثل مفتاحا من مفاتيح النص.

ولكن في ذات الوقت أصارحك بأنني وجدت أن النص يحتاج الكثير من الاشتغال على اللغة وأهم من ذلك على الأسلوب فالسردية هنا كانت مباشرة والنص مترهلا بعيدا عن التكثيف الهادف.

ثم إني لم أفهم معنى لوجود الشاشة المحطمة في نهاية القصة خصوصا وأن المعنى هنا رمزي وحدث في حالة حلم صرحت أنت عنه بوضوح.

هذه أول مرة أقرأ لك وأتمنى أن اقرأ في المرات القادمة منك ما هو أجمل وأكمل.

دمت مبدعا!

وأهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير.



تحياتي

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. سمير العمري
لا ريب أن هناك العديد من ملامح الإبداع الفني عندك في هذا النص كمثل اسم بطل القصة بما يحمل من رمزية تمثل مفتاحا من مفاتيح النص.

ولكن في ذات الوقت أصارحك بأنني وجدت أن النص يحتاج الكثير من الاشتغال على اللغة وأهم من ذلك على الأسلوب فالسردية هنا كانت مباشرة والنص مترهلا بعيدا عن التكثيف الهادف.

ثم إني لم أفهم معنى لوجود الشاشة المحطمة في نهاية القصة خصوصا وأن المعنى هنا رمزي وحدث في حالة حلم صرحت أنت عنه بوضوح.

هذه أول مرة أقرأ لك وأتمنى أن اقرأ في المرات القادمة منك ما هو أجمل وأكمل.

دمت مبدعا!

وأهلا ومرحبا بك في أفياء واحة الخير.


تحياتي
------------------------------------
أخي الغالي د.سمير ...
كم سعدت لهذا المرور العطر على نصي المتواضع هذا .. وكانت سعادتي أكبر حين قرأت نقدك السامي ..!
جميلٌ جداً أن ألقى نقداً .. كي أستفيد من وجود الهفوات في النص لتلافيها مستقبلاً .. فأنا حقيقةً لم أعرف ما هو الترهل في النص وأين يكمن لذا أرجو التوضيح لتلافي ذلك في نصوصٍ قادمة ..
كما أود معرفة كيف أشتغل على اللغة .. أو كأنني لم أفهم قصدك في ذلك .. هل هناك أخطاءٌ نحوية أو صرفية ؟ أم تقصد شيئاً آخر ..
بالنسبة للأسلوب والسردية .. أظن السهل الممتنع هو أسلوب النص .. ولا أدري إن كان هناك عبارات زائدة في النص لا داعي لها .. (أرجو توضيحها إن أمكن) ..!
أما الشاشة المحطمة في آخر القصة .. فهي رمزٌ فانتازي أو "سريالي" متحرك يمارس ديمومة .. بمعنى أن المدلول ليس ما رآه في كابوسه الذي ينتهي بانتهاء الحلم .. بل هو القفلة (لحظة التنوير) التي تفيد ديمومة الهدف .. وكأني أريد القول أن ما رآه ليس حلماً منتهياً .. بل هو غفلةٌ يمارسها الكثيرون في غياب الضمير والرقابة الذاتية .. وإن كنتُ مخطئاً كما أظن .. فأنا كثيراً ما أخطيء ونادراً ما أصيب .. من هنا أرجو توجيهاتكم التي ساكون المستفيد الأول منها .. وسأتعبك بتفصيل ذلك ما أمكن ..! ولكم أسمى آيات الشكر والامتنان سيدي الغالي ..!

يميل قراء القصة القصيرة للقصر في النص والتكثيف ما أمكن، وكأنما هو عصر الوجبات السريعة بفكره طغى حتى على القراءة ذاتها
غير أن سلاسة الأسلوب وشائقية السرد تجعل القارئ اسيرا للنص ما ان تتمكن منه
وقد تمكن من نصك بأدواته

دمت بخير أيها الكريم

تحاياي